«عبد الله السناوي» يكتب: صور على جدار.. مشروع كتاب لم يكتبه «هيكل» - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 5:48 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«عبد الله السناوي» يكتب: صور على جدار.. مشروع كتاب لم يكتبه «هيكل»

الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل مع عبد الله السناوي.. وصور على جدار
الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل مع عبد الله السناوي.. وصور على جدار

نشر في: الخميس 22 سبتمبر 2016 - 1:54 م | آخر تحديث: الخميس 22 سبتمبر 2016 - 3:04 م

- الأستاذ: أنا أتفرج على المقالات وأقرأ الصور
- عندما تعجز مقالات الرأي عن كشف المستور في السياسات والكواليس فإن الصور لا تكذب
- كجيله بدت الصور الفوتوغرافية مطبوعة على ورق عالما جديدا تسند الخبر وتوفر لمسات جمالية على الصحافة الحديثة
- لم تتح له ظروفه أن يكتب عن شخصيات كثيرة أخرى صورها على جدار «بورتريهات» إنسانية وتاريخية
على جدار فى ممر داخل مكتبه عشرات الصور.
لكل صورة قصة وتاريخ.
فكر لبعض الوقت أن يستلهم الصور وخلفياتها التاريخية والإنسانية فى زيارة أخرى للتاريخ واختار عنوانا مؤقتا: «صور على جدار».
غير أنه لم يتسن لهذا المشروع أن يكتب، فقد استأذن فى الانصراف عندما وصل فى (٢٣) سبتمبر (٢٠٠٣) إلى الثمانين من عمره.
بحساب السنين تصور أن دوره انتهى وجاء أوان التوقف بالاختيار، غير أن قدره منحه الصحة والهمة ليعطى ويؤثر فى حركة الحوادث بأكثر من أى توقع شائع.
الفكرة العامة لـ«صور على جدار» أقرب إلى ما كتبه فى «زيارة جديدة للتاريخ»: «أحاديث مع رجال أتاحت لى ظروف حياتى وتجربتى أن ألتقى بهم وأن أحتك بأفكارهم وآثارهم وأن أسبر ــ بقدر ما هو ممكن ــ أغوارهم، وأحاول ــ بقدر ما هو متاح ــ استكشاف أسرارهم وكيف ولماذا بلغوا من نفوذ على التاريخ الذى عشناه والذى نعيشه».
تطرق بتوسع فى هذا الكتاب لشخصيات نافذة فى عصرها مثل الملك الأسبانى السابق «خوان كارلوس»، والزعيم السوفييتى «يورى اندروبوف» الشخصية الأكثر إلهاما للرئيس الروسى «فلاديمير بوتين»، والفيلد مارشال «مونتجمرى» أحد أبرز القادة العسكريين فى الحرب العالمية الثانية، و«ألبرت أينشتاين» صاحب نظرية النسبية، و«جواهر لال نهرو» مؤسس الهند المستقلة، و«محمد رضا بهلوى» الذى أطيح به من فوق عرش الطاووس.
لم تتح له ظروفه أن يكتب عن شخصيات كثيرة أخرى، صورها على جدار، «بورتريهات» إنسانية وتاريخية مماثلة تثرى المعرفة بها، فقد استدعته العواصف السياسية إلى الحاضر ومعاركه.
مع ذلك فالصور بذاتها تحكى وتروى، وهو نفسه أودع بعض خفاياها وأسرارها فيما نشر من كتب.
«الصور لا تبوح بأسرارها من النظرة الأولى أو بنظرة متعجلة».. «الصور تصف مواقف وتستكمل روايتك عندما تروى مشاهدها»، كما قال فى حواراتنا الممتدة.
كجيله بدت الصور الفوتوغرافية مطبوعة على ورق عالما جديدا تسند الخبر وتوفر لمسات جمالية على الصحافة الحديثة.. «الصورة تؤكد للقارئ مصداقيتك ويكون مستعدا بدرجة أكبر أن يقرأ توضيحاتك».. «الصورة لازمة ولم يكن القارئ مستعدا أن يصدق أننى كنت هناك فى البلقان أتابع أحداثها فى الأربعينيات ما لم تكن معى صورى تروى وتثبت».. «الخريطة تكشف أمامك المشهد العام والصورة تترجم الواقعة المحددة» و«قيمة الصورة أنها لقطة مثبتة لمشهد معين تقرأ عليها الظلال والأجواء والمواقف وتوجهات اللاعبين الرئيسيين».
بعبارة واحدة لخص دورها: «الصورة كلمة ملتقطة».
مع جيله بدأت الصحافة المصرية فى أربعينيات القرن الماضى على اختلاف مدارسها تعتنى بالكاميرا والصورة مثل القلم والورق، وكان صدور مجلة «المصور» فى الثلاثينيات بدلالات اسمها تعبيرا عن عالم جديد يولد.
فى مطلع الستينيات من القرن الماضى التفت إلى أن «السياسة الدولية بدأت تدخل عصر صناعة النجوم مع التليفزيون الملون بصوره وإيحاءاته، فما يرى على الشاشة هو ما يجرى فى الطبيعة».
توقف طويلا عند تجربة صعود «جون كينيدى» إلى الرئاسة الأمريكية، فقد حسمها فى معركة الصورة قبل صناديق الاقتراع، وجه جديد يطرح آفاقا مختلفة لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية ورموزها التى شاخت، جمع حوله كفاءات لامعة لمثقفين عندهم رؤى، اكتسحت الصور الجديدة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، و«بدت صوره على الشاشات الملونة، وهو يدخل مع زوجته جاكلين كينيدى إلى باحة البيت الأبيض فى ٢٠ يناير ١٩٦١ كخطى على سطح القمر».
فى تجربة أخرى جرت وقائعها فى أول سبتمبر (١٩٦٩) طلب منه الرئيس «جمال عبدالناصر» أن يسافر إلى ليبيا للالتقاء بالضباط الذين أطاحوا للتو بحكم الملك «إدريس السنوسى»، أخبره أنهم أجروا اتصالا مع السفارة المصرية فى طرابلس و«طلبوك بالاسم».
سأله «عبدالناصر» أن يحضر معه عند عودته صورا للقادة الليبيين الجدد، وأخذ يتمعن فى صور العقيد «معمر القذافى» يحاول أن يقرأ فيها شخصيته وتأثيراتها على المنطقة فى لحظة حرجة من التاريخ العربى إثر نكسة يونيو.
فى قراءة الصور شىء من الفراسة التى تتولد من خبرات متراكمة، والفراسة تصاحب الحياة فى الصحراء حيث المخاطر كامنة فى كل اتجاه، والحروب من التجارب الكبرى فى اكتساب مهاراتها على قراءة البشر وتوقع الأفعال وردودها، لكنها لا تصلح بمفردها فى قراءة الصور.. «أن تقرأ الصورة تستدعى أن تكون أخبارك مدققة وافتراضاتك قائمة على أساس معرفة بما يجرى فى الكواليس، وأن يكون السياق أمامك واضحا».. فـ«لا أحد يقرأ الصور خارج سياقها».
فى التفاته إلى الصور بدأ يطور أدواته فى قراءتها وصناعتها معا، متأكدا مرة بعد أخرى أن الصور لا تصنع تاريخا ما لم تستند إلى حقيقة تصدق، فـ«أنت لا تقنع إلا بما هو مقنع» على ما قال لى الأستاذ «محمد حسنين هيكل» ذات يوم متحدثا عن يوليو وزعيمها ودوره فى صياغة صورتها.
قراءة الصورة إحدى مهاراته وأدواته، ما خلفها ورسائلها، وما قد تنبئ به من تحولات.
بعبارة استمعت إليها قرب منتصف العقد الأول من القرن الجديد: «أنا أقرأ الصور وأتفرج على المقالات».
عندما تعجز مقالات الرأى عن كشف المستور فى السياسات والكواليس، فإن الصور لا تكذب.
قوة الصورة الصحفية فيما تكشفه وتومئ إليه، وأحيانا الصورة الواحدة أهم من ألف مقال.
هو رجل دأب على تطوير مهاراته، كأنه فى كل لحظة تحت الاختبار.
ومن أهم هذه المهارات قراءة الصور.
أصول المهارة تقتضى شيئا من روح الفنان فى البحث بين البريق والظلال ودلالات التصرفات ورسائل الحركة.
فى روح الفنان قلق، والقلق يطرح تساؤلاته وشكوكه وهواجسه كأنه لم يمسك قلما من قبل ولا اسمه دوى ولا صيته ذاع: «لو تصورت أننى استوفيت الحكمة فإن دورى يكون قد انقضى».. «تاريخك يتوقف هنا وحركة الحياة تمضى من غيرك بحقائق جديدة وعصور مختلفة».. «فى كل مرة تكتب على ورق أو تطل على شاشة لابد أن يكون لديك شىء جديد تقوله لا يكرر ما اجتهد فيه غيرك».
هناك من تصوره إلها إغريقيا فوق جبال الأوليمب ينظر من فوق، يستكفى بإرث تاريخه ويستغنى عن جديد عالمه، وأن ثقته فيما يكتب ويقول أقرب إلى النصوص المقدسة، وهذه أوهام لاحقت تاريخه، وكأى أوهام فإنها لم تكن صحيحة فى أية لحظة.
النوازع ذاتها تملكت المواهب الكبيرة والاستثنائية فى التاريخ الفنى الإنسانى، وقد كانت سيدة الغناء العربى «أم كلثوم»، وجلال صوتها يهز الوجدان العربى من محيطه إلى خليجه، تكاد أن تهوى من فرط قلقها قبل أن تدخل على خشبة المسرح، كأنها تدخل اختبارا جديدا قد تخفق فيه، أو كأنها تعلمت للتو أبجديات الغناء، لكنها ما أن تبدأ فى الشدو تبدو ملكة على عرشها.
باستثناء إشارات عابرة لـ«أم كلثوم» فى بعض ما كتب خاصة فى سنواته الأولى أو فيما روى على شاشات الفضائيات فإنه لم يكتب عنها بقدر ما اقترب منها.
إذا جاز لى أن أحدد فنانا باسمه هو الأقرب إليه فإنها «أم كلثوم»، ولا أحد آخر قبلها.
وقفت بجواره حين خذله آخرون، وفيها «شهامة الريف المصرى» حسب وصفه.
فى الصحفى لمحة فنان ومشروع روائى، لكن الصحافة على ما يرى «فن مجازى فماكيناتها تدور بالأخبار والتحقيقات وما يهم القارئ، وفى اليوم التالى تخرج إليه بجديد آخر، الفن ثابت وفى ثباته مشروع خلوده والصحافة متغيرة وفى تغيرها موهبة متابعة اهتماماتها».. «لسنا فنانين ولا روائيين ولا مؤرخين، لكن استلهام الفن فى روحه والرواية فى دراميتها والتاريخ فى أدواته يضفى على الرواية الصحفية جمالا وحيوية ودقة.. وهذا أقصى ما يطلبه صحفى».
«لا أستطيع ولا يستطيع غيرى أن يخطط لمجموعات كتبه على النحو الذى خطط به نجيب محفوظ لثلاثيته الشهيرة، فالروائى لديه مخطط عام له بدايات ونهايات يصوغها بقدر ما حباه الله من موهبة، يتحكم فى حركة الأحداث ومصائر أبطاله ويضفى على النص فلسفة ما يعتقد فيها، ولا نص عظيما بلا فلسفة وراء حركة أبطاله، بينما الصحفى محكوم فى روايته بالتاريخ الفعلى الذى لا يعرف بدايات ونهايات فحركته متصلة على الدوام، والصحفى يبدأ من نقطة ما افتراضية».
تجلت مواهبه فى البناء الدرامى لأبطاله وشخوصه فى رواياته لحوادث التاريخ المعاصر، ففى «سقوط نظام» قراءة فى الخلفيات الإنسانية لما قبل يوليو.. تراجيديا «الملك فاروق» وأسرته والرجال من حوله وصراعاتهم، وفى «ملفات السويس» قراءة أخرى لخلفيات إنسانية صاحبت الصراع على المنطقة فى حرب إرادات دخلت فيها طبائع بشر.. وفى «ما بين السياسة والصحافة» تداخلت الرواية الأدبية مع زخم الوثائق مع انضباط فى الإيقاع يصعب على من ليست لديه مواهب الروائى الكامنة.. وفى «خريف الغضب»، بغض النظر عما أثاره من مساجلات سياسية صاخبة، بدا روائيا متمكنا من أدواته الفنية فى صياغة المشاهد الإنسانية وتقلبات نوازع البشر.
بعض الصور الصحفية لا تخلو من تراجيديات تاريخية وإنسانية.
كانت هناك فرصة أن يروى بنفسه فى «صور على جدار» بعض تلك التراجيديات التاريخية والإنسانية لكنها كأشياء بديعة أخرى فى الحياة أفلتت.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك