الكِرش الشَّعبِي (10): اليوبيل البرونزي و«يرِيفَان» - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 7:06 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الكِرش الشَّعبِي (10): اليوبيل البرونزي و«يرِيفَان»

الكرش الشعبي
الكرش الشعبي
بوابة الشروق
نشر في: الخميس 17 أبريل 2014 - 6:36 م | آخر تحديث: الخميس 17 أبريل 2014 - 6:36 م

خطوة للوراء

-"وانت ساكن فين بقى؟"

-"في شارع يعقوب أرتين"

-"فين؟ يعقوب؟ مين ده؟"

-"معرفش.. هو اسمه كده"*

*نص حوار تكرر لعدد لا نهائي من المرات بدأت منذ تعلمت كطفل اسم شارعنا، حتى يومنا هذا.

-"ماما، هو ايه ده؟"

-"ده نادي يا حبيبي"

-"وليه كاتبين عليه بحروف غريبة كده؟ ايه ده؟"

-"ده نادي أرارات يا شريف، نادي بتاع الأرمن"

-"مين دول!"

-"ناس كده أصلهم مش من هنا يا حبيبي"*

*شبه محاولة لتذكر أول مرة رأيت فيها يافطة نادي "هوفمنتمن أرارات" في شارع بيروت، مصر الجديدة.

"يا عم أساسًا منتخب فرنسا ده مش المفروض يلعب في كأس العالم! جايبين زيدان من فرنسا، وفييرا وديسايي وتورام وكارمبو واضح قوي إن أصلهم مش فرنساوي، ودجوركاييف أصله أرمنلي.. فين بقى منتخب "فرنسا" ده إن شاء الله؟"*

إحدى النقاشات العبثية مع الأصدقاء المهتمين بكرة القدم عقب كأس العالم المقام في فرنسا عام 1998، والذي فازت به فرنسا.

"سيران! اسم كان يومًا يعني "الحُلوة"، جاءت على متن سفينة من ميناء "صيدا" مع نهاية سنة 1915 فرارًا من مذابح الأتراك لعشيرتها من الأرمن السوريين، لتستقر في القاهرة مع زوجها "سَركيس" وابنتها "فارتوهي" ذات الأربعة عشر عامًا، أجَّر الأب دكانًا باع فيه الزيتون والأجبان والنبيذ، واستقر حاله وأسرته الصغيرة في شقة متواضعة ببناية لا تطل على شيء، أسرة باهتة مطموسة وسط آلاف الأسر التي نزحت إلى مصر في سَيْل لا ينقطع هربًا من نيرانِ الحرب" – رواية 1919، أحمد مراد.

قفزة للألفين وأربعتاش

كل ما سبق، وشوية قراءة وصور بشعة لمذابح الأتراك للأرمن، هي للأسف كل معلوماتي عن وجود ناس "أرمن" في حياتي، وهو شيء مبني بشكل كلي على صدفة إني قضيت طفولتي كلها في أنحاء مصر الجديدة، فكان في مجال لأني أسمع عن كنائس لطوائف مختلفة، وأشوف يُفَط مكتوبة بلغات مختلفة بجانب العربي والإنجليزي، وأقابل في الجيران خلفيات وأعراق مختلفة. وكان دائمًا واحد من الأسئلة المتكررة عندي، مع كوني طفل وَفي لفترة انفتاح مصر على العالم وانتشار المطاعم العالمية في القاهرة، كل ما أقابل ناس مختلفين عننا في اللغة أو الأصل، هو "هم بياكلوا أكل مختلف عننا؟". ولما كبرت، عرفت إن أكل كل دولة بشكل ما بيعبر عنها وعن ناسها، زيُّه زي الأدب والفن والموسيقى بالضبط. وإن طريقة الطبخ والتقديم وتمازج النكهات مع بعضها كتاب مفتوح عن عادات الناس وطباعها. وده كان أحد أهم أسباب حماسي لما سمعت إن في مطعم جديد اسمه "يرِيفَان" بيقدم أكل أرمني فتح في سيتي ستارز؛ فرصة جديدة لمعرفة جيران قدماء من الطفولة.

يرِيفَان

في الامتداد الجديد لمُول سِيتِي ستارز، في الطابق السُفلي بجانب السينيمات، حتلاقوا مَطعم "يِرِيفَان"؛ مطعم شكله كلاسيكي جدًا. الحقيقة إن يوم ما كنت رايح أجرب المطعم، كنت متخوف شوية من الأكل. فكرة إنك تاكل من مطبخ معندكش أدنى فكرة عن مكوناته ساعات بتكون مقلقة، وكنت بفكر اتجه لمطعم تاني هندي، يبقى طعمه مألوف شوية ومنتهى المغامرة فيه كون الأكل حراق أو توابله غريبة شوية. بس لحسن الحظ، الأصدقاء أصروا إننا نجرب حاجة جديدة تمامًا.

أول ما قعدنا، والمطعم عادة فيه أماكن متوفرة ومش زحمة، نزلنا مشروب "ترحيب" في كوب فخار –الأطباق والأكواب الفخار هناك حلوة جدًا!- عبارة عن مزيج جنزبيل ونعناع. الفكرة إن عادة، الجنزبيل طعمه حاد جدًا، والنعناع نفَّاذ جدًا، بس الغريب إن اجتماعهم سوا انتهى بمشروب ملوش أدنى طعم، كأنها مياه ساقعة وعليها نقطة ماورد. جنب كده، كان في طبق حمص بديع الجمال؛ حمص وطماطم وبصل وزيتون وزيت زيتون. احنا ليه مش بنجرب الحمص مع البصل والطماطم أكتر من كده؟

قائمة الطعام هناك كانت صعبة شوية، لأن كل المسميات مكتوبة بأسمائها الأرمنية، وفي وسط كل صفحة مكتوب معنى المسميات ده. في المقبلات، كانت اختياراتنا كالآتي: مِحَمَّرَة، وماما غنُّوج، وورق عنب، وسجق وبطاطس.

المحَمَّرَة ده أكلة أصلها شامي، وأغلب الظن، حلبي، وهي عبارة عن عجين الجوز والفلفل الأحمر وزيت الزيتون وأحيانًا، دبس الرمان. في كل المرات اللي ذقتها فيها، كانت المحمرة عجينة ناشفة وحارة المذاق، بس الواضح إن المحمرة الأرمنية مختلفة شوية. العجينة كانت صلبة للغاية، ومفيهاش نكهة تقريبًا. الماما غَنُّوج –لأ هم بيسموها ماما غنوج بجد، الموضوع مش قلشة ولا استظراف- كانت لطيفة جدًا، والفرق الأساسي بينها وبين ال بابا غنوج اللي احنا متعودين عليه، هو غياب الطحينة، مع بقاء البتنجان والثوم وبقية البهارات، طبق لازم تجربوه كنوع من التغيير عن المقبلات التقليدية في مصر. ورق العنب كان أحلى ورق عنب بارد ذقته في مكان بره مصر، طعمه مظبوط، ومحشي كويس، وفيه اضافة تكررت في كل طبق أكلناه هناك، الرمان. بشكل عام، واضح إن في ولع مخيف بالرمان في المطبخ الأرمني، وأنا أشكرهم على الإضافة العظيمة ده! طبق السجق والبطاطس كان رائع برده، خصوصًا لو كلت جنبه رمَّان. البطاطس كانت رائعة على مقياس "مقرمشة من بره وهشة وطرية من جوه"، ومتشربه الصوص بتاعها بشكل ممتاز، والسجق مع دبس الرمان وحبَّات الرمان طعمه مختلف. نصيحة، فككم من المحمرة تمامًا وركزوا في بقية المقبلات.

(المقبلات وفقًا لترتيب ذكرهم)

الأطباق الرئيسية كانت حكاية تانية. أولًا، الاختيارات مش كثيرة قوي للأسف. ثانيًا، الأطباق الرئيسية تؤكد شيء المفروض يكون مر بخاطرك، وهو إن المطبخ الأرميني شديد الشبه بالمطبخين اللبناني والتركي. ثالثًا، فقرة الترجمة في منتصف الصفحة ده فعلًا مشتتة ومزعجة.

اختياراتنا كانت كالآتي، ماتزونوف ميس (لحم بالزبادي، متتخضوش من الاسم) ومانتي. الماتزونوف ميس كان أقرب ما يكون لفتة زبادي، أو منعًا للفذلكة، فتة زبادي؛ زبادي وعيش وسُمَّاق ولحم –وسط ما بين الكفتة والهامبورجر- من أطرى ما يكون، نظرًا لكونه شارب الزبادي كله، ومع كل ده، شوية صنوبر على الوش وكمية ثوم مظبوطة بالمللي في الزبادي. الكمية مُشبعة جدًا والطعم رائع فعلًا. أما المانتي، فكان أول طبق في قائمة الأطباق الرئيسية، وعادة، ده معناه إنه أكتر طلب المطعم عايزك تلاحظه وتطلبه. الطبق كان عبارة عن معجنات شبيهه بعجينة القطائف، محشية لَحم، وغرقانة في صوص طماطم كثيف مقدمين في طاجن مغربي، ومعاها طبق جانبي خليط زبادي وثوم وسماق. البديهيات تقول إنك تاخد طبق الزبادي، تغرق بيه الطاجن وتعوم في مزيج نكهة الطماطم واللحم والثوم والزبادي. البديهيات برده حتؤكدلك، إن طعم الطبق حلو جدًا، وإنه على الرغم من إن شكله بيقول إنه طاجن صغير، لكنه حقيقة مُشبع جدًا هو كمان.

(صورة للأطباق الرئيسية حسب ترتيب ذكرها)

لما جِه وقت الحلو، كان اللي حصل حصل، والبطون اتملت ومعادش فيها مكان، فكان التراجع عن طلب الحلو مطلب منطقي. ولو إن في شيء لفت نظري، وهو إنهم بيقدموا رز باللبن بالنعناع... يطلع ايه الرز باللبن بالنعناع ده وطعمه رايح على فين بالضبط؟

اجمالًا، المكان كان أكله لطيف، خدمته كويسة جدًا –المدير سوري على ما أظن-، وكان فرصة لطيفة لمعرفة ترابيزة جيران مصر الجديدة القدامى ترابيزتهم فيها ايه وبيقول عنهم ايه.

****

روابط متعلقة:

اليوبيل البرونزي: احتفال بمرور 10 سنوات على حدث ما، وفي حالتنا هذه، احتفال بالحلقة العاشرة للكرش الشعبي هنا.

لمعرفة المزيد عن يعقوب أرتين باشا وأثره على التعليم في مصر من «هنا»

للمزيد عن دولة أرمينيا من «هنا»

ولاسترجاع ذكريات كأس العالم 1998 من «هنا»

اقرأ اضاً:

الحلقة الأولى من «الكرش الشعبي»: على سكان كل ضفة في النيل الالتزام بضفتهم.. و«مدد يارفاعي مدد»

الحلقة الثانية من الكِرش الشعبي : رحلة البرجر المصري

كرش شعبي 3: كِبدِة وَسُجُق البِرِنس.. دُرَّةُ التَّاجِ الإمْبَابِيْ

الكرش الشعبي (4): الفُول والطَّعمِيَة، بَيْنَ الحَدَاثَةِ والأُصُولِيَّة وَمَا بَعدهمَا(1)

الكرش الشعبي (5): الفُول وَالطَّعمِيَّة بَيْنَ الحَدَاثَةِ والأصُولِيَّةِ وَمَا بَعدهمَا (2)

بالفيديو.. الكرش الشعبي (6): ستوديو مصر

الكرش الشعبي (7): دليلك للهروب باحتراف من الحوسة.. في حالة ما اتدبست في عزومة تتجاوز الرز والكوسة

الكرش الشعبي (8): مطبخ القاهرة.. كايرو كيتشن

الكرش الشعبي: الحلقة التاسعة.. روما نوز ماكاروني جريل



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك