محمد عمار يكتب: ساعات الأمل واليأس فى انتظار من لا يجىء من الطائرة المنكوبة - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 3:46 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

محمد عمار يكتب: ساعات الأمل واليأس فى انتظار من لا يجىء من الطائرة المنكوبة

أهالي ضحايا الطائرة المصرية المفقودة في مطار القاهرة- تصوير أحمد عبدالفتاح
أهالي ضحايا الطائرة المصرية المفقودة في مطار القاهرة- تصوير أحمد عبدالفتاح

نشر في: الأربعاء 25 مايو 2016 - 9:52 ص | آخر تحديث: الأربعاء 25 مايو 2016 - 11:41 ص

- لو عرف مروجو الشائعات كيف يتلاعبون بعواطف أهالى الضحايا لتساقطت وجوههم خجلًا

- تتوالى اتصالات عن العثور على أحياء فى إحدى الجزر اليونانية.. فينفتح باب الأمل على مصراعيه

(١)


تتناقل وسائل الإعلام المختلفة هذا الخبر المرير عن اختفاء طائرة مصر للطيران ــ تتوه تفاصيل الخبر للوهلة الأولى، وينشغل الفكر فى مصير الطائرة وركابها.

تتدافع الأسئلة، وتتصارع الاحتمالات.. تبدو كارثة حقيقية، مُحزنة ومؤلمة.
أول ما يخطر على البال، دعاء لأن يكون الله فى عون من كانوا فى الطائرة وذويهم
تمر الدقائق طويلة، ثقيلة.. أتنقل بين وسائل الإعلام المختلفة لمعرفة أى تطورات.

(2ـ)


يباغتنى اتصال تليفونى، لا أجيب من المرة الأولى، فقد انشغل الفكر بما هو أهم من دردشة تليفونية.

يلح الصديق ويعاود الاتصال.. لاشك أن الأمر مهم، أرد على عجل، سلام وسؤال عن الحال.. لا يبدو أنه جوهر المكالمة.

لحظات صمت أتوقع فيها ماهو غير مبشر.

يقطع الصديق الشك باليقين ويسأل: «انت عارف إن عمك ناصر على الطيارة؟».

تدور الدنيا.. وأتوقف بالسيارة فى منتصف الطريق، أسأل وأنا أعرف الإجابة: طيارة إيه؟..

ــ انت متأكد؟.. أسأله وأنا أجاهد لأصل إلى جانب الطريق بعد أن تعالت حولى أصوات أبواق السيارات.
ــ «أيوا هى رقم الرحلة بتاعته والاسم موجود فى الكشف، اخويا زميله فى الشركة وهو فى المطار دلوقت، واتأكد من اسمه فى الكشوف، هما مش عارفين يتواصلوا مع حد من أهله، أنا اسف انى ببلغك بس لازم تعرف».

يستمر فى سرد التفاصيل، لكن حالة من الذهول لم تجعل كل ماقاله يبدو مستوعبا.. الموضوع من الأساس غير قابل للتصديق.
لا أذكر كيف انتهت المكالمة، ولا أدرى كيف وصلت إلى مقر عملى، كنت أمسك بهاتفى أقلب بين الأسماء المسجلة، لا أعرف عن أى اسم أبحث. تواصلت مع زملاء أكدوا أن المعلومات المعلنة هى فقط المتاحة، لا جدوى من الذهاب للمطار، هكذا أكدوا لى، وهكذا أكدت على زوجته، لا داعى للذهاب إلى المطار.. سأوافيكى بأى تطور، لكنها لم تستطع الانتظار ولم استطع أنا كذلك.

لا شىء أصعب من الجلوس والانتظار.

هكذا فعلت السيدة هاجر، حين لم تجد الماء لوليدها اسماعيل، فسعت ذهابا وإيابا فى نفس المكان بحثا عما كانت تعرف أنها لن تجده.

الخبر أقوى من أن يترك مجالا لحسابات العقل.

متابع.. متعاطف.. يقذف بك القدر فى لحظة لقلب العاصفة، فتتصارع الأمانى والمخاوف.

 

(٣)


فى صالة (٤).. يهرول الأحبة بحثا عن إجابات تريح قلوبهم، تعلقت العيون المغموسة فى أنهار الدموع بشاشات التلفزيون ــ المصدر الوحيد للمعلومات ــ هناك.

تضرعت القلوب المحترقة لله: يارب استر، يارب ارحم، ولدى يارب، أبى يارب، زوجى يارب، أخى يارب، بنتى يارب…
عقول تائهة، مشتتة، تتلاعب بها الظنون.

تتسارع دقات القلب حين تتباطأ دقات الساعة.

تعلن اليونان عن العثور على أجزاء من الحطام.

تنهار زوجة أحد الضحايا وتصاب بالإغماء.

همهمات شجن، يعلو نحيب محمود الشاب العشرينى، ينادى أخويا ناصر.. اه يا اخويا.

أغالب دموعى، أحاول تهدئته بقلب مفطور.

أواصل الحديث عن أن الجلوس فى المطار لن يفيد، الجميع يوافقنى الرأى لكن لا أحد تحرك، ولا أنا.

وصل جدى حمدى، مستندا على عصاه وتمتد إليه الأيادى لتساعده على السير لكنه يتجاهلها، أو لا يراها.

قال بصوت راسخ: إن كان مات الله يرحمه، كلنا بنموت، بس حد يقولنا الحقيقة، ليه الكدب؟

بدأت الشائعات تتناثر وتتكاثر منذ الصباح.. تكهنات وتوقعات، وافتراضات تنتشر كأنها حقائق مؤكدة.

لو يعرف هؤلاء الذين روجوا الشائعات كيف تلاعبوا بعواطف أهالى الضحايا وقلوب محبيهم، لتساقطت وجوههم خجلا من أنفسهم، إن كانوا يشعرون.

أبواب أمل زائفة، يفتحونها أمام قلوب مفجوعة تبحث عن فرصة للتفاؤل، وسط ما يفرضه العقل والمنطق من احتمالات أفضلها سيئ.

بدا جدى حمدى لأول وهلة متماسكا كعادته، يردد: «محدش بيموت ناقص عمر، الموت علينا حق»، يواسى من فقد أعصابه أو غلبه حزنه ممن حضر، أو ربما يواسى نفسه.

ظل متماسكا حتى تلقفته كاميرات الفضائيات عند خروجه من القاعة، عندها ظل ينادى: «ولدى وين؟».

 

(٤)


تنفى مصر العثور على أى جزء من الطائرة، فتتنفس زوجة عم ناصر الصعداء، يراودها الأمل من جديد، لعله فى جزيرة من جزر اليونان، الآن، يدعم احساسا أنها عندما اتصلت به فى الساعة الخامسة والربع صباحا رن هاتفه رنة كامله.

تتوالى اتصالات يردد أصحابها حكاية العثور على مجموعة أحياء فى إحدى الجزر اليونانية، ينفتح باب الأمل على مصراعيه، لكن بمرور الوقت يقفل هذا الباب شيئا فشيئا، لكن ليس تماما.

رزق الله عم ناصر بخمسة أطفال، أصغرهم مريم التى لم تكمل عامها الثانى، لعل الله يعيده من أجلها.

ــ «عمو انت رايح تجيب بابا من المطار»، قالها محمد ناصر، لعمه قبل ذهابه للمطار فى اليوم الثانى.

ظننت أنه سينسى إجابة عمه، لكنه قال لى بالأمس وهو يضحك ببراءة مستغربا، «بابا وقعت بيه الطيارة وازاى عمو بيقولى رايح يجيبه.. إزاى؟».

لكن ملك، بملامهحا الملائكية البريئة، وضحكتها الصافية، ربما لم تمكنها سنواتها العشر من استيعاب ما حدث.

الله كبير، لعله يختبر حبنا له، لعله أراد أن يرينا كيف ينجى المؤمنين.

عم ناصر، كريم، بار، واصل الرحم، صديق، صادق، تقى، نقى، هادئ، وكأن الله خصه بخصال الأنبياء.

لله حكمه، إن عجزت عقولنا عن فهمها، فنسأل الله أن يثبت قلوبنا.

اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك