الوحدة المصريوة السورية.. ذكرى حدث عربي جليل - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 12:27 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الوحدة المصريوة السورية.. ذكرى حدث عربي جليل

علم الوحدة المصرية السورية
علم الوحدة المصرية السورية
أ ش أ
نشر في: الأربعاء 20 فبراير 2019 - 12:11 م | آخر تحديث: الأربعاء 20 فبراير 2019 - 12:11 م

تحل بعد غد الجمعة، الذكرى الواحدة والستين لـ"الوحدة المصرية - السورية" فإن هذه التجربة الوحدوية التي تجسدت في دولة واحدة تحمل اسم "الجمهورية العربية المتحدة" شكلت وتشكل حدثا جليلا في الثقافة القومية بقدر ما تعيد للأذهان أهمية تعزيز أواصر "العروبة الثقافية" لمواجهة تحديات خطيرة طالت الهوية العربية ذاتها.

وتأتي هذه الذكرى المجيدة وسط دعوات لعقد قمة ثقافية عربية بعد أن بلغ الأمر بالبعض حد الدعوة "لإعادة تعريف الذات العربية"، كما أمست مفاهيم قومية استقرت من قبل طويلا على المحك الآن، بينما تتفق غالبية المثقفين القوميين على أن تطوير العلاقات الثقافية بين أبناء الأمة العربية الواحدة يشكل مدخلا مناسبا لتعزيز أواصر العروبة الثقافية.

ومع التصدعات في بلدان عربية تعاني من الاقتتال الداخلي وتدخلات الخارج، التقى سدنة الجماعات التكفيرية الظلامية مع نفر من مدعي الحداثة في العالم العربي في مفارقة تاريخية قد تدعو للسخرية وهم يحاولون معا تصوير القومية العربية أو ثقافة الأمة الواحدة باعتبارها مجرد "خرافة"!.

وقد يكون أول رد فعل مطلوب على تلك التحديات غير المسبوقة التمسك بالهوية العربية في مواجهة قوى إقليمية على التخوم تتربص بالعرب، وقوى دولية تحرض وتخطط وتتدخل من حين لآخر في الشأن الداخلي لبلدان عربية كما يتجلى في الحالة السورية.

وإذا كانت "بعض الأطراف من دول الجوار في المنطقة تمارس أدوارا هدامة لإذكاء الصراعات المسلحة والحروب الأهلية وتقويض مؤسسات الدولة الوطنية"، فإن العديد من المثقفين العرب يتفقون في أطروحات وتعليقات عبر الصحف ووسائل الإعلام على أهمية الاهتمام بالبعد المعرفي، حفاظا على الهوية العربية، والتصدي للمؤثرات المناوئة لقيم الاصطفاف العربي.

ورأى أحد هؤلاء المثقفين في مصر وهو الباحث والكاتب في "الأهرام" نبيل عبد الفتاح، أن "المجال الذي يمكن أن يساهم في إعادة الحيوية والفاعلية للعلاقات العربية - العربية ولفكرة العروبة يتمثل في تطوير العلاقات الثقافية العربية في ظل عديد الممكنات المتاحة والتي تحتاج إلى تطوير".

كما رأى أن تعدد المراكز الثقافية العربية يعطي إمكانات واسعة للتنوع وإبراز الجهود الوطنية في مجالات الإبداع والإنتاج الثقافي، مؤكدا على أهمية استعادة أدوار المثقفين والمبدعين للقيام بأدوارهم في مجال التغيير الاجتماعي، واقترح دعوة جامعة الدول العربية "لمؤتمر لبعض المثقفين العرب للإعداد للقمة العربية الثقافية الأولى بصورة تمثل وتعكس المدارس الفكرية والفلسفية العربية".

ويقول مدير مكتبة الاسكندرية، الدكتور مصطفى الفقي، إن الدعوة لعقد قمة ثقافية عربية ترجع إلى عام 2008، لافتا إلى أنه طرحها حينئذ في اجتماع "لمؤسسة الفكر العربي" في بيروت حيث رأى "أن جزءا كبيرا من مشكلاتنا على المستوى القومي يأتي من الأبعاد الثقافية لحياتنا المعاصرة، خصوصا أننا نعيش في عالم كل أطروحاته ذات طابع ثقافي".

ويضيف الفقي أن هناك حاجة لعقد هذه القمة الثقافية العربية لجمع الكلمة "حول مفهوم شامل لمعنى المواطنة في ظل منطق العروبة خلال السنوات الأخيرة"، فيما أصبح العامل الثقافي يحظى بأهمية بارزة في العلاقات الدولية المعاصرة.

وإذ يشدد الفقي على أهمية أن يدرك العرب "حجم الثروة الثقافية التي يمتلكونها والعمل على توظيفها من أجل مستقبل عربي أفضل"، ويؤكد أن العامل الثقافي هو "عامل رئيسي في مفهوم القومية"، يعيد صاحب كتاب "تجديد الفكر القومي" للأذهان أن كتابه الذي صدر في مطلع العقد الأخير من القرن الماضي "تضمن بوضوح رؤية حديثة لمعنى القومية ومفهوم الأمة"، ويخرج بهما عن الإطار العاطفي التقليدي منوها بأهمية "دعم العامل الثقافي بشبكة مصالح مشتركة ومتوازنة".

وكان مصطفى الفقي قد أصدر أيضا كتابا بعنوان "العروبة المصرية" لفت فيه إلى أن "عروبة مصر ذات مذاق خاص يرتبط بعبقرية المكان والزمان والسكان"، وقال إن "العروبة الثقافية متأصلة في مصر"، فيما أكد أن "القومية العربية تحديدا هي واحدة من أكثر الأطروحات ثراء وعمقا، لأنها تعتمد على عامل ثقافي واسع ورحب".

وخلص الدكتور مصطفى الفقي، إلى رؤية فحواها أن "القومية انتماء إنساني يحكمه العامل الثقافي بالدرجة الأولى"، مؤكدا أيضا على أهمية دعم هذا العامل بالمصالح والمشاريع المشتركة التي تعزز جوهر القومية، وتشكل بديلا أفضل بكثير من الاكتفاء بالشعارات "حتى تصبح القومية مظلة حقيقية للتعايش المشترك بين أبناء الأمة الواحدة".

أما الدكتور مصطفى عبد الغني الذي عرف بتبصراته الثقافية في "الأهرام"، فقد رأى أن التأثير السلبي على الهوية العربية يزداد مع ازدياد حدة الصراعات في بعض الدول العربية مثل سوريا، فيما حذر السفير ووزير الخارجية المصري الأسبق، محمد العرابي، من خطورة ظاهرة التحالفات بين قوى أجنبية على الأرض السورية، ومحاولات استحداث كيانات عرقية أو طائفية على حساب الدولة الوطنية، مؤكدا في الوقت ذاته على أن "الإرهاب العابر للحدود يعد أول الظواهر التي تهدد المنطقة العربية وتهدف لتقزيم الدولة الوطنية".

وتحل الذكرى العزيزة للوحدة المصرية - السورية فيما يشكل الموقف المصري حيال الأوضاع في سوريا أمثولة لثقافة الحق وانتصارا لقيم الخير، وحرصا على حقن دماء كل السوريين ووحدة ترابهم الوطني، ويتطلع المثقفون مع جماهير شعبهم في مصر ليوم قريب تنتهي فيه المحنة التي يعاني منها الشعب السوري الشقيق منذ نحو ثماني سنوات، وأن تقطع ذراع الإرهاب في ربوع الشام وتدحر قوى الشر التي تغذي الاقتتال بين أبناء الوطن الواحد.

ولعل مرور 61 عاما على ذكرى الوحدة المصرية - السورية يستنفر المزيد من جهود الباحثين العرب في التاريخ الثقافي والاجتماعي ناهيك عن حقل العلوم السياسية لتقديم المزيد من الدراسات الثقافية بشأن دولة الوحدة التي استمرت نحو ثلاث سنوات، ودخلت بامتياز في التراث القومي العربي وتاريخ الأفكار العروبية ووشائج العلاقات بين المثقفين في مصر وسوريا كجزء عزيز من الروابط الجامعة بين المثقفين العرب.

ومثل هذه الدراسات الثقافية حول التجربة الوحدوية العربية بين مصر وسوريا لا تنصرف لأمواج الحنين للماضي بقدر ما هي مفيدة لاستخلاص نتائج من عبر التاريخ، تساعد الأمة العربية في مواجهة الواقع الراهن المشحون بالتحديات الخطيرة والأحداث الجسام، فضلا عن بناء ما يمكن وصفه "بثقافة حداثية قومية قادرة على الاستجابة لمتطلبات الواقع المعاصر".

كما تحل هذه الذكرى وسط اهتمام كبير في المنابر الثقافية ووسائل الإعلام بشأن تطورات إيجابية على صعيد محاربة تنظيم داعش الإرهابي الذي مني بالهزيمة في الأرض السورية، غير أن هذا التفاؤل لم يحل دون تحذيرات لمعلقين بشأن إمكانية استعادة هذا التنظيم التكفيري الدموي قدرته على شن هجمات داخل سوريا حال تخفيف الضغوط عليه.

وكانت كنوز ثقافية وتاريخية سورية قد تضررت جراء الممارسات الإجرامية لعناصر تنظيم داعش الإرهابي، فيما لاحظ معلقون أن تصاعد هجمات الخارج لاقتلاع الخصوصية الحضارية، وشطب الثقافة القومية قد تزامن مع تصاعد هجمة الإرهاب والقوى الظلامية العميلة لصنع حالة من "تآكل الذات العربية".

وإذ تتعدد الأطروحات القومية يبقى الرهان صائبا على بناء ثقافة عربية جديدة وتغيير الحقائق الاقتصادية والاجتماعية نحو الأفضل على قاعدة معرفية تتيح فهم حركة التاريخ وإمكانية توظيفها إيجابيا، ولعل ذلك هو "جوهر النضال الفكري المطلوب من جانب المثقفين القوميين والمؤمنين بفكرة الأمة العربية الواحدة".

وفي ذكرى الحدث الوحدوي العربي المجيد تبقى قلوبنا وعقولنا ومشاعرنا كلها مع الأشقاء في سوريا.. ورغم المياه الكثيرة التي مرت وتمر تحت جسور الزمن، فإن هذه الذكرى ستبقى شاهدة على إمكانية تحويل الحلم لدائرة الفعل القومي لصالح الإنسان العربي.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك