«الجنزوري» في مذكراته: عقدة نائب الرئيس التى سيطرت على مبارك - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 7:25 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«الشروق» تنشر مذكرات «الجنزورى»..«سنوات الحلم والصدام والعزلة .. من القرية إلى رئاسة الوزراء» (4)

«الجنزوري» في مذكراته: عقدة نائب الرئيس التى سيطرت على مبارك

الدكتور كمال الجنزوري - رئيس الوزراء الأسبق
الدكتور كمال الجنزوري - رئيس الوزراء الأسبق
إعداد ــ إسماعيل الأشول
نشر في: السبت 14 ديسمبر 2013 - 11:25 ص | آخر تحديث: السبت 14 ديسمبر 2013 - 11:42 ص

عن سنوات النشأة والكفاح والانتقال من القرية إلى القاهرة مرورا بسنوات الدراسة ونهاية بتولى المناصب المرموقة حتى نهاية حكومته الأولى عام 1999، تدور أحداث الكتاب الذى بين أيدينا، والصادر حديثا عن دار «الشروق»، (طريقى.. سنوات الحلم.. والصدام.. والعزلة.. من القرية إلى رئاسة مجلس الوزراء) للدكتور كمال الجنزورى، رئيس وزراء مصر الأسبق.

فى الحلقات الماضية، سرنا مع الرجل منذ خطواته الأولى نحو العمل العام، وحتى حصوله على الدكتوراه بالولايات المتحدة الأمريكية وعودته للوطن، عقب نكسة الخامس من يونيو عام 1967، ثم تعيينه وزيرا للتخطيط فى حكومة الدكتور فؤاد محيى الدين فى يناير من عام 1981.

أبوغزالة صديقى

كان المشير أبوغزالة رحمة الله عليه صديقا عزيزا، منذ اليوم الأول الذى انضممت فيه إلى الوزارة فى 4 يناير 1982، كانت به صفات عامة وخاصة، تكفل له دخول قلب كل من يتعامل معه على الفور، فهو رجل عميق الثقافة فى مختلف المجالات العسكرية والسياسية بل والاقتصادية، كما أنه دمث الخلق، واضح، مستقيم اللغة، ثابت على أفكاره ولا يراوغ.

الحكومة الجديدة

بدأ العمل فى الحكومة الجديدة، التى كان بها من بين الوزراء كوكبة كبيرة، مثل الفريق كمال حسن على نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية، والسيد أحمد عز الدين هلال نائب رئيس الوزراء ووزير البترول والتعدين، والمشير عبدالحليم أبوغزالة نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع، والسيد محمد عبدالفتاح نائب رئيس الوزراء ووزير الاستثمار والتعاون الدولى، والدكتور مصطفى كمال حلمى نائب رئيس الوزراء ووزير التعليم، والمهندس حسب الله الكفراوى وزير التعمير، والمهندس سليمان متولى وزير النقل والمواصلات، والمهندس ماهر أباظة وزير الكهرباء، وغيرهم من الإخوة الكبار.

لقاء مع الرئيس

وبعد أيام قليلة، طلبنا الرئيس كمجموعة اقتصادية مكونة من أربعة، وكان بالمصادفة ثلاثة منهم يقيمون فى مصر الجديدة والرابع الدكتور صلاح حامد بمدينة الإعلام بالعجوزة، وبدأ الحديث من جانب الرئيس بسؤال: كيف يمكن أن ننظر إلى المستقبل؟ شعرت أن السؤال موجه لى، وأن مرجعه الدراسة التى أشرت إليها من قبل، فقلت: الأمر يتطلب أن نعد لمؤتمر اقتصادى ليكون بداية لإعداد نظرة مستقبلية لخطة قومية طويلة المدى وأخرى متوسطة وقصيرة المدى، على أن يشارك كل الأطراف المعنية بغض النظر عن اختلاف الإيديولوجيات، سواء من اليمين أو اليسار أو الوسط. فطلب الرئيس أن نبدأ.

خرجنا والتقينا فورا فى معهد التخطيط لأنه كان الأقرب مكانا، وقررنا أن نجتمع فيه بعد ذلك، وحاولنا أن نختار أسماء كثيرة لتساهم فى المؤتمر المقترح، وكان فى مقدمتهم الدكتور على الجريتلى والدكتور عبدالجليل العمرى والدكتور عبدالمنعم القيسونى والدكتور إبراهيم حلمى عبدالرحمن والدكتور إسماعيل صبرى عبدالله، ومن كبار الكتاب والمفكرين السيد نجيب محفوظ والسيد أحمد بهاء الدين والدكتور زكى نجيب محمود. ويصعب أن أذكر الجميع لأننا وصلنا إلى أكثر من خمسين شخصية من العلماء والمفكرين والوزراء والمسئولين السابقين.

واستمرت اجتماعات المؤتمر حتى توصلنا إلى إطار عام، وأعددنا وثيقة تحدد الرؤية المستقبلة، لما نصبو إليه من المسار خلال العشرين سنة المقبلة، والموارد المتاحة وتلك التى يمكن أن تتاح، وكيف يمكن أن نزيد من روافدها المختلفة، وما هى الأولويات التى تخدم الوطن والمواطن.

كانت قرارات المؤتمر، هى الأساس لإعداد وزارة التخطيط الخطة العشرينية (1982 ــ 2002) والخمسية الأولى (82 ــ 1987) والسنة الأولى (82/1983). وكان على أن أعرض على مجلس الوزراء هذا القدر الهائل من العمل. حيث كانت المرة الأولى التى أناقش فيها وأدافع وأوضح لمدة امتدت إلى خمس ساعات. وكان البعض حريصا كل الحرص على زيادة ما يتاح لوزارته من موارد، لكننى حاولت جاهدا أن أوجه النقاش إلى الأهداف التى نصبو إليها وما نرجوه فعلا للوطن والمواطن.

أقر المجلس فى آخر مايو 1982 الخطة العشرينية (1982 ــ 2002) والخطة الخمسية الأولى (1982 ــ 1987) وخطة السنة الأولى (82/1983). وبعد هذا كان يلزم الذهاب إلى مجلس الشعب لأعرض الخطة على أعضاء مجلس الشعب، واستمر النقاش لجلسات عديدة صباحا ومساء، وعند الانتهاء من المناقشة حدث أمر يدعو للعجب لا بد من ذكره.

تحدثت لأول مرة أمام البرلمان عام 1982 فصفق لى النواب ..وقال لى يوسف والى: لن يتاح لك الميكروفون مرة أخرى

أمام مجلس الشعب

فبعد أن تمت مناقشة الخطة العشرينية والخطة الخمسية الأولى وخطة السنة الأولى، وأيضا الموازنة العامة لعام 82/1983، كان على الدكتور صلاح حامد، أن يعقب على كل المناقشات المتعلقة بالموازنة العامة، وكان علىّ كوزير تخطيط أن أعقب على ما أثير عن الخطة العشرينية والخمسية والسنة الأولى. ويبدو أننى وفُقت وكانت المرة الأولى لى فى المجلس، حيث تكلمت مرتجلا، ونلت الرضا من أعضاء المجلس وكان التصفيق حارا، وإذا بى أفاجأ بعد انتهاء المناقشات، بدخول الدكتور فؤاد محيى الدين وطلب التعليق. وكان يجيد الخطابة، كان شخصية مؤثرة حينما تستمع إليه، فعلق بكلام عام على أهمية التخطيط وكيف أخذت الموازنة العامة فى اعتبارها كل ما يتطلبه المواطن المصرى خاصة محدودى الدخل.

التليفزيون تجاهل كلمتى

جاءت الساعة السادسة، وأعلن التليفزيون أن مجلس الشعب وافق على الخطة والموازنة، وعقب رئيس الوزارة بكذا وكذا. وكأنه لم يكن هناك وزير للتخطيط ولا وزير للمالية، وهو حق أصيل لكل منهما فيما يتعلق بالخطة وبالموازنة. ولكن قبل أن أتحدث مع السيد صفوت الشريف، كان معى الدكتور يوسف والى أثناء مناقشة الخطة فى المجلس، وكان على علاقة غير طيبة مع الدكتور فؤاد محيى الدين لأسباب شخصية أو سياسية لا أعلمها وقد قال لى: إنه بعد أن تكلمت فى المجلس اليوم، وأجدت وأنصت وصفق لك الجميع، فأقول لك كلمة صادقة: لن يتاح لك الميكروفون بعد اليوم. ومع أننى أخذت كلامه كتعبير عن عدم رضا بينه وبين الدكتور فؤاد. فقلت لماذا؟ ألم نتكلم كمسئولين عن الخطة والموازنة؟ فرد بأن الدكتور فؤاد محيى الدين طلب، قصر ما يذاع عن الخطة والموازنة، على رئيس الوزارة فقط.

وقد ترى من ذلك، أن الإنسان هو الإنسان مهما كانت وظيفته بكل مشاعره، والتى من الممكن أن يكون لها تأثير على العمل العام إذا تمكنت الغيرة أو المنافسة من العاملين. كان هذا فى البداية، ولكن بعد شهر أو اثنين، بدأت العلاقة مع الدكتور فؤاد تتحسن، رغم اختلافى مع سياسته وحرصه الزائد على إدارة الأمور منفردا، ولكن كان يتميز بسعيه الدائم إلى المصلحة العامة.

اختلفنا بعض الوقت وتقاربنا فى أغلب الأوقات. ورغم الفجوة التى بدت عند أول عام 1982 معه، أصبحت من أقرب الوزراء إليه، وكان الاتفاق كاملا على الأسس والتفاصيل التى تحقق المصلحة العامة، والبعد عن كل ما ينتمى إلى المصلحة الخاصة.

ناقشنا فى الحكومة رفع سعر «المعسل» فرفض رئيس الوزراء .. قائلا: أنا نائب عن «شبرا» و«الكل يدخن الشيشة»

نقاش حول «المعسل»

انتهى عام 1982، وتلاه عام بعد آخر، وعقدت لقاءات جادة بين مجموعة من الوزراء ورئيس الوزارة، وأذكر أن الدكتور فؤاد محيى الدين كان ضنينا فى إصدار قراراته، خوفا من حدوث أى من الأخطاء، باعتبار أن عدم إصداره قد يكون أكثر أمنا. وفى يوم ما اجتمعنا كلجنة وزارية عليا تتكون من رئيس وزراء وأربعة من نواب رئيس الوزراء وخمسة وزراء، وجلسنا لنناقش رفع سعر الدخان المعسل، أو حذفه من قائمة السعر الجبرى، وتكلم الكل واستمر النقاش أكثر من ساعتين، ثم تصدى الدكتور فؤاد فى النهاية، وقال:

ــ لا تغيير ولا حذف من قائمة السعر الجبرى، أنا أتكلم من واقع الشارع المصرى، فأنا نائب عن شبرا الخيمة، والكل يجلس على المقاهى يتعاطى المعسل، فأرجو ألا تنسوا هذا الأمر، فابتسمت وقلت:

ــ لماذا إذن كان كل هذا الوقت من النقاش؟

قال: كان لا بد أن نتحاور ثم نصدر القرار الذى اتفقنا عليه.

هذا الأمر يعطى مجرد فكرة عن كيف تؤثر عوامل كثيرة على الأداء فى بعض الأحيان.

مصطفى السعيد أطاح بأحد وزراء فؤاد محيى الدين بمعاونة رئيس الحكومة .. وإقالة وزير التموين تمت وهو فى الطائرة قادما من أمريكا

مؤامرات ودسائس

فى شهر أغسطس وعلى وجه التحديد فى 31 أغسطس 1982، لم يكن مرَ على تشكيل الوزارة أكثر من 8 أشهر، انفك عقد المجموعة الاقتصادية، فخرج السيد محمد عبدالفتاح نائب رئيس الوزراء، والدكتور فؤاد هاشم وزير الاستثمار والتعاون الدولى، بسبب محاولات الدكتور مصطفى السعيد المستمرة والمستميتة مع الدكتور محيى الدين، بأنه والدكتور وجيه شندى من أقطاب الحزب الوطنى وهما الأحق بالمناصب الوزارية، من الذين يتم اختيارهم من خارج الحزب. وكان يتردد على المجلس كل يوم ويخرج مع الدكتور فؤاد مرافقا له فى السيارة، حيث كان قريبا جدا منه.

ومرت الأيام، وفى يوم 31 أغسطس 1982 أصدر الدكتور فؤاد هاشم قرارا برفع سعر العائد على شهادات الاستثمار فئة «ب» إلى 14٪ بدلا من 13٪، بعد أن استأذن رئيس الوزراء. ولكن بعد صدور القرار سأل الرئيس الدكتور فؤاد محيى الدين: هل ناقشتم هذا الأمر فأنكر، وعليه خرج الدكتور فؤاد هاشم من الوزارة بعد أن أمضى فترة لا تزيد على ثمانية أشهر، رغم أنه كان كفؤا وله رؤية اقتصادية ممتازة. وهو أمر لم يرض السيد محمد عبدالفتاح نائب رئيس الوزارء، واعتذر أن يستمر متحججا بمرض فى العين، وقدم استقالته احتجاجا على ما أحس أنه ظلم لزميل يرى أنه لم يخطئ فى عمله.

خرج الاثنان، الأول أقيل والثانى غاضبا من هذا الإجراء فاستقال.. رحم الله الاثنين.

قضية عصمت السادات

ثمة حادث يصح أن يذكر، فقد نشرت فى الصحف قضية تتعلق بالسيد عصمت السادات. وقيل فى التحقيق إن بعض الوزراء ساعدوه فى الحصول على مكاسب ليست من حقه، وهم السيد أحمد نوح وزير التموين والمهندس فؤاد أبوزغلة وزير الصناعة، والمهندس سليمان متولى وزير النقل والمواصلات. والحقيقة أن الأدلة لم تكن مقنعة، إلا أن أحد الوزراء المقربين للدكتور فؤاد محيى الدين، أقنعه أنه لابد من عرض الأمر على الرئيس، واقترح أن يخرج من الوزارة من جاء ذكره من الوزراء، وهذه المعلومات ليست من قبيل الاستنتاج ولكنها حقيقة، نمت إلى علمى، بعد أن اختلف الدكتور فؤاد محيى الدين مع الوزير المقرب منه. المهم أنه فى 13 مارس 1983 خرج كل من السيد أحمد نوح والمهندس فؤاد أبوزغلة من الوزارة. ويشاء القدر أنه بعد سنتين خرج هذا الوزير المقرب من رئيس الوزراء بشكل أشد وقعا.

أذكر أنه قبل ذلك بأسبوع أو عشرة أيام، طلبت من الدكتور يوسف والى أن يتيح الفرصة للقاء السيد أحمد نوح بالرئيس ليشرح الأمر. وفعلا تم ذلك بحضور الدكتور يوسف والى، وسأل الرئيس عن وضع مخزون القمح فقال السيد أحمد نوح إنه يلزم أن يسافر إلى أمريكا، للتعاقد على كمية مناسبة من القمح، فطلب الرئيس من الدكتور فؤاد محيى الدين أن يوقع قرار سفره.

وقبل انتهاء اللقاء، قال السيد أحمد نوح، للرئيس لقد أصبح مهما الاستعانة ببعض الخبراء للحزب خاصة من الاقتصاديين لتولى المنصب الوزارى مما ينشط العمل الحزبى، فقال الرئيس: يا أحمد ألا ترى أن الجنزورى وزير للتخطيط كويس وهو ليس بالحزب.

المهم سافر فعلا السيد أحمد نوح فى اليوم التالى، وبعد أيام قليلة انتشرت شائعة عن خروج وزيرين أو ثلاثة بسبب قضية السيد عصمت السادات، وكان السيد أحمد نوح فى واشنطن، فأرسل استقالة وأبلغ بها جريدة الأهرام وربما جريدة أخرى هى الجمهورية للنشر، فرفضت كل من الجريدتين نشر الاستقالة. وأقيل أو خرج السيد أحمد نوح من الوزارة وهو فى الطائرة عائدا إلى القاهرة.

أحد المقربين قال لمبارك: «لو اخترت نائبا سيقارن الناس بينكما».. فعزف الرئيس عن الفكرة وعلى وجهه علامات الغضب

مفاجأة.. لم تتحقق

وهنا أذكر أمرا مهما حدث فى أول أبريل وعلى وجه التحديد فى يوم 5 أبريل 1983، كنت بمعهد التخطيط القومى، وفى نحو الساعة الثانية عشرة، ذهبت إلى قصر القبة إثر مكالمة تليفونية من الرئاسة، وبعد دقائق، دخل المشير عبدالحليم أبوغزالة، وبادرنى متسائلا بود:

ماذا تفعل هنا يا دكتور؟!

كان المشير أبوغزالة رحمة الله عليه صديقا عزيزا، منذ اليوم الأول الذى انضممت فيه إلى الوزارة فى 4 يناير 1982، كانت به صفات عامة وخاصة، تكفل له دخول قلب كل من يتعامل معه على الفور، فهو رجل عميق الثقافة فى مختلف المجالات العسكرية والسياسية بل والاقتصادية، كما أنه دمث الخلق، واضح، مستقيم اللغة، ثابت على أفكاره ولا يراوغ.

نظرت إليه بود وقلت:

ــ لا أعلم، لكنى تلقيت تليفونا..

فجأة بعد دقائق قليلة أخرى.. دخل علينا رئيس الوزراء الدكتور فؤاد محيى الدين وسألنا فور دخوله، وقد عكست عيناه نظرات من التوجس والتساؤلات، فهو بطبيعته، لم يكن يميل أن يلتقى أحد بالرئيس دون أن يكون على علم مسبق باللقاء.

من أجل هذا كانت جملته السريعة المتسائلة:

ــ لماذا أنتما هنا؟!

وفى صوت واحد أجبنا:

ــ والله.. لا نعلم!

جلس الدكتور فؤاد محيى الدين.. ولم يرد.. وقد تأكد لنا أنه هو الآخر لم يكن يعلم لماذا جىء به.

يبدو الأمر أنه كان مفاجئا لنا جميعا نحن الثلاثة، وقد فهمت فيما بعد أن الرئيس اتخذ قراره بجمعنا ولقائنا قبل دقائق من المكالمات التى استدعتنا سويا إلى مقر الرئاسة.

بعد عشر دقائق وفى تمام الواحدة ظهرا، طلب إلينا الذهاب إلى الشرفة المطلة على بوابة القصر الغربية، وكانت المائدة جاهزة لتناول طعام الغذاء، وفجأة دخل علينا الرئيس ومعه المستشار النمساوى برونو كرايسكى والملياردير رجل الأعمال الأمريكى كالاهان اليهودى الديانة، اتخذ كل منا مكانه حول المائدة المستديرة، وجلست بين رجل الأعمال الأمريكى والدكتور محيى الدين، ومضت دقائق، قبل أن يبدأ الحديث عن قضية الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، وأخذ المشير يتحدث باستفاضة فى هذه القضايا ويحلل الموقف، وكان الدكتور فؤاد محيى الدين يقاطعه ليضيف فيما رأيت أنها محاولة مستمرة منه لتأكيد خبرته أيضا ومعلوماته حول الموقف والقضية، وكان المستشار النمساوى لا يعلق على ما يقال، لكنه دأب طرح أسئلة ليفهم ما يجرى من أحداث جديدة فى المنطقة.

بعد نصف ساعة تقريبا، استمر فيه الحديث من جانب المشير أبوغزالة والدكتور فؤاد محيى الدين، وجه الرئيس القول لى:

ـ ساكت ليه يا كمال؟! لماذا لا تتكلم؟!

قلت: الموضوع يعرفه الجميع.. وقد تركت الشرح للإخوة الكبار ليقولوا ما نعلمه، وقلت هذا باللغة العربية متعمدا، لأن الرئيس السابق سألنى باللغة العربية، وحرصت أن ألتزم السكوت دون أن أحرج الآخرين، من ناحيته اكتفى الرئيس بما قلت واستمر الحوار ما يقرب من الساعة.

الغريب أن هذا اللقاء لم ينشر عنه شىء، لا فى الداخل ولا فى الخارج، ولم تتناوله قط وسائل الإعلام، لكن بعد نحو شهر، جاءنى أحد المسئولين المقربين للرئيس وهو أيضا على علاقة طيبة بى.

سألنى بصورة مباشرة:

ــ هل كنت مع الرئيس منذ فترة؟!

سألته بدورى:

ــ ماذا تقصد؟!

قال موضحا ومستوضحا:

ــ ذلك اللقاء الذى حضره المشير أبوغزالة والدكتور محيى الدين ومستشار النمسا ورجل الأعمال الأمريكى؟!

قلت:

ــ نعم، وماذا فى ذلك؟!

كنت أعرف أن طبيعة عمل هذا المسئول، تتطلب الوجود بصفة شبه يومية فى مقر الرئاسة لينقل للرئيس اتجاهات الرأى العام، فليس غريبا أن يبلغه نبأ ذلك اللقاء، على أى حال. سألت المسئول: لماذا تسأل عن هذا اللقاء فقال:

ــ هذا اللقاء كان الهدف منه أن يتحدد فيه أمر مهم..

ــ ما هو؟!

ــ قال بثقة: اختيار نائب رئيس الجمهورية!

استغربت حقا. إذ لم أكن قد أمضيت فى موقعى الوزارى أكثر من عام ونصف العام، كما أننى كنت أصغر الوزراء سنا، وحين أسترجع ذكريات تلك الفترة، أستطيع قول إن الرئيس فى تلك الأعوام الأولى من رئاسته كان يبحث حقا عن نائب له، وكان كلما التقى شخصا يثق فيه يبادره بالسؤال:

ــ هل ترى أن أختار نائبا للرئيس؟!

كان يسأل فى ذلك أصدقاءه والعاملين معه فى الدائرة القريبة، سأل الكثيرين، منهم صفوت الشريف، وحسين سالم، والدكتور ممدوح البلتاجى، ومحمود ثابت عم زوجته السيدة سوزان مبارك، علمت ذلك من بعضهم فيما بعد.

كانت فكرة اختيار نائب للرئيس، تشغل الرئيس فى تلك السنوات الأولى من حكمه وقد علمت، فيما بعد، أن المسئول القريب من الرئيس والذى سبق الإشارة إليه قضى على الفكرة تماما حين قال للرئيس ردا على سؤاله:

ــ ما رأيك فى تعيين نائب للرئيس؟!

قال الرجل: لا أوافق

سأل الرئيس: لماذا؟

أجاب للأسباب كذا وكذا، وآخرها أنه ستحدث مقارنة بينك وبينه منذ اللحظة الأولى، وسوف يتابع الشعب أداءكما معا، ويعقد المقارنات، وأضاف: لقد انتهيت من الحديث وانصرفت، ولكن بدا على وجهه عدم الرضا بل والغضب.

ومن يومها، حتى يناير 2011، لم يختر الرئيس نائبا قط له، إلا بعد اندلاع الثورة فى 25 يناير، فعل ذلك تحت الضغط الشعبى العنيف.

فى الحلقة القادمة:

قائد كبير فى الجيش قال لـ«أبو غزالة»: خلّصنا من مبارك.. فرد المشير: لو أخطأت وفعلت فسيتكرر الأمر معى فيما بعد

الجيش تدخل لمواجهة أحداث الأمن المركزى رغم تردد الرئيس.. ومبارك خطط لاستبعاد أبوغزالة بسبب حب الناس.

الحلقات السابقة ...

الجنزورى يروى لأول مرة.. «سنوات الحلم والصدام والعزلة» (1)

الجنزورى يروى لأول مرة.. «سنوات الحلم والصدام والعزلة» (2)

«الجنزورى» فى مذكراته: غضب مبارك على أكثر من أى رئيس وزراء لأنه أدرك أن الشعب راضٍ عنى



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك