حنفيات الحريق.. المُنقذ الغائب عن مواجهة اللهب - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:33 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حنفيات الحريق.. المُنقذ الغائب عن مواجهة اللهب

تصوير- أحمد عبد الجواد
تصوير- أحمد عبد الجواد
تحقيق ــ مصطفى أمير وياسمين عبدالرازق:
نشر في: الثلاثاء 24 مايو 2016 - 9:49 ص | آخر تحديث: الثلاثاء 24 مايو 2016 - 9:49 ص

- اختفاؤها من الشوارع مفاجأة غير سارة لرجل الإطفاء

- السرقة والتخطيط السيئ والرصف الخاطئ تضاعف من مشكلة عدم توفر حنفية عند كل 100 متر

- 20 ألف جنيه تكلفة حنفية الحريق الواحدة.. والسائقون يستخدمونها فى غسيل السيارات

- مصدر أمنى: فى حريق الرويعى افترش 3 آلاف بائع متجول بضاعتهم فوق حنفيات الحريق

- عبدالعظيم وزير تبنى مشروع إعادة الحنفيات ولا توجد صيانة منذ 6 سنوات

فى سلسلة الحرائق التى تشهدها مصر فى الفترة الأخيرة، تأتى التلفيات ككارثة توجع قلب أصحابها، إلى جانب اتهامات بالتقصير فى إجراءات السلامة الأمنية، والفشل فى إدارة الأزمة، وتساؤلات كثيرة حول الاحتياطات الواجب اتباعها لتفادى الحرائق، أو حتى الحد منها، إلا أن أحدا لم يبحث عن المنقذ الغائب «حنفيات الحريق» التى بإمكانها المساعدة فى محاصرة النيران والسيطرة على الحريق قبل تفاقمه وانتشاره.

قلب القاهرة فى العتبة والغورية والأزهر، مناطق بأملها احترقت، متسببة فى خسائر فادحة، كان وجود حنفيات الحريق كفيلا بالحد منها، حيث تمتلك محافظة القاهرة 86 وحدة إطفاء، يعانى رجالها من اختفاء الحنفيات فى الشوارع، والتى من المفترض أنها متوفرة بين كل 50 و 100 متر فى الشوارع، بحسب مصدر أمنى، إلا أن السرقة والتخطيط السيئ وردم الشوارع بالرصف، أمور حالت دون ذلك.

فى التحقيق التالى، تبحث «الشروق» عن «حنفيات الحريق»، وأسباب اختفائها من شوارع القاهرة.

الخطوات التى تتخذها الحماية المدنية تجاه الوقاية من الحرائق، يشرحها مصدر أمنى لـ«الشروق» قائلا: «الحماية المدنية ترسل خطة أو طلبا لإنشاء خط حريق بأى شارع جديد يتم إنشاؤه، لتركيب الخط بواقع حنفية كل 50 إلى 100 متر، وبناء على هذا الطلب تقوم المحافظة بالتنفيذ حسب مساحة الشارع، ثم تتولى الحماية المدنية مسئولية الإشراف على هذه الحنفيات».

«خطة معطلة».
أكد المصدر أن مواصفات خطوط الحريق تكون من اختيار المحافظة، حيث لا تفرض الحماية المدنية مواصفات بعينها، لافتا إلى أنه تم اعتماد 3 ملايين جنيه، العام الماضى، لتطوير وتغيير حنفيات الحريق التالفة بمنطقة وسط البلد تحديدا، ولكن لم يتم استكمالها حتى الوقت الحالى، وشدد على أن المياه بخطوط الحريق ضعيفة، وبالتالى على المحافظة، التى تتولى الإنشاء توفير الضغط العالى للمياه.

وأشار المصدر إلى أن المياه المستخدمة لإطفاء الحريق هى مياه عكرة، أى شبكة مياه مختلفة، ومنفصلة تماما عن شبكة مياه الشرب التى تمر على محطة التنقية بخليط من الشبه والكلور لكى تصبح صالحة للشرب، فى حين أن المياه التى تصل إلى خطوط الحريق غير منقاة، واستخدامها يكون من مصدرها إلى الخطوط مباشرة.

وأوضح المصدر أن خطوط الحريق من المفترض أن تكون موجودة بجميع شوارع الجمهورية، ولكن «للأسف هذا النظام غير مطبق»، وذلك نتيجة للتكاليف الباهظة للحنفية الواحدة، التى يتراوح سعرها بين 5 آلاف جنيه و20 ألف جنيه، وذلك باختلاف جودة الحنفية والصناعة وخامة التركيبة الداخلية لها.

ولفت المصدر إلى لجوء الدولة لاستخدام الحنفية الأرضية، الموجودة بالشوارع أسفل الأرصفة، أو تحت الأرض؛ وذلك بسبب قلة الموارد المالية، مشددا على أن المحافظة تقوم بأخطاء فادحة عندما يتم تجديد وإعادة رصف الشوارع، حيث تقوم بالرصف على «الردم» القديم دون إزالته.

وحكى المصدر، بعض من المشكلات الخاصة بحنفيات الإطفاء، والتى قابلت «الحماية المدنية، مع اندلاع حريق الرويعى بمنطقة العتبة منذ عدة أيام:
«عندما بدأت قوات الحماية المدنية فى البحث عن حنفيات الحريق الموجودة بالمنطقة، والتى من المفترض أنها أعلى الأرصفة، وجدت أن الباعة الجائلين وضعوا الفرش الخاص بهم عليها، وبكميات هائلة لا تقل عن 3 آلاف فرشة بشارع يوسف نجيب، مثلا، إلى جانب وضع بعض المحلات لبضائعهم خارج المحل».

أضاف: «حين عثرت القوات على خطوط وحنفيات الحريق، وجدت أن ضغط المياه ضعيف جدا، ولم تعدُ مجرد رش شارع، فى حين أنها من المفترض أن تصل إلى القدرة على ملء سيارة الإطفاء، أى تحتاج إلى معدل ضغط يصل إلى 1000 لتر فى الدقيقة الواحدة، ولكن كانت قدرتها فى ذلك الوقت أن تملأ سيارة الإطفاء خلال نصف ساعة كاملة».

وأوضح المصدر، أن الدولة لم تنشئ، أو تجدد خطوط حريق منذ سنوات، لذا تضطر لاستخدام خط المياه العادى عند حدوث مشكلة، ما يصعب المهمة على رجال المطافئ.

وقال المصدر، إن شبكة المياه موجودة بالفعل منذ بدء تأسيس محافظة القاهرة، وتحديدا بمنطقة وسط البلد، لافتا إلى أن شبكة المياه تحتاج إلى صيانة مستمرة، وتزويدها ودعمها بالنواقص التى تعرقل عمليات الإنقاذ، موضحا أنه لم يتم صيانة جميع شبكات وسط القاهرة منذ اندلاع ثورة يناير، وذلك نتيجة لقلة الاعتمادات المؤهلة لإنشاء شبكة حريق منفصلة عن شبكة مياه الشرب.

«مسئولية المواطن»
المصدر الأمنى أشار أيضا، إلى أن شبكات مياه الحريق فى الدول المتقدمة لا تستعين بسيارات الإطفاء أو الخزانات بشكل كبير كما يحدث فى مصر، وذلك لتوافر حنفيات الحرق فى كل مربع وكل تقاطع، موضحا أنه فى عهد الاحتلال الإنجليزى لمصر كانت حنفيات الحريق مصنوعة من النحاس، وتعادل تلك التى يبلغ ثمنها حاليا 20 ألف جنيه، وقال إن سوء الاستخدام عامل مؤثر جدا: «أصحاب المحلات يتعاملون معها باعتبارها بالوعة»، لافتا إلى أنه إذا تم تركها لشهر واحد «نجدها عبارة عن كتلة طين»، هذا الطين يتسبب فى تلف فى بعض أجزاء المحبس الموجود أسفل الرصيف، لأن هذا الجزء هو المسئول عن توصيل الخراطيم به.

وأوضح المصدر، أن السائقين يستخدمونها فى غسيل السيارات، ما نتج عنه إغراق بعض الشارع، ومن ثم تقوم الجهات المسئولة بعمل صيانة، وتتضاعف تكلفتها فى وقت قياسى، الأمر الذى ينتهى أحيانا بإلغاء خط المياه لأن السلوك المصرى غريب «لا اللى ظاهرة نافعة، ولا اللى مخبيينها نافعها»، فيما تقوم المطافئ أحيانا بنزع اليد المسئولة عن الفتح والقفل، «وهى مربوطة بصامولة، ومع كثرة الضغط والفك أصبحت بلا قيمة».

وتابع المصدر، أن عدم التجريم والعقوبة لسارقى محتويات الحنفيات أزمة أخرى، حيث تمت سرقة الحنفيات النحاس الألمانى الفاخر، ذات القيمة، وغير الموجودة الآن، حيث اختفت تماما بفعل السرقة.

«كلام مسئول»
من جانبه قال خالد مصطفى، المتحدث باسم محافظة القاهرة، إن المحافظة تبنت مشروع إنشاء حنفيات حريق على أيام الدكتور عبدالعظيم وزير محافظ العاصمة الأسبق، وخاصة فى المناطق التراثية والتاريخية والشعبية وكذلك المناطق العشوائية، وذلك لأن سيارات الإطفاء تجد صعوبة للوصول للأماكن الضيقة.

وأكد مصطفى لـ«الشروق»، أن المحافظة تراعى أهمية وجود حنفيات حريق فى المناطق التى يتم تطويرها أو إعادة إنشائها، موضحا أنه تم إنشاء شبكة حريق عندما طورت محافظة القاهرة 17 منطقة فى حلوان العام الماضى.

كما أشار مصطفى إلى أنه ليس معقولا عدم وجود حنفيات حريق فى بعض الأماكن، وذلك لأن المناطق محددة على خريطة يتم وضعها من خلال الحماية المدنية، كما يتم تسليمهم، موضحا أنه حدث بعض التلفيات خلال فترة الانفلات الأمنى، ونعمل على تطويرها بالفعل، كما حدث فى الآونة الأخيرة عندما طالبت الحماية المدنية بتوفير 4 حنفيات حريق بشارع الشواربى بوسط القاهرة.

وأوضح مصطفى أن مشروع تطوير الـ30 منطقة عشوائية الذى تم الانتهاء من 95% منه بتمويل من صندوق العشوائيات ويغطى صندوق اتحاد بنوك مصر تكاليف 15 منطقة عشوائية فى حلوان، شاملة أعمدة الكهرباء وعملية إحلال الصرف الصحى، وكذلك ضمن الاستراتيجيات فى هذا المشروع وضع حنفيات حريق.

ولفت إلى أن الخسائر التى جاءت نتيجة حريق منطقتى «الرويعى والغورية» كانت الأثاث، أما فيما يتعلق بحريق غرفتى التخطيط بمحافظة القاهرة الذى شب منذ عدة أيام فهناك نسخة أخرى من الوثائق تم الاحتفاظ بها على خاصية الميكروفيلم.

فيما قال الخبير الأمنى، ومساعد وزير الداخلية للحماية المدنية السابق اللواء عبدالعزيز توفيق، إن حنفيات الحريق هى أول ما يبحث عنه رجل الإطفاء فى الشارع وقت الحدث، ومن المفترض أنها موجودة فى كل الشوارع، خصوصا المناطق الضيقة والعشوائية.

أضاف توفيق لـ«الشروق» إن القاهرة بها 86 وحدة إطفاء على كفاءة عالية وتتحرك فور تلقى البلاغات، مصحوبة بالسيارات وفنطاس مياه احتياطى، مشيرا إلى أن هناك أزمات كبيرة يعانى منها رجال الإطفاء فى المناطق الضيقة وعدم دخول السيارات هناك.

وأوضح أن محافظة القاهرة هى من تهتم بكل الأمور الخاصة بجهاز الحماية المدنية من الناحية المادية والتخطيطية والصيانة وبعض العناصر البشرية، كمهندسى صيانة السيارات.

وأكد رئيس الحماية المدنية السابق أن سبب اختفاء حنفيات الحريق من معظم الشوارع والمناطق، يعود لثلاثة أمور، أولهما التخطيط السيئ واختيار الشوارع والمناطق غير المناسبة لوضع الحفنيات.

وتابع: «وحدة رصف الطرق أيضا تتحمل جزءا كبيرا جدا من هذه الكارثة حيث إنها تقوم برص الطرق والشوارع وتردم الحنفيات الأرضية، وحينما تصل سيارات الإطفاء لا تجدها»، مشيرا إلى أن الحل فى هذا الأمر هو الحنفيات العمودية تكن مثبتة فى جوانب الحوائط والنفاق كالموجودة فى نفق الأزهر.

وقال، إن سرقة الحنفيات والمحابس كونها من النحاس أمر أيضا تسبب فى اختفائها من الشوارع حيث يسرق اللصوص معظم الحنفيات خصوصا الشوارع الجانبية.

وأوضح، أنه لا يمكن لأحد أن يحدد حجم المياه التى سيتم استخدامها فى الحريق، فهناك حرائق تحتاج إلى عشرات الأطنان من المياه رغم عدم امتداها لمناطق بعيدة إلا أن المادة المشتعلة سريعة المفعول، وقال إنه قطعا يتم التقدير المبدئى قبل الخروج للحريق، «إذا كان فى كوم قمامة، فهذا يختلف عن الذى فى وحدة سكنية»، مضيفا: «لا تستعد أقل من 3 سيارات للخروج فى أى بلاغ بحريق».

وقال إن سيارات الإطفاء تخرج محملة بالمياه، وعند تفريغها يبحث رجل الإطفاء على حنفيات الحريق، إذا لم يجدها فى المحيط كله يتوجه إلى أقرب مكان ليستعمل الخزانات الضخمة فى وسط القاهرة، على سبيل المثال تستخدم السيارات خزان المتحف الإسلامى، فضلا عن الفنطاس الاحتياطى المرافق للسيارات فى الحدث.

رئيس الحماية المدنية السابق أكد أن المواطن وسلوكياته، يتحمل جزءا كبيرا من حوادث الحريق، وأضاف أن استهانة المواطن بإجراءات السلامة، والحصول على التصاريح تزيد الكوارث.

يضيف، أن حرائق منطقة وسط القاهرة «العتبة والرويعى»، تسبب فيها إهمال الباعة وزادها جهلهم بالسلامة الأمنية والاحترازات الكافية، مؤكدا أن الباعة يخزنون بضائعهم فى وحدات سكنية ويخلطون العديد من المواد ببعضها يساعد فى الاشتعال سريعا.

وأشار إلى أن الحماية المدنية لم تستخدم الطائرات لإطفاء الحريق فى العتبة والرويعى لأمور أمنية كثيرة، منها شدة اللهب على الطائرة، وضيق الأماكن، وأن الطائرات تحتاج لمناطق واسعة لأنها تهبط «وتفرش حمولة الإطفاء» على المسطح بأكمله، وهذا ما لا يمكن أن تتحمله هذه المناطق.

فيما أوضح توفيق أن معظم مناطق مصر القديمة يواجه فيها رجل الإطفاء صعوبة بالغة فى الدخول والتعامل مع الحدث، مؤكدا أنه فضلا عن عدم تواجد حنفيات الحريق بها إلا أنها مناطق ضيقة أو آيلة للسقوط.

وقال إن مناطق «الغورية والعتبة والموسكى ودرب سعادة والسيدة زينب والحسين وسوق المناصرة وبولاق أبو العلا وبعض المناطق فى السيدة عائشة» وغيرها من المناطق القديمة والعزب الصغيرة، هى أكثر المناطق التى يعانى فيها رجل الإطفاء حيث تفقد كل شىء من السلامة الأمنية وحنفيات الحريق كما أن شوارعها ضيقة.

وأوضح أن أماكن حنفيات الحريق لا بد أن يتم اختيارها بعناية من قبل محافظة القاهرة، وإعلام الحماية المدنية بها، وقال إن إدارة الحماية المدنية لديها اكتفاء مادى من المحافظة جيد جدا ومعدات عالية الكفاءة لكنها تحتاج لعناصر بشرية أكثر.

وأوضح أن عناصر الحماية المدنية هم الفئة الأمنية التى تعرف حجم الخطر فى الأحداث وتجازف بحياتها من أجل حماية المواطن والمنشآت، لذلك يتم اختيارهم بعينة فائقة.

ورفض مساعد وزير الداخلية السابق للحماية المدنية الحديث عن أرقام دقيقة لعدد السيارات والمعدات والعاملين لدواعٍ أمنية، وهذا ما اتبعته المصادر الأخرى فى الحماية المدنية التى تحدثت معها «الشروق».

وقال إن تزايد الحرائق فى الآونة الأخيرة يرجع إلى التوصيلات الكهربائية العشوائية أيضا من الباعة وأصحاب المنشآت الصناعية، واستخدام أجهزة ومعدات غير مطابقة للمواصفات الآمنة.

من جانبه طلب اللواء جمال فريد حلاوة، مدير إدارة الحماية المدنية بالقاهرة مهلة للرد على استفسارات «الشروق»، الخاصة بالتحقيق، إلا أنه لم يجب على هاتفه مرارا وتكرارا بعد ذلك.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك