«زواج القاصرات».. جريمة تقتل فتيات وأطفال قرى الشرقية - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 11:08 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«زواج القاصرات».. جريمة تقتل فتيات وأطفال قرى الشرقية

فاطمة على
نشر في: السبت 23 فبراير 2019 - 8:59 م | آخر تحديث: الأحد 24 فبراير 2019 - 12:12 ص

فتيات: كنا فرحانين بفستان الفرح.. وكتبنا ولادنا باسم آباء أزواجنا.. ولو يرجع بينا الزمن لن نتزوج بدون ورق
«القومى للمرأة»: الجهل والتقاليد الموروثة السبب.. و«الأوقاف»: زواج القاصرات «باطل» لأنه يؤثر على صحة الأم ويُضيع حقوقها.. ومأذونة: ضعاف النفوس من المأذونين يعقدون القران مقابل «عمولة زائدة»


«جواز البنت سترة» مقولة شعبية منتشرة بين العوام فتصبح سببا فى تدمير حياة المئات من الفتيات، بعد إقبال الأهالى خصوصا فى المناطق الريفية على زواج بناتهم قبل بلوغهن السن القانونية، على أن يتم توثيق الزواج عند بلوغهن السن القانونية، دون إدراك عواقب تلك الخطوة.

«الشروق» حاولت رصد أسباب انتشار ظاهرة «زواج القاصرات» بكثرة فى عدد من قرى محافظة الشرقية، حيث تشير نتائج الدراسة الديموغرافية والصحية للمجلس القومى والسكان، فى يناير الماضى إلى أن نسبة زواج الأطفال بالشرقية بلغت نحو 38%، وفقا لإحصائية تم الإعلان عنها يناير الماضى، حيث احتلت الشرقية المركز الثانى بين 6 محافظات على مستوى الجمهورية، فيما بلغت نسبة ختان الإناث 90.6%، بالإضافة إلى 71.6% من الإناث تعرضن للعنف النفسى، بحسب مدير عام المجلس القومى للسكان بالشرقية أبوزيد عطية أمين.

والبداية مع «أميرة .م» من إحدى القرى التابعة لدائرة مركز بلبيس، والتى قالت لـ«الشروق»: «فرحت إنى اتخطبت بدرى عن صاحباتى فى المدرسة واللى فيه منهم بنات حلوين جدا وأنا أقل منهم فى الجمال.. كنت فاكرة إنها حاجة كويسة لكن يا خسارة ما كنتش أعرف إنى بحكم على نفسى بالموت وأنا على قيد الحياة».

«أميرة» أوضحت لـ«الشروق» أن شروط الزواج والاتفاق نص على أن تتزوج عقب حصولها على الشهادة الإعدادية، على أن تستكمل دراسة «الدبلوم» وهى فى منزل الزوجية، مكملة: «تم الزواج بعد حصولى على الشهادة الإعدادية بدون ضغط من أهلى لأنى كنت فرحانه بالفستان الأبيض والفرح».

وتابعت: «الفرح فى حياتنا كان يا دوب شهرين بعد الجواز، وحسيت إن الفستان الأبيض كان كفن لبسته بنفسى بعد ما كل الوعود والاتفاقات اللى كنا متفقين عليها أنا وجوزى اتبخرت، ورفض يخلينى أكمل دراسة لأنى حملت بعد جوازى بشهر واحد بس»، مردفة: «قال لى أقعدى فى البيت لتربية الطفل اللى جاى، وحاولت كتير أضغط عليه، لكن فى الآخر رجعت بيتى واتنازلت عن التعليم والدراسة علشان ما أخربش بيتى».

مأساة أميرة لم تنتهِ عند تركها للدراسة، لكنها بدأت بميلاد طفلتها رهف، لتضيف: «بنتى جت الدنيا مريضة بثقب فى القلب، وبدأت حياتى تتحول لجحيم لأنى مقدرتش أثبتها باسم والدها علشان كان عمرى 15 سنة، فكتبناها باسم أبوجوزى، على أمل إنى لما أبلغ السن القانونية الأمور تتعدل وألاقى أى مخرج وأكتب بنتى باسمى، لكن جوزى بعدها اتجوز عليا وسابنى أعيش مع أمه وأبوه المسن علشان أربى بنتى، وبقيت أنا المعيلة لأسرة مكونة من 4 أفراد بعد ما جوزى عاش فى بيت مراته الجديدة».

مأساة أميرة تكررت بصورة أسوأ مع فتاة من إحدى القرى التابعة لدائرة مركز كفرصقر، والتى طلبت عدم نشر اسمها، والتى قالت لـ«الشروق»: «اتجوزت وأنا بنت 14 سنة علشان أخلص من مرات أبويا وذلها، فقولت اتجوز ويبقى عندى بيت لكن يا فرحة ما تمت، زوجى توفى بعد 6 أشهر فى حادثة سير وهو بيعدى الطريق، وترك لى بنت اثبتت باسم جدها».

«اتجوزت تانى واتفقت مع جوزى التانى إننا نكتب فى القسيمة إن أنا بكر رشيد علشان مفيش حاجة تثبت زواجى الأول، وبعدها بقيت فى وادى وبنتى فى وادى مع أهل جوزى يتيمة من غير أم وأب».

وعلى ما يبدو أن قصة فيلم «أفواه وأرانب» بطولة الفنانة فاتن حمامة، تكررت مع «نادية إ ع» 37 عاما، من إحدى قرى الشرقية، حيث لم تُدرك «نادية» خطورة زواجها قبل 23 عاما، والذى أسفر عن أسرة من زوجين و7 أطفال جميعهم بدون تعليم.

حكت نادية لـ«الشروق»، قائلة: «كنت فرحانة بالفستان وأهلى كانوا عاوزين يجوزونى، بعد أن ظهرت معالم الأنوثة على فى سن صغير، وعندما طرق باب بيتنا شاب يطلب الزواج منى وافق أهلى رغم أن عمرى 14 عاما بدعوى أننى أصبحت عروسة»، مردفة: «الزواج المبكر أسفر عن أربعة أطفال قبل أن أتم 18 عاما، ومعرفتش أثبت اللى خلفتهم قبل السن القانونية ولما ثبتت الجواز ربنا رزقنى بـ 3 أطفال كمان، وكل عيالى من غير تعليم وجوزى شغال عتال يا دوب اللى بيجيبه بيكفى البيت بالعافية».

وأردفت: «ظروف المعيشة أجبرتنا على إطلاق الأطفال فى سوق العمل مبكرا بدلا من الدراسة.. العين بصيرة والجاى على قد الرايح، علشان كده ولادى كلهم شغالين علشان نعرف نعيش.. والله لو يرجع بيا الزمن كنت أضرب نفسى بالجزمة ولا أتجوزش من غير ورق».

من جانبها، قالت عزة منير، مسئولة الإعلام بالمجلس القومى للمرأة، إن هناك حالة لفتاة بإحدى مدارس التعليم الثانوى بمدينة ههيا، تعانى من ضياع حقوقها بعدما تزوجت وهى طالبة بالصف الأول الثانوى الصناعى، متابعة: «حدثت مشاكل بين الفتاة وزوجها، وتركت على إثرها منزل الزوجية وهى حامل فى شهرها الخامس، حيث عادت إلى منزل أهلها وهناك أنجبت طفلتها، وعندما أتمت الأم السن القانونية للزواج كانت الطفلة بعمر عامين وبدون أوراق ثبوتية تثبت نسبها أو حتى وجودها بالحياة».

مسئولة الإعلام بالمجلس القومى للمرأة، أشارت إلى أن مأساة الفتاة سببها رفض زوجها إثبات الطفلة باسمه أو حتى إتمام الزواج قبل أن تقوم الفتاة بالتنازل عن جميع حقوقها الزوجية من شبكة وقائمة منقولات ونفقة، حيث امتنع عن توثيق عقد الزواج بصورة رسمية، مكملة: «تلخصت مطالب الأم أن تمسك شهادة ميلاد ابنتها وورقة طلاقها».

محافظة الشرقية تعد من المحافظات الأعلى فى حالات «زواج القاصرات»، فقبل أشهر ألقى ضباط مباحث مركز شرطة الزقازيق، برئاسة الرائد أشرف ضيف، القبض على مأذون شرعى على خلفية اتهامه بتزويج 29 فتاة قاصرا بعقود عرفية، حيث وردت بلاغات تتهم المدعو «عبدالله.ع» مأذون شرعى، مُقيم بدائرة المركز، بمزاولة نشاط تزويج القاصرات من خلال التحايل على القانون بهدف التربح.

وأكدت التحقيقات أن المتهم أقدم على تحرير 29 عقد زواج عرفى، جميعها لفتيات قاصرات بدائرة مركزى الزقازيق وبلبيس وتوابعها، فضلا عن ضبط 78 إيصال أمانة بها توقيعات لأسماء مختلفة منسوبة للأزواج وآباء الفتيات القاصرات، وتحرر عن ذلك المحضر رقم 200196 جنايات الزقازيق لسنة 2019.

وأوضحت مقررة فرع المجلس القومى للمرأة بالشرقية عايدة عطية، إن بعض الحالات يتم فيها الزواج ثم ينكر الزوج زواجه، وعند إنجاب الزوجة للمولود لا تستطيع استخراج شهادة ميلاد له على الإطلاق، حتى أنها لا تستطيع الذهاب بالطفل إلى مكاتب الصحة لتطعيمه ضد الأمراض، وبذلك تسقط كل حقوقه.

وعن الأسباب الحقيقية لزواج القاصرات، أوضحت مقررة فرع المجلس القومى للمرأة لـ«الشروق» أن الأسباب تنحصر فى تفشى الجهل والتقاليد الموروثة، لافتة إلى أن الزواج المبكر يتسبب فى الزيادة السكانية بصورة مُلفتة، فضلا عن زيادة نسبة التسرب من التعليم وعمالة الأطفال، موضحة أن المجلس مستمر فى حملات طرق الأبواب لمناهضة العنف ضد المرأة وختان الإناث.

من جانبه، قال وكيل وزارة الأوقاف بالمحافظة زكريا الخطيب، إن زواج القاصرات «باطل» لأنه يؤثر على صحة الأم ويُضيع حقوقها إذ لم يلتزم زوجها بتوثيق العقد فيما بعد، موضحا أن الأب الذى يعلم أن ابنته الصغيرة لا تتحمل المسئولية ثم يزوجها فهو بذلك يخالف تعاليم الإسلام السمحة، والتى تنُص على أنه «كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته».

وأوضح وكيل وزارة الأوقاف، أن الإسلام أسند الرأى فى إتمام الزواج والعقود لوكيل العروس، فلا زواج إلا بولى عنها توكله العروس بحضور اثنين من الشهود، بحسب الشرع، فإذا كان الولى يدرى ثم يتجاهل فهذا أمر يُحاسب عليه أمام الله، منوها بأن البنت المتزوجة راعية ومسئولة عن رعيتها، أما القاصر فلا تستطيع تحمل المسئولية، فضلا عن أن الدولة شرعت عدم زواج البنت إلا بعد إتمام السن القانونية للزواج وهو 18 سنة.

وذكرت المأذونة أمل سليمان عفيفى، لـ«الشروق» أن هناك عددا من الأشخاص المنوط بهم ممارسة مهنة «المأذون» يتحايلون على القانون ويقومون بعقد القران بالمخالفة للسن القانونية مقابل «عمولة زائدة» عن المقررة للزواج الرسمى، لافتة إلى أن زواج القاصرات ليس «سُترة للبنت» كما يدعى بعض الأهالى، بل هو إهانة لها وضياع لحقوقها.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك