- زيد: النهضة لن تتحقق إلا بإنشاء الكليات التكنولوجية وربط التعليم بالصناعة
- أدعو لإنشاء المجلس القومى للتعليم.. ومصر يمكنها التقدم بالتعليم الفنى خلال 8 سنوات
- لا نطلب ميزانية زيادة.. والدول الناجحة أصلحت التعليم قبل تطوير الأمن
- غياب الدولة عن المدرسة يهدد بظهور «داعش» بين شباب مصر
الدكتور وجدى زيد ــ الملحق والمستشار التعليمى والثقافى السابق لمصر فى الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا ــ يؤمن بتلك المقولتين، ويطرح رؤيته عن التعليم فى مصر، ملخصا سنوات كثيرة من الخبرة فى كتابه الجديد «التعليم ومستقبل مصر»، الذى يقدم فيه رؤية عميقة وخطة طموح لإصلاح التعليم المصرى خلال ثمانى سنوات مقبلة.
ويؤكد زيد ــ فى حواره مع «الشروق» ــ أن الحرب الحقيقية ليست خارج مصر، لكنها فى الداخل ولابد أن تبدأ فورا بالتعليم.
وتطمح خطة زيد إلى أن تتمكن مصر من الوقوف على قدميها فى السنوات الأربع الأولى، ثم تحقق التوازن بين التعليم والاقتصاد فى السنوات الأربع التى تليها، وذلك قبل الدخول فى مجال المنافسة الدولية، على أن تستغرق المرحلة التحضيرية عاما، تليه الدعوة إلى تأسيس نظام تعليمى جديد يرتبط باقتصاد الدولة، أحد أذرعه إنشاء المجلس القومى للتعليم، من 23 عضوا من جميع القوى التعليمية، ورجال الأعمال، والشخصيات العامة، والإعلام، وبعض رؤساء الجامعات، ووزراء التعليم، برئاسة رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء، تكون مهمته وضع استراتيجية عامة وثابتة للتعليم الجامعى وما قبل الجامعى، بالإضافة إلى السياسات والإصلاحات المطلوبة لتنفيذ الاستراتيجية.
وتتطلب الخطة إعدادا ماديا وإداريا وتشريعيا لإنشاء 30 كلية من الكليات التكنولوجية الجامعية فى جميع محافظات مصر خلال السنوات الأربع الأولى، تليها 40 كلية أخرى فى السنوات الأربع التى تليها، فيكون نصيب كل محافظة بنهاية الثمانى سنوات ثلاث كليات.
ويوضح أن مدة الدراسة فى هذه الكليات خمس سنوات، يلتحق بها الطلاب بعد انتهائهم من الصف الثانى من المرحلة الإعدادية، ويمنح بعد السنوات الخمس الدرجة العملية المؤهلة للعمل أو الدراسة عاما آخر أو عامين، حسب قدرته على الانتهاء من الساعات المطلوبة لنيل درجة البكالوريوس الجامعية، ويمكن للطالب الجمع بين الدراسة والعمل.
ولا يشترط تفوق خريجى هذه الكليات حتى يسمح لهم بمواصلة الدراسة لنيل درجة البكالوريوس من نفس الجامعة المشرفة على كليته التكنولوجية، على أن تتولى الدولة إنشاء هذه الكليات، وتتولى المصانع مسئولية تدريب طلابها.
ويرى أن تطبيق هذه الدراسة لن يكلف الدولة قرشا إضافيا، مؤكدا «نعد الرئيس عبدالفتاح السيسى ألا نطلب منه ميزانية أكبر»، مطالبا المسئولين بترشيد ميزانية التعليم، والاستفادة القصوى من الإمكانيات المتاحة.
وأضاف أن «قطاع التعليم الفنى تعود فى السنوات السابقة، أن يعيد إلى وزارة المالية كل عام مئات الملايين لعدم حاجه القطاع إليها، رغم التدهور الحاد فى التعليم الفنى، وكان من الممكن استخدام تلك الأموال فى التأسيس لنهضة التعليم التكنولجى وربطه بالاقتصاد».
ومن النقاط المضيئة فى تعامل الدولة مع خطة زيد لإصلاح التعليم، أن جامعة القاهرة تحملت نفقات طباعة الكتاب، إثر مناقشته فى إحدى جلسات مؤتمر عقد الشهر الماضى بالجامعة، ومن المقرر أن يتم تنظيم مؤتمر إقليمى يحضره وزراء سابقون، تحت رعاية رئيس الجمهورية، لطرح الخطة والنقاش حولها.
● ماذا تقصد بـ«الحرب فى التعليم»؟
ــ تنمية التعليم أهم من تنمية أقوى صناعة، أو أعظم جيش، أو أفضل نظام صحى.. والخبراء الأمريكيون قالوا فى تقرير لهم بعنوان «أمة فى خطر» حول حال التعليم الأمريكى عام 1981 «لو أن قوة أجنبية معادية حاولت أن تفرض على أمريكا الأداء التعليمى الضعيف الموجود اليوم، لأخذنا ذلك على أنه من أفعال الحرب.. والحرب العلمية هى الحرب الحقيقية التى يحسم النجاح فيها نهضتها داخليا، وتفوقها فى المجال الدولى».
ومن المغالطات الكبيرة التى نعيشها فى مصر، أن التعليم يأتى بعد الأمن والصحة ولقمة العيش، والحقيقة التى تعيشها كل الدول المتقدمة والنامية أن التعليم هو الهدف الأول لأى نهضة، فإسرائيل تعيش حالة حرب منذ نشأتها لكنها تعطى التعليم الأولوية، والسبب أن التعليم يوفر ثلث ميزانية كل الوزارات فى هذه الدولة.
ولو أخذنا فى مصر بالخطة المقترحة يمكننا بعد السنة الخامسة منها توفير جزء كبير من الميزانية، لأن خريج النظام الجديد الذى اقترحته، سيكون لديه عند تخرجه فى سن التاسعة عشرة كل المهارات المطلوبة، وهو ما يوفر مئات الملايين.
● وكيف يمكن أن تلتفت الدولة لإصلاح التعليم فى خضم حربها على الإرهاب؟
ــ فى أثناء الحرب العالمية الثانية، انتبهت إنجلترا لضرورة إعادة بناء التعليم، ولم تنتظر حتى تنتهى الحرب، وأعد مجلس التعليم البريطانى دراسة جعلها أساس الإصلاح، تتضمن الإجابة عن ثلاثة أسئلة لم نجب عنها حتى الآن، وهى: ما العمر المناسب الذى يمكن للطالب فيه الانتقال من التعليم العام إلى التعليم التكنولوجى والفنى؟ وما الاختبارات التى يمكن أن نختار على أساسها من يتجهون إلى التعليم التكنولوجى والفنى؟، وما الإطار السياسى السليم الذى يخدم تطور التعليم التكنولوجى والفنى؟.
وانتهت الأبحاث إلى أن يلتحق ثلثا أعداد الطلاب بالتعليم التكنولوجى، بعد الانتهاء من الفصل الثانى من المرحلة الإعدادية، ويلتحق الثلث المتبقى بالتعليم التقليدى العام.
وفى 1990 وصلت نسبة الطلاب المتدربين فى أعمال تكنولوجية وفنية، فى ألمانيا التى كانت ومازالت من أكثر التجارب نجاحا، إلى ما يقرب من 75% من مجموع الطلاب من 16 إلى 19 عاما، مما ساهم فى ربط التعليم بالاقتصاد ونهضته.
● ومن العدو الذى سنحاربه إذا رفعت الدولة شعار «الحرب فى التعليم»؟
ــ فى البداية أحذر من ظهور «داعش» بين الشباب فى مصر، إذا استمر التغافل عن إصلاح التعليم واستمرار انهيار الفصل المدرسى، وانقطاع الصلة بين الدولة وشبابها.
ويكفى أن أذكر أن نسبة الارتباط بين التعليم بالاقتصاد فى مصر، لا تزيد على 10%، ولابد أن نبدأ فورا فى خطة تعتمد على زيادة نسبة الملتحقين بالتعليم التكنولوجى إلى 30% خلال الأعوام الأربعة المقبلة، وبهذا نقف على أولى خطوات الدولة النامية، ثم زيادة تلك النسبة إلى 50% فى الأعوام الأربعة الثانية، بما سينعكس على نهضة الدولة المصرية.
وعلينا أن نحارب الجهل أيضا، فقد كان لدينا 1188 مدرسة تعليم فنى فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وكانت نسبة الملتحقين بالتعليم التكنولوجى تصل إلى 30% من أعداد الطلاب، لكن هذا العدد تقلص فى نهاية عصر الرئيس الأسبق حسنى مبارك، بعد تحويل مناهج أكثر من 550 من المدارس الصناعية والتجارية والزراعية إلى مناهج التعليم العام، وهو ما أدى إلى تضاؤل نسبة الملتحقين بالتعليم التكنولوجى، بالإضافة إلى دراسة مناهج متخلفة لا تؤهل الطلاب للسوق المحلية أو الدولية، رغم تكرار المؤتمرات التى تدعو لإصلاح التعليم الفنى.
● وما رأيك فيما يقولك البعض من ضرورة استقرار الدولة أولا قبل التفكير فى تطوير التعليم؟
ــ تثبيت الدولة واستقرارها لا يكون إلا بتعليم جيد مرتبط بالاقتصاد، يكفى أن نذكر أن «أقرأ» أول أمر إلهى فى الإسلام، مع أنه كان يمكن أن يتم استبداله بـ«تسلح» أو «تنفس»، أو أى فعل وجودى آخر، لكن التعليم هو العمود الفقرى للرؤى والبرنامج، وإذا لم نبدأ به فورا، لن نصلح بناء الدولة.
● فى رأيك لماذا فشلت رؤى تطوير التعليم الفنى السابقة؟
ــ لأنه لا توجد رؤى جادة لتطوير التعليم فى مصر، هناك اجتهادات فى عرض مشكلات ثانوية، فنرى محاولة لإنشاء جامعة ووضع اسم العالم عليها، أو تفكير وزارى بتطوير الفصل عبر تزيين الجدران، وإهمال تطوير المناهج، أو محاولات غير صائبة تتمثل فى إنشاء وزارة للتعليم الفنى.
وكنت أرى ضرورة أن تتبنى الجامعات خطة تطوير التعليم الفنى، عبر إنشاء الكليات التكنولوجية، فمن غير المعقول أن يتم الاعتماد على وزارة جديدة كانت جزءا من وزارة التربية والتعليم، وأرى أنها مسئولية كبيرة على وزارة وليدة، وذلك لما يتطلبه الأمر، من تطوير المناهج بما يضمن عدم انفصال التعليم عن سوق العمل، وتحت إشراف حقيقى من الجامعات على تلك الكليات، فإذا كنا نريد نهاية صحيحة لابد من أن نبدأ بداية صحيحة.
● هل نقص ميزانية التعليم يقف عائقا أمام التطوير؟
ــ ليس صحيحا فلدينا ميزانية جيدة، والدستور الحالى حددها بـ4%، لكن المشكلة تكمن فى سوء إدارة الأموال إدارة صحيحة، والتعود على أنماط فاشلة فى الصرف على العملية التعليمية، ومنها إهدار أموال وزارة التربية والتعليم على مكافأة الامتحانات، وصرف الملايين على الدروس الخصوصية بسبب غياب الفصل الدراسى، ويتطلب ذلك تغيير المناهج بشكل كامل، ووضع رقابة على المدرسين ومنع الدروس الخصوصية، وتغيير نظام التقويم«الامتحانات» عبر تقسيمه على العام الدراسى، بحيث لا تكون الدرجة النهائية على الامتحان النهائى فقط.
● ذكرت فى كتابك تجارب دول اهتمت بإصلاح التعليم فى وقت الحرب. فهل ذلك ممكن؟
ــ الكثير من الدول لم تلهها الحروب عن إصلاح التعليم، ومنها إنجلترا عام 1940، أى قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية، التى كانت طرفا أساسيا بها، قررت إخلاء مقر مجلس التعليم الوطنى، وعزل أعضائه بعيدا عن العاصمة، لكى يبحثوا عن آلية لإصلاح التعليم باعتباره أساس المنافسة بين الدول، ووضعوا الأسئلة والإجابات التى أشرت إليها سابقا.
والمسألة ليست صعبة فدولة مثل فنلندا بلغ عدد الطلاب والطالبات الملتحقين بالتعليم التكنولوجى الآن أكثر 90%، من إجمالى الطلاب فى البلاد، وبذلك تعد من أكثر التجارب نجاحا.
● وهل تعتقد أن النظام التعليمى المصرى أجاب عن الأسئلة البريطانية؟
ــ لا فليس لدينا أحد يقرأ تجارب الدول التى سبقتنا فى إصلاح التعليم.
● لماذا تفضل الأخذ بنموذج الكليات التكنولوجية؟
ــ ترتبط مناهج تلك الكليات بالصناعة، ومجالات الدراسة فيها، هى الهندسة والتصنيع والبناء ومهارات التصميم وإدارة الأعمال، وغيرها من المجالات المرتبطة بتطوير الصناعات والمهن فى المحافظات المختلفة، فمثلا استطاعت انجلترا خلال عامى 2012 و2013 أن تنشئ عشرات الكليات التكنولوجية بما انعكس على الصناعة، لذلك صرح رئيس الوزراء البريطانى السابق ديفيد كاميرون، بأن انجلترا تسعى إلى أن تكون هناك كلية تكنولوجية جامعية فى كل مدينة رئيسية.
● وكيف نضمن نجاح تلك الكليات فى مصر؟
ــ يتوقف نجاح هذه الكليات على عدة عوامل، منها إدخال مناهج تمهيدية تكنولوجية فى التعليم العام لطلاب الابتدائى بشكل مبسط، واكتشاف القدرات والمهارات التكنولوجية لدى الطلاب على أساس عملى تطبيقى فى غرفة الدراسة، فمثلا إنجلترا أدخلت تدريس قصة الرحالة الإنجليزى روبنسون كروزو الذى استطاع بالموارد المتاحة ــ على جزيرة منعزلة ــ أن يجعل حياته أكثر رفاهة.
وتهدف هذه النوعية من الدراسة إلى دفع الطلاب لأن يخططوا ويجربوا من خلال العمل التطبيقى، ولم يكن الإنجليز منفردين فى إدراكهم لهذه الحقيقة، فقد شاركهم الأمريكيون بعد الحرب العالمية الثانية فى تحويل المدرسة إلى مصنع حقيقى بعد انتهاء اليوم الدراسى النظرى، فترى مجموعة من الأطفال تنخرط فى نسج سجاد من الصوف، وخياطة الوسادات، وصناعة الأثاث من الورق المقوى، وغيرها من الأعمال.
ويشترط لنجاحها أيضا أن يصمم خبراء التعليم المناهج، وعملية تدريب الطلاب، ويتطلب هذا التعبئة العامة، وتجهير المجتمعات المحلية فى المحافظات على تحمل المسئولية مع الدولة، وإيمان الإعلام بالنظام التعليمى الجديد وتشجيعه.
● هل هناك مرحلة معينة لاكتشاف القدرات التكنولوجية لدى التلميذ قبل التحاقه بالتعليم الفنى؟
ــ أثبتت التجارب فى هذه المدارس أن القدرات التكنولوجية يمكن اكتشافها عند التلاميذ بمجرد دخولهم المرحلة الابتدائية، وأنه لا يجب تأخير الكشف عن هذه القدرات، بل إن هناك محاولات فى فنلندا وألمانيا للكشف عن المهارات التكنولوجية عند الأطفال الصغار فى مدارس الحضانة، وهو ما سيعيد تشكيل صورة إيجابية عن خريجى التخصصات التكنولوجية.
أما تأخير ذلك إلى بداية المرحلة الإعدادية، وجعل معيار تحويل الطالب للتعليم الفنى، أنه فشل فى الحصول على الدرجات المطلوبة فى التعليم العادى، فذلك واحد من أسباب فشل التعليم وتدهوره فى مصر.