الشروق تحتفل بذكرى ميلاد صاحب نوبل.. وليد الخشاب يكتب.. هل كان محفوظ بداية أم نهاية؟ - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 8:21 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشروق تحتفل بذكرى ميلاد صاحب نوبل.. وليد الخشاب يكتب.. هل كان محفوظ بداية أم نهاية؟

وليد الخشاب - أستاذ الدراسات العربية بجامعة يورك، كندا
نشر في: الجمعة 14 ديسمبر 2018 - 11:55 م | آخر تحديث: الجمعة 14 ديسمبر 2018 - 11:55 م

- مع حلول الستينات، لم يعد كافياً بالنسبة للنخبة المصرية أن يكون هناك اعتراف من بعض الرموز الغربية بندية بعض الرموز المصرية. صار التطلع إلى اعتراف مؤسسي

- السوق الأدبية الغربية لا تنظر للأدب العربي في الأغلب، إلا بوصفه تعليقاً ثقافياً على سياق سياسي مغاير للغرب

 

كثيراً ما يلح علينا سؤال: متى يصل الأدب المصري - أو الآداب العربية- إلى العالمية؟ ولعل كثيراً من المثقفين قد تصوروا أن حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل للآداب عام 1988 قد فتح أبواب العالمية للأدب العربي عامة والأدب المصري خاصة. إلا إن الحقيقة - بمعنى ما - أن نجيب محفوظ قد أقفل باباً من أبواب العالمية على الأدب العربي، لأن لجنة نوبل قد شعرت أنها قد "سدت خانة" العربية بمنحها نوبل لمحفوظ، ولم تعد تشعر بالعبء السياسي لتهمة العنصرية التي كثيراً ما طالت جائزة نوبل للآداب بسبب تركيزها في الغالب على كتاب ينتمون للثقافات الغربية بمعناها الواسع، وبتقتيرها الشديد في الخروج بالجائزة عن هذه الدوائر إلا لأسباب سياسية. فمثلاً منحت اللجنة جائزة نوبل لأديب عربي بعد أن بدا من قبيل التعسف أن أديباً عربياً واحداً لم يحصل عليها لمدة ما يقرب من تسعين عاماً، رغم كون الأدب العربي من أقدم الآداب المقروءة بلغات اليوم الحية.


إن قضية عالمية الأدب العربي، أو وصول هذا الأدب إلى العالمية، مرادفة لحصول الأدب العربي على اعتراف "العالم" بقيمة هذا الأدب. وبمعنى آخر، فعالمية أدب قومي ما - مثل الأدب المصري، أو الآداب العربية لو كان معيارنا لغوياً، لا قطرياً- تعني دخول ذلك الأدب إلى أسواق تتجاوز حدود سوقه القومية. طرفا المعادلة إذاً هما: أولاً، اهتمام النقد الصحفي أو الأكاديمي في مراكز العالم الثقافية بالأدب العربي؛ وثانياً ترجمة الأدب العربي إلى لغات غير عربية، وتوزيعه في أسواق نعتبرها تمثل مركز العالم الثقافي. المعيار المضمر- والمُشْكِل- لتحديد مركز العالم الثقافي هو انتماؤه لقلب الغرب، أي أوروبا الغربية والولايات المتحدة بالأساس.

المقارنة والندية


مع بدايات عشرينات القرن العشرين، انطبع في وعي النخبة المصرية أنهم مثقفو أمة قامت بثورة 1919، وتمثلها الكثيرون - ولو بشكل لا واعٍ - كمعادل قومي للثورة الفرنسية 1798، أي ثورة انتهت بنشوء دولة جديدة، تمثل تطوراً إصلاحياً مقارنةً بالأحوال قبل الثورة. ففرنسا انتهت بعد الثورة بعقود إلى الإمبراطورية، التي كانت أكثر عناية بعامة الشعب من الملكية المستبدة. ومصر انتهت بعد الثورة إلى ملكية دستورية لا يحكمها خديوي مطلق اليد، بل ملك يتقاسم السلطة مع حكومة تراقب العرش، وبرلمان يراقب الحكومة. بدءاً من تلك اللحظة، تجذر في اعتقاد المثقفين أن مصر في طريقها لمضاهاة أوروبا، فكما صارت ملكية دستورية مثل سلطة الاستعمار البريطانية، لابد أن يكون لها كتاب يُقارنون بكتاب أوروبا. مع حلول الثلاثينات، بدأ الخطاب عن ندية الأدب المصري مع الآداب الأوروبية في الترسخ، وهكذا صار مألوفاً أن يُشار إلى توفيق الحكيم باعتباره قد رفع المسرح العربي إلى مقام الأدب الرفيع، مثلما صار كبار كتاب المسرح الأوروبي أدباء يشار لهم بالبنان؛ وأن يُذْكَرَ طه حسين باعتباره قمة عربية حديثة في الفكر وفي نظرية الأدب وتاريخه، وبالتالي كرائد للرواية، وفقاً لمنطق العصر (فتصور نجيب محفوظ كرائد للرواية المصرية لم يتشكل إلا في نهاية الخمسينات).


هذا الخطاب عن عظمة الحكيم وحسين كان يضمر حيناً ويفصح حيناً آخر عن كونه خطاباً عن استحقاق مصر للاعتراف بالقيمة العالمية لأدبها. المضمر مثلاً - حتى في كتابات الحكيم وحسين نفسيهما - أن الحكيم يعادل في إنجازه المسرحي إنجاز جان كوكتو وأندريه جيد، حيث تطرق كلاهما لكتابة المسرحية الذهنية كما كان الحكيم يسمي مسرحياته الأليجورية الفلسفية؛ وأن حسين يضاهي أندريه جيد، حيث إن كليهما قد كتبا الرواية الفكرية ورواية السيرة الذاتية والمقال المتفلسف. يزيد من هذا أن مراسلات بين بعض الكتاب المصريين ونظرائهم الفرنسيين كانت تتواصل، وأن الكتاب المذكورين كانوا يعملون في مؤسسات دولهم الديبلوماسية/ الثقافية.


حتى تلك اللحظة كان "طلب" الاعتراف المضمر الموجه إلى الغرب ينحصر في السعي للحصول على اعتراف بعض الرموز الثقافية الغربية بالندية التي يتمتع بها بعض نظرائهم في مصر، مثلاً عن طريق المراسلة. وكان جوهر الخطاب النخبوي المصري هدفه تطمين النخبة المصرية نفسها إلى أن إنتاجها الثقافي "يرقى إلى مستوى" الغرب.

الترجمة كاعتراف بالقيمة


لا يبدو لي أن هاجس الترجمة إلى اللغات الأوروبية كدليل على وصول الأدب العربي إلى العالمية قد ظهر إلا في مرحلة لاحقة من الهم العام المشغول بالندية والحصول على الاعتراف من مركز العالم الرمزي في الغرب. مع حلول الستينات، لم يعد كافياً بالنسبة للنخبة المصرية أن يكون هناك اعتراف من بعض الرموز الغربية بندية بعض الرموز المصرية. صار التطلع إلى اعتراف مؤسسي، مثل جائزة نوبل، أو قيام دور نشر غربية بترجمة بعض الرموز المصرية. منذ الخمسينات كانت ترجمة أعمال الحكيم وحسين دائرة على قدم وساق، لكن الستينات هي التي تشربت بخطاب مصري عن استحقاق الأدب العربي (والمقصود هنا هو الأدب المصري تحديداً) للجوائز وللترجمات الغربية، وعن التفكير الاستراتيجي في تشجيع الترجمة بوصفها الطريق للتعريف بالأدب المصري في الغرب، مما يفتح الباب أمام ذلك الأدب للوصول إلى الجوائز. كل ذلك كان يدور في إطار أشمل هو سعي الدولة الوطنية الناشئة للحصول على اعتراف الغرب بها كَنَدٍ وشريك مساوٍ.


ما زالت تدورنقاشات مماثلة إلى يومنا هذا، والمثير أنه - إلى يومنا هذا - كثيراً ما يغيب عن الحوار الوعي بمعايير أساسية شبه صريحة تحكم تكريس المؤسسات الغربية للأدب غير الغربي عموماً والأدب العربي خصوصاً، ومنها مثلاً الحرص على تكريس الأدب غير الغربي للأفكار المسبقة عن المجتمعات المعنية؛ ومنها الاقتصار على المعايير السياسية في تقييم الأدب غير الغربي.


على سبيل المثال، فرغم الإنجاز الأدبي لنوال السعداوي، إلا أن المساحة التي تحتلها في مناهج تدريس الآداب العربية، وفي الصحافة الثقافية في العالم الناطق بالإنجليزية، تبلغ أضعاف المساحة التي يحتلها إنتاجها بالعربية في دوائر الجامعة والصحافة. يعود ذلك إلى توافر أعمال نوال السعداوي المترجمة إلى الإنجليزية، وإلى احتفاء مؤسسات النقد والأكاديميا بها، لأنها تؤكد التصورات الاستشراقية عن تعرض المرأة العربية للقمع الجنسي ولتسلط المجتمع الذكوري. لسنا هنا بصدد نفي هذه المشاكل الحقيقية والحيوية في المجتمعات العربية، وإنما بصدد تفسير تفضيل المؤسسات والأسواق الغربية لهذه القضايا دون غيرها.


بمنطق مشابه، تحتل ترجمات علاء الأسواني موقعاً هائلاً في أوروبا، مقارنة بالمساحة التي يحتلها إنتاجه الأدبي بالعربية. فهو اليوم من أكثر الكتاب العرب توزيعاً في فرنسا، ويتصور الكثير من المثقفين الأوروبيين والأكاديميين أن قراءة أعماله هي المفتاح الرئيسي لفهم المجتمع المصري المعاصر. بينما يعلم المثقف العربي الواعي أن هذه الفرضية لا تحظى بالإجماع. لكن الاحتفاء الغربي بالأسواني يعتمد بالأساس على تصور أن الأسواني من دعاة الديمقراطية، منذ أن كان ينتقد سياسات الرئيس الأسبق مبارك في مقالاته الصحفية.


من ناحية، تضيق أبواب الغرب "العالمية" دائماً عن الأعمال العربية التي لا تتوافق والتصورات الاستشراقية عن العالم العربي؛ كما أن تلك الأبواب لا تتسع للأعمال التي لا تحمل طابعاً سياسياً صريحاً، لأن السوق الأدبية الغربية لا تنظر للأدب العربي في الأغلب، إلا بوصفه تعليقاً ثقافياً على سياق سياسي مغاير للغرب. لكن من ناحية أخرى، لم تمنع هذه "المواصفات" من أن تنفتح الأسواق الثقافية الغربية لأعمال عربية متميزة تتفق مع طبيعة الطلب الغربي، مثل أعمال نجيب محفوظ أو صنع الله إبراهيم أو الطيب صالح أو محمود درويش والقائمة تطول.


الطريق إلى العالمية مازال طويلاً أمام الأدب العربي، لاسيما إذا استمر الكتاب العرب يرجون من الغرب اعترافاً بقيمتهم، دون التركيز على الصنعة الفنية في حد ذاتها.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك