القاهرة على حافة هاوية، قاعها أسود لا نرى له نهاية، أو هكذا بدأت ترتسم لكثير منا الصورة بعد انقشاع قناع اللامبالاة الذى تكاثر على جفوننا طوال العقود الثلاثة الماضية.. فكأننا نرى البعد الحقيقى لمشاكل هذه المدينة، القاهرة لأول مرة.
فالقاهرة ــ شأنها فى ذلك شأن مصر كلها ــ تعانى من مشاكل جمة يصعب حصرها، ويرجع أغلبه لتخلى «الدولة» ــ كممثل شرعى للشعب مخول بمسئوليات التخطيط وإدارة شئون البلاد والعباد ــ عن تلك المسئولية واتباع منهج تخطيط وإدارة عشوائى يركز بالدرجة الأولى على إطفاء الحرائق بعد اشتعالها وليس على تفادى اشتعالها أصلا. ترتب على ذلك أن تراكمت المشاكل وتعقدت تركيباتها وتزايدت أحجامها لدرجة تصبح حلولها المثلى أقرب لعمليات نسف وإعادة بناء.
الصورة تبدو قاتمة وكثير منا يتعذر عليه رؤية مخرج لهذا النفق المظلم الذى تم حشرنا فيه.. ومع غموض الرؤية يعود اليأس واللامبالاة وتعود ريما لعادتها القديمة وكأن الثورة لم تقم إلا لتغيير بعض الوجوه!
اللون القاتم سببه كثرة الطبقات المتراكمة لعلاقاتنا وتفاعلاتنا المختلفة مع المدينة. فالقاهرة مدينة عميقة، يعيش فى كل ركن من أركانها تراكمات أكثر من ألف سنة من الزمان والناس. ونحن لسنا فقط قاطنين للمدينة بل نحن أيضا مخططين لها، وبناءين ومتاجرين بها، نحن نتاج منها ومشكلون لها فى آن واحد، نحن جزء لا يتجزأ من تلك الطبقات. ولكى تتضح لنا الرؤية يجب علينا تفكيك تلك الطبقات ودراستها منفصلة حتى يتسنى لنا فهمها فى حجمها الطبيعى. يجب علينا تفكيك دورنا فى هذه الطبقات من خلال التحليل الناقد لفهم دورنا وإمكاناتنا الحقيقية فى تغييره.
تبدأ الشروق فى هذه الحملة تقديم أبعاد مختلفة لتعقيدات مدينتنا القاهرة بهدف توكيد أهمية وحتمية الدور الذى نلعبه ويجب أن نلعبه لإنقاذ المدينة ومن ثم جودة حياتنا بها. حديثنا سيكون عن مدينة القاهرة بصورة مباشرة وإن كان مضمونه على المدينة المصرية بصورة غير مباشرة، فالقاهرة بحكم مركزيتها وحجمها، أصبحت المثلث الذى تحتذى به سائر المدن المصرية كالقطيع المسير.
وحيث إنه من المستحيل التعرض لجميع أبعاد المدينة وطبقاتها ومشاكلها فلن نحاول أصلا ولن ندعى النية لذلك. ولكننا سنحاول طرح أبعاد متنوعة للموضوع ومن أصحاب رؤى متعددة بعضهم مألوف والآخر غير مألوف، هدفنا اثارة المياه الراكدة وحالة الاستسلام والقبول بالأمر الواقع الغالبة على غالبية قاطنى هذه المدينة، لعلنا نرى بعض المشاكل فى حجمها الطبيعى والذى قد يكون مصدر خطر شديد على حياتنا وفى نفس الوقت قد نكتشف أن إمكاناتنا فى مواجهته وحله أكبر بكثير مما كنا نتخيل. من ثم قد تزداد ثقتنا فى أنفسنا وثقتنا فى مدينتنا وفى قدرتنا على استعادة دورنا الفعال والايجابى فى التعامل معها.
اقرأ المزيد: