اتفقت وزارة الإسكان وصندوق تطوير العشوائيات مؤخرا على تخصيص 300 ألف وحدة سكنية من مشروع «المليون شقة» لصالح سكان العشوائيات الخطرة فى القاهرة. وبدأ الصندوق فى عقد عدد من اللقاءات مع الجهات المعنية بتنمية المناطق العشوائية باعتباره الجهة المسئولة عن وضع سياسات التعامل مع العشوائيات منذ تأسيسه فى مطلع عام 2009، على خلفية حادث انهيار صخرة الدويقة.
قبل حادث انهيار صخرة الدويقة سنة 2008، لم تكن هناك جهة معنية بالتعامل مع العشوائيات، فكانت المحليات ممثلة فى المحافظين تحاول أن تضع حلولا لهذه المناطق، وكانت وزارة الإسكان تحاول أن تضع تصورات لحل الأزمة من جهة أخرى، مثل بناء وحدات سكنية بديلة، وفى حالات أخرى كانت توضع ضمن جدول أعمال مجلس الوزراء. إلى أن كشفت الهيئة العامة للتخطيط العمرانى ــ التابعة لوزارة الإسكان ــ فى بداية عام 2010 عن مشروع «القاهرة 2050»، وهو رؤية لمستقبل القاهرة على اعتبار أن نشاط العاصمة الأساسى هو السياحة، لذا يجب أن تكون مدينة خضراء يصل فيها نصيب الفرد من المساحات الخضراء لـ12 مترا بدلا من 1.5 متر حاليا.
وبدأ طرح تصور «التخلص» من سكان العشوائيات بإقليم القاهرة الكبرى ــ القاهرة، الجيزة، القليوبية ــ ونقلهم إلى مدينتى «15 مايو» و«6 أكتوبر»، وهم حوالى 6 ملايين نسمة، حسب تقديرات مركز معلومات مجلس الوزراء حتى عام 2008.
انعدام الشفافية واحتمالات تعرض سكان العشوائيات لعمليات إخلاء قسرى، كانت أبرز الاتهامات التى وجهت من منظمات حقوقية لمشروع القاهرة 2050، وفقا لبيانات صدرت عن المركز المصرى للحق فى السكن. كذلك واجه المشروع انتقادات بسبب عدم وضوح الرؤية الخاصة بهذا المشروع، بحسب الدكتورة أمنية خليل، الباحثة العمرانية بالجامعة الأمريكية، موضحة: «أختلف تماما مع رؤية مشروع القاهرة 2050»، لأنه يعتمد على نقل عدد كبير من سكان العاصمة «الفقراء» إلى مدن أخرى، وهو أمر يفقد العاصمة أحد أهم العوامل التى تميزها، وهى توافر الأيدى العاملة.
كذلك اعتبر الدكتور عباس الزعفرانى ــ أستاذ التخطيط العمرانى ــ أن عملية تحريك 3 ملايين نسمة من قلب القاهرة إلى خارجها أمر غير منطقى، فرؤية القاهرة 2050 كانت تضع تصورا لمشروع عرف بـ«خوفو بلازا» وهو طريق على امتداد شارع جامعة الدول العربية فى خط مستقيم حتى تصل إلى الأهرامات، ما سيحتاج إلى نقل على الأقل مليون ونصف نسمة من سكان منطقة بولاق الدكرور.
على الرغم من أن مشروع القاهرة 2050 يهدف إلى زيادة المساحات الخضراء، إلا أنه سيزيدها على حساب السكان الفقراء فى العاصمة، فمن المقرر أن يتم إزالة منطقة المقابر بالكامل لتحل مكانها حديقة عملاقة يبنى على جزء منها عددا من الفنادق العالمية. وفى الجهة المقابلة لها يتم إزالة مساكن أهالى منشية ناصر والدويقة، لبناء فيلات ضخمة على حافة هضبة المقطم تطل على هذه الحديقة الضخمة.
حذرت الدكتورة أمنية خليل من فرضية أن النشاط الأساسى للعاصمة هو السياحة، فذلك سيرفع تكلفة المعيشة فى القاهرة، وسينتهى الأمر إلى نزوح أبناء الطبقة الوسطى خارج القاهرة، بحثا عن مدينة تستطيع دخولهم أن تسد تكاليف الحياة اليومية فيها. وبالتالى ستنغلق العاصمة فيما بعد على طبقات ضيقة جدا من مرتفعى الدخل.
ولكى تظل القاهرة مدينة صالحة للعيش سواء لفقرائها أو أغنيائها، يجب أن تتوقف الحكومة عن دفع المستثمرين نحو البناء داخل العاصمة أو حولها، ويجب أن تتوقف عمليات تكثيف البناء التى تحدث فى كل فراغات القاهرة، لأن مرافق المدينة وشبكات الطرق بها لم تعد تتحمل كثافات سكانية أكبر.
ولكن بعد ثورة يناير تم تجميد مشروع «القاهرة 2050»، بحسب الدكتور أبوزيد راجح ــ عضو المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية ــ الذى يوضح أن المجلس اطلع على هذه الرؤية ولم يقرها كوثيقة أو مشروع تتبناه الحكومة، ولكن أوصى المجلس بالانتهاء من «المخطط الاستراتيجى القومى لمصر»، ثم البناء على محاور التنمية التى يتم إقرارها.
وتبقى تصورات وخطط صندوق تطوير العشوائيات قاصرة على المناطق الخطرة فقط، وهى 53 منطقة غير آمنة للسكن ويجب إخلائها فى أقرب وقت، بل وتوفير مساكن بديلة لقاطنيها، وهى الوحدات التى طلب الصندوق تخصيصها من قبل وزارة الإسكان وتصل لـ300 ألف وحدة.