جبل الطير.. قرية ترقد على نار الفتنة الطائفية - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 3:06 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جبل الطير.. قرية ترقد على نار الفتنة الطائفية

تصوير: إبراهيم عزت
تصوير: إبراهيم عزت
تحقيق ــ رانيا ربيع
نشر في: الإثنين 13 أكتوبر 2014 - 10:48 ص | آخر تحديث: الثلاثاء 14 أكتوبر 2014 - 1:39 م

- المدارس الدينية تزيد من توتر العلاقة بين الطرفين.. والأهالى فى انتظار وزير الداخلية ومدير أمن المحافظة لعقد جلسة صلح بينهما

«يحيا الهلال مع الصليب».. الشعار العظيم الذى رفعه ثوار 1919، وأصبح إلى الآن جملة مصكوكة تكافح الفتن الطائفية كلما ظهرت.. هذا الشعار يبدو أنه تعطل فى قرية جبل الطير بمحافظة المنيا، وقريبا منها قرى أخرى لا تعترف به، ووصل الأمر إلى وجود قرى بأكملها مسيحية لا يسكنها مسلم ولا يتاجر فيها، وإن وجد فمع الوقت يشعر بالعزلة، ويقرر نقل مقر سكنه منها.

شهدت قرية جبل الطير حادثا طائفيا، لم يكن الأول وربما لن يكون الأخير، حيث خطف مسلم، زوجة تاجر مسيحى تدعى إيمان مرقص صاروفيم، 39 عاما، فى غياب لدور الأمن بالمنطقة.

«الشروق» رصدت فى رحلة إلى جبل الطير ما حدث من وقائع الفتنة، والأهم من ذلك الأسباب التى أدت لوقوعها.

القصة التى اعتقد البعض أنها انتهت بمجرد عودة السيدة، لا تزال مشتعلة داخل القرية، إلا أن سيطرة الأمن ترهب الأهالى من اتخاذ أى إجراء، ولو سلمى اعتراضا على ما حدث لهم، كما أنها تمنع وسائل الإعلام من الحديث لأسرة إيمان.

يصيب الأهالى حالة من الضجر بمجرد معرفة هوية أى إعلامى، فهم منعزلون يريدون أن يعرف العالم تفاصيل قضيتهم التى لم تنتهِ بعد، فخاطف السيدة شخص يدعى أحمد، من قرية بنى خالد المجاورة، وشريك زوجها منذ أعوام بالتجارة، فيما يحكم شرطى من القرية التى تؤوى الخاطف، قبضته الأمنية على جبل الطير، ما يزيد احتقان الأهالى. «من يريد أن يعرف شيئا عن القرية أو أحوالها، فليذهب لمديرية الأمن ويسأل عما يريد، نحن لا نريد شوشرة هنا»، هكذا بادرنا أمين الشرطة محمود، المنوط بحراسة دير الجبل، أحد الأديرة الأثرية الأشهر بالمنطقة، بل وبالعالم، ويتوافد عليه من العشرات من الزائرين الأجانب قبل المصريين.

كل قدم غريبة تدب فى القرية يعرفها قاطنوها فورا، ويتهامسون بالنظرات والتمتمات، إلا أنه مع دخولى وزميلى المصور إبراهيم عزت، علم أهالى القرية بقدومنا قبل أن ننطق بكلمة، ورغم محاولتنا للحديث فى اتجاهات أخرى خوفا على أهل القرية من الأمن، الذى اقتحم منازلهم منذ قرابة الأسبوعين، فإنهم يصرون على الحديث بالهمس، يعقبه صمت مفاجئ عند مرور شخص يرتابون فى أنه يعمل مرشدا لدى الأمن، لنجد أن الحديث فجأة تحول عن تاريخ ديرها الأثرى.

تصوير: إبراهيم عزت

الحديث بشكل مباشر مع الأهالى وبصحبتى مصور الجريدة، كان أمرا صعبا للغاية، استلزم مرافقة مرشد آثار معنا على دراية بالمنطقة وسكانها، لنتخذ من الدير ذريعة للحديث مع الأهالى القادمين إما للتبارك، أو الدعاء، أو إقامة صلوات.. وظل حنا عايد، مرافقا لنا طوال الساعات الأربع، التى قضيناها داخل القرية، تحت بصر رجال الأمن ممن يحمون الدير. «الحكومة متواطئة مع اللى خطف أم مريان، هى تعرف من هو، ولا تتخذ أى إجراء ضده»، جملة تتكرر بكلمات مختلفة مع كل من يتحدث عن القضية من أهالى القرية، ويؤكدها أحد السكان الذى حرص على عدم ذكر اسمه خوفا من بطش الأمن، ويوضح أن السيدة المختطفة بعدما عادت أكدت أنه تم نقلها عقب الخطف لمحافظة السويس، قبل أن تنتقل إلى مطرانية سمالوط، منذ أسبوع فى رعاية الأنبا باخانيوس المسئول عنها، حتى تشفى من الصدمة التى تعرضت لها.

يذكر أنه تم خطف إيمان منذ قرابة الشهر فى وضح النهار، وحرر زوجها سامى محضرا بالواقعة، إلا أن الأمن لم يحرك ساكنا طيلة 10 أيام، ليخرج الأهالى بمظاهرة سلمية، فى حضور بعض قنوات التليفزيون تطالب بعودتها، وفى اليوم التالى للمظاهرة بطش الأمن بأهالى القرية، بالضرب تارة، والإهانة تارة أخرى، إلى أن عادت السيدة للقرية منذ 10 أيام، عقب محاولات أجراها الأهالى مع الخاطفين دون تدخل الأمن، بحسب ذات الراوى، البالغ من العمر قرابة الـ40 عاما. ويتدخل فى الحديث بيشوى، الذى أتى للدير زائرا، مستكملا معنا قصة إيمان ويقول: «روج الخاطف داخل القرية والقرى المجاورة أن إيمان أسلمت وتزوجته، ولكننا لم نصدق هذا الحديث، دى ست محترمة، وليس من الممكن أن تفعل ذلك»، يأتى هذا الحديث بعدما حاول الخاطف أن يحصل على أموال من أسرتها ليتركها تعود، إلا أنه فشل فى ذلك، كما يضيف بيشوى، الشاب الذى لم يكمل عقده الثانى بعد.

حاولنا الوصول لبيت إيمان، إلا إن سامى زوجها تهرب من لقائنا، واعتذر عن الحديث، تخوفا من بطش الأمن الذى أصدر فرمانه بعدم الحديث للإعلام مجددا، طبقا لما نقله أحد أقارب سامى الذى فضل عدم ذكر اسمه، لـ«الشروق».

خلال الزيارة كان قد بلغ لعلم الأهالى أن وزير الداخلية محمد إبراهيم، يعتزم زيارة المنيا مع مدير أمنها الحالى اللواء أسامة متولى، لعقد جلسة صلح بين الأمن والأهالى، وباستطلاع رأى سريع لأهالى القرية عن مدى جدوى الزيارة المنتظرة، لم يكن رد الفعل إيجابيا. الآن العلاقة بين الأمن وأقباط القرية من سيئ لأسوأ، يتضح ذلك منذ عقود، عندما ظل الأهالى يرفضون أن يتبع الدير الأثرى فوق الجبل، لهيئة الآثار، مصرين على أن يكون تابعا للكنيسة وحسب، فهم يرون وما زالوا ان الحكومة غير آمنة على دور عبادتهم، ولا على أرواحهم بعد هذا الحادث الأخير.

تأوى المنيا قرى عديدة تتسم بطائفية التركيبة السكانية، فمن القرى كذلك التى يقطنها مسيحيون وحسب «منشئة منبال»، وعلى بعد أمتار «منبال» المعروفة بمنبال المسلمة، أيضا قرية دير البرشا القبطية بجنوب ملوى، تقابلها بالجنوب ذاته برشا، التى يسكنها مسلمون، إضافة للبياضية، ودير أبوحنس كذلك والملقبة بالشارع المنياوى، بقرى المسيحيين.

تحديد أعداد الأقباط أو المسلمين يتعذر الوصول له، على أساس أن السؤال من بدايته طائفى، وأننا نعيش ببلد مدنى، فالإحصائية هى للسكان جميعا، على حد سواء، وحاولنا الوصول إلى تعداد كل فئة على حد بحسب خانة الديانة، إلا النتائج لم تكن مثمرة.

لم يقتصر الأمر على القرى، بل أيضا التعليم، هناك المدارس ذات الطابع الإسلامى ويظهر ذلك من الاسم وعلى سبيل المثال لا الحصر، مدرسة الزهراء الإسلامية، والتى يتجنب أقباط المنيا التقديم لأبنائهم بها، الأمر لا يمنعه القانون، ولكنه صار عرفا، كذلك تحفظ المسلمين على دراسة أبنائهم بمدارس الراهبات أو المدارس الخاصة ذات الطابع القبطى، لم تكن قرية جبل الطير وحدها الدالة على أن التربية القروية والانغلاق بداخل القرية هو منبع الفتنة الطائفية، فعلى بعد 30 كليو مترا تجد خالد ضاحى، شاب يبلغ من العمر 17 عاما، يرفض التعامل مع أى من مسيحيى القرية، التى يقطن أقباطها بجوار الكنيسة فقط، يقول ضاحى: «سبق وأن قرأت بكتب السلف إن المسيحيين كفار، ولكنى لا أقول لهم ذلك وجها لوجه»، ويتابع: «المسلمون والمسيحون إخوة من أيام جدى وجدتى، إنما دلوقتى ما فيش الكلام ده».

خالد يشير إلى أن المرة الوحيدة التى اضطر خلالها للتعامل مع الأقباط عندما جاء للقاهرة للعمل فى الإجازة الصيفية كعادة شباب وأطفال الصعيد، لتوفير قوت عامهم الدراسى ومساعدة والديهم، واضطر إلى توصيل أحد طلبات المحل، الذى يعمل به لمنزل قبطى قدم له طعاما لأول مرة.

مسلم وقبطى..

تجلس أميرة، إخصائية الصحافة المدرسية بغرفتها، فى انتظار طلابها وترتيب برنامج إذاعة اليوم التالى، لتأتى طالبة تبلغ من العمر 10 سنوات، إن لم يكن أقل بمدرسة الشعب الابتدائية، وتفاجئها بالسؤال: «يا أبلة هو انتو صحيح مش هتدخلوا الجنة زينا؟»، تتلقى الإخصائية السؤال فى ذهول وحيرة، ثم تجيب قائلة: «كلنا بنعبد ربنا، كل واحد عمله هو اللى هيدخله النار أو الجنة».

تسود لحظات صمت عندما تتذكر أميرة هذه الواقعة، لتكمل حديثها عن علاقتها بالآخر من المسلمين: «كنا زمان بنزور بعض، أما دلوقتى فأنا حاسة إن العلاقة بتتغير»، مرجعة الأمر لعام حكم الرئيس المعزول محمد مرسى، والذى شهد تفرقة فجة بين المسلمين والأقباط، وما لاحظته من خطابات الشيوخ وقتها فى الإعلام المتلفز، ولاسيما عقب عزله، حيث أصبح الحديث بينها وبين جيرانها: «انتو اللى جبتوا شفيق»، وعلى الجانب الآخر يقال: «وانتو اللى حرقتوا الكنائس»، ليزيد الأمر من تعقيد العلاقة بينهما.