«الشروق» تروى حكايات مرضى من عالم آخر - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 7:46 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«الشروق» تروى حكايات مرضى من عالم آخر

مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية
مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية
محمود زكى
نشر في: الخميس 21 أغسطس 2014 - 11:04 ص | آخر تحديث: الخميس 21 أغسطس 2014 - 1:36 م

كل منهم يحمل حكايته الغاضمة أو الكوميدية، التي تحوي في أغلب الأحيان جوانب مرعبة وأحداثا خيالية.. عقولهم ضائعة سُرقت منهم، تاهت بين هلوسة الأصوات وخداع الأبصار واضطراب الأفكار.. هؤلاء هم مرضى الفصام «الشيزوفرنيا».

أعاد فيلم «الفيلم الأزرق»، للروائي الشاب أحمد مراد، وبطولة كريم عبد العزيز وخالد الصاوي، طرح القضية، و«الشروق» تناقشها مع أسر بعض المرضى وتخترق حواجزهم في المصحات النفسية تفتش بين الحكايات والتصرفات، بحثًا عن إجابة أو تفسيرات للمرض.

استفاض الأسر في شرح ماذا حدث لكل مريض، وكيف تغير من النقيض للنقيض، وتحدث الأطباء النفسيون عن تفسير المرض وأهم أعراضه ومراحله، والأهم طريقة علاج المرض، حتى وإن كان مزمنًا قد لا يشفى منه المريض أبدًا، لكن يمكن التكيف معه.

ظهرت مذيعة النشرة الجوية على شاشة التليفزيون تحذر المشاهدين من الخروج من المنزل، لأن الطقس سيئ، وحالة من التدهور الشديد ستصيب الجو، والبرق والرعد سيكونان سيدا الموقف، والأمطار الغزيرة ستضرب الأرض.. كانت تلك البداية مع «عبده. ى»، الذى اعتبر أنها «نهاية العالم».

• عبده اختبأ في الدولاب 3 أيام خوفًا من هجوم فضائي على مصر

أصيب عبده بحالة هيستيرية، وخرج إلى الشارع غير مستسلم للطقس العنيف، حاملا فى يده سكينًا، ورأسه مغطاة بخوذة، ينظر إلى السماء ويتوعد القادم منها، مهددا إياه بعذاب أليم إذا مس أرضه ووطنه وبيته.

«نهاية العالم».. هكذا ظل عبده يصيح وهو يسمع أصوات الرعد والبرق تضرب عنان السماء.. «لقد وصلوا أخيرا ليحتلوا الأرض وما عليها».. لم يستوعب أحد ما يقوله عبده. لكنه عاد سريعا إلى بيته يختبئ من الهجوم الوشيك على الأرض، بعدما أغلق نوافذ بيته جيدا، لكن أصوات الرياح وهى تضرب النوافذ تفزعه وكأن أحدا بالخارج يريد كسرها ليدخل المنزل ويقتله.

شعر عبده بحركة أقدام تلف حول بيته فنهض سريعا مهرولا إلى غرفة نومه، فتح الدولاب وألقى بالملابس منه داخله وأغلق الدولاب جيدا، ومدد جسده وأغلق عينه محتضنا سكينه استعدادا لأى حركة هجومية غير متوقعة.

ظل عبده داخل الدولاب ثلاثة أيام، على وضع واحد، ثانيٍا ركبتيه وفى يده سكين.. «هكذا كانت حالته عندما عثرت عليه ابنته، بعد أن شعرت بالخوف عليه بسبب اختفائه المفاجئ، وقد ظلت تبحث عنه قرابة يومين حتى وجدته جالسا فى الدولاب لا يتحرك، لا يتكلم والأسوأ أنه يرفض الخروج».

تقول ابنة عبده «لا أعرف متى وصل أبي لتلك الحالة.. لكن حالته ساءت منذ قرر الخروج من الخدمة مبكرًا، بعدما أكد لنا أنه تعب من العمل المستمر والمرهق فى شركات البترول، وأنه حان الوقت لكي يرتاح وسيفتح مشروعًا يديره بنفسه».

وأضافت «حتى هذه اللحظة، ورغم خروجه من الخدمة منذ قرابة 3 أعوام إلا أننا لا نعلم ما هو المشروع، لكن نعلم أنه صرف مبالغ طائلة لا نعرف إلى أين ذهبت»، موضحة «لم نشك فى أن أبي أصابه مكروه؛ لأننا نثق فى تفكيره السليم، حتى جاء يوم وهو مصفر الوجه، وقال لي: خدى ولادك وسيبى القاهرة واقعدى فى الصحراء».

واستطردت: عندما حاولت أن أفهم منه السبب، رد أن هناك هجوما على مصر، وأنه «جاب معلوماته» من جهات عليا من المخابرات العامة.

وتابعت: لم يقل لي كلمات أخرى، ورفض استكمال حديثه معي، حتى دخلت غرفته يومًا، وكان يغلقها دائمًا ويرفض أن يدخلها أحد، ففوجئت بعشرات الصور المعلقة على الحائط وجرائد تملأ كل ركن، وأكثر من 20 تليفون محمول بأرقام مختلفة.

يقبع عبده الآن فى إحدى المصحات النفسية، بعدما استقرت حالته وهدأت أعصابه واطمأن إلى أن مصر آمنة وأنه لا هجوم عليها.

وقال لـ«الشروق»: إن مكالمات التليفون التى كانت تأتيه من المخابرات توقفت، لكن حتى الآن لا أحد يعرف من كان ينوي الهجوم على الأرض، وما هو العدو الذي كان يخشاه.

تلك الحالة تشبه حالات كثيرة مصابة بالفصام، وبحسب الإحصاءات العالمية، فالمصابون بالفصام يقدرون بـ 3% حول العالم، وهم من تغيرت أفكارهم وتبدل سلوكهم وتشتت إدراكهم، بسبب المرض المزمن القاسى.

• سيد.. المهدي المنتظر القادم من بولاق

فى شارع هادئ بحي مصر الجديدة الراقى، تقع مصحة نفسية، تشعرك للوهلة الأولى أنك أمام بيت به أشكال مختلفة للحياة.

يجلس «سيد. س» شاب فى العشرين من عمره فى منتصف غرفة عريضة تسع لـ6 أسرة، تمتاز بحوائطها القديمة الغليظة وسقفها العالى الشاهق، وفى النهاية طل حائط شرفات صغيرة مغلقة بقواعد حديدية، أكلها الصدأ، يدخل منها بصيص نور خلللللللللللللللللافت يكاد يضىء الغرفة.

عنبر «12 رجال».. هكذا يطلق عليه عاملو المصحة الذين يتجنبون ملاقاته ويتمنون أن يخسف الله به الأرض، حتى يتخلصوا من ذلك الكابوس المخيف، فلا أحد يحب أن يدخل هذا العنبر ولا يتعامل مع مرضاه أصحاب العقول الفريدة، فهو عنبر «المهدى المنتظر».

عباس.. أقدم ممرضى المصحة، يقول إنه منذ نشأة المصحة دخل عدد كبير ممن يدعون أنهم المهدى المنتظر، وأنهم يتلقون رسائل إلاهية تبشرهم بذلك، فقرر مدير المصحة وقتها أن يجمعهم جميعا فى عنبر واحد علهم يدركون أنهم أصحاب مرض واحد أعراضه مشتركة، إلا أن مع الوقت صادر العنبر «بيتا للمهدى المنتظر».

وصل سيد السنة الأخيرة فى الثانوية العامة، لكنه مازال معلقا فيها، بعد أن توقف عن دخول الامتحان للعام الثالث على التوالى، ورغم أنه كان الأول على فصله طوال سنوات دراسته، إلا أنه رسب فجأة فى نهاية الإعدادية.

تحكى والدة سيد بداية قصته مع المرض عندما عاد إلى المدرسة من إجازة صيف، فبدا غير مكترث بدراسته ولا مظهره، ثم زادت الأمور سوءا عندما استدعوها للمدرسة بعدما تشاجر مع زميله للجلوس فى المقعد الأمامى بالفصل، وانتهت المشاجرة بكسره أنف زميله.. «هذه المرة الأولى التى عرفت فيها أن ابنى يمكن أن يتشاجر مع أحد ويضربه أيضاً».

أصبح سيد لا يعلم هل هو سعيد أم حزين؟، يخرج فى الشوارع لا يعرف إلى أين هو ذاهب وما هى وجهته؟.. تقول أمه: كان يقول لى أشياء غريبة لا أفهمها مثل «أنا حاسس انى اتغيرت ومش عارف نفسى وأنا مروح فى الشوارع زى ما أكون كنت بامشى فيها لأول مرة».

لا تعلم والدة سيد متى بدأت قصته مع «المهدى المنتظر»، لكنه فى فترة قصيرة بدأ فى إطلاق لحيته، وارتداء ملابس واسعة بيضاء، وأصبح يقيم فى المسجد أكثر من البيت، بدأ التشدد فى أفكاره والتعامل مع الجميع على أنهم كفار، حتى وصل الأمر إلى اعلانه فى ميكروفون المسجد بعد صلاة جمعة، أن الله اختاره لكى يكون المهدى المنتظر ليخلص الأرض من الفجور الذى طالها.

يرى سيد: أن يوم القيامة اقترب بعد أن امتلأت قلوب البشر بالكفر والمعصية، وظهرت جماعات مثل «الإخوان» و«القاعدة» تدعى الإيمان، وهم أشد خطرا على الإسلام فأصبح ظهور المهدى المنتظر ضرورة لعودة الأمور إلى نصابها الصحيح والقضاء على تلك الجماعات التى تؤذى الإسلام.

يؤكد سيد أن «الله تحدث له بصوته وطلب منه أن يبدأ فى جمع المؤمنين لتدشين جيش منهم ينصرهم الله على أعداء الإسلام، ثم بعد احتلال العالم وتطهيره من الكفر سيكون قد انهى مهمته واقتربت الساعة».

• الرائد عمر.. رئيس مجلس إدارة الكون الذى قتل والدته

لم يكن هناك من يختلف على صلابة عقله وفطنته وذكائه الفطرى، خاصة أنه كان الأول على دفعته بأكاديمية الشرطة يقفز من منصب لأعلى، ومن ترقية إلى أخرى سريعا.

«عمر. م»، ضابط شرطة، ابن الثلاثين عاما، صاحب وجه عريض وجسد مفتول، لا تختفى الابتسامة من ملامحه أبدا... هذه كلمات زوجته بعد أن بدأت تتساقط الدموع من عينيها حزنا على ما جرى له.

تقول زوجته: أحمل شريطا من الذكريات لا يقدر على حمله أحد، فنحن أسرة يشهد لها الجميع بالسعادة إلى أسوأ نهاية يمكن أن يقرأها شخص، بدأت قصة زوجى مع المرض عندما ظهرت عليه أعراض الاكتئاب عليه واختفت ابتسامته وكثرت أجازاته من العمل.

وأضافت: أصبح حاد المزاج، عنيفا يتصارع مع الجميع، حتى إنه ضرب زميله وكاد يفصل من عمله، وكنت أسمع من أصدقائه أنه يهذى بكلام غريب ويستعلى على رؤسائه وينظر نظرات عظمة وتكبر للجميع.

زاد الأمر سوءا عندما عثرت الزوجة فى أحد الأيام على علبة صغيرة، بها كروت شخصية ومكتوب عليها «الرائد عمر.. رئيس مجلس إدارة الكون»، بدأت الزوجة تضحك بشكل هيستيرى ظنا منها أن زوجها يمزح، لكنه عندما شاهدها انهال عليها بالضرب العنيف، فأدركت أن فى الأمر شيئا خطأ.

تقول الزوجة: لم يستطع أحد أن يأخذه إلى طبيب نفسى، لكنه هو من فعل ذلك بنفسه دون يدرى، بعد أن خرج يوما على قدميه حاملا مجموعة من الأوراق مرتديا أكثر بدله أناقة، واتجه إلى القصر الجمهورى محاولا مقابلة الرئيس، ما أجبر الحرس على اصطحابه إلى قسم الشرطة، الذى استدعى الطبيب النفسى، ليفحص حالته.

وتضيف: عثروا وقتها مع زوجى على مجموعة من الرسومات غير المفهومة وأرقام لا معنى لها، ودستور كامل يتكون من 80 مادة كتب عليه «دستور الكون»، كان يحوى مواد غريبة، مثل أن العالم يقسم إلى أربع دويلات (قسم شمالى وجنوبى وآخر شرقى وغربي)، ونصب هو حاكما على الأربعة، وشمل الدستور نظام انتخاب عن طريق «البيعة» ويكون هدف تلك الدويلات محاربة الكفار. عانى عمر من مرض الفصام المصاحب للهلاوس السمعية، فحسب مضبطة الطبيب المعالج، له كان يصرخ عمر فى وجه الطبيب والمرضى قائلا لهم «ازاى تعملوا كده مع واحد مبروك زيى.. أنتوا مش عارفين ان ربنا هو اللى معينى رئيس ولا إيه».

وحسب رواية عمر الطبيب فإنه «يرى أن الله قد جاءه بصوت جبريل يبشره بأنه اصطفاه ليكون رئيسا على البشر ليصلح حالهم ويعيدهم لرشدهم ويقضى على الكفر الذى اجتاح العالم». بدأت حالة عمر تتحسن مع الوقت بعد أن اختفت الهلاوس وبدا طبيعيا بعد أن استمر علاجه قرابة عام فى إحدى المصحات النفسية الخاصة، وتم السماح له بالخروج والعودة لحياته الطبيعية، لكن بشرط واحد أن يستمر فى تعاطى الأدوية لأنه إذا توقف عن تناولها أصبح معرضا للعودة كما كان.

وافق عمر فى أول الأمر لكنه كره الدواء أكثر من أى شىء، «لأنه كان يسلبه أهم شىء بالنسبة له ويؤثر على علاقته بزوجته التى كان قد اشتاق إليها»، وتوقف عن الدواء معتقدا أنه «يسلبه رجولته» فعادت حالته للأسوأ، وبدأ فى التخريف من جديد وعلم الجميع أنه توقف عن تناول الدواء، رفضت زوجته فعله، واتفقت مع أمه على شن حملة ضغوط عليه ليعود إلى الدواء.

تؤكد الزوجة أن فكرة الضغط عليه لم تكن سهلة، بل زادته إصرارا وعندا وعنفا، وكان يرى أن أمه هى السبب فى كل ما يحدث له، وأنها هى من تجعلنى أتمرد عليه، حتى وصلنا لليوم المشئوم عندما فتحت باب الشقة فرأيت الدماء قد أغرقت المكان، وهو يسقط على الأرض ساندا ظهره للحائط، وقد تلوثت يده بالدماء، وأمامه جثة أمه ملقاة على الأرض، وقد مزق جسدها بسكينه.

قتل عمر والدته بعد أن رأى أن التخلص منها هو الحل الوحيد للانتهاء من مشاكله، اعتقد أنها تخرب حياته، كل الأصوات التى حاصرته أكدت له ذلك، جملة «اقتل أمك» كانت تهز كيانه وتضرب كالمطرقة فى عقله، حتى أصبحت راحة باله فى قتل أمه.

أودع عمر المستشفى مرة أخرى لنحو 20 عاما، ومازال فيها، بعدما اعتبرته المحكمة فاقدا لعقله.

• أحمد.. يصارع الجن ولا يعرف والده

لا تختلف حالة «أحمد. ش» الشاب الثلاثينى الوسيم، عن عبده كثيرا، وإن اختلفت أفكاره وهلاوسه، لكن المرض واحد.

بدت عليه علامات الهدوء وعلى وجهه ابتسامة لطبيب التحاليل، بعد أن مد يده للطبيب ليسحب عينة من دمه لتلبية أحد شروط وظيفة تقدم إليها، تطلب تقريرا طبيا شاملا لحالته، لكن قبل أن يبدأ الطبيب فى عمله، سحب يده سريعا قائلا «افتكر انى قلت لك يا دكتور إنى لبسنى جن ولما تشكنى مش هتعرف توقف الدم وهتلاقى لونه أصفر».

ابتسم الطبيب ابتسامة صفراء تعبر عن ذهوله مما قاله المريض، وأصر على سحب العينة، ورغم كمية الدم الكبيرة التى نزفت من ذراع أحمد، إلا أن لونه لم يكن أصفر كما قال، لكن أحمد قال بغضب «شوفت يا دكتور مش قولتلك أصفر أهو».

كان هذا المشهد هو بداية رحلة أحمد العلاجية، فرغم سلامته العضوية، إلا ان الطبيب أصر على أن يعرضه على طبيب أمراض نفسية، قبل أن يحصل على الوظيفة، وهو ما أجبر أحمد على الرضوخ أخيرا بعد عشر سنوات من الصراع مع أهله رفض فيها زيارة الطبيب النفسى. بدأت حكاية احمد، حسب رواية والدته، عندما عاد من رحلة عمل قصيرة فاشلة فى السعودية، انتهت بإصابته بحالة من الانطوائية الشديدة، والتوقف عن تناول الطعام لأيام، لكن لم يكن هذا سوى البداية، ففى أحد الايام استيقظ أحمد من نومه واتجه لوالده بعد نظرة طويلة ثاقبة قائلا له «انت مين».

اعتبر أحمد أن والده رحل منذ فترة، وأن الرجل المقيم معهم فى البيت حاليا هو شخص آخر يشبه والده بالضبط، ممثل جيد استطاع بمهارته أن يقنع الجميع بأنه والده، لكن لن تنجح حيلته معه هو، ووصل به الأمر إلى أن طالب أمه بأن تترك أباه ولا تجلس معه فى مكان مغلق لأن هذا حرام شرعا. لم يستطع أهل أحمد التعامل معه فى ظل تدهور حالته بشكل مستمر، ودون سبب معروف، إلا أن جاء لهم يوما وأوضح لهم أن سبب تغير تصرفاته، هو أن جنا لبسه وهو فى السعودية، ويسعى للقضاء عليه. وصدق أهل أحمد تلك الرواية، فهى تبدو مقنعة إلى حد كبير بالنسبة لهم.

وقالت والدة أحمد: لم نترك طريقة سمعنا عنها لخروج الجن إلا وفعلنها، ذهبنا إلى كل مشايخ الجمهورية بعضهم استخدم القرآن وآخر قرأ تعاويذ، لكن الأسوأ كان شيخا استخدم الجمر لحرق جسد ابنى بعد ربطه فى شجرة، قال لنا إنها شجرة جذورها فى الأرض وفروعها فى الجنة، ورغم كل ذلك لم يشف ابنى وظلت تصرفاته غريبة ومتغيرة وغير مفهومة، فأحيانا يقول لنا فجأة ودون مقدمات «سامعين أهو الجن بيتكلم.. سامعين صوته».

يقول الطبيب المعالج لأحمد إن حكايات الجن وغيرها كلها تأتى تحت بند الهلاوس السمعية والتصرفات غير المتزنة والمشاعر المتضاربة، موضحا أن من أعراض أمراض الفصام أن يختار المريض أيا من أقاربه أو زوجته، وينكره، ويقول إنه ينتحل صفة قريبه أو زوجته وأنه ليس هو، ويبدو المريض وهو يتحدث أنه سليم تماما، لكنه فى الحقيقة يعانى من تشوش فى الوعى.

• خبراء الطب النفسى: الفصام مرض يلتهم عقول البشر

عبدالمنعم: لا يورث وينقسم إلى 4 أنواع و98% من أعراضه هلاوس سمعية علام: 70% من المرضى يذهبون للدجالين أولًا.. ولا دليل علميًا على علاقة المرض النفسى بالجن

«مرض يلتهم عقول البشر».. هكذا يُعرف خبراء الطب النفسى الفصام، ويقول الدكتور أحمد ربيع استاذ الطب النفسى، إن مرض الفصام أو «الشيزوفرينيا» هو مرض دماغى مزمن يصيب عدداً من وظائف العقل، تتسبب فى اضطرابات وجدانية وسلوكية وعقلية بدرجات متفاوتة.

وأضاف ربيع أن الأعراض كثيرة ومتشابهة، تصيب وظائف مختلفة، وأول ما يحدث من اضطرابات هو اضطراب التفكير، حيث يفقد المريض القدرة على التفكير بشكل واضح ومنطقى ومترابط، كما يؤدى إلى اقتناعه بأفكار غير صحيحة مثل تحكم كائن من الجن أو الفضاء فى أفعالهِ أو أن الآخرين يستطيعون قراءة أفكاره وزرع أفكار جديدة فى عقله. ويشير ربيع إلى أن اضطراب الآخر يأتى فى المشاعر فيصبح مريض الفصام كسولا ويعيش فى حالة من اللامبالاة والانطوائية، مضيفا أن هناك اضطرابات فى الإدراك وهى الأبرز والأكثر وضوحا فى مرض الفصام عن طريق سماع أصوات أو رؤية أشياء غير موجودة على أرض الواقع.

• الأسباب وراثية وأسرية

وقال استشارى الأمراض النفسية، الدكتور محمد عبد المنعم، لا توجد أسباب محددة بدقة عن الإصابة بالفصام، لكن هناك عوامل كثيرة قد تكون ذات أثر فى ظهور المرض، منها العوامل الوراثية، التى تعلب دوراً مهماً فى نقل المرض، موضحا أن المرض لا يورث وإنما الاستعداد للإصابة بالمرض هى التى تورث. وأضاف عبد المنعم أن مرض الفصام مرض مثل أى مرض، من الممكن أن يصيب الإنسان، فلا توجد حماية منه، لكن هناك عوامل قد تساهم فى زيادة نسبة الإصابة بشكل أكبر من الآخر، ومن تلك العوامل أن يكون لك قريب أصيب من قبل بالمرض، وتعاطى المخدرات، وكذلك التفكك الأسرى.

• أنواع الفصام

وبحسب عبدالمنعم فأنواع الفصام كثيرة ومتشعبة ومتغيرة لكن النظام الأكثر معرفة، هو الذى يقسم المرض إلى الفصام التشككى أو «البرانويا»، وتظهر اعراضه فى شكل ضلالات مثل الشعور بالاضطهاد أو بالعظمة، مثل أن يقول البعض إنه المهدى المنتظر أو نبى بعث من الله وغيرها.

ويوضح عبد المنعم أن أعراضه تتراوح بين الهلاوس السمعية والبصرية، لكن السمعية تمثل 98 %، أما البصرية فتظهر أكثر فى الحالات العضوية الناتجة عن تعاطى المخدرات أو الإصابات العضوية بالمخ. ويتابع: أن هناك نوعا آخر اسمه الفصام «الهيبو فرينى» وهو يتشابه مع أعراض النوع الأول، حيث تظهر أعراضه فى شكل اضطراب شديد فى الشخصية وإهمال شديد فى النظافة الشخصية، وعدم التحكم فى الانفعالات. ويأتى الفصام «الكتاتونى» كنوع ثالث حيث ينتاب المريض نوبة غضب شديدة، بحيث يدمر من حوله ويكسر ويصاب بهياج، ثم يصاب بنوبة خمول متزايد.

أما النوع الرابع فهو الفصام «البطىء»، حيث لا توجد ضلالات أو هلاوس، لكن يصاب بإهمال شديد فى الوظائف المعرفية، ويبدأ من سن 15 سنة، حيث يلاحظ الأهل إهمال النظافة الشخصية نهائيا وعدم التركيز والانتباه، وعدم القدرة على التحصيل الدراسى.

• الشياطين والجن والطب النفسى

جاء فيلم «الفيلم الأزرق» ليطرح قضية ليست جديدة، لكن لم يتم تداولها كثيرا فى الدراما والسينما، وهى العلاقة بين المرض النفسى أو الفصام، والقوى الخارجية غير المرئية التى تختلف من مجتمع إلى آخر وتترابط فى مجتمعاتنا بالجن والشياطين. وحسب الدكتور فايز علام، الخبير النفسى، هناك نسبة لا تقل عن 70% من المرضى يذهبون فى البداية إلى المعالجين بالقرآن أو المشعوذين قبل أن يفكروا فى التوجه للطبيب النفسى، فالكثير من البسطاء والمتعلمين يؤمنون بوجود مس شيطانى أو قوة من الجن خلف أى تغير سلوكى فى شخصية الإنسان، ويبدأون بالتعامل معها من إطار دينى فقط دون اعتباره مرضا قد يصيب أى شخص، رغم عدم وجود دليل واحد على علاقة الشيطان بالأمراض النفسية.

ويوضح علام أنه على الرغم من أن الفيلم ربط المرض النفسى بالجن، واستخدم «الفصام» فى تشخيص مرض «شريف» أو خالد الصاوى، الذى قتل زوجته نتيجة هلوسة بصرية أو سمعية، إلا أنها مجرد رواية تربط الواقع بالخيال، والحقيقة بها تفاصيل أوسع وأشمل.أرقام

حول المرض

• طبقا لمنظمة الصحة العالمية، هناك أكثر من خمسين مليون مريض فصام فى العالم.

• حسب أرقام غير رسمية، نسبة إصابة مرض الفصام فى مصر 3%.

• يمثل مرضى الفصام حوالى 60 – 70 % من نزلاء مستشفى الأمراض العقلية.

• تظهر حوالى 70% من حالات الفصام بين سن 15 – 40 سنة، وينتشر الفصام بين الرجال والنساء بنسبة واحدة.

• مرضى الفصام يحاولون الانتحار (دون نجاح) أكثر من عموم الناس بخمسين مرة.

• 40% من مرضى الفصام يحاولون الانتحار ولو مرة واحدة فى حياتهم.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك