فاز بجائزة الملك فيصل للآداب ولم ينتبه إليه أحد فى مصر.. محمود فهمى حجازى نموذج من البنائين العظام - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 1:04 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فاز بجائزة الملك فيصل للآداب ولم ينتبه إليه أحد فى مصر.. محمود فهمى حجازى نموذج من البنائين العظام

محمود فهمي حجازي
محمود فهمي حجازي

نشر في: السبت 19 يناير 2019 - 12:58 م | آخر تحديث: السبت 19 يناير 2019 - 1:05 م


د. سامى سليمان أحمد
أستاذ بكلية الآداب – جامعة القاهرة

عبر تاريخ مصر الحديث والمعاصر هناك المئات من «البنائين العظام»؛ وهم أولئك الأفراد الذين قدموا إضافات نوعية متميزة فى مجال أو أكثر من مجالات الحياة وظلت تلك الإضافات إسهامات باقية ومؤثرة حفظت أسماء أصحابها ضمن الذاكرة الوطنية الحية. ويعد الدكتور محمود فهمى حجازى الذى حصل أخيرا على جائزة الملك فيصل العالمية فى مجال الأدب واللغة العربية واحدا من أولئك البنائين العظام المبرزين فى مجالات اللغة والتعليم والثقافة؛ وذلك بما قدمه من إنجازات باقية ملموسة ومحفورة باسمه فى تلك المجالات. وقد تأسس انتماؤه إلى فئة «البنائين العظام» على مجموعة من المقومات؛ منها: جمعه بين الدراسة المتخصصة للغة العربية وآدابها بكلية الآداب جامعة القاهرة والدراسة المماثلة فى اختصاص اللغة الألمانية بكلية الألسن بجامعة عين شمس، وإتقانه عددا من اللغات الأوربية كالألمانية والإنجليزية والفرنسية وعددا آخر من اللغات الشرقية كالعبرية والتركية والسريانية، وعمق صلته بالتراث العربى فى مجموعة من مجالاته فى ذات الوقت الذى حقق فيه صلة قوية بالثقافة الأوربية، وامتلاكه القدرة على إنتاج رؤية إستراتيجية لقضايا الثقافة والتعليم والعلاقة بالآخر ثقافيا وحضاريا.
ولعل هذه المقومات المتعددة هى التى أتاحت له القيام، على نحو متميز، بدور بارز فى تخطيط وتنفيذ عدد من المشروعات العلمية والثقافية الكبرى على مدى ما يقرب من خمسة عقود متواصلة؛ فبعد حصوله على الدكتوراه من جامعة ميونيخ بألمانيا الغربية فى عام 1965 جاء مشروعه الأولى متمثلا فى التعريف بإسهامات المستشرقين فى دراسة الحياة اللغوية فى العالم العربى، وإسهامه فى تأليف أشهر قاموس عربى للغة الألمانية وهو قاموس «جوتس شراجله«(Gotz Schregle)، وتلا ذلك عملُه فى مشروع كتابة تاريخ اللغة العربية من واقع إبداعات الشعراء؛ ولذلك كلَف عشرات من طلاب الماجستير والدكتوراه بكلية الآداب بجامعة القاهرة، فى عقدى السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضى، بدراسة مجموعات كبيرة من دواوين الشعر العربى القديم من منظور المنهج الوصفى مما أدى إلى إنتاج ما لا يقل عن مائة رسالة ماجستير ودكتوراه ترصد الواقع اللغوى كما تعكسه تلك الدواوين؛ وكان ذلك العمل نواة لإنجاز تاريخ شامل يصف تحولات اللغة العربية فى مستوياتها المختلفة. وفى ذات العقدين عمل حجازى فى مشروعه الثالث وهو مشروع تطوير تعليم اللغة العربية فى عدد من الدول الإسلامية كباكستان ثم ماليزيا، وإذا كان هذا المشروع قد تم فى إطار المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم فلا ريب أن البصمة الكبرى سواء فى التخطيط أو المتابعة أو التنفيذ كانت لذلك البناء العظيم الذى جعل من هذا المشروع وسيلة لوصل شعوب تلك الدول باللغة العربية بوصفها لغة أنتجت وحفظت فى الآن نفسه حضارة مشتركة تجمع تلك الشعوب بشعوب العالم العربى. وحين قررت الأمم المتحدة فى عام 1973 جعلَ اللغة العربية واحدة من اللغات الرسمية فيها كانت المذكرة المقدَمة لإقناع الأمم المتحدة بأهمية هذا القرار وضرورته من صناعة محمود فهمى حجازى الذى أكسبته دراسته المتعمقة الثقافة الأوربية القدرةَ على أن يفهم عقلية الآخر وأن يتحاور معها بمنطق قادر على الإقناع والتأثير.
إن هذا البناء العظيم صاحب رؤية إستراتيجية لدور اللغة العربية فى الثقافة العربية الموروثة والحديثة وفى الحضارة الإسلامية، وهى رؤية قوامها أن العربية لغة حضارة عريقة كما أنها فى الوقت ذاته لغة حديثة ومعاصرة؛ ولهذا خطط حجازى لإنشاء مركز جامعة القاهرة لتعليم العربية لغير الناطقين بها، واُفتتح هذا المركز فى يونيو 1994 بدورة لتعليم مجموعة من مدرسى اللغة العربية الماليزيين، ثم تواصل نشاط المركز تحت إدارة حجازى ليقوم طوال عقد التسعينيات بدور من أبرز الأدوار فى نشر اللغة العربية وتدعيم وجودها فى دول الاتحاد السوفيتى السابق؛ لاسيما أن هذه الدول كانت تعانى بشدةٍ من خطر انتشار الأفكار المتطرفة التى تتبناها بعض جماعات الإسلام السياسى التى اتخذت من الحرب الأفغانية مصدرا لدعم معنوى ساندته قوى كبرى بدعم مادى كبير؛ ومع نهاية تلك الحرب فى تسعينيات القرن الماضى صار تمدد الأفكار المتطرفة فى هذه الدول عقبة أمام نهوضها، فكان أن قامت مصر الرائدة بدورها المؤثر فى دعم هذه الدول وأسست بوزارة الخارجية صندوقَ التعاون مع دول الكومنولوث الروسى، وقام هذا الصندوق باستقدام مئات الطلاب والأساتذة من دارسى العربية من أبناء تلك الدول لتدعيم مهاراتهم وتطوير معارفهم العربية بمركز جامعة القاهرة، وعُقدت تلك الدورات وخُطط لها وأشرف عليها محمود فهمى حجازى الذى رأى أن تدريس العربية لأبناء تلك الدول وسيلة للكشف عن الدور الحضارى للعربية وعاملا من العوامل التى تتيح لأبناء تلك المجتمعات الوقوفَ على الرؤية المصرية المستنيرة للإسلام، ومن ثم كان إسهام حجازى فى التخطيط لإنشاء جامعة مباركــ نور بكازاخستان وتوليه رئاستها (2001ــ2013) سبيلا لتدعيم تحقيق هذين الدورين الحضاريين بما ينطويان عليه من أبعاد سياسية تخدم الرؤية المصرية وتدعم المصالح العربية.
إن هذا البناء العظيم يمتلك القدرة على التخطيط للمشروعات العلمية والثقافية الكبرى والإسهام فى تنفيذها ورعايتها وهذا ما يتبدى فى عدد من المشروعات؛ ومنها: ترجمة موسوعة العلامة الألمانى التركى فؤاد سزكين (1924 ــ 2018) «تاريخ التراث العربى» وترجمة الطبعة المكتملة من كتاب أشهر مؤرخى الأدب العربى من المستشرقين الألمان والأوربيين كارل بروكلمان (1868ــ1956) صاحب «تاريخ الأدب العربى» وهما عملان موسوعيان وخصبان ودالان على شمولية إسهام الاستشراق الألمانى فى دراسة الثقافة العربية القديمة والوسيطة فى شتى مجالاتها، وعلى الرغم من اكتمال ترجمة العمل الأخير بأجزائه الاثنى عشر قبل بداية القرن الحالى فإن ما أصدرته الهيئة المصرية العامة للكتاب من تلك الأجزاء قد توقف عند الجزء التاسع فقط؟! ولعل مجلى من أبرز مجالى التخطيط فى جهد حجازى المخطط الإستراتيجى هو مخططه لتطوير دار الكتب المصرية؛ فحين تولى رئاسة مجلس إدارتها (1994ــ1997) وضع خططا لتطويرها حتى عام 2020 وسعى طوال رئاسته إلى تنفيذها وقطع شوطا فى هذا لكنه لم يجد الدعم المرجو من وزارة الثقافة آنذاك فآثر ترك الدار ليواصل عمله البنَاء فى الجامعة والمؤسسات الثقافية الأخرى كمجمع اللغة العربية والمجمع العلمى المصرى.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك