اتفق الخبراء الإداريون والاقتصاديون على عدم وجود آلية محددة لدى جميع المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية لإدارة أو تطهير الجهاز الإدارى بشكل فعلى، ورأوا أن برامج المرشحين خلت من أى خطوات واضحة وجدية للتعامل مع هذا الجهاز الذى شابه التعقيد الحاد وتزايدت ضده الشكاوى، خاصة فى العقدين الأخيرين فى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك.
«وعود انتخابية براقة»
ولم يجد هؤلاء الخبراء أى آليات لمكافحة الفساد الإدارى بالدولة فى هذه البرامج الانتخابية التى أتفق جميعهم على أنها «كلها فى إطار الوعود الانتخابية البراقة التى لن يتحقق منها شىء أو على الأقل لن تتحقق بأكملها وخاصة فى عدم وجود آليات محددة بعينها»، حسب رأى الخبير الاقتصادى والعميد السابق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، د. حمدى عبدالعظيم.
ويرى عبدالعظيم أن برامج المرشحين جاءت فى إطار الكلام المرسل دون ذكر آليات للنهوض بوضع الموظف الحكومى المصرى الذى مادام عانى فى كادره الوظيفى من النواحى المالية والإدارية، وطالما أيضا عانى المواطنون منهم ومن انتشار الفساد المتمثل فى الرشاوى والإهمال فى خدمة المواطنين.
وحسب رأى عبدالعظيم فى برامج مرشحى الرئاسة الحاليين فإنه لا يوجد لدى أى منهم آلية بعينها للتعامل مع الجهاز الإدارى للدولة ــ الجهاز الذى يعانى تضخما حادا فى الموظفين وصل إلى أكثر من 6 ملايين موظف ــ أو وجود خلافات على الأقل فى الرؤية بين المشرحين، فقد أصبح ملحوظا «محاولة كل مرشح اجتذاب المواطنين للحصول على أصواتهم بشكل يبتعد عن المصداقية التامة وبوعود يصعب تحقيقها بل إن تحقيقها من الممكن أن يمثل كارثة حقيقية على الدولة»، على حد قول عبدالعظيم.
برامج تنذر بـ«كوارث»
وأرجع الخبير الاقتصادى سبب تحذيره من «الكوارث» إلى أن قضية رفع الحد الأدنى للأجور، الذى اتفق على تطبيقه جميع المرشحين ووصوله إلى 1200 جنيه كحد أدنى للأجر الحكومى ــ كما جاء فى برنامج المرشح الانتخابى حمدين صباحى مثالا ــ سيمثل عبئا ثقيلا على الموازنة العامة للدولة، فإقرار الـ1200 جنيه كحد أدنى، يعنى أن هذا الرقم سيتزايد تدريجيا فى مختلف الدرجات الوظيفية التى تعلو تلك الدرجة، مما سيتسبب فى حدوث عجز حقيقى فى الموازنة العامة للدولة يصل إلى 20 مليار جنيه سنويا، على أقل تقدير «ما سيوقع مصر فى بحر من الديون وعجز الموازنة» حسب قوله، معتبرا أن الأهم هو تحديد حد أدنى للدخل وليس حد أدنى للأجر ليشمل هذا الدخل الأجر الأساسى بالإضافة إلى المكافآت والحوافز والبدلات.
ورفض عبدالعظيم المبدأ الذى أقره صباحى فى برنامجه الانتخابى بإلغاء أى مادة تسمح بإنشاء صناديق أو حسابات خاصة من جانب التنفيذيين ودون الرجوع إلى مجلس الشعب، قائلا: «يبدو من أسلوب تناول برنامج صباحى لقضية الصناديق الخاصة أنه ليس على دراية كاملة بوضع الصناديق الخاصة وطبيعة عملها، على حد قوله، فهى مخصصة لمشروعات بعينها تخص المحافظة، وإلغاؤها أو خضوعها لقرارات مباشرة من مجلس الشعب يعنى خضوعها فى إنشائها من عدمه إلى رأى المعارضة فى البرلمان،
مما قد يضر بمصالح المحافظة وإقامة مشروعاتها التنموية التى يعتمد تمويلها على هذه الصناديق.
وتابع عبدالعظيم: «لا يجب ضم موازنة الصناديق الخاصة إلى الموازنة العامة للدولة فقد تستغل فى الوزارات التى لها متطلباتها بعيدة عن احتياجات المحافظات الأساسية»، لافتا إلى أنه من الممكن أن تعرض موازنة تلك الصناديق مع الموازنة العامة للدولة على مجلس الشعب لدراسة بنهاية كل عام مالى ليمثل ذلك نوعا من أنواع الرقابة الشعبية على تلك الصناديق، التى تخضع قانونا لرقابة وزارة المالية قبل الصرف، ورقابة الجهاز المركزى للمحاسبات بعد الصرف، معتبرا أن ما أدخله المرشح الرئاسى عبدالمنعم أبوالفتوح فى برنامجه الانتخابى الذى أقتصر على «إحكام الرقابة على الصناديق الخاصة» لا يمثل جديدا، فالرقابة موجودة بالفعل.
واعتبر عبدالعظيم أن المرشح لم يأت بجديد فى هذه القضية ولم يذكر آليات واضحة للتعامل معها، والتى لابد أن تتمثل فى الرقابة الحقيقية على المكافآت والحوافز فقط، التى يتم الحصول عليها من الصناديق والتى تستغل أسوأ استغلال من قبل بعض القائمين عليها، مما جعلها مصدرا لانتشار الفساد والاستيلاء على أموال الصناديق دون وجه حق.
كما أبدى العميد السابق لأكاديمية العلوم الإدارية تحفظه بشأن برنامج أبوالفتوح الانتخابى فيما يتعلق بخضوع مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية لسلطة القيادة المدنية المنتخبة، موضحا أن المؤسسات العسكرية يجب أن تخضع إلى رقابة عسكرية وليست مدنية، فخضوعها لرقابة مدنية ليست على دراية كاملة بطبيعة عمل تلك المؤسسات قد يتسبب فى تخبط فى القرارات الأمنية ووضع الاستراتيجيات.
فى الوقت ذاته، أيد الخبير الاقتصادى مبدأ تعيين 50% على الأقل من قيادات الدولة العليا من الشباب الذين لا تقل أعمارهم عن 45 عاما، واصفا المبدأ بالـ»السليم جدا»، فممارسة من هو أكثر من 21 سنة العمل الحكومى ستكسبه خبرة وستجعله كفؤا لتولى قيادة عليا فى البلاد، بشرط أن يكون قد قضى فترته الوظيفية فى نفس الجهة التى سيرقى بها حتى لا يتم إقحامه فى مؤسسة جديدة مما سيثير استياء موظفيها.
ونوه عبدالعظيم بأهمية صدور قانون المحاسبة السياسية والمالية للوزراء والقيادات العليا، ومن هم فى حكمهم، وهو ما يأتى ضمن برنامج المرشح أبوالفتوح، موضحا أن هذا القانون والذى لم يكن موجودا فى عهد الرئيس السابق ما تسبب فى ارتكاب عدد من الوزراء وشاغلى القيادات العليا بالجهاز الإدارى للدولة العديد من الجرائم الإدارية وإهدار المال العام دون محاسبة نتيجة لتحصين مناصبهم ضد المساءلة القانونية.
«أفلح إن صدق»
وتمنى عبدالعظيم ألا تكون وعود المرشح الرئاسى محمد مرسى شبيهة بوعود الرئيس الراحل أنور السادات فى تحويل الدولة من دولة مهيمنة إلى دولة مؤسسات، «فالرئيس الراحل وعد بقيام دولة المؤسسات ليكون القرار فيها من خلال القضاء والبرلمان ومجلس الوزراء، لكن القرار الفعلى ظل لفرد واحد فقط وهو الرئيس الحاكم».
أزمات التطبيق
من جهتها، رأت أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، د. يمن الحماقى، أن جميع برامج المرشحين أغفلت آليات تطبيق البرامج، ما أفقدها جانبا من المصداقية، ومن أهمها طرق التطبيق ومواجهة التحديات فضلا على تحديد أولويات التطبيق، من وجهة نظر كل مرشح رئاسى، «فجميعهم يتحدث عن أشياء نرغب فى تحقيقها، لكن هناك قيودا معلومة مثل مصادر تمويل البرامج، والتى لم يذكرها أى من المرشحين، فضلا على تجاهلهم تحديد آليات بعينها لمكافحة الفساد الإدارى فى أجهزة الدولة الحكومية، رغم اعترافهم جميعا بوجود فساد وسوء إدارة فى هذا الجهاز».
وتعقيبا على رؤية المرشح أبوالفتوح فى إنشاء مكتب تابع لرئاسة الجمهورية مباشرة، مهمته متابعة دمج ذوى الإعاقة، أرجعت الحماقى أسباب تأييدها لهذه الفكرة إلى وجود عدة جهات بالدولة معنية بقضايا المعاقين وذوى الاحتياجات الخاصة «ورغم ذلك فهى غير مفعلة ولم يلمس لها أثر حتى الآن ما يتسبب فى إهدار المال العام»، مشيرة إلى أن دور هذا الكيان أو المكتب المستحدث سيتمثل فى التنسيق والرقابة على أداء المؤسسات الحكومية وقياس مدى التزامها بالنسبة القانونية التى حددها القانون لتعيين ذوى الاحتياجات الخاصة فى الجهاز الإدارى للدولة والتى تحددت بـ5% فى الجهات الحكومية.
كما رأت الحماقى أن البرنامج الانتخابى للمرشح عمرو موسى لم يتناول أسس ومعايير محددة لما طرحه من أن «ﻳﻜﻮن المعيار اﻟﺮﺋﻴﺴى ﻓﻲ اﺧﺘﻴﺎر اﻟﻮزراء والمناصب اﻟﻌﻠﻴﺎ ــ التى ﻳﻔﻮض اﻟﻘﺎﻧﻮن رئيس الجمهورية اﺧﺘﻴﺎرﻫﺎ ــ ﻫﻮ ﻣﻌﺎﻳﻴﺮ الخبرة واﻟﻜﻔﺎءة والقدرة ﻋﻠﻰ العطاء واﻟﻨﺰاﻫﺔ»، مشيرة إلى أن المرشح استبق الأحداث إذ لابد أولا من وضع الدستور الذى سيحدد إذا ما كان النظام فى مصر سيكون رئاسيا أم برلمانيا، مرجعة أسباب استباق موسى وإصداره لتلك الوعود إلى تبنيه للنظام الرئاسى الذى يقضى بتعيين رئيس الجمهورية للحكومة، وهو ما عانت منه مصر فى السابق نظرا لاختيار وزراء وقيادات بعينها.
«الأقصى للأجور» بعيدًا عن القطاع الخاص
ورفضت الخبيرة الاقتصادية اتجاه بعض المرشحين لتطبيق الحد الأقصى للأجور على القطاع الخاص «فذلك سيتسبب فى هروب الكوادر من ذوى الكفاءات من القطاع الخاص الذى يعتمد على المجال التنافسى»، موضحة أن إقرار الحد الأقصى لابد، وأن يقتصر على الجهاز الإدارى بالدولة فقط على أن يتم تحديده بـ50 ضعفا من الحد الأدنى للأجور لعدم حدوث فجوة بين الحدين الأدنى والأقصى.
وعن وعود المرشحين حول الأجور، ومن بينهم المرشح عبدالمنعم أبوالفتوح الذى وضع آلية لزيادة الأجور سنويا بما يوازى معدل التضخم الحقيقى مضافا آلية مقابل الخبرة، قالت الحماقى «هذه المبادئ بالزيادة السنوية موجودة فى القوانين الحالية والمرشحون لم يأتوا بجديد، وتصورات المرشحين الحاليين تنقصها الرؤية الواقعية، فرفع الأجور لن يحدث إلا بزيادة الإنتاج الذى يحتاج إلى خطة واضحة المعالم وبجدول زمنى واضح، وهو الذى افتقرت إليه برامج جميع المرشحين الذين اعتمدوا على العموميات فقط».
غياب الجدول الزمنى
واعتبر الخبير الاقتصادى بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية د. عبدالخالق فاروق أن برنامج المرشح الرئاسى عبدالمنعم أبوالفتوح، بما فيه من إشارات نحو النهوض بهذا الجهاز الحيوى فى الدولة، يفتقر إلى وجود عقلية اقتصادية ناضجة ذات فكر يعمل على تطبيق تلك الشعارات التى نادى بها فى برنامجه الانتخابى الذى «لا يوجد به شىء مختلف أو آلية واضحة للتطبيق»، مشيرا إلى أن البرنامج تجاهل تحديد الجدول الزمنى ومصادر التمويل والمسئولين عن تطبيق تلك البرامج، ومعايير اختيارهم التى لابد وأن تبدو واضحة للمواطنين، وهى كلها أمور تحتاجها مصر التى تخطو أولى خطواتها نحو النزاهة والشفافية بقدوم الرئيس القادم.
وأبدى فاروق تحفظه على قرار أبوالفتوح بتعيين 50% على الأقل من قيادات الدولة العليا من الشباب الذين لا تقل أعمارهم عن 45 عاما، قائلا: «العبرة ليست بالسن ولكن بمدى الكفاءة، فأمين لجنة السياسات السابق بالحزب الوطنى المنحل جمال مبارك كان فى الأربعينيات من عمره، ولكنه كان غير مؤتمن على ذلك المنصب، فالعبرة بالخبرة ومدى الكفاءة والنزاهة الشخصية فيمن يتولى المنصب القيادى، الذى لابد أن يحدد القانون معايير شغله دون النظر إلى السن».
وأكد الخبير الاقتصادى أن أبوالفتوح لم يأتِ بجديد بشأن قوانين المحاسبة السياسية والمالية للوزراء، ومن هم فى حكمهم، فهناك قوانين حالية تنص على محاسبة الوزراء خلال مدة خدمتهم مثل قانون 247 لسنة 1958 الذى ينص على محاسبة الوزراء، وهو القانون الذى عطله النظام السابق طوال العقود الماضية، فضلا على وجود قانون لمحاكمة رئيس الجمهورية نفسه.
وقال فاروق إن وضع آلية مرنة لزيادة الأجور سنويا بما يوازى معدل التضخم الحقيقى، التى طرحها مرشحون، يحتاج إلى شروط من بينها تغيير السياسة الاقتصادية الحالية وضبط معدلات التضخم والسيطرة على الأسواق. وشجع فاروق اتجاه المرشح الرئاسى حمدين صباحى نحو منع إنشاء صناديق أو حسابات خاصة، من جانب التنفيذيين من دون الرجوع إلى مجلس الشعب، حيث إنه ــ حسب رأيه ــ كان إحدى ركائز دولة الفساد و«80% منها كان يستغل بشكل غير قانونى ويتسبب فى إهدار المال العام، أما الـ20% الباقية فكانت تخصص للمحافظة»، مشيرا إلى أن الحل يكمن «فى إعادة هيكلة للسياسة المالية والضريبية لموازنة الصناديق وتحديد متطلبات كل محافظة».