وقائع «ثورة القاهرة» ضد نابليون بونابرت - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 9:43 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وقائع «ثورة القاهرة» ضد نابليون بونابرت

أحمد عبيدة
نشر في: الأحد 21 أكتوبر 2018 - 5:23 م | آخر تحديث: الأحد 21 أكتوبر 2018 - 5:44 م
قبل أكثر من قرنين من الزمان وفي مثل هذا اليوم، شهدت القاهرة ثورة عظيمة ضد نابليون استمرت يومي 21-22 أكتوبر من العام 1798 ونرصد أبرز وقائعها في التقرير التالي وفقا لما ذكره عبدالرحمن الجبرتي في كتابه «تاريخ الجبرتي» وعبدالرحمن الرافعي في «تاريخ الحركة القومية و تطور نظام الحكم» وكلوت بك في كتابه «لمحة عامة عن مصر» ولاجونكيير في كتابه «رحلة مصر»و«رحلة في الوجه البحري ومصر العليا» لفيفان دينون و«ذكر تملك جمهور الفرنساوية الأقطار المصرية والبلاد الشامية» لنقولا ترك بالإضافة لكتاب «التاريخ العلمي والحربي للحملة الفرنسية» ومذكرات نابليون وقادة وعلماء الحملة.

سحق نابليون جيوش الممالك الأوروبية وعمره لم يتجاوز 28عاما فذاع صيته وطمح في انتصارات أعظم وفتوحات أكبر واقترح على حكومة الديركتوار قيادة جيش إلى مصر فأمدته بالقوات والسفن والمعدات وصحبه 146عالم في شتى المعارف، وما إن وطأت أقدام الفرنسيين أرض الإسكندرية إلا وأيقن بونابرت أن مشروع مستعمرة الشرق محض محال وكلما كان وصوله للقاهرة وشيكا كلما شعر بأن رحيله عنها أوشك.
اليوم الأول 21 أكتوبر 1798

لم ينطل على الشعب تودد الفرنسيين ولم يثبط مقاومته خنوع حكومة الديوان فبدأ بونابرت فرض الضرائب والغرامات وصادر الأملاك والمباني وهدم أبواب الحارات، وتتجلى فظاعة نابليون في رسالته للجنرال زايونشك قومندان المنوفية «يجب أن تعاملوا الأهالي بمنتهى القسوة، وإني هنا أقتل كل يوم خمسة أو ستة، وآمر أن يطاف برؤوسهم شوارع القاهرة، وعليكم أن توجهوا عنايتكم إلى تجريد البلاد قاطبة من السلاح وإخضاع هؤلاء القوم وتخويفهم».
مضى دعاة الثورة يقذفون في قلوب الناس الغضب وتشكلت لجنة تدير وقائع المقاومة مقرها الجامع الأزهر واجتمعوا ليلة الأحد 21 أكتوبر وقرروا إقفال الدكاكين وإرسال 30 من الأئمة والأعيان وكبار الملاك والتجار في الصباح الباكر إلى مركز القيادة العامة لرفع الصوت احتجاجا على الضرائب الجديدة ليحدث في المدينة حركة يقدمون بها للثورة ووقعت الأحداث وفق ما خططوا.

موقعة بيت القاضي
هرعت حشود الناس إلى بيت القاضي «بجمقشي زاده» وطلبوا أن يركب معهم إلى بونابرت فقال «ليس كمثل هذا تقدم الشكوى» واتجه إلى بيته، فثارت نفوس الجماهير وانهالوا على القاضي ورجاله ضربا بالعصى ورجما بالأحجار وكانت تلك الحادثة إعلانا للثورة، وطارت الأنباء للجنرال ديبوي قومندان القاهرة فأصدر أوامر التأهب للقتال ومضى في كتيبة من الفرسان قاصدا بيت القاضي وسار من بركة الفيل إلى الموسكي يشق لنفسه طريقا بين الجموع الصاخبة وأراد أن يمر من شارع الغورية إلى بيت القاضي بين القصرين فانهالت عليه الأحجار من المنازل وأطبق الناس عليه عند باب الزهومة فجاء برتملي الرومي وكان العامة يسمونه «فرط الرمان» وقد عينه الفرنسيون وكيلا للمحافظة وأراد في شرذمة من رجاله إنقاذ ديبوي فأطلق رصاصة كانت شؤما مشهورا.


قتل قومندان القاهرة
انهالت الجموع عليهم ضربا بالعصى ورجما بالأحجار وأخذا بالسيف وطعنا بالرمح وقتل القومندان ديبوي وذاع في المدينة خبره كالبرق وطفقت جموع الثوار تحتشد وحمية القتال في نفوسهم تشتد فاستولوا على باب الفتوح وباب النصر والبرقية إلى باب زويلة وباب الشعرية إلى جهة البندقانيين، حتى حضر نابليون إلى القاهرة وقد بلغت الثورة هذا المبلغ وبصحبته الجنرال دومارتان والكولونيل ديتروا الذي يروى في يومياته «رجعنا إلى المدينة ودخلنا من جهة مصر القديمة فأمطرنا الثائرون بالحجارة فقصدنا باب بولاق ودخلنا منه فسمعنا طلقات البنادق من كل مكان ورأينا الجثث ملقاة على الأرض هنا وهناك وسرايا الجنود يهاجمها الثوار في كل جهة فيضطر الجنود للتقهقر وكانت لنا مدفعية قوية عند القلعة وكان معظم الجنود يعسكرون في ميدان بركة الفيل وكان مقر القيادة العامة في ميدان الأزبكية وتمكنا بجهد وصعوبة أن نمد الاتصال بين هذه المواقع المختلفة وأمر نابليون الجنرال دومارتان قومندان المدفعية أن ينصب المدافع على ربى المقطم شرق القلعة لتعاون مدافع القلعة في قصف حي الأزهر مركز الثورة وقد أحاطه الثائرون بالمتاريس وسدوا جميع الشوارع المفضية إليه وأطلقوا الرصاص على طلائعنا فعدنا أدراجنا وقد خيم الظلام علينا ولم نستطع كشف الشوارع».

اليوم الثاني 22 أكتوبر 1798م

بدأ النهار بتجمهر الناس في الشوارع وصيحاتهم تشق إلى السماء فوجه بونابرت فرقه لقمع جماعات الثوار وكان حشدا منهم قدرهم في مذكراته بثمانية آلاف قد خرجوا من باب الفتوح يرمون إلى الهجوم على ربى المقطم حيث المدافع الفرنسية فصدتهم العساكر وفرقت شملهم، وكان جمع آخر قد اعتلى أسطح مسجد السلطان حسن ومناراته لضرب القلعة ومن فيها من الجنود فلم يفوزوا بطائل، وكانت كتيبة من الفرسان تحتل مدخل الشارع المفضي إلى مركز القيادة العامة في ميدان الأزبكية فتسلق الثوار المنازل وعلوا الأسطح القريبة واحتلوا مسجدا يشرف على موقع الكتيبة وأحرقوها فهجم العسكر على المسجد وحطموا أبوابه وقتلوا معظم الثوار بنار البنادق والمدافع.

الثوار يقتلون رئيس حرس نابليون
عهد بونابرت لفرق الجنرالات لان وألكسندر دوماس بصد حشود الأهالي الزاحفة من الضواحي للانحياز لثورة العاصمة ليتمكن من حجب المدد عن المدينة وحصار الثورة في حي الأزهر وكان له ما أراد وأمر أن يركب ياوره ومرافقه الكولونل سلكوسكي في كتيبة من حرسه لصد حشود قادمة من طريق بلبيس وقد كان، لكن الثوار تلقوا سلكوسكي إثر عودته عند باب النصر وأردوه ورجاله قتلى فحزن عليه نابليون حزنا شديدا وكان ذا شأن فنعاه إلى حكومة الديركتوار في تقريره عن ثورة القاهرة وعزم على البدأ في دك المدينة بالمدافع لولا أن جاءه مشايخ الديوان يفاوضون لوقف القتال فتريث على أن يذهبوا للثوار ويدعوهم لإلقاء السلاح والخلد إلى السكينة وكانت كتائب الجنود قد تغلبت على الثوار في معظم أرجاء المدينة وكان الثائرون محاصرون في حي الأزهر وما حوله لكن مشايخ الديوان لما ذهبوا إلى الثوار لم يأبهوا لهم ومنعوهم تخطي المتاريس وأبوا عليهم دخول الأزهر ولم يبلغوا ما انتهى إليه سعيهم.

قمع الثورة ودك المدينة
في الثانية بعد الظهر نفذ إلى الجنرال دومارتان أمر بونابرت ببدأ قصف المدينة ودكها بينما كان الثوار مجتمعين بالجامع الأزهر والأحياء المجاورة له فسقطت القذيفة الأولى وكانت نذيرا ثم أخذت آلاف القنابل تترامى على الأزهر والأحياء المجاورة له كالصنادقية والغورية والفحامين وتنفجر بهول لم يعهده سكان القاهرة وتتابع الرمي حتى تزعزعت الجدران، يصف ريبو أثر القصف قائلا «أوشك الجامع الأزهر أن يتداعى من شدة الضرب فتدفن تحت أنقاضه الجماهير المحتشدة فيه وأصبح الحي المجاور له صورة من الخراب والتدمير فلم يكن يرى فيه إلا بيوت مدمرة و دور محترقة ومات تحت الأنقاض آلاف السكان الآمنين وكان يسمع لهم أنين موجع وصيحات مرعبة» أحصاهم نابليون في تقريره إلى حكومة بلاده بألفين وخمسمائة قتيل لكن الجنرال بليار قدرهم في مذكراته بأربعة آلاف وهو أقرب لثقة المؤرخين وبلغت خسارة الفرنسيين مائتي قتيل بينهم الجنرال ديبوي والكولونل سلكوسكي وعدد كبير من مهندسي الحملة والباقي من الجنود.


قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك