«الجنزوري» فى مذكراته: أهل السوء حاولوا إقناع مبارك أن شعبيتى خطر عليه - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 9:47 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«الشروق» تنشر مذكرات «الجنزورى».. «سنوات الحلم والصدام والعزلة .. من القرية إلى رئاسة الوزراء» (8)

«الجنزوري» فى مذكراته: أهل السوء حاولوا إقناع مبارك أن شعبيتى خطر عليه

الدكتور كمال الجنزوري - رئيس الوزراء الأسبق
الدكتور كمال الجنزوري - رئيس الوزراء الأسبق
إعداد ــ إسماعيل الأشول
نشر في: الخميس 19 ديسمبر 2013 - 11:46 ص | آخر تحديث: الخميس 19 ديسمبر 2013 - 11:46 ص

عن سنوات النشأة والكفاح والانتقال من القرية إلى القاهرة مرورا بسنوات الدراسة ونهاية بتولى المناصب المرموقة حتى نهاية حكومته الأولى عام 1999، تدور أحداث الكتاب الذى بين أيدينا، والصادر حديثا عن دار «الشروق»، (طريقى.. سنوات الحلم.. والصدام.. والعزلة.. من القرية إلى رئاسة مجلس الوزراء) للدكتور كمال الجنزورى، رئيس وزراء مصر الأسبق.

وفى هذه الحلقة نسير مع الدكتور الجنزورى فى أروقة مجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية، حين كان رئيسا للحكومة.

رئاسة مجلس الوزراء

مساء اليوم الثانى من يناير عام 1996، تم تحديد اجتماع لمجلس الوزراء برئاسة الدكتور عاطف صدقى، بناء على طلب الرئيس.

ذهبنا إلى مجلس الوزراء دون أن نعرف السبب، لأنه كان فجائيّا لم نخطر به إلا عند الساعة الرابعة، والتقينا فى المجلس فى السادسة، ومر نصف الساعة دون أن يدخل الدكتور عاطف صدقى، وحوالى الساعة السادسة والنصف دخل وتلا مباشرة استقالة الحكومة، وبعد الانتهاء جلسنا دون تعليق، إلا أن الدكتور عاطف صدقى سأل: ماذا نفعل؟! فقال السيد صفوت الشريف: ممكن أن تخبر الرئيس أن الحكومة قدمت استقالتها.

تركت اجتماع «عاطف صدقى» لأتلقى تكليف تشكيل الوزارة الجديدة.. وأهل السوء حاولوا إقناع مبارك أن شعبيتى لم تتحقق لأحد قبلى

حدث فى هذه اللحظة أمر كان وقعه شديدا على أعصابى، حيث أتى السيد نور فرغل مدير المراسم بالمجلس ليهمس فى أذنى أن أطلب زوجتى فورا بالمنزل، كانت هذه المرة الأولى التى تطلبنى فيها خلال اجتماع المجلس أو فى الوزارة، فاعتقدت أن شيئا جللا حدث فى بيتى، وشعرت أننى غير قادر على الوقوف، ولكن حاولت جاهدا أن أقف وذهبت مسرعا إلى موقع التليفون، رغم أنه على بعد أمتار قليلة، فى وقت كأنه الدهر.

طلبت المنزل خوفا مما يكون قد حدث، وسمعت زوجتى تقول شيئا آخر غير ما خشيت منه، بأن السيد جمال عبدالعزيز سكرتير الرئيس طلبنى لأتصل بك فى المجلس لتذهب إلى الرئيس الساعة السابعة. شكرت الله ولم أعد إلى قاعة مجلس الوزراء وخرجت فورا. وقابلت الرئيس، وفى بداية المقابلة قال مباشرة: كمال ستشكل الوزارة فكر فيمن يدخل ومن يخرج. وقد شعرت من الحديث أن النية متجهة إلى الإبقاء على القدامى وهم كثر.

ذهبت إلى مكتبى واختليت بمفردى ساعة من الزمن أطلب العون من الله، وقررت أنه إذا كان الأمر كذلك، فيكفى تغيير المجموعة الاقتصادية، لأن المجموعة الاقتصادية السابقة خاصة وزارة المالية وقت الدكتور الرزاز كانت بالنسبة لعامة الشعب وزارة أعباء ورسوم وضرائب.

لم أتمكن من التخلص من 15 وزيرًا قديمًا.. وعدد كبير منهم لم يكن سعيدًا برئاستى للحكومة

طلبت الدكتور محيى الغريب، وكان رئيسا لهيئة الاستثمار، ليكون وزيرا للمالية، والسيد ظافر البشرى وكان نائبا لرئيس بنك الاستثمار القومى، ليكون وزيرا للدولة للتخطيط والتعاون الدولى، والدكتور أحمد الجويلى ليكون وزيرا للتجارة والتموين، وأقصد بالتجارة تجارة داخلية وخارجية، وكان منصبا جديدا، حيث رأيت أن الفصل بين التجارة الداخلية والخارجية لا يخدم كلا من الطرفين، والدكتورة نوال التطاوى، وكانت رئيسة لبنك الاستثمار العربى لتولى منصب وزير الاقتصاد. وكان مطلوبا أن يستمر الدكتور يوسف بطرس، فبقى وزير دولة للشئون الاقتصادية، وأيضا المستشار طلعت حماد، وكان رئيسا لمحكمة الجيزة، وتولى منصب وزير شئون مجلس الوزراء والمتابعة.

وأضيف لهذا العدد القليل من الوزراء الجدد المهندس سليمان رضا، وكان رئيسا لشركة الألمونيوم ليصبح وزيرا للصناعة. أى أن عدد الوزراء الجدد لم يتجاوز عدد الأصابع، فى حين تجاوز بحكومة الدكتور عاطف صدقى الخمسة عشر وزيرا. تم لقاء الوزراء القدامى والجدد مساء يوم 2 يناير وصباح يوم 3 يناير، وعرض الأمر على الرئيس وتقرر حلف اليمين يوم 4 يناير لهذه الوزارة.

بدأ العمل، وبحكم طول عملى الوزارى كوزير ثم نائب رئيس الوزراء، أتيح لى أن أحدد الأهداف والمسارات إليها، مراعيا عدة أمور ضرورية لابد من وضعها موضع التنفيذ الفورى، يأتى فى مقدمتها توفير الألفة والعلاقة الطيبة بينى وبين الوزراء، رغم علمى أن بعضهم لم يكن سعيدا باختيارى رئيسا للوزراء، ومن هؤلاء من كانوا على اتصال بالرئاسة وزكريا عزمى، وأذكر منهم: صفوت الشريف، وعاطف عبيد، ويوسف والى، ويوسف بطرس غالى، ومحمد إبراهيم سليمان، وكمال الشاذلى.

الصبر.. واحترام القانون

تطلب الأمر قدرا كبيرا من الصبر والجهد والعمل، وقررت أن يعقد مجلس الوزراء يوم الأربعاء من كل أسبوع فى تمام الساعة العاشرة ليستمر بضع ساعات، لأن هذه الفترة كافية أن نتناقش ونصدر قرارات. وتحققت الألفة والتعاون من خلال الاجتماعات المتتالية الجادة، وإتاحة الفرصة للجميع ليبدى رأيه أو تعليقه.

وقد حرصنا على استمرار اللقاء كل أسبوع يوم الأربعاء الساعة العاشرة. وكان اجتماع مجلس المحافظين يوم الأربعاء الرابع من كل شهر، بحضور عدد من السادة الوزراء، وامتدت مدة الوزارة إلى 45 شهرا، عقد مجلس الوزراء خلالها 135 جلسة، ومجلس المحافظين 45 جلسة، دون تأجيل أو تأخير.

وفى نفس الوقت، تقرر إعداد خمسة عشر برنامج عمل، تشمل كل ما يتعلق بالأداء الاقتصادى والاجتماعى، بدءا من الزراعة إلى الصناعة والبترول والكهرباء والنقل والمواصلات والتجارة والمال والسياحة والإسكان والتعمير والتعليم والصحة والإعلام والثقافة والشباب والرياضة والعدل والأمن.

أصبح الكل يعمل ويشارك مع الآخرين، هذا هو الأمر الذى شغلنى منذ اليوم الأول، وهو تحقيق التوافق والتعامل المشترك بين الوزراء، وزيادة عوامل الرضا والتقارب، والمناقشة الخلاقة بين الوزراء وبين رئيس الوزارة، وإشاعة روح من الصفو والتجانس دون أى تعكير محتمل.

بدأت عملى بالمصالحة مع الشعب ولأول مرة فى تاريخ الحكومات قررت رد أموال المواطنين التى تم تحصيلها دون سند قانونى

أما الأمر الثانى، فكانت المصالحة مع الشعب المصرى، والمصالحة تعنى بدء تخفيف ما أثقل كواهله، والارتفاع بمستوى المعيشة والدخول، بشكل يختلف كليّا عما جرى من قبل.

فأعلنت الحكومة أنه لا ضرائب ولا رسوم جديدة أو زيادة فئاتها خلال السنوات المقبلة، وتم إلغاء كل الرسوم التى فرضت دون سند قانونى، إعمالا بأنه لا رسم ولا ضريبة إلا بقانون.

وكان هناك بعض أحكام المحكمة الدستورية، لم تنفذها الحكومة السابقة، مثل إلغاء الضريبة على الدخل للعاملين خارج مصر، وتبين أن حصيلة هذه الضريبة بلغ نحو 320 مليون جنيه، فأعلنت الحكومة إعادة هذه الأموال لأصحابها.

ورافد آخر للمصالحة كان ضريبة الأرض الفضاء، إذ حكمت المحكمة الدستورية بعدم دستوريتها ولكن لم تنفذ الحكومة السابقة حكم المحكمة، ولقد تبين أن حصيلة تلك الضريبة نحو 280 مليون جنيه، وأعلنت الحكومة إعادة هذه الأموال إلى الذين سددوها من قبل.

ثم ظهر أن بعض المبيدات التى وزعت على المزارعين لمحصول القطن كانت غير فعالة، وتدهور معها إنتاج القطن، وقد تبين أن تكلفة المبيدات فى مجموعها نحو 220 مليون جنيه، ودفع المزارعون نصف هذا المبلغ أى حوالى 110 ملايين جنيه، وتقرر رد هذه الأموال للمزارعين خلال فترة لم تتجاوز أسبوعا، تلك هى المرة الأولى فى تاريخ الحكومات المصرية التى ترد أموالا تم دفعها.

من المصالحة أيضا، شعور المواطن بمدى الحسم والجدية وانضباط الحكومة الجديدة، فكان لا بد أن يشاهد المواطن المصرى شيئا جديدا، وأن يتأكد أن أى قرار إنما يصدر لصالحه، وأن ما يصدر من قرارات ينفذ فعلا وفورا. وكان اجتماع مجلس الوزراء، ينتهى ظهر الأربعاء ويصل مكاتب السادة الوزراء صباح السبت التالى كل قرارات المجلس، وعلى كل وزير التنفيذ فورا، لما تم إصداره من قرارات تقع فى اختصاصه.

الحكومة.. ومجلس الشعب

العلاقة بين مجلس الوزراء ومجلس الشعب، كان لابد لها من مراجعة، فعلاقة عضو مجلس الشعب، بأى وزير قد يغلب على بعضها المصلحة الشخصية، كطلب بعض التأشيرات للعلاج أو الحج أو للبناء أو لغير ذلك من الأمور المتعلقة بدوائرهم سواء كان المطلب شرعيّا أو غير شرعى، وحينما يقف الوزير أو رئيس الوزراء للحديث فى المجلس لا يسمعه أحد، كان هذا هو الاهتمام الأول والأخير.

هذه العلاقة، رأيتها عن كثب حين كنت وزيرا ونائبا لرئيس مجلس الوزراء لمدة تقترب من خمسة عشر عاما.. لهذا قررت أن أواجه هذا السلوك من أول يوم. فبعد تشكيل الوزارة بأسبوع، تقرر إجراء لقاء فى الحزب سمى لقاء النادى السياسى للحزب، كان يتم يوم السبت من كل أسبوع، خلال فترة انعقاد جلسات المجلس.

وفى الأسبوع الأول وقفت بينهم ورحبوا بى، وقلت: أنا منكم، مواطن بسيط، وأنتم تعلمون جيدا أننى عشت فى الريف المصرى، وأعلم تماما المعاناة الموجودة فى القرى والنجوع والحوارى والأحياء الشعبية والعشوائيات، ولكن أريد ألا تغضبوا عندما أعلن اليوم، أننى لن أوقع لأحد طلبا داخل قاعة مجلس الشعب، كما سأطلب من الوزراء إجراء ذلك كتقليد تتبعه الوزارة.

وأعلنت أنه عند انعقاد المجلس سأحضر بمكتبى بالمجلس من الثامنة صباحا لمدة ثلاث ساعات قبل انعقاد جلسات المجلس، ومن معه طلب يمكن مقابلتى فورا. قوبل ما قلته بشىء من عدم رضا، ولكن استمر الأمر لشهر أو شهرين وقبلوا الوضع الجديد على مضض.

وكانت هناك قضايا كثيرة، موضع احتكاك بين مجلس الشعب ومجلس الوزراء أذكر منها ما يلى:

القضية الأولى: تتعلق ببعثة الحج لعام 1995م، وهو العام الأخير لحكومة الدكتور عاطف صدقى، حيث بلغ أعضاؤها نحو 200 عضو، منهم نحو 150 عضوا من مجلس الشعب. فكان مهما أن أصحح ذلك، فاختُصرت بعثة الحج لعام 1996م إلى 27 عضوا فقط، دون أن يكون بها أى عضو من مجلس الشعب، وأخبرت الدكتور أحمد فتحى سرور بذلك.

القضية الثانية: ما يسمى بتأشيرات الحج، حيث كان يخصص لكل من أعضاء مجلس الشعب سنويا ما بين 8 و10 تأشيرات لقضاء فريضة الحج. وكان هناك ما يشير إلى احتمال أن يقدمها البعض لمن يرغب من أفراد الدائرة بمقابل مادى، فقررت فورا إلغاء تخصيص تأشيرات لأعضاء مجلس الشعب.

القضية الثالثة: تكمن فى توصيات بعض أعضاء المجلس سواء للالتحاق بكلية الشرطة أو للعمل بالنيابة، فطلبت من وزير الداخلية حينذاك اللواء حسن الألفى والمستشار فاروق سيف النصر وزير العدل، عدم الاستجابة لأى من هذه التوصيات مهما كانت مكانة العضو.

القضية الرابعة: كانت قضية التوصيات بالعلاج على نفقة الدولة داخليا وخارجيا. حيث طلبت من كل المسئولين عدم النظر إلى أى طلب للعلاج، إن قدم وفقا لتوصية، ويمكن لمن يريد العلاج على نفقة الدولة أن يرسل الطلب مباشرة إلى مجلس الوزراء، لقد سعيت إلى تنفيذ ذلك.. رغم متاعبه.. وكان الأيسر أن أغض الطرف عنه، ولكن ذلك لم يكن طريقى ولا طريقتى!

القضية الخامسة: تتعلق بمعهد التعاون، حيث كانت استمارات الالتحاق بالمعهد، يحصل عليها مسئولون فى بعض المصالح الحكومية وأعضاء مجلس الشعب وبأعداد كبيرة جدا. وكان المعهد يلتحق به نحو 15 ألف سنويا، وبدأ البعض يتربح من هذه الاستمارات، فقررت تخفيض هذا العدد إلى ثلاثة آلاف لأن الطلب على خريجى هذا التخصص قل إلى حدٍّ كبير، وأن يتم قبول الطلاب عن طريق مكتب التنسيق للجامعات.

وكانت هناك مخالفات سنوية لزراعة الأرز، حيث يتم تحديد مساحات معينة فى محافظات معينة، لم يلتزم بها بعض المزارعين، ووصل الأمر إلى أن بعض المحافظات فى وسط وجنوب الدلتا كانت تزرع الأرز لربحية المحصول رغم المخالفة القانونية، وشكل هذا عبئا كبيرا على الموارد المائية.

كان الهدف من زراعة الأرز بشمال الدلتا هو تنقية التربة مما تحتويه من نسبة عالية من الأملاح، باعتبار أن فى عملية زراعة الأرز غسيل للتربة السطحية.

وكان الانتشار خارج المحافظات المستهدفة يدعمه عدد من أعضاء مجلس الشعب، وفى أحيان كثيرة تتم هذه المخالفات وتأتى الانتخابات فتصدر قرارات بالإعفاء من المخالفات. لذلك أعلنت قبل موعد زراعة الأرز من خلال وزير الرى، أن لا رجعة فى المساءلة عن المخالفات، وترتب على ذلك خفض مساحة زراعة الأرز فعليّا إلى مليون فدان بعد أن كانت تصل إلى نحو مليون وسبعمائة ألف فدان سنويّا.

كانت هذه بعض الأمور والقضايا، التى واجهتها بحسم منذ الأيام الأولى من الوزارة أى منذ أول يناير 1996م، وتحقق والحمد لله التوافق والتعاون والألفة بين أعضاء مجلس الوزراء، والمصالحة مع المواطن.

العلاقة مع الرئاسة

وأقصد العاملين فى الرئاسة سواء الأمانة أو الديوان الجمهورى ولا أقصد الرئيس نفسه. لقد لاحظت عن كثب خلال السنوات الطويلة المنقضية مع رؤساء الوزراء السابقين، طريقة معاملة مؤسسة الرئاسة مع بعضهم، وكنت لا أحب أن تستمر مثل هذه المعاملة معى. ويكفى أن أذكر ما حدث فى اليوم الثالث أو الرابع من تشكيل الوزارة، إذ كنت مع الرئيس، وبعد انتهاء اللقاء رافقته إلى خارج المبنى، وقرب السيارة وقف يتكلم وأنا أنصت، وجاء أشرف بكير أمين أول الرئاسة، يلمس كتفى لإنهاء الكلام، نظرت بعيدا، لاحظت زكريا عزمى واقفا يهز رأسه إليه ليفعل ذلك. وبعد أن غادر الرئيس استوقفت زكريا وقلت له: أنا إنسان بسيط والمنصب لن يغيرنى سواء كنت محافظا أو وزيرا أو رئيس الوزراء أو حتى موظفا بسيطا، لا تفعل ما فعلت لأنى أعرف أن أشرف بكير لا يشير إلىّ بالانصراف إلا بطلب منك، لا تفعل ذلك ثانية، لأنى أعلم تماما متى أتكلم ومتى تنتهى المقابلة.

وكانت هذه البداية منذ اليوم الأول، واستمر الاحترام المتبادل والتعامل على أسس واضحة، وإن كنت اعتقد أن الدكتور زكريا عزمى قبل الأمر على مضض.

العلاقة مع الحزب

كان رأيى المعلن والصريح أن الحزب حزب، والحكومة حكومة، وظيفة الحزب معروفة ووظيفة الحكومة معروفة، فلا ينبغى أن يتداخل عمل الحزب أو يجور على عمل الحكومة، كما لا يجوز للحكومة أن تجور على الحزب، المطلوب أن تأخذ الحكومة فى اعتبارها المبادئ العامة لسياسات الحزب موضع الاعتبار طالما مثّل الأغلبية. ويتم العمل فى إطار نظام يقوده الجهاز التنفيذى للدولة.

بعد مدة وجيزة، لزم تقديم البيان الأول للحكومة، وعلى وجه التحديد فى 23 يناير 1996، حاولت أن أتكلم عن الإطار العام للسياسات والأهداف العامة لعمل الحكومة خلال العام المقبل، دون أن أقدم أى وعود لما يمكن أن نحققه فى قطاع كذا أو قطاع كذا أو على المستوى القومى، وطلبت من السادة أعضاء المجلس أن تُمنح الحكومة سنة حتى تقدم البيان الثانى، ليعتبر كشف الحساب عما تم فى كل القطاعات وعلى المستوى القومى، وما قدمه زملائى والحكومة ككل.

مرت الأسابيع والشهور، نجتمع فى مجلس الوزراء كل أسبوع يوم الأربعاء، وتعمل الحكومة بجد ونجاح وتوفيق من الله، ولكن أهل السوء من بعض المسئولين حاولوا أن يقنعوا الرئيس، أن ما وصلنا إليه من إنجاز أصبح محل إشادة فى الداخل والخارج، وحقق شعبية لرئيس الوزراء لم تتحقق لغيره من رؤساء الوزراء من قبل.

دعا مبارك لانعقاد مجلس الوزراء دون علمى وحين سألته ألغى الاجتماع

قلة غير منصفة

جاء السيد نور فرغل مدير المراسم بمجلس اليوم يوم 5 أبريل 1996م، يخطرنى أن الوزير فلان وفلان لن يحضرا مجلس الوزراء المقرر عقده باكر برئاسة الرئيس، وكانت العادة فى أى اجتماع لمجلس الوزراء أن يخبرنى بعدم حضور واحد أو اثنين أو ثلاثة من الوزراء، حتى أدخل الجلسة على علم، ولكن هذه المرة طلب الرئيس من الدكتور زكريا عزمى الإخطار بدعوة مجلس الوزراء للاجتماع. وعليه أخطر السيد نور فرغل الوزراء بالموعد دون أن يخطرنى. وكان علىّ أن أتظاهر أننى أعلم فعلا بموعده فى الساعة الحادية عشرة من صباح اليوم التالى، فقلت: «على بركة الله». ولكنى شعرت طبعا بضيق إذ كان لابد أن أعلم قبل أن يُخطر المجلس، طلبت الرئيس.

وقلت:

أؤكد أن سيادتك رئيس السلطة التنفيذية، وأنا أعمل كرئيس المجلس وأزاول سلطاتى بإشرافكم، ومن حقك أن تدعو مجلس الوزراء للاجتماع وقتما شئت برئاستك، وأنا سعيد بذلك، ولكن ما هو الموضوع الذى سيناقش غدا؟

فقال:

ـ يهمنى التعرف والاطمئنان على عجز الموازنة، وألا يضيع الإنجاز الذى تحقق فى جميع المجالات.

فقلت:

ـ يا سياة الرئيس أؤكد أن الذى تم من قبل خلال الفترة 1991 - 1995، كنت فيه رئيسا للمجموعة الاقتصادية، وهل يعقل أن أساند الدكتور عاطف صدقى ليحقق نجاحا فى الإصلاح الاقتصادى، ثم أعمل عكسه، كيف أسهم فى نجاح الآخرين ولا أحقق لذاتى ذلك! ثم أضفت: لو قمت سيادتك بإثارة بعض الملاحظات السالبة على الموازنة وتنفذها، فلن يرد أحد من الوزراء على سيادتك حتى وزير المالية، ولكن لابد لى أن أرد وإلا لا يحق لى أن أرأس مجلس الوزراء بعد ذلك.

فرد قائلا:

ـ كمال «خلاص خلاص» ووجه بإلغاء الاجتماع.

الحلقات السابقة...

الجنزورى يروى لأول مرة.. «سنوات الحلم والصدام والعزلة» (1)

الجنزورى يروى لأول مرة.. «سنوات الحلم والصدام والعزلة» (2)

«الجنزورى» فى مذكراته: غضب مبارك على أكثر من أى رئيس وزراء لأنه أدرك أن الشعب راضٍ عنى

«الجنزوري» في مذكراته: عقدة نائب الرئيس التى سيطرت على مبارك

«الجنزوري» فى مذكراته: لماذا لم يطح المشير أبو غزالة بحسني مبارك أثناء أحداث الأمن المركزي؟

الجنزوري بمذكراته: رفضت تحويل القروض العسكرية إلى تجارية فهاجمني سفير أمريكا بدعم من وزراء مصريين

«الجنزوري» فى مذكراته: مبارك أقال عبد الحليم موسى لتبنيه المصالحة مع «الجماعات الإسلامية»



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك