الحاج عثمان: هذا ما جرى - بوابة الشروق
الثلاثاء 17 يونيو 2025 9:25 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

ما توقعاتك لمعارك إسرائيل مع إيران؟

الحاج عثمان: هذا ما جرى

مدونة فلسطين
نشر في: الثلاثاء 15 مايو 2012 - 10:30 ص | آخر تحديث: الثلاثاء 15 مايو 2012 - 2:19 م

تسللت امرأة خارجة من مبنى من الطين والأسمنت تحمل صينية القهوة قريبا من صدرها. انحنت ووضعتها على طاولة بلاستيكية وسط حلقة تشكلت أطرافها منى والحاج عثمان وإحدى صديقاتى وأبيها. وأخيرا، قطعت الصمت وقدمت أول فنجان إلى جدها، الحاج. تمتم الجد وهو يربت بلطف على كتفها: «الضيوف أولا يا عزيزتى».

 

ولد الحاج سعد الدين الحبش فى 29 يونيو 1941 فى قرية فلسطينية صغيرة غرب عسقلان الحالية تسمى الجورة. وفى الرابع والخامس من نوفمبر 1948، أُفرغت القرية من سكانها الذين لم يكن عددهم يزيد فى ذلك الوقت على الثلاثة آلاف. وكما فعل الآخرون، فر الحاج عثمان، ابن السابعة، إلى غزة. يتذكر، وهو يهرش رأسه، كما لوكان يشحذ ذاكرته، «طلب منا اليهود زراعة المحاصيل ووعدوا بتصديرها لحسابنا؛ انتظرنا وفسدت المحاصيل. فرضوا علينا ضرائب باهظة وهم يعلمون بأننا لن نتمكن أبدا من دفعها، وحين حل موعد السداد، ولم نتمكن من الدفع، رهنوا أراضينا وفى النهاية صادروها». ومال برأسه إلى الأرض، وكر مسبحته لثوانى، وقال: «مصر باعتنا. الملك حسين باعنا». «تركت حقيبة مدرستى بمنزلى بالجورة، كنا نعتقد أن المسألة مؤقتة. أغاروا علينا بطائراتهم. قُتل ثمانية وستين شخصا فى بضع دقائق». «كنا فقراء ومشتتون فى الخيام؛ خلطنا الدقيق باللبن البودرة لنصنع طعاما»، توقف، وأخذ نفسا عميقا، وواصل «ظللت حافى القدمين لسنوات. وعندما التحقت فى البداية بمدرسة الاونروا، سلمونى حذاء. أتذكره، لم اصدق أنه ملكى». قال بين فواصل الضحك: «اعتدت تدخين أربع علب سجاير يوميا. وتوسلت زوجتى إلىّ كى أقلع عن التدخين لكنى لم أصغ إليها أبدا. وعندما استبدلت الوكالة البيوت المبنية من الطين بالخيام، رميت العلبة الأخيرة التى كانت معى ذلك اليوم ولم أعد للتدخين مرة أخرى». قال بتباه: «لم تغب بلدى عن تفكيرى لحظة واحدة. ونفس الشىء بالنسبة لأحفادى؛ إنهم يفتقدون الجورة برغم أنهم لم يروها. إنهم يعرفون كل تفاصيلها».

 

فى مخيم اللاجئين، لكل شىء معناه؛ الغسيل الملون المتدلى من الحبال المكتظة، الصبى الذى يخلف وراء خطواته آثار الفلافل، الفتاتان اللتان تضمان ذراعاهما وتلعقان الآيس كريم الرخيص، الأم التى تنادى ابنها بـ«الشيطان»، الجد الذى يداعب حبات مسبحته، تماما مثل الحاج عثمان. لكل شىء معنى. نحن مستغرقون. أنا، وصديقتى، ووالدها. كان الهواء، بالإضافة إلى الكعك المخبوز، والقهوة والمجارى، مشبعا بغضب كامن. كان هناك فى جدار يحمل شعار «سنعود»، وفى «فلسطين أغلى من دمائنا»، وفى الوجوه الشابة، ممن لقوا حتفهم للأسف، التى تطل من الملصقات المعلقة أعلى الأعمدة الحديدية أو الملصقة على الجدران.

 

لقد طرد 750 ألف من سكان فلسطين أثناء النكبة ودُمرت 531 قرية من أجل إقامة «دولة إسرائيل». كتبوا على الجدران «اقتلوا العرب»، وهذا ما فعلوه فى دير ياسين فى التاسع من أبريل 1948؛ وهو ما حدث فى «عملية الإبادة» فى الجليل. لأن من كانوا يعيشون فى الجليل، وفى كل فلسطين فى الحقيقة من «الصراصير» على حد وصف رفاييل ايتان، رئيس الأركان الإسرائيلى فى 1967. إن النكبة لم تنته أبدا. عوملنا مثل «الصراصير» أثناء ما العملية المسماة الرصاص المسكوب. ونحن «صراصير» تضرب عن الطعام فى زنازين إسرائيل. لكننا سنظل دائما «الصراصير» التى تصلى وتضحك وتقع فى الحب. برغم كل شىء. 



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك