«التحرير» احتضن الجميع عندما كانوا شركاء فى الحلم بالأمس القريب.. ولكن شركاء الأمس لم يعودوا كالأمس.. «لو رجع الشهداء اليوم لظنوا أنهم أخطئوا فى عنوان التحرير ..الحمد لله أن الشهيد الحى عنده ربه يرزق..لا يعود «العبارة على لسان هبة رءوف عزت، أستاذة العلوم السياسية، والتى كانت من المرابطين فى الميدان فى الأيام الأولى للثورة..
«مضى اليوم.. وترك الأسى.. وفتح صندوق الذكريات.. اللهم لطفك» عبارة من ضمن عشرات العبارات التى اكتظ بها حسابها الشخصى على «تويتر»، ومثلها عشرات العبارات أسفا على الميدان الذى كان يجمعنا بالأمس، وفرقت بيننا وبينه «السياسة»..
بالأمس القريب كان هتافهم يدوى الميدان «الشعب يريد إسقاط النظام»، «عيش حرية عدالة اجتماعية، دون كلل أو ملل لنحو 18 يوما.. لم يطرأ على ذهن أى منهم حينها أن يسأل من بجواره عن انتمائه السياسى، فالحلم كان أكبر من ذلك بكثير..
كل بقعة فى ميدان التحرير كانت شاهدة على ذلك «الحلم الوردى».. طلقات الرصاص وقنابل الغاز والجمال والخيول لم تفرق حين غزت الميدان بين إخوانى أو ليبرالى أو اشتراكى أو علمانى.. إذا سقط واحد منهم انتفض الآخر لنجدته.. وقتها لم يكن للنعرات أو الرايات مكان..
أمام شارع طلعت حرب وتحديدا عند «كنتاكى» ــ الذى لم يسلم «الثوار» من لعنته التى أطلقها الإعلام الحكومى بتلقيهم وجبات وأموالا من الخارج ــ كان سلاح المجموعة المرابطة هناك الطبل والغناء للمطالبة بالتغيير.. مظلتهم التى تحميهم من الشمس كانت علم مصر، لا علم الحزب الذى ينتمون له.
الكعكة الحجرية فى منتصف الميدان كانت هى المأوى التى يلجأ إليه «الثوار» لتغفو أعينهم لدقائق قليلة لمواصلة المسيرة للحلم الذى لم تغف عنه قلوبهم.. بجوارهم وعند السور الحديدى الممتد من هارديز إلى شركات الطيران، كانت الخطب السياسية تلقى على اختلاف من يقدمها، فيوم كان رجل دين، وآخر كان رجل سياسة وهكذا..
اليوم يشهد المكان ذاته هتافا.. ليس كالهتاف.. ومتظاهرين ليسوا كما الأمس.. «الموقعة» وقعت دون جمال، ودون رصاص، ولكنها كذلك كانت دون «حلم وردى».. وارتفعت الرايات، وصار شركاء الأمس فرقاء وجماعات.
«كم أنا حزينة»، قالتها رباب المهدى، أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، على صفحتها بـ«الفيس بوك»، واستطردت «متى حولتموها إلى حرب شوارع أيها «الأشاوس».. ومن هو العدو؟»، «على الإخوان أن يدركوا أن الأماكن العامة «عامة» وللكل بالتعريف، وأن الرئيس ملك لجميع المصريين ومن حقهم انتقاده ومعارضته فهو رئيس مصر، وليس جمهورية الإخوان.