في ثالث أيام عيد الفطر المبارك نستيقظ على خبر من أسوأ ما يكون يرسخ لفترة الظلم والمعاناة التي عاشها الشعب المصري فى عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، فقد أصيب أكثر من ألف شخص بقرية صنصفط التابعة لمركز منوف بمحافظة المنوفية، بحالة تسمم بسبب مياه الشرب الملوثة، والتي نقل على إثرها عشرات الحالات إلى مستشفى منوف العام، وأجريت لها الإسعافات اللازمة، بعد ظهور أعراض متشابهة على المصابين جميعا، وهى ارتفاع حاد في درجات الحرارة ومغض وقيء وإسهال.
واستقبل المستشفى نحو 50 حالة، فيما تم نقل حالات أخرى إلى مستشفى حميات منوف، وعلاج حالات أخرى بمعرفة الوحدة الصحية وعدد من الأطباء في القرية.
إنها ليست المرة الأولى التي يصاب فيها العشرات جراء شرب المياه الملوثة، ففي العام 2009 كانت قرية البرادعة أشهر القرى التي انتشر فيها مرض التيفويد جراء تلوث مياه الشرب.
ظلت قرية البرادعة قرية هادئة حتى أيام قليلة قبل يوليو 2009 فهي قرية تبعد عن مدينه القناطر الخيرية بالقليوبية حوالي 8 كم، حيث إن سكانها والبالغ عددهم 30 ألف نسمة يعملون بالزراعة والمعمار.
فجأة تحولت القرية الهادئة إلى بركان من قلق وذعر، فهاجم مرض التيفويد المعدي القرية وأصبح أهالي القرية الصغيرة ساكني مستشفيات الحميات دون علمهم بسبب هذا الوباء، وكالعادة تضارب شديد في تصريحات المسئولين عن أعداد المصابين أو سبب الإصابة، فبعضهم يقول إن الأعداد المصابة 20وآخر يقول 26 وثالث ينفى وجود إصابات من الجذور أما أسباب الإصابة فتجد من يصرح بأن المياه هى السبب، وآخر يقول الطعام ملوث، وثالثا يقول الهواء؛ وكأن الرأي العام ينقصه التشتيت وتضارب الأقوال.
الغريب والذي لم يلاحظه أحد من المسئولين أن كل شيء يدعو للخوف؛ فالمياه بطبيعة الحال لا يعرف أحد مدى صلاحيتها للاستهلاك الآدمى، وهل اختلطت بالصرف الصحي أم لا!! أما الطعام فامتلأ بالكيماويات، ومن جهة المصارف فهي تحتضن القرية الصغيرة وتزينها القمامة والحيوانات النافقة تحتفل بها ولذلك كل ما بوسع أهالي القرية أن يحمدوا الله على كل هذه النعم.
فى حينها فجر تقرير اللجنة الفنية الوزارية المشكلة بقرار من رئيس مجلس الوزراء الأسبق حينها أحمد نظيف، لبحث أسباب انتشار مرض التيفود بقرية البرادعة بالقليوبية مفاجأة مدوية، حيث تضمن اتهامات إلى البعثات الأمريكية العلمية بالمسئولية عن ذلك، من خلال إجراء تجارب بحثية في معظم أنحاء محافظة القليوبية، استخدمت فيها مبيدات ومواد كيماوية خطرة ومحظور استخدامها دوليا.
وأدانت اللجنة التي ضمت ممثلين عن وزارة الصحة والبيئة والزراعة والري والحكم المحلي والإسكان والأسرة والسكان ومحافظة القليوبية، اللجان البحثية الأمريكية باستخدام المبيدات المحظورة، خاصة مبيد "البيلوسيد "الذي كانت تستخدمه في جميع الترع والمصارف والمجاري المائية بالقليوبية لعمل أبحاث بيولوجية خاصة بالمياه والتربة بتمويل من هيئة المعونة الأمريكية.
وكانت قرية البرادعة شهدت في يوليو من العام 2009 شهدت إصابة العشرات من سكانها بمرض "التيفود"، وقالت التقارير آنذاك إن ذلك ناجم عن تلوث مياه الشرب، بعدما وجهت الجهات التنفيذية اتهامات إلى شركة "المقاولون العرب" القائمة على تنفيذ شبكة الصرف الصحي بالقرية تحملها العيوب الفنية بالمشروع، وقالت إن ذلك كان السبب في اختلاط مياه الشرب بالصرف الصحي مما أدى إلى انتشار وباء التيفود داخل القرية.
المفاجأة الأخرى التي كشفها التقرير الذي تكتمت عليه الحكومة المصرية، هو أن اللجنة التي ضمت عددا من الباحثين الإسرائيليين سبق وأن قامت بإجراء التجارب ذاتها بمحافظة كفر الشيخ واستخدمت مبيدات ومواد كيماوية وبيولوجية خطرة ومحرمة دوليا، مما نتج عنها العديد من الأمراض والكوارث الصحية والبيئية الخطرة.
وأسفر ذلك عن انتشار أمراض حمي الوادي المتصدع الذي تسبب في وفاة أكثر من 55 مواطنا، فضلا عن إصابة العشرات بأمراض خطيرة، خاصة الأمراض الفيروسية والبكتيرية مثل التيفود والملاريا وفيروس الالتهاب الكبدي "سي".
وحذر التقرير من أن السيناريو ذاته يتكرر حاليا بمنطقة مديرية التحرير بأرض مشروع شباب الخريجين بمحافظة البحيرة، حيث تقوم اللجنة ذاتها بعمل أبحاث بيولوجية ونباتية وحيوانية ومائية واختبارات للتربة في المنطقة، بعد أن قامت وزارة الزراعة بتخصيص 500 فدان لصالح الجامعة الأمريكية بالقاهرة مقابل جنيه واحد للفدان لعمل أبحاث علمية في الأرض المخصصة لشباب الخريجين.
فهل ستتغير الأحوال في عهد رئيس الثورة المنتخب أم أن البلاد ستشهد المزيد من الآلام و فقد العديد من أبنائها نتيجة للإهمال؟!.