حلقات من كتاب عبدالله السناوى «أحاديث برقاش.. هيكل بلا حواجز»: كيسنجر والخروج «8 - 10» - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 6:29 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يصدر قريبا عن دار الشروق..

حلقات من كتاب عبدالله السناوى «أحاديث برقاش.. هيكل بلا حواجز»: كيسنجر والخروج «8 - 10»


نشر في: الخميس 23 فبراير 2017 - 11:27 م | آخر تحديث: الخميس 2 مارس 2017 - 11:11 م

• السادات كان شغوفًا بفتح قناة اتصال مع الولايات المتحدة

• كيسنجر قال فى كتابه «الأزمة» إنه تلقى رسالة من السادات فى ٧ أكتوبر توحى بعدم مواصلة الحرب أو توسيع مدى المواجهة

• السادات تضايق من رفض هيكل لقاء كيسنجر فى ألمانيا قبل حرب أكتوبر فمنح الضوء الأخضر لموسى صبرى لكتابة مقالات توحى بأن خروجه من «الأهرام» أصبح وشيكا

• هيكل واجه «السادات» دون مواربة وأعلن خلافه معه على غير المعتاد فى طبيعة العلاقة بين السلطة والقلم بمصر

• هيكل قرر مغادرة «الأهرام» بعد لقاء عائلى مع السادات أطلق فيه الرئيس عبارته الشهيرة «٩٩٪ من أوراق اللعبة فى يد أمريكا»

فى حوار تليفزيونى طويل امتد لست ساعات على مدى ثلاثة أيام لم يتحدث الرجل الذى كان يتأهب لدورة رئاسية خامسة فيما يريد الناس أن يسمعوه، ولم يقترب من الملفات الساخنة والقضايا المقلقة والمصائر المجهولة لمستقبل نظام الحكم.

فى روايته للتاريخ كان الرئيس «حسنى مبارك» مقتضبا، الكلام غير مدقق والشهادة غير موثقة، بما لا يصح أن يصدر عن رجل وضعته الأقدار فى قلب الأحداث العاصفة، كقائد عسكرى فى حرب أكتوبر، وكنائب للرئيس «أنور السادات» لست سنوات، وكرئيس للجمهورية لنحو ربع قرن امتدت بعد هذا الحوار لنحو ست سنوات أخرى.

سأله محاوره «عماد الدين أديب»: «كاتب كبير قال إن الرئيس السادات كانت له قناة اتصال خلفية خاصة مع الأمريكان من خلال خط تليفون ربط بينه شخصيا وبين مكان ما فى الولايات المتحدة ــ المخابرات الأمريكية ــ هل هذا صحيح؟».

أجاب «مبارك»: «لم أسمع عن هذا نهائيا».

«أديب»: «محاولة الإيحاء بهذا الموضوع تعطى انطباعا وكأن الرئيس المصرى ــ رحمه الله ــ كان يتفاوض مع الأمريكان ضد المصلحة الوطنية المصرية؟».

«مبارك»: «أكيد الذى يكتب هذا هو شخص ضد الرئيس السادات.. ثم إنه لو كان للرئيس السادات قناة سرية مع الأمريكان لتم الكشف عنها، فالأمريكان لا توجد لديهم سرية، بل كانوا قالوا وتحدثوا عن هذه الاتصالات مائة مرة، وخرجت الوثائق التى تتضمن الاتصالات عبر هذه القناة، ففى أمريكا لا يوجد شىء يتم فى الخفاء».

سألت الأستاذ «هيكل»: «هل أنت المقصود ــ فعلا ــ بما جاء فى حوار الساعات الست، وهل تعتقد أن ما قاله الرئيس يمثل تشكيكا فى روايتك المنشورة لقصة القناة السرية؟».

قال: «لست متأكدا أننى المقصود بما جاء فى السؤال، أو الجواب، وحتى لو كنت مقصودا بالاثنين فقد تعودت ألا أجادل فيما يقال عنى أو ينسب لى، أما إذا كان الموضوع يهمك فى حد ذاته، أى موضوع الاتصالات التى أجراها الرئيس السادات أثناء حرب أكتوبر مع هنرى كيسنجر عن طريق وكالة المخابرات المركزية وقناتها السرية مع الرئاسة فى ذلك الوقت، فإنك تستطيع الرجوع فيه إلى ما كتبه هنرى كيسنجر بنفسه فى كتابه الأخير ـ الأزمة: تشريح لأزمتين كبيرتين فى السياسة الخارجية، وإذا سمحت فسوف أبعث إليك نسخة منه، وميزة هذا الكتاب بالذات أنه لا يحتوى إلا على نصوص لوثائق مكتوبة، أو تسجيلات لمحادثات هاتفية مع الأطراف مسجلة أو محاضر سرية من ملفات البيت الأبيض فى عهد ريتشارد نيكسون».

لم يكن يريد أن يدخل فى سجال مباشر، طالما أن الوثائق تتحدث وترد.

كان هو الذى اقترح أن يبدأ حديث المستندات بسؤال عمن المقصود وأن تكون الإجابة على النحو الذى ذكر بلا حرف واحد زائد منسوب إليه.

أرسل لى نسخة من كتاب «الأزمة» لكنه عاد بعد ساعات يطلب أن يتولى بنفسه، ولا أحد غيره، ترجمة الصفحات التى تخص موضوع السجال الذى بدأه «مبارك» حتى يضمن ألا يشوبه أى خطأ فى حرف، أو التباس فى معنى.

[يروى «هنرى كيسنجر» فى صفحة (١١٠) من كتابه الأخير «الأزمة» الصادر عن دار نشر «سيمون وتشوسيتر» عام (٢٠٠٣) «فى الساعة العاشرة والنصف بتوقيت واشنطن يوم (٧) أكتوبر «بعد نشوب العمليات العسكرية فى سيناء بساعات» تلقيت اتصالا مستغربا من الرئيس «السادات» على شكل رسالة «موقعة من مستشاره للأمن القومى حافظ اسماعيل»، وصلتنى خلال قناة المخابرات الأمريكية، الرسالة تخطرنا بموقف مصر السياسى فى الحرب، وبصرف النظر عن الإشارات التى وردت فيها عن ضرورة العودة إلى خطوط (١٩٦٧)، فقد كان اعتقادنا بتحليل الرسالة أنها مجرد افتتاحية، وقد كان المهم فى نظرنا هو مخاطر الاتصال بنا على هذا النحو فى هذه اللحظة، ذلك أن معنى هذه المخاطر هو ما لم يقل:

١ ـ إن الاتصال بنا معناه أن الرئيس السادات قرر أن يعتمد علينا.

٢ ـ وأن معناه أنه على استعداد بنواياه وسياساته أن يبتعد عن الاتحاد السوفيتى.

٣ ـ وأنه قرر أن يهجر السلاح بما فى ذلك سوريا.

وكان تحليل عبارة الرسالة ــ على ما يضيف «هنرى كيسنجر» ــ «يوحى لنا بوضوح أن «السادات» قرر عدم مواصلة الحرب بعد المدى الذى وصل إليه، ولم تكن هذه الاستنتاجات مجرد ظن، وإنما بدت نتائج حتمية من تصرفه فى هذه اللحظة على هذا النحو.

الفقرة الخطيرة فى رسالة «السادات»: «إننا لا نعتزم تعميق مدى الاشتباكات أو توسيع مدى المواجهة».

وعلى الفور اتصل «كيسنجر» بـ«وليام كولبى» مدير المخابرات الأمريكية فى ذلك الوقت، الذى كان قد اطلع على الرسالة الخطيرة، وتساءل مستغربا: «لماذا لم ينتظروا؟».

ثم يروى كيسنجر فى صفحتى (١١٥)، (١١٦) من كتاب «الأزمة» أنه نقل لسفير إسرائيل فى واشنطن «سيمحا دينتز» نص الرسالة التى يتعهد فيها الرئيس «السادات» بعدم تعميق مدى الاشتباكات، أو توسيع مدى المواجهة، وكانت تلك خدمة جليلة لإسرائيل فى أوقات حرب عصيبة].

هذا كل ما كتبه على ورق مترجما عن آخر كتب «كيسنجر» فى ذلك الوقت.

«1»

لم تكن تلك الأزمة أول ولا أخطر ما تعرض له «هيكل» من حملات حاولت النيل من دوره واعتباره تحت عنوان «هنرى كيسنجر».

فى بداية القصة عام (١٩٧٢) تداولت وكالات أنباء وصحف عالمية وعربية أن لقاء متوقعا قد يحدث بألمانيا بعيدا عن الأنظار بين «كيسنجر» و«هيكل» برعاية المستشار «فيلى برانت».

زكّى تلك المعلومات أن «هيكل» كان قد التقى فى ذلك الوقت المستشار الألمانى فعلا، و«كيسنجر» كان عنده قبلها بأيام.

سأل «برانت»: «ماذا تريدون بالضبط؟».

ثم سأل: «هل سوف تلتقى بهنرى كيسنجر؟»، مشيرا إلى أن طريقة تفكيرهما متقاربة.

السؤال الأول أجاب عنه «هيكل» بشرح مسهب للوضع السياسى فى الشرق الأوسط.

والسؤال الثانى أجاب عنه بالنفى القاطع، فـ«هذا ليس وقته».

كان ذلك قبل حرب أكتوبر بشهور.

ضايقت «السادات» الطريقة المستقلة التى تصرف بها، فقد اعتذر عن لقاء «كيسنجر» دون أن يخطره بالدعوة، أو يتفاهم معه قبل اتخاذ أى موقف.

لقد كان شغوفا بفتح قناة اتصال مع الولايات المتحدة، وبالخصوص مع ساحرها الجديد الذى حصل على نصف جائزة «نوبل» للسلام وصيته يسبقه بأدواره، فى إنهاء الحرب فى فيتنام وصناعة الوفاق الدولى والتقارب مع الصين.

بأثر ضيقه من استقلالية «هيكل» منح «السادات» فى الأيام الأخيرة من عام (١٩٧٢) الضوء الأخضر لرئيس تحرير «الأخبار» «موسى صبرى» لكتابة مجموعة مقالات أرادت أن تقول: «القلم الوحيد»، كما أطلق عليه، يوشك على الأفول، وأن العهد الجديد له رجال جدد، ليس بينهم ذلك القلم الذى «يضفى على نفسه أهمية ليست له».

لم يشر إليه بالاسم غير أن كل حرف قال إنه هو، فضلا عن مقتطفات منقولة بحذافيرها من مقالاته.

بدا ذلك إعلانا للرأى العام بختم السلطة أن خروج «هيكل» من «الأهرام» أصبح وشيكا.

كانت الاتهامات مرسلة، ويسهل تفنيدها، لكنه لم يقترب منها، ولا حاول أن يذكر بأدواره مع «السادات»، ولا أن يهبط بمكانته إلى ذلك المستوى.

غير أن عبارة واحدة دعته للرد فى الجمعة التالية، على رئيس الجمهورية لا رئيس تحرير «الأخبار».

قالت العبارة التى استوقفته إنه: «فوّت خبرا على جريدة يمينية فى بيروت من أبواق الدعاية له يقول إنه طائر إلى ميونيخ لعقد اجتماع سرى مع كيسنجر مستشار الأمن القومى الأمريكى وتنقل وكالات الأنباء الخبر الكبير ويصدر كيسنجر تكذيبا رسميا له».

لم يضع نفسه، ولا مكانته، على ذات قدر «صبرى»، تجاهله تماما، ولم يشر إليه فى رده العاصف «أنا وكيسنجر.. مجموعة أوراق»، الذى نشر فى يوم (٢٩) ديسمبر (١٩٧٢).

أسند كل حرف كتبه إلى وثائق ومراسلات وشهود.

«.. لم أنسب للغائبين ما لم يجرِ على لسانهم، وإنما رويت عن أحياء أقوياء ونسبت إليهم ــ بخط أيديهم وبألسنتهم ــ وفى استطاعة أى واحد منهم أن يناقض ما رويت».

لم يكن يدرى وقتها أن ذلك الاتهام بالاستناد إلى راحلين سوف يطارده لسنوات وعقود، دون أن يقدم أحد دليلا يدحض روايته.

ولم يكن هو و«كيسنجر» قد التقيا بعد.

كان الرد داعيا إلى تدهور إضافى فى علاقته مع «السادات».

بالمراسلات والشهود روى أن «دونالد كاندال»، رئيس مجلس إدارة شركة «بيبسى كولا»، والصديق الشخصى للرئيس الأمريكى «نيكسون»، طلب أن يقابله حتى يسمع منه رؤيته لأزمة الشرق الأوسط ووسط صديقهما المشترك المحامى الشهير «زكى هاشم» لإتمام مثل هذه المقابلة.

كان تقدير «كاندال» أن هناك أوجه تشابه بين «هيكل» و«كيسنجر» يفضل معه أن يلتقى الرجلان، ونقل تقديره إلى الرئيس الأمريكى، الذى التقى «هيكل» من قبل، فوافقه على ما توصل إليه.

وكان «كيسنجر» نفسه شغوفا بلقاء «هيكل» بتأثير ما قرأ له وما سمع من أنهما لهما نفس طريقة التفكير.

توالت الرسائل الأمريكية تلح على الفكرة، وقد تولى نقلها السفير «أشرف غربال» القائم بأعمال المصالح المصرية فى واشنطن، والدكتور «محمد حسن الزيات»، رئيس الوفد المصرى فى الأمم المتحدة موجهة ــ هذه المرة ــ إلى الدكتور «محمود فوزى رئيس الوزراء، ومنه إلى الرئيس «السادات».

فى حديث الأوراق واجه «السادات» دون مواربة، وأعلن خلافه معه على غير المعتاد والمألوف فى طبيعة العلاقة بين السلطة والقلم فى بلد مثل مصر.

فى نفس المقال كتب «ليست لدى أحقاد قديمة أو جديدة أتلوى بتقلصاتها.. وليست هناك سلطة أضع نفسى تحت مظلتها».

الإشارة إلى الأحقاد القديمة عناها تماما، ولعله أدرك وقتها أنه بقرب الخروج من «الأهرام»، وأن تصفية الحسابات معه قد بدأت.

فى تلك اللحظة أراد أن يواجه ويخرج مرفوع الرأس من منصبه.

«السادات» أغضبه ما كتبه «هيكل»، ورآه تحديا مباشرا له، أبلغه أن رقابة سوف تفرض عليه، لكنه مانع بحسم وسافر إلى شرق آسيا مع وفد من كبار الصحفيين والباحثين فى «الأهرام».

ابتعد لفترة طويلة نسبيا تخفيضا للاحتقان الذى وصل ذروته مع الرئيس، لكن ذلك الاحتقان طارده فى الشرق البعيد حيث كانت زيارته للصين هى الأهم.

أثناء رحلته الآسيوية اتصل الرئيس «السادات» بمدير مكتبه فى ذلك الوقت الدكتور «عبدالملك عودة» متسائلا عما إذا كان «هيكل» قد عين «أحمد عبدالله رزة» زعيم الحركة الطلابية عام (١٩٧٢) فى مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام.

لم يكن الخبر صحيحا، ولا منع شاب صغير من العمل أخلاقيا ولكنها تصفية حسابات.

فى تلك الأجواء من التربص كان خروجه من «الأهرام» مسألة وقت، وقد استبق حديث الخروج دخول «كيسنجر» على خط التسوية، فلم تكن حرب أكتوبر قد اندلعت بعد.

فى تلك الأجواء تواجه «السادات» و«هيكل» ــ وفق وثيقة خطية ــ والصداقة القديمة سمحت أن تأخذ المواجهة صراحتها الكاملة.

الوثيقة ليست بخط «هيكل»، فخطه دقيق وتصعب قراءته، بينما الخط الذى كتبت به واضح ومقروء، رغم أن مادته أمليت من رئيس تحرير «الأهرام» على واحد من ألمع من أسسوا مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، وكان محل ثقته، فالموضوع خطير وصاحب الخط مؤتمن وولاؤه لـ«جمال عبدالناصر» مؤكد.

مساء الجمعة (٤) نوفمبر (١٩٧٢) دخل «هيكل» مكتبه واستدعى على الفور من ائتمنه على سره، وبدأ يتلو عليه محضرا كاملا بما جرى فى لقاء عاصف بمكتب رئيس الجمهورية على نيل الجيزة.

[أدخل هيكل إلى حجرة مكتب الرئيس فى منزله بالجيزة.

سلم على أنور السادات وقال له وهو يناوله النسخة الإنجليزية من كتاب عبدالناصر والعالم: لم أجد هدية أحضرها لك من لندن سوى هذه.

وتناولها أنور السادات ووضعها على مكتبه دون أن ينظر فى الكتاب وقال: متشكر.

ثم قال فجأة:

ـ يا محمد..

إنت بتتهمنى إنى ما عنديش عقل.. يا محمد؟ إيه هو؟ إحنا على طريقين مختلفين جدا.

وأخذ هيكل لأول مرة وعلق قائلا: لست أفهم سبب فتح مثل هذا الموضوع مباشرة هكذا.. أنا لم أقل هذا على أية حال.

قال أنور السادات: إنت بتعرض بى ليه يا محمد؟

قال هيكل: أود أن أحدد لك بدقة موقفى.. أنا أختلف معك سياسيا ولكننى لا أعرض بك.

قال السادات: أنا لا أسمح لك.. أنا المسئول.. وأنا الذى انتخبنى الشعب.

قال هيكل: وأنا صحفى مسئول وحر.

قال السادات: الأهرام ده بتاع مين؟

رد هيكل: الأهرام ده أنا اللى عملته.. وهو مملوك للاتحاد الاشتراكى حسب وثائقه الأساسية، وعلى أى حال دعنى أرفع عنك الحرج أنا مستعد فى أية لحظة أمشى.

قال السادات: ده قرار تاخده بمحض إرادتك.

أجاب هيكل: إذا اتفقنا.

قال السادات: كيف تكلمنى بهذه الطريقة؟

أجاب هيكل: أود أن أقول لك شيئا لأكون واضحا.. أنا أضع حدودا واضحة بين رئيس الدولة وبين رئيس التحرير، ولكن هناك جانبا فى العلاقة هو ذلك القدر الموجود من الصداقة بيننا إلا إذا كنت قد ألغيته خلال الأسبوع الذى كنت أنا فيه فى لندن.

قال السادات: أنا الصداقة أعتز بها، وأنت تعلم منى هذا، ولكن كيف تشتمنى؟

أجاب هيكل: أنا لم أشتمك، وعلى أية حال دعنى أعفيك من الحرج أنا مستعد فى أية لحظة أمشى.

علق السادات: هذا قرارك تأخذه بمحض إرادتك.

قال هيكل: إذا اتفقنا وانتهى الأمر.

تحدث هيكل والسادات بعد ذلك مطولا عن زيارة هيكل للندن.

ثم قال السادات بعد أكثر من ساعة.. لنعود إلى موضوعنا: حين تقول إن السياسة الآن تعمل بغير عقل أليس معناه أننى بلا عقل؟.. ثم إنك تتهمنى أننى لا أعمل لحل أزمة الشرق الأوسط؟

أجاب هيكل: هذا غير صحيح، لقد كنت أنتقد أشياء كثيرة أيام جمال عبدالناصر ولكنه لم يعتبر ذلك موجها له شخصيا………. فليس كل ما ينتقد فى عهد عبدالناصر كان يأخذه على أنه كلام عليه بل إنه كان ضد كثير جدا مما يحدث وكان يحاول تغييره.

ولكن مع عبدالناصر كانت علاقاتنا واضحة، وكنت أقول له رأيى وكنت أعرف رأيه، وكان عبدالناصر يناقشنى ويقنعنى فكانت نقاط الاختلاف فى الرأى بيننا واضحة لى وكانت دوافعها معروفة لى ومفهومة.

ثم إن هناك شيئا أريد أن أقوله لك: إننى لا أريد شيئا. لست أطمع فى رئاسة أو منصب، وأنك فى غيابى اتصلت بأحد مساعدى فى الأهرام وكلمته فى التليفون بنفسك لتعرف إذا كنت قد عينت أحمد عبدالله رزة بستين جنيها فى الأهرام أم لا؟ لقد سبق لسيد زكى من المباحث أن اتصل بهذا المساعد لنفس السؤال، وحين جاء المساعد ليسألنى فقلت له ألست تعرف أننا لم نعينه قال نعم فقلت له إذن قل لسيد زكى لقد زاد الدس ضدى جدا فى المرحلة الأخيرة وقد ضقت ذرعا به. كان الدس موجودا أيام عبدالناصر ولكنه كان يعرف المواقف الأساسية للبشر ويتعامل على أساسها.

قال السادات: إنت يعنى بتتكلم وكأنك لا يهمك شيئا لماذا تدفعنى؟

أجاب هيكل: لأننى لا أريد شيئا، ولأننى أستطيع أن أعيش فيما أظن أننى أعرف كيف أقرأ، وفضلا عن ذلك أعرف كيف أكتب. الفريق صادق كان رجلا فى دبابة فلما أقلته لم يعد يعمل، والمسئول فى الاتحاد الاشتراكى لو أقلته أيضا فسيجلس بدون عمل أما أنا فأعرف أن أقرأ وأعرف أن أكتب ويوم أخرج سأستمر صحفيا…

سأل السادات: وعملك فى الأهرام ألست مهتما به؟

وأجاب هيكل: لن تستطيع أن تقدر أبدا إلى أى مدى هو عزيز عليّ وعزيزة عليّ تلك الروابط الإنسانية التى تربطنى بمن يعملون معى، ولكن الأهرام منذ فترة يكاد يختنق لا رأى جديدا ولا فكرة جديدة، ولا شيء يساوى لأننا لا نستطيع أن ننشر].

جرت تلك المواجهة قبل ما كتبه «موسى صبرى» بنحو شهرين.

لم يكن فى حاجة إلى أجهزة إنذار لكى يعرف أن العواصف توشك أن تهب.

«2»

فى لقاء عائلى ضمه إلى الرئيس «السادات»، قبل الخروج من «الأهرام» مباشرة، أخذ الأخير يتحدث عن مخاطبات جديدة مع الإدارة الأمريكية، وأطلق لأول مرة عبارته الشهيرة: «٩٩٪ من أوراق اللعبة فى يد أمريكا»، وأنه سوف يمضى فى «الحلول الانفرادية» إلى آخر مداها.

احتدم سجال وارتفعت أصوات وفى طريق عودته إلى بيته الذى يجاور بيت «السادات» قال للسيدة زوجته: «الآن.. جاء وقت مغادرة الأهرام، فإما أن أخسر نفسى بالدفاع عما لا أعتقد فيه، وإما أن أكسبها بمغادرة الأهرام».

ثم أردف للتخفيف من وطأة المفاجأة: «.. لكن لا تقلقى.. الرهان الأخلاقى يكسب فى النهاية.. وسوف ترين».

عندما أجرى حوارا مطولا مع «آية الله الخمينى» طلب «السادات» من رئيس مجلس الشعب «سيد مرعى» أن يسأله: «بأى صفة أجرى الحوار؟».

بدا «مرعى» محرجا سياسيا إنسانيا، فهو من ناحية أحد أركان النظام ورجاله الأقوياء وصهر الرئيس، لكنه من ناحية أخرى استشعر أن خطرا داهما يقترب من صديق حميم.

فى لحظة خيار صعب قرر أن يخرق قواعد الدولة لاعتبارات الصداقة.

أخذه من يده، وهما على شاطئ المنتزه بملابس الصيف، داخلا معه إلى مياه المتوسط بقدر ما تأكد أن أحدا لا يسمع، وروى له بالتفاصيل أسباب قلقه عليه متوقعا أياما صعبة تنتظره.. «خد بالك من نفسك.. لن يتركك يا محمد».

وكانت إجابة «هيكل» عن سؤال «السادات»: «قل له بصفتى صحفى».

عندما نقلت تلك الإجابة للرئيس قال مستغربا: «ألم أنهِ دوره الصحفى بإخراجه من الأهرام!».

كان الاستغراب فى غير موضعه، فالكاتب الصحفى لا يحال إلى التقاعد، قد يكون هناك رئيس جمهورية سابق، لكن لا يوجد كاتب صحفى سابق.

عندما غادر «الأهرام» اعتبرت صحيفة «التايمز» البريطانية فى افتتاحيتها الرئيسية أن خروج «هيكل» من «الأهرام» خبر لا يسبقه فى الأهمية سوى إقالة الرئيس «السادات» نفسه.

فى أول أيام ما بعد الخروج جلس فى مكتبه فى بيت الجيزة يقرأ ويكتب ويتابع.

شاهد موكبا لرئيس إفريقى فى طريقه لزيارة «السادات» فى بيته، أخذ يحلل الموقف ويحسب الوقت الذى استغرقته الزيارة.

كان عقله يعمل بكامل حيويته المهنية بينما «السادات» يتصور أنه قد تعطل عن العمل بقرار جمهورى.

 

اقرأ أيضًا:

• حلقات من كتاب عبدالله السناوى.. «أحاديث برقاش.. هيكل بلا حواجز»: وديعة هيكل «1-10»

• حلقات من كتاب عبدالله السناوى.. «أحاديث برقاش.. هيكل بلا حواجز»: هل مات عبدالناصر مسمومًا؟ «2-10»

• حلقات من كتاب عبدالله السناوى «أحاديث برقاش.. هيكل بلا حواجز»: نظرة أخيرة على برقاش «3-10»

• حلقات من كتاب عبدالله السناوى «أحاديث برقاش.. هيكل بلا حواجز»: هيكل الآخر «4 - 10»

• حلقات من كتاب عبدالله السناوي «أحاديث برقاش.. هيكل بلا حواجز»: عبد الناصر والسادات.. أوراق ووثائق «5 - 10»

• حلقات من كتاب عبدالله السناوى.. «أحاديث برقاش.. هيكل بلا حواجز»: الخرائط تتكلم والصور تحكي «6 ـ 10»

• حلقات من كتاب عبدالله السناوى «أحاديث برقاش.. هيكل بلا حواجز»: عودة إلى عبدالمنعم رياض «7 - 10»



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك