محفوظ عبدالرحمن كتب مشهد وفاته مبتسمًا - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:15 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

محفوظ عبدالرحمن كتب مشهد وفاته مبتسمًا

كتبت ــ إيناس عبدالله:
نشر في: الإثنين 21 أغسطس 2017 - 10:03 ص | آخر تحديث: الإثنين 21 أغسطس 2017 - 12:01 م
فى حواره مع «الشروق» قبل عامين قال إن أجمل لحظة فى الحياة هى الموت.. واعترف انه حينما يرقد فى غرفة العمليات لا يفكر فى حالته المرضية وإنما يبحث عن فكرة لرواية جديدة

من أصعب اللحظات تلك التى أمر بها حاليا وانا أكتب خبر رحيل الكاتب الكبير محفوظ عبدالرحمن.. هذا الرجل الذى تعاملت معه عن قرب فى اطار الصداقة والعمل، وشعرت بفخر وانا اجلس امامه.. أمنح أذنى له بكل إنصات، وهو يتحدث عن الفن والحياة، عن الدراما ومستقبلها، عن اعماله وأعمال غيره من الكتاب الكبار والصغار، وهو يتحدث عن المعارك التى خاضها، عن الصعوبات التى واجهها، عن النجاحات التى حققها، على المكانة التى وصل اليها وهو مستند على خبرة طويلة مصقلة بثقافة ودراسة وبحث.. فلقد كان وسيظل صاحب قامة وقيمة كبيرة.

ورغم أننا جميعا نؤمن بالموت.. وندرك أن تلك اللحظة آتية لا محالة، لكن تزداد مهمتى صعوبة وانا اكتب خبر رحيل كاتبنا الكبير، وهو الذى خصنى بالحديث معى عن هذه اللحظة قبل اكثر من عامين، فى حوار نلت عنه جائزة التفوق الصحفى، حيث فاجأنى برسمه لمشهد وفاته كما يتخيله، ويتوقعه، ولم يتقبل انزعاجى من الخوض فى هذا الموضوع وقال لى «أنا من الذين يعتقدون أن أجمل لحظة فى الحياة هى الموت، وهذا ليس تشاؤما بل أشعر اننى بذلك فى قمة التفاؤل».

الغريب أنه لم يكن يتحدث بنبرة حزن، أو قلق، او بشرود، ولكنه كان مبتسما، وكان يتحدث عن هذه اللحظة بشغف وقال:

أشعر اننى عشت كثيرا، واستطرد ضاحكا «ولم يكن لدى رغبة فى هذا حقيقة الامر».. ثم أكمل

«مع كبر سنى تعرضت لحالات مرضية صعبة لا يعرفها أحد، فهناك من يظن اننى أعانى مرضا فى الأعصاب، ولكنى اجريت سلسلة من العمليات الجراحية ليس لها علاقة بالأعصاب، وأذكر أنه اثناء وجودى بغرفة العمليات فى مرة من المرات تركونى بعض الوقت وحدى ففكرت فى رواية، وأنا دائم التفكير فى الكتابة ولدى أكثر من 20 فكرة، ولم أخش لحظة الموت، بل فكرت فى طريقة استقبال هذه اللحظة، ليس من باب التشاؤم، ولكن من باب تخيل هذه اللحظة المتوقعة بين وقت وآخر.

محفوظ عبدالرحمن أكد أن أصعب اللحظات التى مر بها فى حياته، تلك التى تلقى فيها خبر وفاة صديق له، وقال «رغم أن فكرة الموت لا تخيفنى لكننى أخاف ان افقد الناس، وأصعب شىء فى حياتى حينما أتلقى خبر وفاة احد المقربين لى، وأشعر بفجيعة كبيرة، وأظل متألما حزينا فترة طويلة، لأننى ارتبط بالناس بشكل كبير، وفكرة خسارة أحدهم، شىء صعب على نفسى، لكن ان اتعرض نفسى للامر ذاته فهذا لا يخيفنى ولا يقلقنى ابدا.

شعرت أننى كنت قاسية حينما سألته عن كيفية انتظاره للحظة الموت وتصوره له، وعما إذا ترك وصية ام لا.. فبادرت بالاعتذار له على الفور وطلبت الا يجيب عن السؤال اذا لم تكن لديه رغبة، ولكنه قال لى جملته الشهيرة التى طالما كررها لى مع أى سؤال اشعر انه قد يسبب له حرجا او ضيقا «اسألى كيفما شئت».. ثم أجاب «لم اكتب أى وصية فليس لدى أموال أورثها لأبنائى، فأنا رجل ولدت وكبرت وعشت وسأموت وأنا منتمٍ للطبقة المتوسطة، ولكن هناك اشياء طلبتها من أسرتى منها عدم اقامة سرادق عزاء لى، لأننى لا أود أن تكون لحظة وداعى مسألة تقليدية، أو أن أتسبب فى اجهاد الناس، لكن اسرتى رفضت هذا الطلب تماما».

لم استغرب من طلبه بعدم اقامة سرادق عزاء له، فلقد كان دائم الحرص على الناس، وعدم اجهادهم، والتسبب فى أى ضيق لهم.. وأذكر حينما أقيمت له ندوة تكريم ضمن فاعليات معرض الكتاب.. شهد هذا اليوم رياحا خماسينية صعبة، كما تزامن اليوم مع مغادرة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لمصر، واغلاق بعض الطرق ادت إلى حالة ازدحام مرورى غاية فى الصعوبة.. وهنا أشفق محفوظ عبدالرحمن على اصدقائه ومحبيه، الذين انهالوا عليه بالتليفونات يؤكدون حضورهم، فطلب من أسرته ان تقول انه لن يذهب للندوة بسبب سوء الاحوال الجوية حتى لا يرهقهم.. ولكن أصدقاءه ومحبيه لم يصدقوا هذا الكلام، فمحفوظ عبدالرحمن لن يخل بوعده الذى منحه للقائمين على الندوة، ولن يخيب ظن جمهوره، مهما ساء الجو، وتوقفت الحركة المرورية، وذهب محفوظ للندوة ليجدها مكتظة بالجمهور والاصدقاء، وبدأ المنظمون يستعيرون «الكراسى الشاغرة» من القاعات المجاورة، فى محاولة لاستيعاب هذا العدد الكبير، التى لم تكف فى كل الاحوال، وشارك كثيرون الندوة ــ ومنهم انا ــ وقوفا.

وهنا اندهش محفوظ عبدالرحمن كثيرا وقال لى متأثرا: «لقد شعرت بخجل شديد وانا اشاهد هذا الحشد الذى جاء ليحضر ندوة تكريمى رغم كل الظروف الصعبة التى شهدها هذا اليوم، وشعرب بحب الناس لى ومكانتى فى قلوبهم».

وبعد نشر الحوار تلقيت مكالمة من كاتبنا الكبير، قال لى انه شعر بندم حينما تحدث عن لحظة وفاته، ذلك انه بعد نشر الحوار تلقى كمًّا هائلا من الاتصالات من الاهل والاقارب والاصدقاء فى مصر وخارجها وكلهم متألمون من كلامه، يعاتبونه عن تفكيره فى الموت، وقال انه لم يكن يتوقع ان يتسبب فى ازعاجهم، فلم يكن يريد ان يشاهد نظرات الحزن فى عيونهم بهذا الشكل، وقال لى «يبدو ان خبر رحيلى سيسبب صدمة كبيرة لكل المقربين».

انزعجت وقلت له «أطال الله فى عمرك، فخبر رحيلك سيسبب صدمة لكل عشاق فنك فى مصر وخارجها».

فعاد لضحكته قائلا«الموت قادم لا محالة».

لتاتى تلك اللحظة التى كان ينتظرها، وتحدث الصدمة لكل جمهوره وعشاقه، رحم الله فقيد مصر الغالى، صاحب جائزة «نجيب محفوظ فى الدراما» صاحب جائزة الدولة التشجعية، الفائز بالعديد من الاوسمة والنياشين، الفائز بمحبة وتقدير واحترام الناس.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك