الدول التى لا تنمو بشكل كاف لتشغيل مواطنيها هى عرضة بشكل أكبر للاضطرابات السياسية والثورات، وهذا يعنى أن قادة مؤسسات الأعمال لهم دور مهم فى إنقاذ الدول من الاضطرابات، عن طريق توفير بيئة عمل جيدة وجاذبة ودعم مؤسساتهم لتصبح أقوى وأقدر على المنافسة فى السوق العالمية، هذا ما استنتجته مؤسسة جالوب العالمية لاستطلاع الرأى.
وترى «جالوب» أن أداة الشركات للحصول على أنصبة أكبر من هذه السوق، هى مضاعفة شعور العاملين بالانتماء لمؤسساتهم، حيث وجدت جالوب أن المؤسسات التى تضم عاملين أكثر انتماء وإخلاصا، تحقق جودة وأرباحا وإنتاجية أعلى، ومعدلات حوداث وتغيب وسرقة وفساد أقل، مقارنة بالمؤسسات التى تضم عاملين أقل انتماء.
وعبر استطلاع رأى أجرته جالوب فى 142 دولة حول العالم، وُجد أن 13% فقط من العاملين هم من يمكن اعتبارهم «مرتبطين» بأعمالهم، بينما صُنف 63% من العاملين على أنهم غير مرتبطين بالعمل، أما باقى العاملين، 24%، فهم منفصلون أو منسحبون من العمل.
ووفقا لتعريف جالوب فإن العاملين المرتبطين أو المشاركين هم الفئة التى تحب عملها وتشعر باتصال عميق مع مؤسستها وهى الفئة التى تقود الابتكار داخل المؤسسة وتدفعها للأمام، أما الفئة الثانية من العاملين، وهى الفئة الغالبة حول العالم، فهى فئة غير المرتبطين ووصفتهم جالوب بأنهم يمشون نياما فى العمل، يعطون الوقت وليس الطاقة أو العاطفة أو الإبداع، بينما عرفت جالوب فئة المنفصلين أو المنسحبين بأنهم هذه الفئة التى تعبر عن استيائهم من العمل، وكل يوم عمل لهؤلاء هو تقويض لما حققه زملائهم «المرتبطون».
أى أن لكل عامل يبتكر ويدفع مؤسسته للأمام حول العالم هناك عاملان يوقفون ابتكاره ويعطلون نمو المؤسسة.

ويقدر معهد جالوب الخسائر الناتجة عن توظيف غير المنتمين«المنفصلين والمنسحبين»، فى الولايات المتحدة فقط بقيمة تتراوح بين 450 مليار دولار إلى 550 مليار دولار سنويا، وفى ألمانيا يُقدر هذا الرقم بين 151 و186 مليار دولار سنويا.
وليس غريبا أن دول الشرق الأوسط التى تعرضت لأعوام من الاحتجاجات هى من استحوذت على أعلى نسب الانسحاب من العمل، وأقل نسب الانتماء للعمل، وعلى سبيل المثال تبلغ نسبة العاملين المرتبطين بالعمل في سوريا «صفر»، كما احتلت تونس المرتبة الأولى فى نسبة الموظفين المنفصلين عن شركاتهم، تليها الجزائر فى المركز الثانى، ثم مصر فى المركز العاشر.
ووفقا لاستطلاع جالوب، فإن ثلث موظفى الشرق الأوسط، صرحوا بأنهم كانوا فى حالة من الغضب فى اليوم السابق للمسح، وهى أعلى نسبة فى العالم.
أما فيما يخص الحالة المصرية فقد قال التقرير، إن 13% من بين الموظفين المصريين مرتبطون بمؤسساتهم ويشتركون فى تطويرها ودفعها للأمام، وهو نفس المعدل العالمى، بينما 55% ليسوا إلا «سائرين نياما» كما سماهم التقرير، لا ضرر منهم ولا فائدة، و32% يضرون بالمؤسسات التى يعملون فيها ويعطلون عملها، وهذا يعنى أن مقابل كل موظفين يطوران مؤسستهما فى مصر هناك 5 زملاء يعطلونهما، و8 ممن أطلقت عليهم جالوب «السائرون نياما فى العمل».
إلا أن انخفاض الانتماء للمؤسسات ليس ظاهرة عربية فقط كما يظهر التقرير، حيث ذكر التقرير أن نسبة العاملين المنتمين فى الصين 6%، أى أقل من نصف المتوسط العالمى، ما يعنى أن الصين ستواجه مشكلة كبيرة فى اقتصاد يتزايد اعتماده على المستهلك المحلى، فالموظف المرتبط بالشركة هو الوحيد القادر على خلق المستهلك المرتبط.
على جانب آخر أوضحت سنوات الأزمة المالية فى أوروبا أن الإنجليز كانوا أكثر انخراطا فى العمل مقارنة بباقى الاقتصاديات الرئيسية فى أوروبا، حتى أفضل من ألمانيا قائدة اقتصاد اليورو، وذكرت جالوب أن حفنة من أفضل أماكن العمل فى العالم كانت فى إنجلترا، وهى الشركات التى تحتفظ بـ 9 عمال مخلصين بالمؤسسة مقابل كل عامل منفصل ومعوق للمؤسسة.
ونتيجة لهذه المعطيات قدمت جالوب استراتيجية جديدة لقادة مؤسسات العالم لزيادة الإنتاجية والكفاءة اعتمادا على دور أكبر للقوى البشرية داخل المؤسسات، عن طريق زيادة الولاء والانتماء للمؤسسة.
وتعتمد هذه الاستراتيجية على عدد من الأدوات أهمها اختيار المدراء على أساس قدرتهم على كسب ثقة الموظفين، حيث يعتمد ولاء الموظف للمؤسسة بنسبة 70% على سلوك المديرين.
كما حثت جالوب المدراء على الاهتمام بالجوانب الإيجابية لموظفيهم، بدلا من التجاهل أو الاهتمام بنقاط الضعف.
كما وجدت المؤسسة الدولية علاقة قوية بين زيادة اهتمام المؤسسة بصحة موظفيها وانتماء الموظفين للشركة، كما أنه بشكل معكوس، الموظفون المحبون لأعمالهم تقل درجة إصابتهم بأمراض الضغط والسكر والاكتئاب والنوبات القلبية، "اذا لم توفر المؤسسات الرعاية الصحية فعليها تحمل ضعف إنتاجية عامليها"، وفقا لتقرير جالوب.