بدأت الحكاية قبل سنوات طويلة، عندما أقامت مصر وحدة للنظائر المشعة كانت تستخدمها للأغراض الطبية والدراسات الفيزيائية، والنووية، وقبل أن تطرح فكرة اقتحام عصر القوة النووية، كانت إسرائيل تقيم أول مفاعل نووى بدعم فرنسى.
مر زمن طويل قبل أن يعلن السادات عن النية فى إنشاء أول محطة نووية مصرية، ثم توقف المشروع بعد كارثة مفاعل تشيرنوبل فى روسيا، وهاجر عشرات من علماء الذرة المصريين إلى دول العالم المختلفة.
ثم عادت الحياة للمشروع النووى مرة أخرى بعد أن كشفت إيران عن مشروعها النووى وبدأت فى إقامة محطاتها النووية فى مناطق متعددة.
محطة نووية مصرية للأغراض السلمية، هكذا أطلق عليها مبارك، وتم ترسية العطاء بالفعل على إحدى الشركات الروسية لإقامة المفاعل النووى، بعدها توقف المشروع ثانية.
وبعد صراعات كثيرة على أرض المشروع النووى فى الضبعة، تزعمها بعض رجال الأعمال لرغبتهم فى إقامة مشروعات سياحية فى المنطقة، أسوة بمنتجعات مارينا التى تبعد عنها 150 كيلومترا فقط، بالإضافة إلى أهالى المنطقة الذين تخوفوا من خطورة المشروع عليهم، وظل الصراع غير محسوم إلى أن سقط النظام.
أهالى منطقة الضبعة عادوا إلى الأرض التى نزع عنهم النظام السابق ملكيتها، وانسحبت منذ شهور القوات التى كانت تحرس أرض المشروع النووى من مواقعها، وتهدمت المنشآت فى المنطقة، وتم تدمير جهاز المحاكاة الشبيه بالمفاعل النووى، وموزع كهربائى، وخزان مياه، بحسب الخسائر التى أعلنتها هيئة الطاقة النووية.
لم يبق سوى هياكل بعض الأبراج وأنقاض السور العازل الذى كان يحمى الأرصاد الجوية وبعض الهياكل الخاصة بالورش، بينما ترعرعت أشجار التين والزيتون، وثمار أخرى، وعادت المياه إلى الآبار الجافة، وظهرت حوائط مزارع الدجاج، لتتحول الصورة مرة أخرى.
المدير السابق للمشروع اتهم الأهالى باغتصاب الأرض، وقال نائب رئيس هيئة المحطات النووية لشئون المشروعات ان الخسائر كانت داخل المماثل النووى الذى لا مثيل له فى مصر كلها، بينما أكد الأهالى حقهم فى العودة للأرض التى لم تعد تصلح للمشروع.
«الشروق» زارت موقع الحلم الذى لم يكتمل، ورصدت التحول الكبير الذى طرأ على أرضه، التقت الأهالى وحصلت على نسخة من الوثيقة السرية التى يضمنون بها حقهم فى الأرض ــ على حد تعبيرهم، وتحدثت مع المدير السابق للمشروع ورئيس لجنة الصناعة بمجلس الشعب المسئولة عن تقييم الوضع الحالى، وكشف كل منهما عن تفاصيل الأزمة التى أوقفت الحلم القديم. ربما لم يعرف الرئيس محمد مرسى عندما أعلن عن اعتزام مصر الدخول إلى عصر الطاقة النووية بجدية أن الأرض التى خصصت للمشروع النووى لم تعد تحت سيطرة الدولة، وأن الأرض التى كانت محاطة بأسوار ضخمة لحماية المشروع أصبحت أشجار التين والزيتون هى الملمح الرئيسى فيها، وأن العلماء الذين قضوا سنوات ينتظرون الإرادة السياسية غادروا البلاد أو جلسوا فى منازلهم بعد أن تركوا أرض المشروع مضطرين عقب دخول أهالى المنطقة فيها.
الصورة الآن تختلف كثيرا عن 9 أشهر ماضية، فالأرض التى خصصتها الدولة فى منطقة الضبعة لبناء أول محطة للطاقة النووية فى مصر، ونزعت ملكية أصحابها وفقا للمادة الدستورية الخاصة بالمنفعة العامة، ثم أحاطتها بسور طويل عازل لا يعبره إلا حامل تصريح، باتت مثلها مثل مئات الكيلومترات فى الصحراء الغربية، التى تكسوها الرمال الصفراء إلا القليل من الزراعات لمجموعات محدودة من البشر.
الأرض لا يميزها عن غيرها سوى آثار السور الضخم المهدود، التى لا تظهر إلا لمدقق بعد أن حرص أهالى المنطقة على محوها تماما لإزالة آخر أثر للحلم النووى.
• رحل العلماء بعد إزالة السور العازل.. وبقيت سيارة أمن مركزى تحمى بقايا السور والغرف المنهارة
• المدير السابق للمشروع: الضبعة أنسب مكان لبناء أكثر من مفاعل نووى.. والأرض ملك الدولة والعقود التى يحملها الأهالى مزورة
عودة بعد الهجرة
فى يناير الماضى دخل الأهالى أرض الضبعة بعد أن اعتصموا أمامها قرابة شهر مطالبين باستردادها، فالأرض التى ضاعت كما يقولون من سنوات طويلة بعد نزع ملكيتهم عنها وصدور قرار الرئيس السادات بتخصيصها للمشروع النووى فى أوائل الثمانينيات ــ حسبما يؤكدون ــ عاد إليها أهلها الذين هجروها من قبل.
على قطعة الأرض التى ورثها عن والده وقف عيد أبومحيقن أحد أهالى الضبعة، يحكى كيف عاد إلى الأرض مرة أخرى بعد سنوات من الهجرة، «بعد ما هدّوا السور وجيراننا دخلوا الأرض، رجعت زيهم»، عاد الرجل من مدينة الحمام التى رحل إليها بتعويض الحكومة واستأجر فيها قطعة أرض جديدة ليمارس مهنته التى لا يعرف غيرها.
وزع أبومحيقن وقته بين أرض الضبعة العائدة وأرض الحمام الجديدة، حيث يعيش أسبوعا فى الضبعة لرعاية أرض والده، وآخر فى أرضه بمدينة الحمام برفقة أسرته التى تنتقل معه، بينما يترك رعاية أرضه بالضبعة التى طرحت أشجارها ثمار التين والزيتون لأقارب زوجته الذين يقيمون بها بشكل دائم، ويمتكلون قطع أرض فى نفس المنطقة يباشرون رعايتها.
هجرة الأهالى للأرض لم تكن مرضية للجميع، فالبعض وافق عليها بعد صدور قرار التخصيص وقبل التعويض، والبعض الآخر رحل عنها مضطرا بالقوة الأمنية فى بداية التسعينيات مع بداية إحاطة المنطقة بالسور الضخم، بينما فضل آخرون وهم قلة عدم الحصول على أموال التعويضات معلنين تمسكهم بها عبر الدعاوى القضائية التى قالوا إنها لا تزال تنظرها المحاكم.
«الأبيار كانت جفت بعد ما قفلوها الناس بتوع المشروع، لكن رجعت مية المطر تملأها»، رى الأرض كما يشرح عيد يتم من خلال استخدام مياه الأمطار والمياه الجوفية، يرفعها موتور يعمل بالبطارية من البئر ويروى الأرض بالتنقيط لتوفير المياه، «لكن أشجار التين لا تحتاج للمياه، لأن جذورها تمتد فى عمق التربة وتعتمد على المياه الجوفية بالإضافة إلى مياه الأمطار».
فى مهارة محترف علق أبومحيقن خطافا على رأس البئر وربط فيه عدد من الزجاجات والجراكن الصغيرة، وكانت مياه الشرب الطبيعية جاهزة.
على أطلال المشروع
أمام البوابة الرئيسية للمشروع النووى تقف سيارة أمن مركزى كانت مخصصة لحماية الحلم الذى لم يكتمل لبضع ساعات ثم ترحل، وعلى امتداد نحو 20 كيلومترا على الطريق الدولى الساحلى ما بين الاسكندرية ومطروح بعمق ما بين 5 و7 كيلومترات باتجاه البحر، تظهر بقايا غرف صغيرة مبنية من الطوب الأبيض ذى الحجم الكبير، ومبان ذات واجهات ضخمة تحت الانشاء أيضا، تقع جنبا إلى جنب مع زراعات التين والزيتون واضحة المعالم التى تظهر للقادم من على مسافات بعيدة.
الأطلال للغرف التى كانت مخصصة لإقامة العاملين فى المشروع، ومحطة المياه أحد المبانى التى تم إغلاقها بعد إخلائها من المعدات وإيقافها عن العمل، بينما تشاهد فور دخول الأرض من البوابة التى يفترض أنها كانت الرئيسية مساحات خضراء منتشرة فى كل مكان، وتصل سيارات الأجرة حاملة الموظفين فى الصباح من الإسكندرية ومطروح، وتنتظر للعودة بهم ظهرا بعد انتهاء مواعيد العمل.
وبالقرب من تلك الأطلال تبدو غرف أخرى صغيرة أكثر عمارا، بناها أصحابها على مسافات متباعدة، يجلسون فيها بشكل شبه يومى يتسامرون، ويرعون أغنامهم، ويتابعون زراعتهم الممتدة على مسافات محدودة، بينما يواصل آخرون بناء مزارع للدجاج تمهيدا لبدء العمل فيها قريبا، أملا فى عودة الحياة إلى المنطقة مرة أخرى بشكل طبيعى.
تكلفة بناء الغرفة تصل إلى نحو 2500 جنيه بحسب الأهالى، وتبنى كل عائلة غرفتين متجاورتين، واحدة مخصصة للسيدات وأخرى للرجال، ويتمثل أثاث تلك الغرفة فى حصيرة صغيرة، للجلوس عليها وفقا للعادات البدوية، بينما لا تصل إلى هذه المنازل كهرباء أو صرف صحى، وتقتصر جلسات الأهالى على فترة الصباح فحسب، أما فى الليل فإنهم يعودون إلى منازلهم بالجانب الآخر من المدينة التى يقسمها الطريق السريع، ويستخدمون بطاريات لإضاءة اللمبات لتوفير الإضاءة التى تفتقدها بيوتهم ليلا.
قرار تخصيص الأرض لبناء المحطات النووية صدر فى أوائل الثمانينيات كما يقول المهندس فؤاد سعيد المدير السابق لمشروع محطة الطاقة النووية بالضبعة، «القرار صدر بالتخصيص بما يعنى أنه لا يوجد ملاك لهذه الأرض، الأرض ملك للدولة»، واستند الرجل فى كلامه إلى أن العقود التى يحملها الأهالى يعود تاريخها للستينيات والخمسينيات من القرن الماضى، «وكلها مزورة».
ورغم ذلك تقدم عدد من الأهالى بدعاوى قضائية أمام المحكمة، لكنهم خسروها، وأبدت الهيئة وقتها استعدادها لترك الأرض فى حالة ثبوت صحة عقد أحدهم، بحسب المدير السابق للمشروع «إذا حصل أحدهم على حكم بصحة الأوراق وكانت أرض ضمن المشروع، كنا هنغادرها فورا».
فى الوقت الذى دخل فيه الأهالى الأرض التى تركوها قبل سنوات، غادرها مدير المشروع السابق المهندس فؤاد سعيد بعد سنوات طويلة من العمل، حيث انتقل الرجل للعمل فى المشروع مع صدور قرار تخصيص الأرض، وغادرها بعد اقتحام المشروع وهدم السور، ليتقاعد الشهر الماضى ويرى الحلم الذى ذهب أدراج الرياح.
«الأهالى اغتصبوا الأرض بشكل يخالف كل الأعراف والقوانين، وده عرض المشروع لأضرار ضخمة»، تلك هى رؤية سعيد للوضع الحالى، أما تصوره فيتلخص فى عام يتم فيه إعادة الوضع لما كان عليه قبل دخول الأهالى إلى الأرض فى يناير الماضى، مع الأخذ فى الاعتبار قرب نضوب مصادر الطاقة الطبيعية، على حد تعبيره.
عبارات الرفض للمشروع النووى تظهر بوضوح فى شوارع الضبعة، فالعبارات المكتوبة على حوائط الطرق، تعبر عن رفض الأهالى لإقامة المشروع على أرضهم من بينها «لا لفوكشيما فى الضبعة»، «النووى = توتر دائم»، وبين كل شعار وآخر تلفت الانتباه أرقام هواتف أحد أصحاب أراضى محطة توليد الكهرباء التى تقوم سرية الجيش الموجودة بالأرض باستخدامها.
وثيقة واحدة هى التى تضمن للأهالى حقهم فى الأرض ضمنيا كما يؤكدون، وهى التى يتداولها الجميع فى سرية تتماشى مع العبارة الظاهرة بوضوح على طرفها التى تقول «سرى جدا»، وحصلت «الشروق» على نسخة منها. الوثيقة هى محضر التنسيق الذى تم توقيعه بين المنطقة الشمالية العسكرية ومحافظة مطروح وهيئة المحطات النووية ومندوبين عن الأهالى.
• فؤاد: خسائر تعطيل المشروع فى شهر واحد أكثر من 100 مليون دولار.. ويد الدولة الرخوة هى السبب فى التأخير
• رئيس لجنة الصناعة: الطاقة التى سيوفرها المشروع وتكلفته وحجم التعديات على الأرض.. تحدد إقامته من عدمه
تم توقيع الاتفاق يوم 22 يناير الماضى وقيدت برقم 434/12 لسنة 2012 بشعبة العمليات، وتضمن 4 مقترحات: الأول تشكيل لجنة عليا مستقلة بمعرفة مجلس الشعب لبحث واتخاذ القرار فى إنشاء المحطة بالضبعة من عدمه، وتشكيل مجلس يمثل الملاك الحقيقيين وواضعى اليد للمساحة الداخلية لمحطة الطاقة النووية مع التعهد بتنفيذ قرارات اللجنة المشكلة، ودراسة إمكانية البحث عن مكان آخر بديل لإقامة المشروع، والمقترح الأخير هو دراسة تقليص مساحة المشروع للحد الأدنى للأمان لإقامة المحطة النووية.
يطالب الأهالى بنقل المشروع من أرض الضبعة، لكن سعيد يرى أن الاستجابة لهذا المطلب تعنى ضياع هيبة الدولة، «وقتها هتبقى فى استحالة لتنفيذه فى أى مكان آخر، لأن كل بلد هترفض إقامة المحطة على أرضها، وده هيوقعنا فى مشكلة كبيرة»، بالإضافة إلى الدراسات التى يجب أن تتم على كل أرض جديدة للمشروع للتأكد من مناسبتها للموقع، والتى تستغرق من 3 إلى 5 سنوات ــ بحسب المدير السابق للمشروع، هناك حجم إنفاق بالملايين سيتم إهداره على كل أرض جديدة مع احتمال أن تكون طبيعتها غير مناسبة فى النهاية، «لكن الضبعة من أنسب الأماكن فى العالم لإقامة المفاعلات النووية وفقا للدراسات التى أجريت عليها».

الاهالى يعتمدون على مياه الآبار كمصدر للشرب
الوثيقة التى يعتمد عليها الأهالى لا تتعدى عند رئيس لجنة الصناعة والطاقة بمجلس الشعب المنحل المهندس سعيد نجيدة كونها اتفاقا تحكمه عدة عوامل، «هناك عدة عوامل كانت ستحدد قرار اللجنة بالموافقة على إقامة المشروع من عدمه، من بينها حجم التعديات الموجودة على الأرض، والجدوى الاقتصادية للمشروع، والطاقة التى سيوفرها، والتكلفة المالية التى سيتكلفها المشروع، ونسبة التلوث الناتجة عنه إن وجدت، فضلا عن الرأى العلمى الأرجح بين علماء الجيولوجيا».
وبينما يلفت نجيلة النظر إلى أن الأسباب السياسية التى عطلت المشروع طوال الثلاثين عاما الماضية لم تعد موجودة فى الوقت الحالى، الا أنه يوضح أن المشروع من بين عدة مشاريع للطاقة يتم البحث عنها لتوفير مصادر بديلة للطاقة غير المتجددة، لكن يمكن الاستغناء عنه إذا وجدت مصادر اخرى، مشيرا إلى أنه ليس بالضرورة أن يكون المصدر طاقة نووية ولكن الاختيار يتوقف وفقا لطبيعة الظروف البيئية للبلاد.
• الأهالى: لدينا وثيقة سرية تضمن حقنا فى الأرض بتوقيع الجيش والمحافظة والهيئة النووية
الحق فى الأرض
مع الساعات الاولى من الصباح وتحديدا بعد صلاة الفجر تدوى صوت طلقات نارية متقطعة فى الضبعة، تسقط بفعلها أعداد من الطيور المهاجرة التى تمر كل عام فوق أرض المشروع، على يد أصحاب الأرض محترفى الصيد الذين يطلقون الأعيرة النارية بمهارة مستخدمين العدسات المكبرة لتحديد مكان الطير، ويستمرون فى ذلك حتى صلاة الظهر.

يشعلون النار تمهيداً لتسخين الطعام
بالقرب من أماكن الصيد تفوح رائحة الشمام والكانتالوب التى بدأ مستور أبوشكارة أحد الأهالى حصدها من أرضه، وبجوارها تطل عيدان الذرة لتخترق الشبكة الكبيرة ضيقة الفتحات التى وضعها صاحب الأرض فوق زرعه ليصطاد بها الطيور المهاجرة.
يمر عليها مستور يوميا، يجمع ما اصطادته الشبكة، ثم يجمع محصول التين الذى نضج على الأشجار أيضا.
بأقل جهد تثمر تلك الأشجار، يرويها أبو شكارة مستخدما موتور صغير يضعه فى سيارته، لكنه يضطر لشراء 5 جرارات مياه كل شهر لاستكمال رى الأرض نظرا لقلة المياه الموجودة فى البئر، تبلغ تكلفة كل جرار ما بين 200 و300 جنيه بحسب التوقيت.
لم تغير هيئة المحطات النووية من شكل الأرض والطرق المحيطة بها كثيرا، كما يؤكد الأهالى، فالطرق المرصوفة التى أعدها مسئولو الهيئة لا تفيد من يسكنون الأرض الآن، فهم يستخدمون الطرق الممهدة التى يعرفونها، هى مهجورة ليلا لا تطأها أقدام، بسبب الظلام الدامس الذى لا يخترقه سوى صوت نباح الكلاب.
وبإشارة بسيطة إلى قوالب صغيرة من الطوب، يثبت أبوشكارة أن الهيئة لم تستخدم الأرض، «القوالب دى كانت هنا من سنين، هى نقط الفصل بين كل قطعة أرض، وعشان كده كل واحد هنا عارف حدود أرضه كويس، ومفيش تعدى على أرض الغير، الطوب ما تحركش من مكانه طول الفترة اللى استولت فيها الهيئة على الأرض».

ويبدأ رحلة البحث عن الطيور المهاجرة
يؤكد أبوشكارة أن عددا كبيرا من الأهالى مستعدون للتنازل عن الأرض لصالح الدولة على أن تقوم باستثمارها فى مشاريع تفيد الأهالى وتوفر العمالة فى ظل حالة البطالة التى تسيطر على شباب المدينة، موضحا أنهم يرفضون بناء المشروع النووى خوفا على حياتهم وللآثار الضارة التى ستنتج عنه.
صاحب الأرض كشف عن محاولات قام بها بعض المسئولين رفض ذكر اسمائهم، بعد الانتخابات الرئاسية من أجل السماح مرة أخرى بعودة نشاط هيئة الطاقة النووية دون إجراء دراسات جديدة، لكن الوثيقة السرية كانت ورقة الضغط التى استخدمها الأهالى لرفض الأمر.
«وزارة الكهرباء هى المسئولة عن إقامة المشروع»، هكذا قال رئيس اللجنة المسئولة عن المشروع فى البرلمان، وشرح أن عليها تشكيل اللجان المختصة من أجل البدء فى تنفيذ المشروع أو توفير بديل يقوم بتحديده المسئولون ليوفر الطاقة المطلوبة، أما عن لجنة الصناعة فإنها ستقوم بمباشرة عملها على الفور فيما يتعلق بالزيارة الميدانية حال صدور قرار بعودة المجلس مرة اخرى للعمل واتخاذ قرار حازم فى الأمر، وفقا لنجيلة.
وأضاف أن زيارة ميدانية كان من المنتظر أن تقوم بها اللجنة خاصة بعد أن استمعت إلى الآراء، وتلقت تقارير من خبراء جيولوجيين والتقت الأهالى وتحدثت معهم واستمعت لهم، وكانت ستنظر فى كل ما يتعلق بوضع الأرض الحالى، وحزام الامان المطلوب توفيره لضمان عدم وجود أى أضرار بيئية على المشروع حال إنشائه. لكن قرار المحكمة الدستورية بحل البرلمان ألغى الزيارة.
«يد الدولة الرخوة هى السبب فى الموقف الحالى»، بحدة قالها المدير السابق للمشروع، فالأرض بحاجة مرة اخرى للإنشاءات التى تهدمت كذلك إعادة بناء محطة المياه التجربيبة التى تم إزالتها فى غضون ثلاثة أيام تحت التهديد، الأمر الذى يعنى إعادة استقدام معدات لها لكون الطريقة التى أزيلت بها لا يمكن معها ان تعود لوضعها الأول، حيث انتزعت بسرعة وعلى عجل، والكلام للمهندس فؤاد.
تعويض أم خسارة
«لا تستطيع أن تحدد عدد السكان أو أصحاب الأرض» هكذا يؤكد أبوشكاره أحد الأهالى، موضحا أن أرض والده التى ورثها عنه يتقاسمها الآن مع أشقائه وكل منهم له قطعة خاصة به الأمر الذى يعنى أن من كان بالأمس يتحدث عن قطعة واحدة يتحدث اليوم عنه ثلاثة على الأقل، نظرا لكثرة الأولاد لدى العرب فى المنطقة وتعدد زيجاتهم.
لكن مدير المشروع السابق يقول إن التعويضات التى تم صرفها للمقيمين فى الأرض كانت عن الزراعات الموجودة وهى تعويضات كانت عادلة بدرجة كبيرة وقت منحها لهم، مشيرا إلى أن الحل فى الوقت الحالى هو أن تقوم الدولة بدفع التعويضات لاستعادة الأرض أى ما كانت هذه المبالغ من أجل إتمام المشروع.
وأكد أن هذه التعويضات إذا بلغت 100 مليون دولار فإنها لن تعادل إلا خسائر شهر واحد فقط مما تتحمله الدولة الآن نتيجة التأخير فى تنفيذ المشروع، «الإنشاءات التى تم تدميرها تستغرق وقتا قد يصل إلى عام لإعادتها مرة أخرى إلى ما كانت عليه، لكن الأهم هو توفير الأموال اللازمة لبناء المشروع».
زيارة يومية مع أشقائه يقوم بها العمدة مهنا إلى أرضه، بينما يقوم الأبناء بحصد التين كل يوم، ويضعونه فى أقفاص صغيرة تمهيدا لنقله إلى سوق العبور وبيعه فى القاهرة، عادت العائلة الكبيرة إلى هذه التجارة بعد سنوات من التوقف، والربح يتم تقسيمه على الجميع.
يؤكد مهنا أن هيئة المحطات النووية كانت ترغب فى أن يتم إزالة المبانى داخل القرية على مسافة 2.5 كم من المشروع، «وده كان معناه تدمير المدينة كلها، وهد بيوت كتيرة، لكن احنا مش هنقبل أبدا».
فى المقابل قال المهندس سعيد المدير السابق للمشروع إن هذه المساحة حددتها القوات المسلحة لتأمين المفاعل النووى وهى مساحة يمكن التفاوض بشأنها مع القوات المسلحة بما لا يؤثر على المنازل المقامة أو يتم إزالة بعضها وتعويض أصحابها.
وأحد تلك المنازل القريبة من موقع المشروع، حجرتان صغيرتان بناهما مهنا وأشقاؤه على بعد أمتار من منزلهم القديم، الذى هدم بعد مغادرتهم المنطقة، بينما يستعدون لاستصلاح باقى أرضهم التى لم يستطيعوا زراعتها حتى الآن بسبب تأخرهم فى الدخول للأرض مكتفين بتقليب التربة استعدادا لموسم الزراعة فى نوفمبر وديسمبر.
يتجمع الأشقاء على مائدة إفطار واحدة فى إحدى الحجرات كل صباح، كل منهم يأتى من منزله خارج الأرض إلى الغرفة الموجودة بأرضهم، وتحمل مائدتهم غالبا حاملا العدس والعيش والمسقعة وما تجهزه لهم نساؤهم.
قليل من العمل فى الصباح، ثم تحضير الطعام، يشعل أحدهم النار فى فروع الشجر القديمة لتسخينه، ويوضع الخبز عليها، بينما يقوم آخرون بتقطيع حبات الطماطم والخيار، ليبدأوا بعدها فى تناول الأفطار.
يستغرق العمل فى الأرض ما بين ساعة وثلاث ساعات، وهى المدة اللازمة لقطف ثمار التين والزيتون الناضجة، ووضعها فى صناديق صغيرة استعدادا لترحيلها، أما فى فترة نمو الزرع لا تحتاج الأرض إلا للماء فقط.
يوضح مهنا أنهم مصرون على الالتزام بما ورد بالاتفاق الذى تم بين ممثلى الأهالى وجميع جهات الدولة فى يناير الماضى بعد دخولهم الأرض مؤكدا أن بنود هذا الاتفاق سارية ويرفض أى محاولة لتعديلها.
وأشار إلى أن أعضاء لجنة الصناعة والطاقة بمجلس الشعب كانوا بصدد البدء فى الحديث مع الأهالى لكن صدور قرار بحل مجلس الشعب أوقف عمل اللجنة التى جاءت إلى مطروح مرة واحدة، وكان من المفترض أن تأتى مرة أخرى لمعاينة أرض المشروع على الواقع.
وأكد على أنهم لن يقبلوا بديلا عن تشكيل لجنة محايدة لتحديد مدى صلاحية الأرض لإقامة المشروع وما هى المساحة المفترض أن يتم تنفيذه عليها، مشددا على أن المساحة التى سبق وأن حصلت عليها الهيئة كان مبالغا فيها.
لكن المدير السابق للمشروع يؤكد أن الضبعة تعتبر المكان الأنسب لبناء من 4 إلى 6 مفاعلات نووية من حيث طبيعة الجو والتربة، «المفاعلات النووية يتطلب إنشاؤها وجود تلك المساحة الواسعة، وتحديدها شأن الدولة وليس الأهالى الذين يفتقدون الخبرة فى هذا المجال».
درس الأرض لا ينتهى
قبل أيام دخل عدد من مسئولى المحطة السابقين إلى الأرض الأمر الذى أثار حفيظة الأهالى وقاموا بطردهم، وفقا لرواية فايز رحومة أحد أهالى المنطقة، «الأرض دى لها أصحاب والاستئذان قبل دخولها واجب»، موضحا أنهم لن يقبلوا أن تؤخذ منهم الأرض مرة أخرى وأن دخول الأرض لن يكون إلا بإذن من مالكها.
تعتبر أرض الضبعة من أجود الترب التى تصلح للزراعة فى مصر، ولا تحتاج فقط سوى لتقليبها، ورمى البذور فيها ورعايتها، كما يؤكد زارعوها، وبالتالى فإن المحاصيل التى تمت زراعتها وتحصد حاليا فيها، لم يتم وضع أى مواد كيماوية فيها مما يجعلها من أجود الأنواع.

موسم حصاد التين والاهالى يحصدون الثمار
يوضح رحومة أنهم بصدد التحضير لإنشاء منازلهم فى المنطقة لكى يستقروا فيها خاصة لافتا إلى أن بعض الأهالى لا يزال لديهم قلق من عودة هيئة المحطات النووية مرة أخرى والحصول على الأرض الأمر الذى دفعهم لتأجيل العودة للأرض والإبقاء على وضع الأرض كما هو دون رعاية.
ولفت إلى أن الكثير من المبانى التى تركوها فى السابق لا تزال موجودة، ومن بينها مساجد ومساكن محاطة بأسوار لكن أصحابها لم يعودوا إليها حتى الآن منتظرين ما سيحدث فى المستقبل، موضحا أن بعض هذه المساكن يقول مسئولو الطاقة النووية أنهم قاموا بإنشائها، رغم أن أهالى المنطقة يعرفون أصحابها وهم من بينهم.
اتهامات وجهها الأهالى لمسئولى المحطة دارت حول استخدامهم للمبانى كمصيف لأقاربهم وعائلاتهم كل عام، نفاها المدير السابق للمشروع، مؤكدا أن أرض المشروع كان يتم استخدامها لأغراض علمية ويتم فيها تدريب طلاب من كليات الهندسة وإجراء الأبحاث والاختبارات.
وأوضح أن هذه الاتهامات المرسلة لا أساس لها من الصحة بدليل أن أى من الأهالى لم يتقدم ضدهم ببلاغات للنائب العام للتحقيق فيها مطالبا كل من يقول أنه يملك مستندات وأوراقا بعد دخولهم للأرض تثبت إهدار المال العام، وتسجيل إنشاءات غير حقيقية على أرض الواقع بتقديمها لجهات التحقيق المختصة.
حركة الأطفال فى الأرض لا تنتهى، والدرس الوحيد الذى يتلقونه من أهاليهم أن هذه الأرض ملك لهم، وعليهم الحفاظ عليها، وتعميرها، يسمعونه الأطفال باهتمام، يحفظونه عن ظهر قلب، ثم يتابعون مع آبائهم أعمال الزراعة والحصد.