أرست المحكمة الدستورية العليا مبدأ قضائيا جديدا بضرورة سريان أحكامها بعدم دستورية النصوص القانونية الخاصة بالرسوم من تاريخ صدور هذه النصوص، وتطبيقها على الوقائع التي حدثت قبل صدور الحكم بعدم الدستورية، وعدم الاعتداد بأي أحكام أخرى تصدر من المحاكم بتحديد مواعيد أخرى لسريان عدم الدستورية، مما يؤكد أحقية المواطنين الذين أدوا هذه الرسوم الباطلة في استردادها طالما لم تنقض عليها مدة 15 عاما.
صدر الحكم برئاسة المستشار عبدالوهاب عبدالرازق، وعضوية المستشارين حنفي جبالي ومحمد الشناوي وماهر سامي وسعيد مرعي وعادل عمر شريف ورجب عبدالحكيم سليم بحضور المستشار د. حمدان فهمي، رئيس هيئة المفوضين السابق، وأعد تقرير هيئة المفوضين المستشار د. طارق عبدالقادر.
تعود وقائع القضية إلى إقامة مواطن دعوى في القضاء الإداري ضد وزير المالية لاسترداد ما سبق لمصلحة الجمارك تحصيله منه كرسوم خدمات عن سلع استوردها من الخارج، بعدما قضت المحكمة الدستورية العليا عام 2004 بعدم دستورية المادة 111 من قانون الجمارك التي تنص على هذه الرسوم، وسقوط قرارات وزير المالية التي صدرت بناء على هذه المادة، والتي تم تحصيل تلك الرسوم بناء عليها.
وقضت محكمة القضاء الإداري بأحقية المدعي في استرداد رسوم الخدمات، إلاّ أن وزير المالية طعن على الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا، التي أصدرت حكما مغايرا بسقوط حق المدعي في استرداد الرسوم التي يطالب بها بالتقادم الخمسي لمرور 5 سنوات على الواقعة.
فأقام المدعي دعواه أمام المحكمة الدستورية استنادا إلى أن حكم الإدارية العليا يعتبر عقبة في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية السابق صدوره بعدم دستورية المادة 111 وبطلان تحصيل رسوم الخدمات، وكذلك حكم المحكمة الدستورية السابق صدوره بأحقية المواطنين في استرداد الضرائب والرسوم التي دفعت بغير حق وقت أدائها وفقاً للبند 2 من المادة 377 من القانون المدني.
وأوضحت المحكمة الدستورية في حيثياتها أن المادة 49 من قانونها تنص على عدم جواز تطبيق الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة من اليوم التالي لنشر الحكم، ما لم يحدد الحكم لذلك تاريخا آخر، مما يترتب عليه أن الحكم بعدم دستورية نص ضريبي يكون له أثر مباشر دون إخلال باستفادة المدعي من الحكم الصادر بعدم دستورية هذا النص.
وأكدت المحكمة أن النصوص الضريبية تتعلق بفريضة مالية تقتضيها الدولة جبرا وبصفة نهائية من المكلفين بها ولا يملكون التنصل من أدائها ولا تدفع مقابل خدمة، وذلك على عكس الرسوم التي لا تتقاضاها الدولة إلاّ مقابل أعمال محددة، مما يخرج بالنصوص الخاصة بالرسوم من نظام تفعيل الأحكام الخاصة بالنصوص الضريبية بالأثر المباشر.
وشددت المحكمة على أن الحكم بعدم دستورية نص خاص بالرسوم يستوجب ارتداد أثر الحكم إلى تاريخ صدور النص التشريعي المقرر لهذه الرسوم، باستثناء أن تكون الحقوق والمراكز القانونية المرتبطة بها قد استقرت بناء على حكم قضائي بات أو انقضاء مدة التقادم وصدور حكم بذلك وفقا للبند 1 من المادة 387 من القانون المدني.
وأضافت المحكمة، أنه بتطبيق هذه المبادئ على حالة رسوم الخدمات الجمركية، فإن الحكم بعدم دستوريتها يعني زوال سبب الالتزام بسدادها وأحقية من دفعها في استردادها من الدولة طالما لم يتجاوز مدة التقادم الخاصة بالديون المنصوص عليها في المادة 374 من القانون المدني وقدرها 15 عاما، مما يصبح معه حكم المحكمة الإدارية العليا الذي يتضرر منه المدعي عقبة في طريق تنفيذ حكم عدم دستورية هذه الرسوم، ويتأكد به صحة حكم محكمة القضاء الإداري بأحقيته في استرداد المبالغ التي دفعها.