العقيد أعل ولد محمد فال.. ضابط موريتانى دخل التاريخ العربى من أوسع أبوابه.. من الباب الذى خاصمه كل الزعماء العرب ممن عمروا فوق عروشهم لأكثر من ثلاثة وأربعة قرون، وهو باب الديمقراطية الغريبة فى العالم العربى. فى صباح 3 أغسطس 2005، قاد انقلابا أبيض على الديكتاتور معاوية ولد سيدى أحمد الطايع، وصل على إثره إلى السلطة، لكنه فاجأ الجميع.. بهر الجميع.. نزع أوراق التوت عن الجميع.. فعلى عكس المتوقع من ضابط جلس على كرسى إدارة أمن الدولة فى بلاده لنحو 20 عاما أعلن ولد فال لحظة وصوله للسلطة نواياه الديمقراطية، قال إنه سيسلم السلطة بعد وضع دستور جديد للبلاد وانتخابات تشريعية ورئاسية شفافة، هى الأولى من نوعها فى موريتانيا والعالم العربى فى غضون عامين.
ما يدعوك للانبهار أن الرجل الذى ترأس ما عرف باسم «المجلس العسكرى للعدالة والديمقراطية»، المكون من 18 عقيدا، والذى أدار شئون البلاد خلال المرحلة الانتقالية قد سلم السلطة بعد مضى 19 شهرا فقط، ولم يكمل الـ24 شهرا التى قطعها على نفسه.. سلم الرجل السلطة وانسحب من المشهد السياسى فى بلاده برمته بعد أن نال احترام العالم من أقصاه إلى أقصاه.
لكن ولد فال وسط هذا الإنجاز الرائع والاستثنائى فى التاريخ العربى الحديث نسى أنه يعيش بين دول عربية ما زالت تعيش فى طور القبيلة.. لا تختلف كثيرا عن عبس وذبيان وتميم.. فبعد أن سلم السلطة كاملة إلى رئيس مدنى منتخب هو الرئيس الموريتانى السابق سيدى محمد ولد الشيخ عبدالله، فى مارس 2007، قام جنرال آخر بانقلاب على التجربة الديمقراطية التى صنعها ولد فال وهو محمد ولد عبدالعزيز، الرئيس الحالى لموريتانيا صبيحة السادس من أغسطس 2008.
«الشروق» حاورت العقيد أعل ولد محمد فال، الذى قاد بلاده لعبور مرحلة انتقالية كالتى تشهدها مصر فى اللحظة الراهنة، لنتعرف على رؤيته للمشهد المصرى.. ففاجأنى الرجل وكأنه يعيش فى مصر.. بل فى قلب ميدان التحرير من فرط إلمامه بأدق تفاصيل المشهد المصرى.
بمرارة شديدة بدأ الرجل حديثه معى بأن بوصلة المصريين انحرفت إلى الاتجاه الخاطئ منذ البداية.. حيث مسار الانتخابات قبل وضع الدستور، وشدد على أنه وضع الدستور أولا فى مرحلة موريتانيا الانتقالية (2005 ــ2007)، ثم أجرى انتخابات بلدية.. فبرلمانية.. فرئاسية.. وعندها سلم السلطة كاملة، وهو الخيار الذى لم تخضه مصر. ورغم تخوف ولد فال على الثورة المصرية من الصراع بين المؤسستين العسكرية والرئاسية إلا أنه واثق من قدرة الرئيس محمد مرسى والمجلس العسكرى على العبور بالبلاد لبر الأمان عن طريق العقلانية والحوار وحدهما.
من بين دول الربيع العربى يرى ولد فال أن تونس ومصر على الترتيب هما صاحبا أهم إنجازات فى نادى الربيع العربى، ذلك أن هذين البلدين نجحا فى الإطاحة بأنظمة فاسدة.. وحل محلها أنظمة منتخبة ما كان لها أن تصل إلى السلطة دون قيام الثورة، وهذا إنجاز مهم جدا لهاتين الثورتين.
عندما يتذكر العقيد ولد فال ــ الذى نال احترام العالم ــ تجربته فى قيادة التحول إلى الديمقراطية فى موريتانيا تشعر بغضة فى حلقه.. مرارة.. يقول لك «العالم استكثر على بلدا مثل موريتانيا أن تكون ديمقراطية.. وإلا لماذا لم نسمع أى اعتراض على الانقلاب على تجربتنا عام 2008 من الغرب الذى صدعنا بكاء على الديمقراطية فى العالم؟»، هذا السؤال بالضبط يعترف العقيد ولد فال بأنه لا يجد له إجابة.. لكنه يكشف لـ«الشروق» للمرة الأولى أن القبائل العربية عبس وذبيان وتميم أو نظام مبارك فى مصر وزين العابدين فى تونس والقذافى فى ليبيا عملوا جاهدين على وأد الديمقراطية فى بلاده.. كى يقولوا لحلفائهم فى الغرب: انظروا العالم العربى لا تنفع فيه الديمقراطية.
وفيما يلى نص الحوار:
• بداية.. سبق أن قدتم بلدكم فى فترة انتقالية كالتى تعيشها مصر الآن.. فكيف تقيمون المسار السياسى الذى انتهجته مصر فى هذه الفترة؟
ــ التجربة المصرية الحالية ليست متشابهة مع التجربة الموريتانية بالكلية.. نحن فى موريتانيا بدأنا بالدستور.. ثم الانتخابات البلدية.. ثم الانتخابات التشريعية.. ثم توجنا المرحلة الانتقالية التى حددناها بعامين بانتخابات رئاسية شهد العالم بشفافيتها ونزاهتها، سلمنا بعدها السلطة للمؤسسات المنتخبة وانسحبنا من المشهد السياسى، إلى أن حدث الانقلاب على الشرعية فى 2008، عبر الانقلاب العسكرى.
فى مصر أخذتم مسارا آخر أراه غير موفق.. بدأتم من النهاية.. حيث أجريتم انتخابات تشريعية ــ طعن عليها بعد ذلك ــ ثم انتخابات رئاسية، وتجاهدون لصياغة الدستور الآن.. الذى كان يجب أن تبدأوا به.. ويمكننى القول بأننا فى موريتانيا درسنا جيدا خطواتنا.. وسرنا فى الطريق الصحيح، لكن لم يكتب للتجربة الديمقراطية الفريدة من نوعها فى المنطقة العربية أن تكتمل بفعل الانقلاب العسكرى عام 2008.
• هل ترون أن هذه البداية غير الموفقة هى المتسبب فى أزمة مصر السياسية الآن.. حيث يتقاسم المجلس العسكرى والرئيس السلطة؟
ــ أوافق تماما على ذلك.. لو كنتم وضعتم الدستور قبل إجراء الانتخابات كانت الثورة المصرية حققت أهدافها فى وقت أسرع مما عليه الآن.. كان المجلس العسكرى سلم كامل السلطات للمؤسسات المنتخبة، التى ليس بمقدورها أن تحيد فى عملها عما نص عليه الدستور الدائم الذى استفتى الشعب عليه، لو تم ذلك كانت المرحلة الانتقالية انتهت بحلف الرئيس اليمين الدستورية.
ولكن دعنى أقول إن الثورة المصرية قدمت نموذجا رائعا للثورات فى العالم.. وبالتالى الحفاظ عليها يتعين أن يكون محل اهتمام الجميع فى مصر.. بداية من المواطنين والأحزاب والقوى السياسية وصولا إلى المؤسستين الرئاسية والعسكرية.
وتجاوز الأزمة السياسية التى تولدت عقب حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان مجلس الشعب لن يتم إلا بإدارة الأزمة من قبل المؤسسة الرئاسية والعسكرية بالعقلانية والتحلى بأعلى درجات المسئولية، وقيادة البلاد بحكمة وتفاهم وحوار مستمر حتى تتم كتابة دستور توافقى وإجراء انتخابات تشريعية.. وأنا هنا أتمنى أن تكون جميع الحلول والمخارج للأزمة السياسية فى مصر تحت مظلة القانون.. وبالتالى يتعين على القوى السياسية احترام حكم المحكمة الدستورية العليا؛ لأنكم فى مصر بصدد بناء نظام جديد، هذا النظام الجديد يجب أن يرسخ لاحترام القانون.
• ما الذى يمكن أن يسبب خطرا على الثورة المصرية فى اللحظة الراهنة؟
ــ الصراع بين مؤسسة الرئاسة والمؤسسة العسكرية.. وإن كنت أستبعد هذا الأمر.. أنا أثق فى قدرة الرئيس محمد مرسى والمجلس العسكرى على تجاوز هذه المرحلة الدقيقة، لأنه لو لم يحدث التفاهم بين هاتين المؤسستين ستدخل مصر فى نفق لا نحب أن نراها فيه، وستضيع هيبة الدولة المصرية، التى هى ضرورية جدا لعودتها لتبؤ مقعدها فى قيادة الأمة العربية.. وأدعو الطرفين لإدارة الأمور بمزيد من العقلانية والنقاش والحوار والقانون.
• باعتباركم من المتابعين للحالة المصرية.. كيف تقيمون أداء القوى السياسية فى مصر خلال المرحلة الانتقالية؟
ــ كل القوى السياسية المصرية فى مصر أدت واجبها على أكمل وجه.. ورغم المعاناة فى ظل النظام السابق نجحت فى قيادة المجتمع المصرى للثورة على هذا النظام.. وهذا نجاح يحسب لجميع القوى، والآن يتعين عليهم العمل على الحفاظ على الثورة بتغليب مصلحة الوطن على المصالح الحزبية الضيقة.. وهذا نتمنى أن نراه فى التوافق على الدستور الجديد.. ونتمنى أن نراه فى تجاوز موضوع حل البرلمان والالتزام بأحكام القضاء.. عليهم أن يعتبروا مسألة حل البرلمان مسألة قانونية وليست انتكاسا ورجوعا عن الديمقراطية التى جاءت بها الثورة.
• هل أنت متفائل بإتمام تجربة التحول الديمقراطى فى مصر؟
ــ أنا متفائل جدا بالتحول الديمقراطى فى مصر.. وأثق فى أن الرئيس مرسى والمجلس العسكرى سينجحان فى هذا الاتجاه عبر الحوار.. وأرى أن الرئيس مرسى لديه القدرة على تحقيق هذا التحول دون الاصطدام مع المجلس العسكرى، وأثق فى أن الميراث الحضارى للدولة المصرية المخضرمة سيقودها لانتقال سلس نحو ديمقراطية كاملة ولبر الأمان.
وأقول للجميع فى مصر إنه ليس فى مقدور أى قوة العودة لما قبل 25 يناير 2011، لأنه لو تمت هذه العودة ستقوم ثورة ثانية، وهذه الثورة ستكون تكلفتها أعلى بكثير من الثورة الأولى، ومصر ستكون الخاسر الوحيد فى هذه الحالة.. ونحن كعرب نتمنى أن تنجح تجربة التحول الديمقراطى فى مصر؛ لأنها نجاح للعرب أجمعين.
• هل لديك أى تخوف من وصول الإسلاميين إلى السلطة فى عدد من البلدان العربية ومنها مصر؟
ــ بداية عندما كنت رئيس المجلس العسكرى الحاكم بين 2005 و2007 رفضت الترخيص لحزب سياسى إسلامى، وأقول الآن لو عاد بى الزمن لمنحت هذا الحزب ترخيصا.. لأن الإسلاميين يمثلون قطاعا ليس بالقليل فى بلادنا العربية، وعدم إدماجهم فى العملية السياسية معناه أننا ندفعهم لأن يصبحوا إرهابيين.. وبالتالى أنا لست مع إقصائهم.
وأقول إننى لا أقلق من وصولهم للسلطة ما دام وصولهم جاء من خلال انتخابات حرة ونزيهة، ويتعين على الجميع فى هذه الحالة قبولهم. ودعنى هنا أشير إلى تحول مهم يتعين على الجميع الانتباه إليه وهو أن الإسلاميين تغيروا.. نعم تغيروا.. باتوا يقبلون بالديمقراطية ويؤمنون بتداول السلطة، وبالتالى بإقصائهم، وعدم منحهم الفرصة لن يسمح لأى عملية سياسية فى بلادنا بالاستقرار الذى يبنى المجتمعات، وسندخل فى نفق صراعات سياسية غير مجدية ومعطلة لحركة تقدم الشعوب.
• سيد ولد فال.. انتقل بك الآن للحديث عن كامل الثورات العربية.. كيف تقيمون الربيع العربى حتى الآن؟
ــ الثورات التى قامت فى البلدان العربية ظاهرة صحية كان يجب أن تحدث منذ زمن.. ورغم معاناة الشعوب فى الفترات الانتقالية من مظاهر فوضى جراء اقتلاع أنظمة استمرت فى سدة الحكم تمارس كل أنواع الفساد لسنوات لنحو 40 و30 عاما، إلا أننى متفائل بقدرة الشعوب على تجاوز هذه السلبيات، التى ستتلاشى مع الوقت مع ظهور حصاد الديمقراطية وتفرغ المجتمعات للتنمية والأخذ بناصية التقدم والرقى بين الأمم.. هذه الثورات وضعت العالمين العربى والإسلامى على أعتاب الديمقراطية التى ستكفل بتحقيق التقدم بعد عقود من التخلف.
• ولكن أى الثورات ــ برأيك ــ الأكثر انجازا من مجموع دول الربيع العربى؟
ــ تونس ثم مصر على الترتيب، حيث إن تونس اختارت سيناريو وضع الدستور أولا، وهو الخيار الصحيح، والأمور فيها أكثر استقرارا مقارنة بمصر، التى أرى أنها فور وضع دستور جديد للبلاد واكتمال مؤسساتها المنتخبة ستنطلق لآفاق جديدة، وستطوى صفحة الخلافات، وأتمنى أن يحدث هذا سريعا إن شاء الله.
وهنا يجب أن أذكر بأن تونس ومصر نجحتا فى إزاحة الأنظمة التى هبت الثورة لإسقاطها، وحل حكام جدد ما كان لهم أن يصلوا لسدة الحكم دون قيام الثورة، وهذا نجاح يجب ألا نقلل منه بالرغم من وجود تعثر هنا أو هناك.. ما حدث فى هذين البلدين إنجاز ليس بالقليل.
• الشعب السورى يكافح من أجل نيل حريته.. والنظام يقابل الثورة بيد من حديد.. هل تؤيد التدخل العسكرى الأجنبى فى هذا البلد الشقيق على الطريقة الليبية كما ينادى البعض؟
ــ لا أؤيد أى تدخل أجنبى فى سوريا؛ لأن هذا التدخل سيعطى غطاء للقوى غير الوطنية وغير المحبة لسوريا للعبث بثورة شعبها، أتمنى أن تنجح الثورة السورية وتحقق أهدافها دون أى تدخل من أجنبى، لأن موقع سوريا وتاريخ سوريا مهم لكل العرب.
• انتقل بك الآن إلى الوضع الموريتانى.. متى تهب رياح الربيع العربى على بلدكم؟
ــ لقد نجحنا فى تحقيق عملية انتقال ديمقراطى للسلطة فى الفترة بين 2005 و2007، لكن جرى الانقلاب عليها فى 2008 عبر انقلاب عسكرى.. وهنا أقول إن الثورة فى موريتانيا قادمة لا شك فى ذلك.. حيث لا توجد إمكانية لاستمرار النظام الحالى.. الشعب سيسحق النظام الحالى لا محالة.. والمسالة فقط مسألة وقت.
• على ذكر تجربتكم فى إتمام انتقال للسلطة عبر انتخابات نزيهة.. برأيك لماذا لم ينزعج العرب من الانقلاب على هذه التجربة وهو من ينادى بالديمقراطية؟
ــ أنا احترت من هذا السؤال.. احترت من هذا الصمت العالمى على وأد تجربتنا الديمقراطية.. ما جرى فى موريتانيا من انتخابات حرة ونزيهة وتسليم السلطة للمؤسسات المنتخبة بهر العالم وحظى بإشادة كل المنظمات الدولية.. وكل الدول الديمقراطية شجعته وتعاطت معه.. لكننى لا أدرى لماذا تجاهلوا الانقلاب.. هذا أكبر سؤال واجهته فى حياتى.
• ولكن.. هل تعتقد أن الأنظمة العربية التى كانت موجودة فى هذا الوقت لعبت دورا فى وأد تجربتكم الديمقراطية؟
ــ بدون أدنى شك هذه الأنظمة عملت على وأد الديمقراطية فى موريتانيا.. كان يسود جو عام فى المنطقة العربية معاد للديمقراطية خلال هذه الفترة.. وكان نظام مبارك فى مصر وزين العابدين بن على فى تونس والقذافى فى ليبيا من أكثر الدول التى لا يعجبها حدوث تحول ديمقراطى فى بلد عربى مثل موريتانيا، كانوا يريدون للتجربة الفشل حتى يقولوا للعالم: انظروا.. انظروا شعوبنا لا تجيد ممارسة الديمقراطية.
ودعنى أكشف لك فى هذا السياق حقائق مهمة، وهى أن العقيد معمر القذافى الرئيس الليبى السابق كان رأس حربة من يريدون وأد الديمقراطية الوليدة فى بلادنا.. لقد حاول بكل ما أوتى من قوة لوضع شرعية على انقلاب ولد عبدالعزيز فى عام 2008، واستغل فى ذلك نفوذه وماله، والاتحاد الأفريقى، وجميع الأوراق التى كان يمتلكها.
• ولكن اسمح لى سيد ولد فال.. للسلطة بريقها.. وأنت كنت حاكم بلادك لنحو عامين.. ألم تداعبك أحلام البقاء فى السلطة؟
ــ كان هدفى الرئيسى من الانقلاب على معاوية ولد طايع فى 2005 إنقاذ بلادى من الفساد والتبعية.. أردت مع رفاقى أن نضع وطننا على طريق الديمقراطية، ولذلك لم أفكر فى الترشح فى انتخابات الرئاسة فى 2007، ووجدت أن تحقيق الديمقراطية فى بلادى أفضل من أن أصبح رئيسا للجمهورية، وأجرينا انتخابات نزيهة.. فى لحظة معينة يجب أن نضع الوطن فوق تطلعاتنا الشخصية.
• ولكن بعد أن تم الانقلاب على الديمقراطية.. هل لو أعلن عن انتخابات جديدة تفكر فى الترشح؟
ــ من الممكن أن أترشح لو أن هناك انتخابات نزيهة وشفافة، ويكون ترشحى جزءا من حل سياسى يعيد توجيه بوصلة الوطن نحو الطريق الصحيح.. عبر فترة انتقالية يدشن فيها الشعب مؤسساته التشريعية والدستورية، أى أننى من الممكن أن أكون رئيسا انتقاليا يضمن تدشين هذه المؤسسات.. ولو هذه الاشياء غير موجودة لن أترشح.. لا يعقل أن أترشح فى انتخابات مشكوك فى نزاهتها.
• باعتبارك رجل أمن فى المقام الأول.. هل تنظيم القاعدة يمثل خطرا بالفعل على بلادكم أم أن الأمر فيه مبالغة؟
ــ القاعدة خطر كان موجودا.. وعاد أكبر مما كان فى المنطقة المغاربية والصحراوية، لقد نجح هذا التنظيم فى إقامة دولة له شمال مالى، المجاورة لنا، وبالتالى شمال مالى يمكن أن نقول إنه الآن «أفغانستان أفريقيا»، وموريتانيا هى «وزيرستان» أى أنها مثل هذا الإقليم الباكستانى الذى تقاتل فيه القاعدة باكستان المجاورة لأفغانستان. وكل ذلك بسبب غياب الرؤية الأمنية والسياسية للنظام الحاكم.
وأرى أن أفضل طريقة تواجه بها موريتانيا الإرهاب، هو بناء جبهة داخلية متماسكة لتجفيف منابعه المحلية.. والعمل على وضع استراتيجية أمنية وقائية علاجية تؤمن حدود البلاد بالتنسيق والتكامل مع دول الجوار.
• هل أفهم من كلامك أنك غير موافق على العمليات التى يقوم بها الجيش الموريتانى فى شمال مالى؟
ــ أنا لا أوافق على هذه العمليات.. لأنها غير ضرورية، فالأرض الموريتانية توفر العمق الاستراتيجى الضرورى الذى يسمح للجيش بتنظيم عمليات تأمين الحدود، بدون الحاجة للمرور عبر بلد آخر، وكما أن التدخل بتفويض سياسى، وبدون إشراك الجيش والشعب الماليين مخاطرة، وإهانة لجيش مالى ولشعبه، وهذه المخاطرة لها عواقبها الوخيمة على موريتانيا، حيث فشل النظام فى تحقيق الأمن الداخلى، فخروج الجيش خارج الحدود لا يحقق مصالح موريتانيا، ويضر بمصالح مالى وبعلاقات البلدين.
• ماذا عن طبيعة الدور السياسى الذى تقوم به فى موريتانيا الآن؟
ــ يوجد تشكيل للمعارضة الديمقراطية الآن فى البلاد، وأنا أتقاسم معهم السقف السياسى لأجل رجوع البلد للديمقراطية والحريات العامة، وهو هدفنا الرئيسى فى هذه المرحلة.
• الرئيس ولد عبدالعزيز.. هو ابن عمكم.. فهل هناك أى نوع من التواصل معه الآن؟
ــ سيدى القضية قضية وطن.. وما دام هذا الرجل فى هذه الوضعية الانقلابية فلا تواصل ولا حوار معه.. عندما يعود عن سياسته ويعيد البلاد لمسارها الديمقراطى الذى بدأته يمكننى أن أتواصل معه.. الوطن أكبر من روابط الدم والقبلية وعلاقات الأشخاص.