الجنزوري بمذكراته: رفضت تحويل القروض العسكرية إلى تجارية فهاجمني سفير أمريكا بدعم من وزراء مصريين - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 10:12 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«الشروق» تنشر مذكرات «الجنزورى».. «سنوات الحلم والصدام والعزلة .. من القرية إلى رئاسة الوزراء» (6)

الجنزوري بمذكراته: رفضت تحويل القروض العسكرية إلى تجارية فهاجمني سفير أمريكا بدعم من وزراء مصريين

الدكتور كمال الجنزوري - رئيس الوزراء الأسبق
الدكتور كمال الجنزوري - رئيس الوزراء الأسبق
إعداد ــ إسماعيل الأشول
نشر في: الإثنين 16 ديسمبر 2013 - 11:29 ص | آخر تحديث: الإثنين 16 ديسمبر 2013 - 11:35 ص

عن سنوات النشأة والكفاح والانتقال من القرية إلى القاهرة مرورا بسنوات الدراسة ونهاية بتولى المناصب المرموقة حتى نهاية حكومته الأولى عام 1999، تدور أحداث الكتاب الذى بين أيدينا، والصادر حديثا عن دار «الشروق»، (طريقى.. سنوات الحلم.. والصدام.. والعزلة.. من القرية إلى رئاسة مجلس الوزراء) للدكتور كمال الجنزورى، رئيس وزراء مصر الأسبق.

فى الحلقات الماضية، سرنا مع الرجل منذ خطواته الأولى نحو العمل العام، وحتى حصوله على الدكتوراه بالولايات المتحدة الأمريكية وعودته للوطن، عقب نكسة الخامس من يونيو عام 1967، ثم تعيينه وزيرا للتخطيط فى حكومة الدكتور فؤاد محيى الدين فى يناير من عام 1981.

فى هذه الحلقة، يدور حديث الدكتور الجنزورى حول القروض العسكرية مع الولايات المتحدة الأمريكية، والعلاقة مع صندوق النقد الدولى، وكيفية تسيير العمل داخل رئاسة مجلس الوزراء فى حكومة الدكتور عاطف صدقى.

وقعت فى نهاية أكتوبر عام 1989 مفاجأة كبيرة، بخروج المشير أبو غزالة، وتولى الفريق أول يوسف أبو طالب وزارة الدفاع. وبعد هذا مباشرة ظهرت قضية القروض العسكرية التى أتاحتها الولايات المتحدة فى عام 1979 فى عهد الرئيس السادات، وكان الدكتور عبدالرزاق عبدالمجيد وقتها نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للتخطيط. وكانت القروض العسكرية، بفائدة مرتفعة للغاية تتراوح بين 11٪ إلى 14٪، ولم يقف الأمر عند ارتفاع أسعار الفائدة، بل صاحب ذلك مشكلة أخرى، حيث كان محددا لها عشر سنوات سماحًا يتم خلالها سداد الفائدة فقط، ثم بدءا من نهاية السنة العاشرة إلى السنة الخامسة والعشرين تدفع أقساط القرض وفائدته.

إذن المشكلة لم تكن فقط فى سعر الفائدة، ولكن إن تمكنا من سداد القروض أو بعضها مقدما، فلا بد أن نسدد ما يسمى بجزاء الدفع المبكر، ويعنى هذا استمرار ارتباطنا بهذه القروض حتى تنتهى المدة المقررة وهى خمس وعشرين سنة، ومن ثم فإن أردنا التحرر منها عندما تتوافر موارد لذلك فى أى سنة صعب الأمر بل استحال، ولكن صدر قانون جديد بعد ذلك فى الولايات المتحدة بإلغاء هذا الإجراء عند الدفع المبكر.

غير أنه بدأت المناقشات واللقاءات مع الدكتور عاطف صدقى والمجموعة الاقتصادية المكونة منِّى ومن الدكتور عاطف عبيد، والدكتور الرزاز، ومحافظ البنك المركزى الدكتور صلاح حامد، والدكتور يوسف بطرس، لظهور مشكلة جديدة وهى أن القروض بدأت سنة 1979 وانتهت فترة السماح فى سنة 1989، وبالتالى يلزم أن تسدد مصر كلًّا من الفائدة والقسط المستحق. وكما ذكرت فسعر الفائدة يتراوح بين 11٪ و14٪ وهو قدر كبير للغاية، خصوصا وأن أسعار الفائدة عالميا فى ذلك الوقت قد أصبحت ما بين 6٪ و6.5٪. واستند أغلبية أعضاء اللجنة على ذلك لتبرير مدى الفائدة للانتقال من الدين العسكرى إلى دين للبنوك الأمريكية.

رفضت تحويل القروض العسكرية إلى «تجارية».. فهاجمنى السفير الأمريكى بدعم من وزراء ورجال أعمال مصريين

بعد مناقشة فى لقاءات يومية لمدة تقرب من شهر، تأكد أن الكل بدون استثناء، موافق على هذا الانتقال من الدين العسكرى إلى الدين التجارى، وكنت الوحيد المعترض، ورجوت الزملاء عقد لقاء مع الرئيس، فلا يكفى أن نخطره أن الكل موافق عدا الجنزورى، حتى لا يبدو أن الأمر مشوب بخلاف شخصى. وفعلا عقد الرئيس اجتماعا بحضور الدكتور صدقى وجميع أعضاء المجموعة الاقتصادية، وتكلم الكل فى صالح نقل هذ الدين إلى دين تجارى. وأخيرا أوجزت وجهة نظرى، بما يؤكد أن الدين العسكرى دين له صفة سياسية، لأنه لم يُقترض لبناء سد أو لإقامة مصنع، ولكن لتوفير سلاح للدفاع عن الوطن، وعلى أساسه جاءت هذه القروض. فإذا بقى الأمر على ما هو عليه كدين عسكرى، فإن الشروط المقررة وفقا للقانون الأمريكى فى هذا الشأن، تحدد عندما تتوقف دولة ما عن سداد أقساط أو فوائد، وتنظر الإدارة الأمريكية فى كيفية التعامل فى هذا الأمر، وقد يرى خصم قيمتها من المعونة المقررة أو إيجاد آلية أخرى، وبالتالى فإن الأمر يبدو أسهل أو أضمن من التعامل إن تغير لدين تجارى. إذ فى حالة عدم السداد خلال تسعين يوما يتم مصادرة أموال مصر الموجودة فى الخارج لصالح البنوك التى حلت محل الحكومة الأمريكية فى القرض.

إذا.. المهم ليس أن الفائدة أقل فى حالة الدين التجارى، ولكن فيما ستقوم به البنوك عند التوقف عن السداد. اقتنع الرئيس وقرر ألا يتم نقل هذا الدين العسكرى إلى دين تجارى. هنا بدأ الزملاء الدفع بالسيد فرانك وازنر سفير أمريكا فى مصر حينذاك، وجاء عدة مرات لمحاولة إقناعى، وأوضحت له موقفى بقولى: «لو أنى أمريكى مكانك لقبلت هذا الأمر، ولو أنك مصرى مكانى فلن تقبله، وإن عاملت مصر مثل إسرائيل، وأعطيت مصر منحتها نقدا كما تُعطى لإسرائيل نقدا نحو ثلاثة مليارات سنويا، سأوافق فورا على الانتقال من دين عسكرى إلى دين تجارى». وبسبب الرفض المتكرر لطلبه، بدأ السيد وازنر الهجوم علىّ مستعينا ببعض رجال الأعمال فى ذلك. ولكن يشاء القدر بعد شهور قليلة أن تحتل العراق الكويت التى كان لمصر دور مميز فى تحريرها، فقررت الولايات المتحدة فى عهد الرئيس بوش الأب التنازل عن الدين العسكرى، وهو ما لم يكن ليحدث أبدا لو تحول الديْن إلى تجارى.

اختلف جورباتشوف مع مبارك حول دقة بعض الأرقام وقال له فى النهاية: آسف فأرقام السيد الجنزورى صحيحة

أنصفنى جورباتشوف

قبل أن أنتقل إلى الاتفاق مع صندوق النقد الدولى، أذكر حدثا يستحق الذكر. فلقد قرر الرئيس فى بداية يناير سنة 1990 زيارة الاتحاد السوفيتى فى أيامه الأخيرة قبل انهياره، وتكون الوفد المرافق من الدكتور عصمت عبدالمجيد نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية، ومنِّى، والدكتور زكريا عزمى، والدكتور أسامة الباز.

تم عقد اجتماع بين الوفدين الروسى والمصرى، ومثل الجانب الروسى الرئيس ميخائيل جورباتشوف ونائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية، ورأس الجانب المصرى وانضم إلى الوفد المرافق السيد أحمد ماهر سفير مصر لدى الاتحاد السوفيتى، وطلب الرئيس منِّى قبل الاجتماع أن أعلق على بعض النقاط فى الشأن الاقتصادى عندما يشير لى.

تحدث الرئيس جورباتشوف عن التوجه الجديد السياسى والاقتصادى للاتحاد السوفيتى، وعن العلاقة الوثيقة والقديمة مع مصر. ثم تحدث الرئيس، وأكد مثل هذه العلاقة مشيرا إلى السد العالى والمساعدة فى إقامة بعض المصانع وتوريد الأسلحة الروسية لدعم القدرات العسكرية للجيش المصرى. ثم بدأ الحديث عن العلاقة الاقتصادية، وذكرت بعض الأرقام بإيجاز عن الصادرات والواردات بين البلدين، وكيف أصبحت فى صالح الاتحاد السوفيتى، عكس ما كان عليه فى العقود السابقة. ولكن همس نائب رئيس الوزراء السوفيتى للرئيس جورباتشوف والذى قال: إن أرقام السيد الجنزورى ليست صحيحة.. صَمَّت ولم أجب بشىء، رغم تأكدى مائة فى المائة من صحة ما ذكرت، إذ وهبنى الله مقدرة عندما أرى الأرقام أستوعبها كاملة لتطبع فى الذاكرة. وبعد دقائق دخلت سيدة ووضعت ورقة أمام نائب رئيس الوزراء السوفيتى قرأها بسرعة ثم وضعها بدوره أمام الرئيس جورباتشوف، وهنا ظهر الحق «بأمر الله». كان يمكن لهما أن يصمتا، ولكن الله الحق المطلق أنطق الرئيس جورباتشوف ليقول للرئيس: آسف، فأرقام السيد الجنزورى صحيحة.

كان قد سبق إعداد مشروع اتفاق للتعاون المشترك بين البلدين، وبعد اللقاء مباشرة سأل الرئيس السيد أحمد ماهر من سيوقع عن الجانب المصرى؟ فقال:

الدكتور عصمت عبدالمجيد بصفته الأقدم ووزير الخارجية.

فقال الرئيس:

ـ لا تغير الصفحة الأخيرة، ويوقع كمال امتدادا لمسئوليته عن الشئون الاقتصادية.. وهذا ما حدث.

شاركنا فى «تحرير الكويت» فتنازلت لنا الولايات المتحدة عن 7 مليارات دولار .. وأبو غزالة اتصل بأعضاء «الشيوخ» فردا فردا لإقناعهم بذلك

الخلاف مع صندوق النقد

بعد انتهاء حرب الخليج وتحرير الكويت من العدوان العراقى، قرر الرئيس الأمريكى بوش الأب مكافأة مالية لمصر لمشاركة القوات المسلحة المصرية فى هذه الحرب. وكان القرار إلغاء الدين العسكرى للولايات المتحدة على مصر والبالغ نحو سبعة مليارات دولار، وتصادف أن هذ القدر يبلغ نحو 50٪ من إجمالى الدين الأمريكى على مصر، حيث كان الدين المدنى للولايات المتحدة الأمريكية على مصر، يصل أيضا إلى نحو 7 مليارات دولار لاستيراد القمح وخلافه. لذا ناشد الرئيس بوش دول العالم كله بخفض ديونها على مصر بـ50٪، ولقد تم هذا فعلا.

هنا يلزم الإشارة، أنه عندما قرر الرئيس بوش عرض الأمر على الكونجرس بإلغاء الدين العسكرى على مصر، سافر المشير أبو غزالة إلى واشنطن، وكانت له علاقات ممتازة مع معظم الساسة فى أمريكا، واتصل بكل أعضاء مجلس الشيوخ فردا فردا، ليرجوهم بالموافقة على إسقاط هذا الدين على مصر. وكنت شاهدا على هذا، حيث كنت فى واشنطن خلال هذه الفترة لحضور الاجتماع السنوى المشترك لصندوق النقد الدولى والبنك الدولى. وفعلا اجتمع مجلس الشيوخ، ووافق على قرار الرئيس بوش بإلغاء الدين العسكرى على مصر، وللحق كان للمشير أبو غزالة دور كبير فى هذا الأمر.

وكان للولايات المتحدة الأمريكية دور فى تسهيل إتمام الاتفاق مع صندوق النقد الدولى، لتنازل الدولة الدائنة (نادى باريس) عن نصف ديونها لمصر، وخصوصا أن اتفاق مصر مع الصندوق ساعد على زيادة الثقة. ونُفذ فعلا إسقاط الشريحة الأولى البالغة نحو 3.4 مليار دولار من إجمالى الخفض المقرر البالغ نحو 14.2 مليار دولار.

ولكن كان ضمن هذا الاتفاق أن تلتزم مصر بتوحيد سعر الصرف، وخفض الجنيه المصرى أمام العملات الأجنبية، وزيادة أسعار منتجات البترول (البنزين السولار الكيروسين المازوت البوتاجاز)، وفرض بعض الضرائب الجديدة، غير أنه عندما تمت المراجعة من جانب الصندوق بعد ستة أشهر تبين له عدم تنفيذ أغلب بنود الاتفاق.

بدأ الصدام مع الصندوق، وتوقف الاتفاق الذى أبرم فى 30 يونيو 1991، وسعينا بجهدنا كدولة وحكومة، أن نتفاوض مع الصندوق وعقد اتفاق آخر، وتم ذلك فى 20 سبتمبر 1993، وتضمن هذا الاتفاق شروطا أقل مما كان عليه الوضع فى اتفاق عام 1991، إلا أن تنفيذه استمر لفترة قصيرة، تم خلالها إسقاط الشريحة الثانية البالغة 4.4 مليار دولار، وعند المراجعة بعد ستة أشهر وأخرى بعد ستة أشهر ثانية، تبين للصندوق أن أمورا اتفق عليها تم تنفيذها وأخرى لم تنفذ، مما ترتب عليه فى نهاية 1993، أن توقف البرنامج ثانية لعدم تنفيذ بعض النواحى التى صعُب تنفيذها، خصوصا ما تعلق بالزيادة المطلوبة فى أسعار منتجات البترول، وخفض الجمارك، وبنود أخرى.

أحد وزرائنا اقترح على «صندوق النقد» «تأجيل الاتفاق».. فانفعل مسئول «صعيدى» بالصندوق مرددًا: حرام.. حرام

مسلك يوسف بطرس!

مرت شهور عدة دون التحرك من جانبنا، فبدأ الصندوق يهدد إن لم تقم مصر بتنفيذ ما اتفق عليه فى برنامج 1993، سيتم إلغاء الشريحة الباقية التى تقدر بنحو 6.4 مليار دولار، أى ما يعادل نحو 40٪ من إجمالى الخفض المقرر من الدين الخارجى. لهذا سافر وفد برئاستى إلى أمريكا فى منتصف إبريل 1994، كان أعضاؤه الدكتور عاطف عبيد، والدكتور يوسف بطرس غالى، والدكتور محمد الرزاز، وحاولنا أن نخرج باتفاق، حتى لا نتعرض لإلغاء إسقاط الشريحة الباقية، وطلبت من إدارة الصندوق أن يكون مندوب البنك الدولى معنا، إذ يهتم البنك الدولى بالتنمية، لأنه بنك التنمية، بينما يهتم الصندوق باتخاذ إجراءات مالية ونقدية ترتب أعباء على المواطنين.

اقتربنا من إنجاز اتفاق مع صندوق النقـــد الدولى بإسقاط جزء من ديوننا عام 1994 وفوجئت بيوسف بطرس غالى يقول لعاطف صدقى: «الجنزورى حايخلص»

وطلبت من المجموعة المشتركة أن تقدم شيئا، وليكن الموافقة على خفض جمارك السيارات، ذلك أن جمارك السيارات كانت تصل إلى 160٪ فى أعلى شرائحها، وتنخفض حتى 135٪ فى أقل تلك الشرائح. واقترحت خفض الشريحة العليا من 160٪ إلى 130٪، والشريحة الدنيا من 135٪ إلى 100٪. وأكدت بوضوح أنه إذا تقرر خفض جمارك السيارات كما هو مقترح، فسيتم فرض ضريبة جديدة يطلق عليها ضريبة الاستهلاك لتعوض الخفض فى إيرادات الجمارك المقدر بنحو 600 مليون جنيه، وذلك تجنبا من أن يطلب الصندوق إجراءات أخرى تكون أكثر عبئا على المواطنين.. المهم لاحظت ومعى أغلب أعضاء الوفد أنهم أوشكوا على الموافقة.

ولكن فوجئت بأمر لا بد أن أسجله، وهو أن الدكتور يوسف بطرس غالى اتصل بالدكتور عاطف صدقى تلفونيًا فى منزله بالقاهرة، فى الساعة الرابعة بعد الظهر، أى الساعة الحادية عشرة مساء بتوقيت القاهرة، سمعته مصادفة، حيث كان صوته عاليا، يقول إن الجنزورى «حايخلص» فدخلت وانتزعت منه السماعة وقلت للدكتور عاطف صدقى: فيه إيه؟!

قال:

ـ كيف توافق على خفض الجمارك؟

قلت:

1 + 1 = 2، فأنا أتنازل عن شىء باليمين وآخذه بالشمال.

قال:

ـ أنا لا أستطيع إبلاغ ذلك للرئيس.

قلت:

ـ يا دكتور عاطف المشكلة الأساسية التى تواجهنا أننا إن لم نفعل أى شىء سنخسر خفض الشريحة الباقية، ونجد أنفسنا ملتزمين بسداد أقساط وفوائد عنها.

ولكنه كرر وقال:

ـ لا أقدر أن أتحدث مع الرئيس فى هذا الأمر.

كان لزاما علىّ أن أطلب الرئيس، على الرغم من أن طلبى له وأنا فى الخارج نادرا ما يحدث، طلبته الساعة الخامسة بعد الظهر، أى العاشرة صباحا فى القاهرة، وأخبرته بإيجاز شديد بتفاصيل الأمر، قال موافق ما دام لا يضيف أى أعباء على المواطنين.

الغريب.. أن كان بيننا من هو على صلة أقوى بصندوق النقد الدولى، ولعله أشار بقصد أو دون قصد ـ على الإدارات المعنية بالصندوق، تأجيل الاتفاق مع مصر، لما اعتقده من أن مصر لا تستجيب إلا تحت ضغط، فكانت النتيجة أن رفض الصندوق المقترح الذى أوشك أن يتم الاتفاق عليه صباحا. وجاء رجل مصرى أصيل هو السيد عبدالمنعم عبدالرحمن من أهالى الصعيد الكرام، الذى يعمل مستشارا بالصندوق بعد بلوغه سنّ المعاش، يصرخ ويقول: حرام حرام، وانتقد من أشار على الصندوق بذلك.

انتهى الأمر، وعدنا بدون اتفاق وبدأ العد التنازلى علينا، وسددنا ما استحق من فوائد وأقساط عن الشريحة الباقية من إبريل 1994 حتى أكتوبر 1996، تاريخ بداية الاتفاق الأخير مع الصندوق الذى تم مع الحكومة عندما كنت رئيسا للوزراء.

كان ذلك الاتفاق رقم 13 على مدى علاقتنا مع الصندوق التى بدأت من عام 1962. وللعلم فإن ما تم سداده فى المدة المشار إليها (إبريل 1994 أكتوبر 1996) بلغ نحو 700 مليون دولار. ولكن والحمد لله وفقنا بالجهد والنقاش الجاد بعد اتفاقنا مع الصندوق، على البرنامج رقم 13 للفترة 10 أكتوبر 1996 حتى 10 أكتوبر 1998، على إعادة هذه الأموال إلى مصر بالتدريج على مدى ليس بالقصير.

ذكرت بعض الأمور عن فترة الدكتور عاطف صدقى، ولكونها اقتربت من تسع سنوات، فإنه يلزم إيضاح المزيد مما تم خلالها، ويمكن تقسيم تلك الفترة إلى مرحلتين: الأولى من 1986 إلى نهاية 1990، والثانية من بداية 1991 إلى نهاية 1995. فخلال المرحلة الأولى، كانت تنحسر اللقاءات فى اجتماعات المجموعة الاقتصادية، أما اجتماعات مجلس الوزراء فكانت تعقد متباعدة كل شهرين أو أكثر، لمناقشة بعض الموضوعات الأقل أهمية كما ذكرت. وفيما يتعلق بالمرحلة الثانية، التى بدأت بالاتفاق مع صندوق النقد الدولى بعد توصية من الجانب الأمريكى، وإقرار خفض الدين الخارجى على مصر بنحو 50٪، سواء الدين للولايات المتحدة الأمريكية أو للدول الأخرى، فيمكن أن يطلق عليها مرحلة المفاوضات مع صندوق النقد الدولى. فكان الحديث دائما فى الصحافة عما يصدر عن اللجان الوزارية أو مجلس الوزراء حول العلاقة مع الصندوق، فكانت العناوين الرئيسية فى الصحف القومية تدور حول: «لقاء مع بعثة الصندوق.. تأخر الاتفاق مع الصندوق.. الاتفاق مع الصندوق وشيك.. هناك بعض المشكلات فى التنفيذ».. وهكذا.

استمرت اجتماعات المجلس كل شهرين أو أكثر، بينما استمرت اجتماعات المجموعة الاقتصادية بحضور الدكتور عاطف صدقى وزادت، فبعد أن كانت ثلاث أو أربع مرات أسبوعيّا أصبحت كل يوم، والموضوع الرئيسى أو الوحيد كان مناقشة مطالب الصندوق لإعداد الاتفاق.

الحلقات السابقة:

الجنزورى يروى لأول مرة.. «سنوات الحلم والصدام والعزلة» (1)

الجنزورى يروى لأول مرة.. «سنوات الحلم والصدام والعزلة» (2)

«الجنزورى» فى مذكراته: غضب مبارك على أكثر من أى رئيس وزراء لأنه أدرك أن الشعب راضٍ عنى

«الجنزوري» في مذكراته: عقدة نائب الرئيس التى سيطرت على مبارك

«الجنزوري» فى مذكراته: لماذا لم يطح المشير أبو غزالة بحسني مبارك أثناء أحداث الأمن المركزي؟

في الحلقة القادمة ..

مبارك أقال عبد الحليم موسى لتبنيه المصالحة مع، «الجماعات الإسلامية» وعاطف صدقى لم يقل الحقيقة.

الرزاز فرض ضرائب على «توابيت الموتى» وشركات «توظيف الأموال» استغلت الدين فى دعايتها عن «الربح الحلال».



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك