هدى نجيب محفوظ: والدي كان ديمقراطيا وأبعد ما يكون عن «سى السيد» - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 6:23 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشروق تحيي ذكرى ميلاد أديب نوبل الـ107

هدى نجيب محفوظ: والدي كان ديمقراطيا وأبعد ما يكون عن «سى السيد»

شيماء شناوى
نشر في: الخميس 13 ديسمبر 2018 - 7:00 ص | آخر تحديث: الخميس 13 ديسمبر 2018 - 7:09 ص

_ لم أتلقَ أى اتصالات من وزارة الثقافة بشأن المتحف منذ عهد الوزير السابق
ــ لم أفكر فى كتابة سيرتى معه حتى الآن.. وكان يتمنى أن يرانا أديبات
ــ من اتهموه بالإلحاد لم يفهموا رمزية «أولاد حارتنا».. وخافوا من مناظرته
ــ أصبحت مضطرة للظهور إعلاميًا كى أصحح معلومات خاطئة عن والدى أو التصدى للهجوم عليه

لم يعرف الناس الكثير عن عائلة نجيب محفوظ حتى وفاته، ولا أحد بإمكانه أن يعرف هل اختار حجبهم عن وسائل الإعلام ليتيح لهم حياة هادئة بعيدا عن الشهرة وأثمانها؟ أم هم من اختاروا البقاء فى البعيد؟

أسئلة لم يكن من السهل العثور على إجابة لها طوال حياته لذلك بقيت عائلتة محاطة بالكثير من الغموض وحين حانت لحظة الغياب لم يكن سهلا على العائلة التى اختارت الظل أن تواجه ما واجهته من تحديات، أبرزها إدارة حقوق نشر أعماله فى عدة لغات أو عبر وسائط درامية مختلفة، وهى أمور ضرورية أدارتها زوجته ثم ابنتاه فاطمة وهدى، وقد انتقلت الأولى إلى رحمة الله، وظلت هدى أمينة على ما تركه الراحل.

وفى ذكرى ميلاده أجرت «الشروق» هذا الحوار مع «هدى»، ابنة أديب نوبل، لتضىء جوانب من حياته وترسم صورة أخرى أكثر وضوحًا لحياته التى كانت أقرب إلى «السر الكبير»، رغم وضوح ملامحها خارج العائلة.

وإلى نص الحوار..

* هناك انطباع فى مخيلة البعض وهو أن نجيب محفوظ عاش حياته العائلية وهو أقرب لنموذج «سى السيد» الذى قدمه فى الثلاثية.. فهل مارس تلك السلطة فى حياته؟
ــ لم يكن والدى «سى السيد» على الإطلاق، بل كان رجلًا ديمقراطيًا إلى حد بعيد، ولا أعتقد أنه هو أو جدى كانا يمثلان هذه الشخصية من قريب أو بعيد.. ورأيى أن نجاحه فى كتابة الشخصية بهذه الاحترافية، يعود إلى عمق قراءاته فى علم النفس وفهمه للنفس البشرية، وأتذكر أنه أثناء عمله بكتابة السيناريو، دفع والدى أحد المخرجين لتغيير نهاية أحد الأفلام، وقال له إن هذه الشخصية لا يمكن أن تفعل هذا السلوك، وحلل له دوافع الشخصية وتاريخها، وخلق لها مسارا جديدا تبناه المخرج عن قناعة، وكانت هذه واحدة من عاداته فى النقاشات التى دارت بيننا.

* هناك أساطير حول انضباط نجيب محفوظ ودقة التزامه بالوقت وكثيرا ما يوصف بأنه «رجل الساعة» لكن ما هى الأوقات اللى كان يتخلى فيها عن مثل هذا الانضباط؟
ــ لا اظن أنه تخلى عنه مطلقًا.. وبفضل صداقته مع الوقت، أنجز الكثير من الأعمال، واليوم من النادر العثور على كاتب قدم مثلما قدم من أعمال سواء على صعيد القيمة او الغزارة الفنية، وبسبب هذا الروتين الصارم الذى اتبعه منذ صغره، اتيح له أن يفعل كل ما يحبه، بدءًا من لعب كرة القدم، وتعلم الموسيقى، بخاصة آلة القانون، إلى جانب تعلم اللغة الألمانية، فضلًا عن إيجاد الوقت لدخول السينما والولع بها، وغيرها من الهوايات، كل ذلك بجانب عمله الأساسى بين الصحافة والأدب وانضباطه الوظيفى.

* هل تفكرين فى كتابة سيرة والدك؟
ــ لم أفكر فى هذا الأمر إلى الآن، لكن أختى الراحلة هى من كانت تريد الكتابة عن حياته معنا، وهو شخصيا تمنى أن يرانا وسط الكاتبات، وتمنى لو احترفت واحدة منا هذا المجال، وليس صحيحًا أنه ابتعد بنا عن الطريق الذى اختاره، لكننا لم نرث موهبته، فالموهبة ليست عقارا يمكن توريثه، وقد حاول معنا ونحن صغيرات أن يعلمنا فن الكتابة وأساليبها، لكننا واجهنا هذا المسعى بالرفض، وأتذكر أنه دخل علينا فى إحدى المرات وكنا نذاكر، فسألنى إن كنت أحلم أن أصير أديبة، فقلت له لا، رغم أننى كنت أكتب القصص وأنا فى الحادية عشرة.

* عرفنا أنه حاول توجيههكم للكتابة، ووجد رفضًا كما أشرت أو نوع من المقاومة فهل حاول دفعكما نحو فعل القراءة؟
ــ حاول ذلك بطبيعة الحال، فعندما تنشأ فى بيت ملىء بالكتب وتعيش مع أب كاتب يظهر اسمه فى الصحافة باستمرار أنت متورط لا محالة فى فعل القراءة، لأنه يخلق مساحة للحوار داخل العائلة، وقد بدأ أبى معنا فى وقت مبكر جدًا من أعمارنا، حيث كان يطلب منا قراءة الصحف اليومية، ثم نقوم بعمل ملخص لها فى كراسة، وقطع وعدًا أنه سيشترى ما نكتبه مقابل مبلغ مالى كبير، ولأن المكتوب فى الصحف كان صعبًا علىَّ إدراكه، فقد لجأت إلى حيلة تأليف القصص، واعتبر ذلك «فبركة»، وعلم أننا لم نقرأ شيئًا فتركنا نبنى تجاربنا بمعزل عن خياراته.

* هل كانت لدى الأستاذ أوراق خاصة تفكرين فى نشرها؟
ــ لا أظن ذلك، وما حدث مؤخرا أن الكاتب الصحفى محمد شعير وهو يعمل منذ سنوات على مشروع يخص أرشيفات نجيب محفوظ قد عثر أثناء البحث فيما تركه أبى على ملف بعنوان «همس النجوم» ضم عددا من القصص التى نشرت لوالدى فى مجلة «نصف الدنيا» عام 1994، لكنها لم تنشر فى كتاب، ولهذا تم نشرها فى كتاب صدر فى بيروت بعد موافقتى، لكنى لا أعتقد أن عملية البحث ستسفر عن أوراق أخرى من هذا النوع.

* عاش الأستاذ فترات من التوقف عن الكتابة وكانت مسألة مزعجة بلا شك.. فكيف تعامل معها داخل العائلة هل تحول بسببها لشخص عصبى مثلا ؟
ــ لم يكن والدى عصبيا أو متعصبا فى أى من فترات حياته، وحتى فى المرتين اللتين توقف فيهما عن الكتابة، لم يظهر لنا انزعاجه، وأتذكر أننا عندما كنا أطفالًا نلعب حوله أثناء عمله، لم يكن يشعرنا أنه يضيق بوجودنا أو لعبنا إلى جواره كما يتصور البعض، بل على العكس تماما كان يحب أن يكون جزءا من هذا المشهد.

* برأيكِ لماذا لم يحرص على كتابة إهداء مطبوع على أى من مؤلفاته لأسرته أو أصدقاه أو يفعل أغلب الكتاب؟
ــ لا أعرف سببًا لذلك أبدا، لكنه كان يهدينا نسخا من مؤلفاته موقعة بخط يده دائما، لكن الكتاب الذى أصدرته وزارة الثقافة بعد حصوله على نوبل أهداه إلى والدتى.

* بعيدًا عما هو شائع عن رواية تلقيه لنبأ فوزه بجائزة نوبل.. كيف تعاملت داخل العائلة مع هذا الحدث الفارق؟
ــ عشنا طوال حياتنا فى بيت هادئ، لكن هذا الهدوء انتهى تماما عند لحظة إعلان الخبر، وكانت والدتى هى أول من تلقى النبأ من خلال جريدة الأهرام، وكان والدى نائمًا ساعتها، فأيقظته وأبلغته، ثم جاء بعد ذلك السفير السويدى وبعض الصحفيين، لكن ما أذكره بدقة طبيعة النقاشات التى أعقبت الزيارة حين وجه له السفير الدعوة لتسلُّم الجائزة، وكان أبى لا يحب السفر، وصممت والدتى على أن يذهب «بناته» لتسلُّمها، وبالرغم من رفضنا فى البداية، فإن أمى أصرت وقررت، وفؤجئت بها تخبرنى أن حرم السفير السويدى ستأتى إلينا للاتفاق على موعد السفر، وذهبت إلى المنزل، فوجدت زوجة السفير، وسكرتيرته المصرية، وهى التى اقترحت علينا ارتداء فساتين تصممها مصممة الأزياء المصرية «شهيرة محرز»، وكانت هى من اختارت لنا الملابس المناسبة لتسلُّم الجائزة، وحضور حفل العشاء الملكى، وحاولت بكثير من الكرم أن تهدينا ما سنرتديه، لكننا رفضنا وشكرناها، ويومها أعطتنى شنطة فضية تعود لقرون مضت، كى أرتديها، لكنى رددتُها لها مرة أخرى، وكنت بالغة الامتنان لروح التضامن التى غمرت الشعب كله وقتها.

* هل غيَّرت نوبل فى نمط حياة كاتبنا الراحل؟
ــ عاش أبى ومات ولم تتغير حياته مطلقًا، لا قبل نوبل ولا بعدها، فهو الرجل الذى علم بحصوله على الجائزة، فذهب إلى موعده الأسبوعى للقاء شلة «الحرافيش» فى مساء اليوم نفسه دون تأخير، وذهب فى اليوم التالى إلى عمله بالأهرام، كأن شيئًا لم يحدث، بل كان يقول إنه أصبح موظفا لدى الخواجة «نوبل» على سبيل السخرية، ومع استحالة قدرتنا على استقبال الصحفيين المتوافدين عليه لإجراء حوارات معه عن الجائزة، خصصت له مؤسسة الأهرام مكتب الكاتب الكبير توفيق الحكيم، ليلتقى فيه بهم بعيدًا عن المنزل.

* قبل محاولة اغتياله تعرَّض نجيب محفوظ لاتهامات بالإلحاد.. كيف استقبلتم كعائلة ذلك الاتهام؟
ــ بالطبع كنا فى غاية القلق؛ لأن تلك السنوات أظهرت عنف بعض الجماعات المتطرفة، وحينما تحدثت مع والدى وقتها عن رواية «أولاد حارتنا»، قال لى إنها رواية رمزية، وحلل لى جوانبها ببساطة، لكن البعض لم يفهم رمزيتها، ولذلك اتهموه بالإلحاد، وقد وافق والدى على عقد مناظرة مع الرافضين للعمل عند صدوره لكن أحدًا منهم لم يأت لمواجهته، وقد ظلم والدى كثيرًا بسبب تلك التهمة، وشخصيا أندهش من فكرة تكفير شخص لآخر، فهو عمل غير أخلاقى وقاسٍ للغاية، ولم أكن أهتم بالرد على مثل تلك الاتهامات فى حياته، فقد كان موجودًا ويرد عليها بنفسه، أما بعد رحيله فلزم على أن أرد على تلك الإساءات التى يوجهها إليه البعض مرارًا وتكرارًا.

* تطورت اتهامات تكفيره إلى محاولة اغتياله.. كيف تعاملت مع تلك الصدمة ؟
ــ فوجئنا بعد دقائق من نزول أبى فى موعده المعتاد بأحد الأشخاص يتحدث إلينا عبر «الإنتركوم» داخل البناية وهو يقول الأستاذ تعرض لحادث، فذهبنا مسرعين إلى المستشفى المجاور، ومن طبعى عندما أتعرض لصدمة لا أبكى، لكنى أظل صامتة وتنتابنى حالة من الذهول، وهذا ما حدث بالضبط، لكن لأن الصدمة كانت كبيرة، فقد تركت بعض العلامات والآثار الغريبة على وجهى.

* يتندر كثير من الإعلاميين بالقول إن الأستاذ أحاط نفسه بمجموعة من المنتفعين الذين تكسبوا من وراء شهرته؟
ــ من تكسبوا من وراء اسم والدى لم يكونوا فى الأساس من أصدقائه، بل دخلاء ومنتفعين، لكن أصدقاءه الحقيقيين كانوا إما من «الحرافيش» أمثال «أحمد مظهر، صلاح جاهين، مصطفى محمود، بهجت عثمان، محمد عفيفى، توفيق صالح، عادل كامل، أو من رفاق تجربة الكتابة فى الأهرام مثل توفيق الحكيم، والصديق والأستاذ ثروت أباظة، وكان يحب أبى بإخلاص، وغيرهم من الأفاضل الذين لم يستغلوا اسمه، أما الباقون فلم يكونوا من الحرافيش، وكان والدى يسميهم أصدقاء الندوة، ويبقى من بين هؤلاء جمال الغيطانى، ورجاء النقاش، وهم أكثر من كتب عنه بأمانة وراعوا دقة الكلمة.

* لماذا عاشت العائلة فى عزلة عن الصحافة والإعلام؟
ــ فى حياة والدى لم يكن هناك أى مبرر لظهورنا، وشخصيا فرضت هذه العزلة منذ كنت صغيرة، وعندما كان يسألنى أحد هل أنا بنت نجيب محفوظ، كنت أجيبه بالنفى، لأنى كنت أشعر أن السؤال نوع من الفضول أو التطفل، وقد اعتقد بعض الناس أن والدى هو من فرض علينا عدم الظهور إعلاميًا، لكن هذا غير صحيح، بل كان ذلك اختيارنا، لكن الأمر اختلف الآن، فقد أصبحت مضطرة للظهور لتصحيح معلومات خاطئة أو متعمدة هدفها الإساءة، لذلك وجدت نفسى فى موضع الدفاع عن اسمه فى أحيان أخرى، فضلًا عن تصحيح الشائعات التى أصبحت ترد على لساننا نحن أيضًا، وأعتقد أن ذلك كله مرتبط بالحملة التى تسعى لتشويه صورته سواء عن قصد أو غير قصد.

* أخيرًا ما هى آخر الأخبار عن متحفه بعد أن أعلنت وزارة الثقافة استعدادها لافتتاحه فى مارس المقبل؟
ــ قرأت الخبر فى الصحف لكنى لم أتلق أى اتصالات من الوزارة فى الفترة الماضية، وآخر اتصال كان مع الوزير السابق حلمى النمنم، ويومها صاحبنى فى زياره إلى المتحف كى أطمئن على ما أرسلته من مقتنيات والدى، لكن شيئًا لم يحدث بعد تلك الزيارة.

* وما هى أبرز تلك المقتنيات التى تسلمتها وزارة الثقافة؟
ــ لديهم ما يقارب من الـ 1000 كتاب التى تحمل توقيعه أو أهديت إليه، وبعض الجوائز التى حصل عليها، بالإضافة إلى مكتبه، وبعض الأشياء الخاصة كـ نظارته، وسماعته، وبعض ملابسه، وغيرها من المقتنيات التى أهديناها إلى الوزارة لوضعها فى المتحف.

* ما صحة ما تردد عن نقل رُفات والدك للمتحف؟
ــ كل ما نُشر بهذا الشأن مجرد شائعات، ولم يفاتحنى أحد فى هذا الأمر من قبل، وإن حدث ذلك فسأرفض هذا بشكل قاطع.

* ما الذى تودِّين قوله لوالدك فى عيد ميلاده؟
ــ سأقول له: «أنا عايشة فى خيره، وبادلع على حسه، وإن الناس بتكرمنى إكرامًا له»، وسأخبره بأنه على الرغم من أن البعض قد أساء له، فإنه لا يزال هناك الكثير من الأوفياء، الذين يسعون إلى تكريمه حتى بعد انقضاء 12 عامًا على غيابه.


أقرأ أيضًا:

الشروق تحيي ذكرى ميلاد أديب نوبل الـ107: نجيب محفوظ.. العائش فى الحقيقة



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك