مسابقة لرسم ملامح العاصمة - بوابة الشروق
الجمعة 18 يوليه 2025 1:55 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

ما هي توقعاتك لمصير وسام أبو علي في المرحلة المقبلة؟

مسابقة لرسم ملامح العاصمة

هناك مبادرات عديدة تهدف لإعادة تصور شكل المدينة - تصوير : فيليب شباليك
هناك مبادرات عديدة تهدف لإعادة تصور شكل المدينة - تصوير : فيليب شباليك
أحمد برهام
نشر في: الإثنين 24 سبتمبر 2012 - 9:30 ص | آخر تحديث: الإثنين 24 سبتمبر 2012 - 9:45 ص

فى أغسطس من عام 2011 وبعد شهور قليلة من قيام ثورة 25 يناير وبداية سقوط نظام مبارك بتخليه عن السلطة، وعلى مقهى بوسط مدينة القاهرة اجتمع مجموعة من الشباب المتحمس، تتألف من فريق من الباحثين فى مجال السياسات العمرانية الخاصة بالأراضى فى جامعة كولومبيا (الولايات المتحدة الأمريكية) بقسم الشئون الدولية والعلاقات العامة بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين والناشطين المشتغلين بالعمران فى مصر.

 

كان الحافز الأساسى وراء هذا الإجتماع هو مشروع القاهرة 2050 الذى تجاهل إدارة حوار مجتمعى لإشراك واستشارة المواطنين فيه بما يتضمن من سياسات وقرارات مصيرية من إزالة وإعادة توزيع للسكان على نطاق واسع. نتيجة هذا الاجتماع تكونت مبادرة «القاهرة من الأساس» والتى تهدف لرفع مستوى وعى المواطنين بالمشكلات العمرانية المحيطة بهم وإثارة مخيلتهم حول مستقبل مدينتهم، فهى شبكة من الأفراد قابلة للنمو باستمرار وملتزمة بمبادئ الشفافية والمشاركة فى التخطيط العمرانى (CairofromBelow.org).

 

فى منتصف عام 2009 أعلنت وزارة الإسكان المصرية عن مخطط استراتيجى وصف بالطموح تحت مسمى «مشروع القاهرة 2050»، والذى يقترح تغييرات جذرية فى بنية القاهرة العمرانية كحل لتحسين أوضاع المعيشة والبيئة فى مدينة القاهرة. مشروع القاهرة ٢٠٥٠ عبارة عن وثيقة رؤيوية تم إنشاءها من قبل الإدارة السابقة لتحديد أولويات مشاريع التنمية العمرانية فى مدينة القاهرة. من ضمن المقترحات التى تضمنها المخطط إنشاء ما يسمى بخوفو بوليفار، على غرار شارع الشانزليزيه بباريس، مخترقا مناطق شاسعة ذات كثافة سكانية عالية، كما هو موضح بالفيديو الموجود بالرابط التالى cairofrombelow.org/2012/02/10/road-to-khufu-video-goes-live/. كما يمكنكم الاطلاع ومناقشة نقد المبادرة لمشروع القاهرة ٢٠٥٠ فى cairofrombelow.org/cairo2050 لعقود طويلة كانت عمليات التخطيط العمرانى فى القاهرة حصرية، تتم فى الغرف المغلقة وتفتقد للمشاركة المجتمعية. على مدار عشرات السنين كان نظام إدارة المدينة وبالأخّص «الأراضى» يصب فى مصلحة فئة أو شريحة محدودة من المجتمع على حساب مصلحة القاعدة العريضة من الشعب، فكان  سوء إدارة الأراضى والتخطيط العمرانى والإسكان كلها مشاكل تؤثر سلبا على سكان المدينة وتمنعهم من تحسين أوضاعهم الإقتصادية والاجتماعية. ولكن بدخول مصر فى عصر جديد يجب أن يواكبه تحول فى طريقة معالجة هذه المشاكلات وإعادة النظر وتنمية وسائل وسبل جديدة لتحسين وتطوير المدينة. ولا يجب أن تقتصر مشاركة المصريين فى تشكيل مستقبل مدينتهم فقط عبر صناديق التصويت، ولكن يجب أن تكون مشاركتهم فعّالة تتناول أدق التفاصيل التى تمس حياتهم اليومية مثل استخدامات الأراضى، الفراغات، الإسكان، الإدارة المحلية، الخدمات... إلخ.

 

تفعيلا لدور المبادرة ظهرت فكرة الإعلان عن مسابقة (مستقبلنا العمرانى) للأفكار. الهدف من هذه المسابقة هو تركيز الضوء على المشكلات العمرانية غير المتناولة وعلى شرائح من المجتمع غير الممثلة والمساعدة فى إشراكها على مائدة الحوار. ونرى أنه من الممكن أن يتم ذلك من خلال نشر هذة الأفكار الجديدة للوصول إلى نمط جديد لمدينة القاهرة، فتكون المدينة التى تعبر عن كافة سكانها وتتفاعل معهم. تسعى المسابقة لتفعيل دور سكان القاهرة فى مستقبل مدينتهم، وذلك عن طريق إثارة النقاش حول طريقة إتخاذ القرارات التى تمس المدينة والمواطن وكيفية إشراك المواطنين فيها مستغلة وسائل التواصل الاجتماعى مثل الفيسبوك، والهدف من ذلك نشر الأفكار على أوسع نطاق ممكن. ستة مواضيع أساسية سوف تكون محور الأفكار المقدمة للمسابقة: (الفراغ العام) ما هى حالة الفراغات العامة فى مصر حاليا؟ وما مدى إحساس المواطنين بملكية الفراغات العامة؟...). ــ تمكين ودعم المجتمعات (القاهرة تتألف من مجموعة من الشبكات الإجتماعية والمجتمعات الشديدة الترابط والتركيب: ما هو السبيل لتمكين هذه المجتمعات من قدراتها؟). ــ المواقع التاريخية/ السياحة (ما هى الحدود التى تفصل بين الحفاظ على الأثر وما بين اعتباره حيا يستخدمه الناس؟). ــ المواصلات والانتقال داخل المدينة (ما هى الحلول المبتكرة لتحسين مستوى شبكة المواصلات وأحوال المرور داخل القاهرة؟ ما دور المواطنين فى هذه العملية؟). ــ البنية التحتية (ما هى حالة البنية التحتية القائمة حاليا فى القاهرة؟ وما مستوى أدائها؟ كيف يمكن تحسينها؟). ــ استخدامات الأراضى (من المسئول عنها؟ وهل يمكن تحديدها بطريقة أفضل؟).

 

المسابقة، التى تتم بالتعاون مع جمعية  الفكر العمرانى «مجاورة» وبمشاركة مجلة «مجاز» لشئون العمارة والتصميم، تشجع التعبير عن الأفكار المقدمة فى صور بصرية مبتكرة لتيسيير فهمها والتفاعل معها على نطاق واسع. وسيقوم باختيار الفائزين لجنة دولية تتكون من مجموعة من الخبراء والمهتمين بشئون العمران. وسوف يتم اختيار الاقتراحات الفائزة حسب مدى النقاش التى تثيره على الفيسبوك، فالمسابقة تهدف أيضا إلى إثارة النقاش حول المدينة.

 


 

ليست القاهرة وحدها

كل منا يعانى يوميا خلال انتقاله داخل القاهرة وخارجها من الزحام الخانق، سواء كنا نمتلك وسيلة انتقال خاصة أو نستخدم وسيلة مواصلات عامة أو حتى نسير على الأقدام. تعانى حركة الانتقال داخل القاهرة من مشكلات خطيرة مثل ارتفاع نسبة الوفيات نتيجة حوادث الطرق وسوء حالة شبكة المواصلات العامة، وأخيرا وليس آخرا انخفاض سرعة الانتقال عبر العاصمة، مما يؤثر سلبا على حركة نقل البضائع والاقتصاد بشكل عام.

 

فى منتصف تسعينيات القرن الماضى، وفى إطار مجهودات مدينة بوجوتا (عاصمة كولومبيا بأمريكا اللاتينية) للتقليل من الزحام الشديد اعتمد عمدة المدينة خطة طموحة لتطوير وسائل الانتقال داخل المدينة. اهتمت الخطة بالاستثمار فى النقل الجماعى، وتضمنت إنشاء ما يسمى بترانسميلينيو TransMileni أو خط للعبور السريع للحافلات (Bus Rapid Transit –BRT) والتى تعتمد أساسا على فصل حركة حافلات النقل الجماعى عن باقى حركة المرور، وذلك بإنشاء طرق خاصة لها عبر المدينة مما يزيد من كفاءة أدائها وسرعتها. تميزت الخطة المعتمدة عن غيرها من الخطط المقترحة بالمحافظة على البيئة بتخفيض نسبة العوادم المنبعثة إلى 40% وتخفيض وقت الانتقال داخل المدينة إلى 32%. وساهمت الشبكة المقترحة فى تطوير المناطق العشوائية التى تمر بها وربطها بشكل أفضل بباقى أحياء المدينة. الجدير بالذكر أن الخطة اعتمدت فقط على 6% من قرض البنك الدولى. فى حين يتضمن قرض البنك الدولى لمصر اقتراحا بتوفير 250 مليون دولار أمريكى لتطوير وسائل انتقال فعالة تعتمد على ست محاور عبور سريع للحافلات، كما فى تجارب بوجوتا وأحمد أباد فى الهند. رأت الحكومة المصرية فى إطار خططها لتطوير النقل الحضرى، على غرار الصين والهند، أن إنفاق نسبة 45% من 17 مليار دولار أمريكى، هى الميزانية المخصصة لمشاريع النقل والمواصلات لإنشاء المزيد من الطرق السريعة من شأنه حل أزمة المرور حول القاهرة مقابل 18.6% على مشاريع النقل الجماعى مثل مترو الأنفاق وأنظمة العبور السريع للحافلات.

 

لابوكا بالارجنتين .. من حى عشوائى الى مزار سياحى - خاص الشروق

 

السؤال هو هل من الأفضل إنفاق مبالغ طائلة على مشاريع تفيد فقط القلة القليلة التى تمتلك سيارات خاصة فى حين أنه من الممكن إنفاقها على تطوير وتنفيذ مشاريع للنقل الجماعى تخدم غالبية سكان القاهرة ممن لا يملكون سيارات خاصة.

 

هذا بالنسبة للحركة داخل القاهرة أما فيما يخص السكن فيها وحولها فلا تزال سياسات الإسكان المتبعة والخطط المعلنة من قبل وزارة الإسكان المصرية مثل مشروع المليون وحدة تنتهج منهج توفير المسكن للمواطن بغض النظر عن طبيعة ظروفه الاجتماعية والاقتصادية مثل مكان ونوع العمل أو عدد أفراد الأسرة وأسلوب معيشتهم. ولاتزال لغة الأرقام هى اللغة التى تتحدث بها الدولة عن مشاريع الإسكان بغض النظر عن موقعها بالنسبة للمدينة وكيفية اتصالها بها أو نوعية الخدمات المتوفرة. كما لاتزال الغالبية العظمى من مشاريع الإسكان غير مقيمة حتى الآن استنادا إلى مدى ملائمتها لقاطنيها طوال مدة استخدامها.

 

السياسات التى تلزم الدولة بتوفير المسكن تضع على كاهل الدولة أعباء هائلة غالبا لا تستطيع الوفاء بها بالكفاءة المطلوبة، كما أنها لا تسمح بالاهتمام الكافى بالنوعية ومدى ملائمة السكن للمواطن. تتعامل سياسة توفير المسكن على أنه سلعة يجب أن تكون مكتملة قبل التسليم للمستخدم، فى حين تنظر سياسة التمكين والإتاحة للمسكن على أنه مشروع قابل للنمو بالتعاون بين المجتمع والدولة. والمثال على ذلك هو ما يعرف بالإسكان التزايدى أو المسكن النواة، إذ تلتزم الدولة بتوفير غرفة بخدماتها وضمان بنية تحتية فعالة.

 

أوائل هذا القرن تم تطبيق هذا النموذج فى شيلى بأمريكا اللاتينية، حيث صمم مجمع لتسكين 100 أسرة استوطنت الأرض المقام عليها المشروع فى وسط المدينة بشكل غير رسمى، وبدلا من طردهم تقرر إعادة تسكينهم فى المكان نفسه. يتكون المشروع من مجموعة من الأبنية ( دورين وأرضى) تلتف لتكون ما يشبه الحوش أو الفناء الداخلى الخاص بالسكان. وتم ترك الحرية للساكن فى تقسيم الفراغات الداخلية مع توفير الخدمات الأساسية والبنية التحتية. تفصل بين هذه الأبنية فراغات تبدأ من سطح الدور الأرضى. وتتيح هذه الفراغات لكل ساكن الفرصة للامتداد المستقبلى كل بحسب مقدرته الاقتصادية وأحواله الاجتماعية، مما نتج عنه مجمع سكنى متكامل. المفارقة أنه أقيم فى مصر ــ وبرعاية سوزان مبارك ــ مشروعا مشابها فى منطقة زينهم بالقاهرة، ولكن الفارق أنه لم تترك أى مساحة للأسر القاطنة للتوسع المستقبلى مع العلم أن وحدات لا تتعدى مساحتها الـ60 مترا مربعا خصصت لأسر قد يفوق عددها العشر أفراد، كما لم يراع المشروع طبيعة عمل سكان هذه المنطقة الوثيقة الصلة بالحيوانات مما تسبب فى ضيق السكان بمساكنهم. المشروع الذى أقيم على تلال زينهم، وأطلق عليه مساكن زينهم الجديدة، أقيم فى الأساس لإعادة تسكين وتحسين معيشة العديد ممن كانوا يسكنون العشش وسط أكوام من القمامة فى محاولة لتحسين أوضاعهم، إذ يمثل سكان العشش 10% من الإسكان الغير رسمى فى القاهرة.

 

يمثل سكان العشش 10% من الإسكان غير الرسمى فى القاهرة - تصوير : فيليب شباليك

 

أما فى الهند وتحديدا فى مدينة بومباى، وبمبادرة من الحكومة الهندية بالتعاون مع كبرى الجمعيات الأهلية، تم تشكيل فريق عمل يتبنى سياسة تمكين المجتمع وإشراكه فى عملية التطوير على غرار تجربة شيلى السابق ذكرها. كان المحدد الرئيسى فى عملية التطوير هو الحفاظ على البنية الاجتماعية القائمة بين السكان. وتكفلت الدولة بتوفير البنية التحتية من شبكات مياه وكهرباء على أن تسهم كل أسرة بنسبة عشرة بالمائة من التكلفة الكلية للوحدة. وبما أن أغلب الأسر كانت أفقر من أن تمتلك تلك النسبة، فقد تم بناء الهيكل الأساسى للوحدات على أن يساهم السكان فى التشطيبات من دهانات وأرضيات وأبواب وشبابيك فيصبحوا ملاكا للوحدات. تم تنفيذ مشروع مماثل فى مصر بمبادرة «مصر بالألوان» فى منشأة ناصر بالقاهرة وبرعاية جمعية «نبنى» الأهلية، وذلك بدلا من سياسات الفصل العمرانى والإخلاء القسرى التى لا تحترم آدمية قاطنى تلك المناطق.

 

ربما كان البعض يعتقد أن القاهرة فقط هى التى تعانى من المشكلات السابق ذكرها، ولكن بتدقيق النظر فى أحوال بعض الدول الأخرى نكتشف أن مدنا فى أمريكا اللاتينية مثل ريو دى جانيرو وساو باولو بالبرازيل وفى أفريقيا مثل نيروبى بكينيا وفى آسيا مثل مومباى فى الهند تعانى من مشكلات شبيهة وتحاول التعامل معها.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك