نبيل فهمى يكتب: «لحظة فارقة فى تاريخ مصر ومجموعة الحكماء» - بوابة الشروق
الجمعة 10 مايو 2024 7:28 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نبيل فهمى يكتب: «لحظة فارقة فى تاريخ مصر ومجموعة الحكماء»


نشر في: الأربعاء 25 يناير 2017 - 10:42 ص | آخر تحديث: الأربعاء 25 يناير 2017 - 10:42 ص

لم أكن من نشطاء ثورة 25 يناير 2011 فى الأساس، وتابعتها فى أول الامر كأب معنى بكل ما يشغل الشباب، طموحاتهم وتصرفاتهم وامنهم وسلامتهم، ثم انشغلت بها وشاركت فى الاحداث سعيا للاسهام فى بناء مصر المستقبل، كغيرى من جموع الشعب المصرى، وهو نفس سبب موافقتى على المشاركة فى الحكومه كوزيرا للخارجية عقب ثورة 30 يونيو 2013.
وفى 28 سبتمبر خرجت من منزلى بجاردن سيتى إلى كوبرى قصر النيل و كان خاليا تماما ووقفت فى منتصفه بمفردى، لمتابعة التظاهر والاشتباكات بين المتظاهرين والشرطة من بعيد امام دار اوبرا القاهرة فى اول جزيرة الزمالك، فشعرت سريعا بآثار غاز المسيل للدموع، وحاولت اسعاف نفسى ببعض الماء دون جدوى، إلى ان ساعدنى شاب يرتجل وحده سريعا وبثقة عابرا الكوبرى فى اتجاه ميدان التحرير، بعد ان تخطى الحواجز الامنية، وبعد دقائق قليلة عبر شرطى الكوبرى سريعا قادما من ميدان التحرير فى الاتجاه الاخر نحو دار الاوبرا، ونظر تجاهى بقلق وانزعاج وصاح «هل حاصرتونا ايضا من اتجاه جاردن سيتى»، ايقنت فى تلك اللحظة ان الزخم السياسى اقوى من اية مؤسسات، وان مصر تمر بلحظة فارقة فى تاريخها.
كأى مواطن معنى ومتابع للمصلحة العامة منذ الجامعة وخلال عملى بالخارجية المصرية، استمررت فى متابعة الموقف لحظة بلحظة، إلى ان جات اللحظة التى حولتنى من متابع إلى مشارك يوم 2 فبراير 2011، وهى احداث موقعة الجمل، فما رأيناه مرئيا و على الاذاعات من همجية ووحشية، جعلنى أتسال فى حيرة وندم وتأنيب للضمير، كيف يمكن لجيلى ان يسلم مصرنا الحبيبة إلى الاجيال الجديدة بهذا الشكل وتلك الممارسة.
فى نفس هذا اليوم كان قد اجتمع عدد من الشخصيات العامة واصدرو بيانا من سبع نقاط لتحقيق الانتقال المنضبط للسلطة والاستجابة لمشروع بناء مصر الجديدة، فقمت بالاتصال بالدكتور نبيل العربى وابلغته اننى على استعداد لاضافة اسمى للبيان والانضمام إلى المجموعة و هو الامر الذى رحبوا به، وقد تشكلت المجموعة فى الاساس من 12 عضوا من الرجال والنساء، عرفت إعلاميا «بمجموعة الحكماء».
ويوم 5 فبراير بتفويض من المجموعة قام الدكتور كمال ابوالمجد والدكتور نبيل العربى بنقل افكارنا إلى اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية، والذى استمع باهتمام، قبل ان يرفض فكرة نقل سلطات الرئيس إلى نائبه ــ أى اللواء عمر سليمان نفسه ــ وإن كان قد و عد ببحث الافكار الاخرى دون الالتزام بشىء أو شرح أسباب عدم امكانية الاستجابة لهذه الطلبات سريعا، وقد نقلت الافكار بعد ذلك إلى رئيس الوزراء احمد شفيق وكان رد الفعل مماثلا.
قامت مجموعة الحكماء باجراء مناقشات حول هذه الافكارمع ممثلى الشباب ايضا، بمختلف توجهاتهم من اليسار إلى اقصى اليمين، ولم يحاول اى من الشباب الادعاء بانهم يمثلون الكل، بل اعترفوا بأن بينهم اختلافا فى الرؤى، حول مستقبل مصر، وانما ما يجمعهم الآن فى هذه المرحلة هو تمسكهم بضرورة ترك الرئيس الاسبق منصبه.
تجدر الاشارة ان الشباب الذى اجتمعنا معه لم يعلن موافقته على اقتراحات مجموعة الحكماء، لأنهم لم يكونوا مفوضين لذلك، و شعرت شخصيا انه هناك تباينا فى التكتيك المقترح لاحداث التغيير، الشباب يركزون على ضرورة ترك الرئيس منصبه، ويؤجلون النقاش حول الاجراءات الاخرى لما بعد، فى حين ان مجموعة الحكماء وضعت تلك الخطوات فى سلة واحدة متدرجة ضمانا لتحقيق الانتقال السلس من مرحله إلى مرحلة، حفاظا على مصر.
مع هذا اعرب الشباب عن ثقتهم فى مصداقية ووطنية اعضاء مجموعة الحكماء وطالبونا بعرض الافكار على السلطات المصرية، وهى افكار لم يكن الغرض منها ايجاد حلول وسط، وانما ضمان الانتقال السلس لمرحلة جديدة لبناء مصر المستقبل.
واثناء تلك النقاشات واصل نائب الرئيس عمر سليمان اتصالاته مع عدد من الرموز السياسية والشخصيات الآخرين، وكان ملفتا للنظر ان بعض الشباب اعتبروا هذه الاتصالات محاولة مرفوضة لتحديد الاجندة السياسية فى غياب شباب الشارع السياسى، وأكدوا على انه لا يمكن تجاهل موقف الشارع، والاعتماد فقط على القوة السياسية التقليدية، وقد تحقق لهم ذلك بالفعل من خلال اتساع المظاهرات خلال الايام التالية، والاخطاء المتكررة للحكومة.
وحاولت مجموعة الحكماء تهدئة الشباب بالتحرير بالنزول مجتمعين إلى الميدان يوم 4 فبراير، انطلاقا من مبنى جامعة الدول العربية، وقد استغرقنا اكثر من 40 دقيقة لعبور الميدان إلى المنصة، فى ظل ترحيب اغلب الشباب بنا، الى ان صعد الدكتور كمال ابوالمجد إلى المنصة، الذى لم يستطع استكمال كلمته، ازاء اعتراض الاغلبية على أى محاولة للوصول إلى ما وصفوه بحلول وسط، نتيجة لشعور الشباب بتنامى قوتهم السياسية، رغم عدم طرحهم أى متفق عليه بينهم للخطوات التالية.
وعلى المستوى الشخصى اتوقف دائما عند لحظة وجودى على كوبرى قصر النيل التى مثلت لى بدية النهاية النظام القديم، وكذلك عند البيان الأول للمجلس الاعلى للقوات المسلحة، الذى اعلن انه يقف مع الشعب، دون الاشارة مطلقا إلى الرئيس الاسبق او حتى الحكومة المصرية، وهو موقف تطور جذريا مع اعلان المجلس انه فى حاله انعقاد دائم.
فكانت مصر بين حكومة غير مسيطرة على الشارع وغائب عنها أى زخم سياسى، وقوات مسلحة تحاول ضبط الامور دون التصادم مع الشعب، والقوة الشعبية الجارفة، وانما غائب عنها التجربة السياسية التى تدفعها إلى تأمين مكاسبها والانتقال إلى اقامة نظام مستقبلى اكثر عدالة وشفافية واتساعا وجامعا لمختلف فئات الشعب الذى لم يكن يسعى الا إلى المشاركة فى تحديد مستقبله.
بعد تنحى الرئيس الاسبق سعت مجموعة الحكماء إلى مواصلة اسهامها فى وضع اسس نظام سياسى مصرى جديد، بوضع وثيقة «اعلان مبادئ المواطنة فى الدولة المصرية»، او طرح بعض الاحكام الدستورية التى يمكن ان تشكل اساسا للاجماع الوطنى، فعقدت العديد من الاجتماعات، مع شخصيات متنوعة ومتعددة، لتساهم فى تشكيل عناصر مختلفة لهذه البيانات.
وقد تزامن مع هذا الجهد، مساعى آخرين من مؤيدى او معارضى ثورة 25 يناير، لبدء مرحلة تمهيدية من «المرحلة الانتقالية المصرية»، وانما للاسف لم تنجح القوة السياسية و المفكرون فى تشكيل تجمع او فكر مشترك كحد ادنى لحوار مصرى مصرى نحو المستقبل، و من اكبر الاخطاء عدم التفاف المجتمع المدنى حول ضرورة وضع دستور جديد للبلاد يحدد الهوية والقاعدة السياسية لمصر المستقبل، قبل الدخول فى الممارسة الانتخابية السياسية الطبيعية، بكل ما تحمله من ايجابيات وسلبيات، فانتقلنا من ثورة إلى ثورة فى اقل من عامين، لاستعادة الطريق، سعيا لتحقيق طموحات وآمال شعب مصر العزيز فى المشاركة الفاعلة والحقيقية فى تحديد و تأمين مستقبله.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك