قراءة فى كتاب «أكتوبر 73 السلاح والسياسة» لهيكل: معجزة البشر على جبهتى سيناء والجولان في أكتوبر 1973 - (5) - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 6:17 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قراءة فى كتاب «أكتوبر 73 السلاح والسياسة» لهيكل: معجزة البشر على جبهتى سيناء والجولان في أكتوبر 1973 - (5)

الرئيس السادات وكبار القادة في غرفة العمليات
الرئيس السادات وكبار القادة في غرفة العمليات
عرض - خالد أبوبكر
نشر في: السبت 25 أكتوبر 2014 - 10:42 ص | آخر تحديث: السبت 25 أكتوبر 2014 - 10:42 ص

- السادات حمل على كتفيه مسئولية قرار الحرب وامتلك شجاعة اتخاذه وهو يعلم أنه لم يكن اختياره الأول وإنما قراره الأخير

- استيقظ الرئيس وهو مشغول بنفس السؤال الذى نام به قبل ساعات: هل عرف العدو؟ وجاء الجواب بأن العدو قد عرف

- الرئيس يهاتف هيكل قبل مغادرة مقر القيادة ويكرر فى نفس واحد أكثر من ثلاث مرات: «الولاد ركبوا خط بارليف خلاص»

- فى الثالثة فجرًا كان مدير المخابرات العسكرية الإسرائيلية يتلقى من مصدره السرى رسالة تؤكد أن الحرب فى ظرف ساعات

- كانت الخسائر فى عملية العبور لا تصدق.. والسادات ومن حوله القادة يتبادلون النظرات ولا يكادون يتصورون ما جرى أمام عيونهم

- الخطر الأكبر خلال ساعات ما قبل ساعة الصفر كان من ضربة إجهاض يوجهها سلاح الطيران الإسرائيلى

فى صيف 1973، «كان القرار السياسى المصرى بالحرب على وشك أن يتخذ. وكانت هناك دوافع موضوعية أملته إملاء، منها: فشل كل محاولات الحل السلمى، ووصول الجبهة الداخلية إلى اللحظة الحرجة، بلوغ أقصى ما يمكن بلوغه من الاستعداد العسكرى. مع احتمال تآكل التأييد العربى والدولى لمصر، ما لم تثبت أنها قادرة على الحركة».

اقرا ايضاً:

قراءة فى كتاب «أكتوبر 73 السلاح والسياسة» لـهيكل : روايتى عن حرب أكتوبر تدور أساسا حول السادات (1)

قراءة فى كتاب «أكتوبر 73 السلاح والسياسة» لهيكل:مأزق السادات بعد رحيل عبدالناصر(2)

قراءة فى كتاب «أكتوبر 73 السلاح والسياسة» لهيكل: معركة السادات مع «مراكز القوى» والرهان على واشنطن للوصول للحل السلمى (3)

قراءة فى كتاب «أكتوبر 73 السلاح والسياسة» لهيكل: مصر عاشت نوعا من الانفصام بين السياسة والسلاح عام 1972 - (4)

ويرى الكاتب الصحفى الكبير، الأستاذ محمد حسنين هيكل فى كتابه «أكتوبر 73 السلاح والسياسة» أنه بالرغم من أن السادات لم يكن يريد الحرب، وقد كان شديد التحسب لمخاطرها العسكرية، ومن ثم السياسية، على رئاسته، وبرغم أن تكوينه العلمى والعملى لم يكن مما يتلاءم مع فكرة الحرب، وأن الجانب الذى عرفه وأغرم به فى الحياة العسكرية هو الجانب الاحتفالى، ففى وسط زحام المعركة، كان مهتما بالزى العسكرى الذى يرتديه كقائد أعلى للقوات المسلحة, وبرغم ذلك كله فإن «هناك حقيقة لابد من احترامها، وهى أن الرجل الذى كانت على كتفيه مسئولية القرار وهو أنور السادات ملك شجاعة اتخاذه وقد اتخذه عارفا أن تلك مقاديره، وأن قرار الحرب وإن لم يكن اختياره الأول، فهو قراره الأخير».

غلاف كتاب «أكتوبر 73 السلاح والسياسة» للكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل

يشتبك الكاتب الكبير مع أولئك الذين يدعون أن ما جرى فى حرب أكتوبر مجرد «مسرحية» قائلا: «من سوء الحظ أن بعض الذين كانوا يعرفون رغبة الرئيس السادات الملحة فى الوصول إلى حل سلمى، وبينهم من رأوا ولمسوا عن قرب ظواهر إقدامه، ثم إحجامه عن قرار الحرب أخطأوا فى تفسير الوقائع، وراحوا يخلطون بين التاريخ والمؤامرة فزعموا لأنفسهم وللناس أن قرار الحرب مسرحية متفق عليها. ومثل ذلك على وجه القطع ليس مجرد خطأ فى التفسير، وإنما هو أيضا سوء نية فى التأويل يستسهل نظرية المؤامرة ليفسر بها المستعصى على الفهم بالتحليل».

التنسيق مع سوريا

يتوقف «الأستاذ» فى الجزء الثانى من كتاب «أكتوبر73 السلاح والسياسة» عند التنسيق بين مصر وسوريا للدخول فى الحرب، فيقول إنه بفضل جهود الفريق أول أحمد إسماعيل (وزيرالحربية)، والفريق سعد الشاذلى (رئيس أركان) واللواء محمد الجمسى (رئيس هيئة العمليات)، فإن «التنسيق بلغ درجة عالية عبرت عن نفسها بين الجبهتين، فى خطة مشتركة تنتظر لمسات أخيرة لكن تصبح خطة مكتملة، وتنتظر قرارا سياسيا لكن تتحول إلى عمل عسكرى مقتدر».

ويشير فى هذا السياق إلى أن الاختيار الأول لموعد الحرب للقيادة المصرية السورية المشتركة كان مايو سنة 1973ـ وتأجل برجاء من الملك فيصل (ملك السعودية) يطلب زيادة الاستعداد، وكان الاختيار الثانى للقيادة المصرية ــ السورية المشتركة هو الأسبوع الأول من أكتوبر وهو الموعد الذى جاء ليفرض نفسه على الجميع.

فرحة الجنود المصريين بتحقيق معجزة العبور

ويوم 22 أغسطس 1973 التقى فى مبنى قيادة القوات البحرية المصرية فى قصر رأس التين بالإسكندرية وفد عسكرى سورى ووفد عسكرى مصرى، وكان لقاؤهما معا هو لقاء المجلس الأعلى للجيش المصرى والسورى، وهو المجلس الذى كان فى مهمته أن يضع اللمسات الأخيرة على الخطة.. ثلاثة عشر عضوا من الجانبين، وانضم إليهم اللواء بهى الدين نوفل ليقوم بأمانة سر القيادة العليا المشتركة للقوات المسلحة المصرية السورية، وتم الاتفاق على كل تفاصيل الخطة «بدر»، وتحديد المهام والواجبات المفروضة على كل جبهة من جبهتى ميدان القتال:

ــ القوات المصرية تعبر القناة، وتقتحم خط بارليف، وتتقدم حتى ترتكز على مضايق سيناء «40 ــ 50 كيلومترا شرق القناة» طبقا لما رسمته من قبل الخطة «جرانيت (2)»، ثم تقف متأهبة لرد هجمات إسرائيلية مضادة آتية بلا ريب.

ــ القوات السورية تندفع لتسترد هضبة الجولان وتحكم سيطرتها عليها بالكامل، وتشرف منها على الجليل الأعلى كله، ثم تتطور عملياتها وفق متغيرات الموقف بعد ذلك. وكانت توصية الاجتماع إلى القيادة السياسية العليا: أنور السادات وحافظ الأسد ــ بالنسبة لتوقيت المعركة هى الفترة من 5 إلى 11 أكتوبر. كانت خطط العمل العسكرى جاهزة لدى جهة الاختصاص بها، وهى وزارة الحربية والقيادة العامة. ثم إن خطط إعداد الدولة للحرب، فى مجالى الإنتاج والخدمات، قد تهيأت وهى بدورها الآن جاهزة لدى جهة الاختصاص، وهى مجلس الوزراء.

المفاجأة الكاملة

يصل بنا الفصل الثالث من الجزء الثانى من «أكتوبر 73 السلاح والسياسة» إلى مجرى الحوادث فى الشرق الأوسط بداية من صباح 6 أكتوبر 1973، فعلى الجبهة المصرية يقول «الأستاذ» استيقظ الرئيس السادات من نومه صباح يوم 6 أكتوبر فى الساعة السابعة والربع. وكان أول ما فعله أن مد يده إلى سماعة التليفون واتصل بالعقيد عبدالرءوف رضا، مدير مكتبه للشئون العسكرية فى ذلك الوقت، وكان قد انتقل فعلا ومعه مجموعة من ضباط أركان الحرب إلى مقر مؤقت يحتل ثلاث غرف فى بدروم قصر الطاهرة. وكان السادات مشغولا بنفس السؤال الذى نام به قبل ساعات: هل عرف العدو؟ وجاء الجواب بأن العدو قد عرف، وهذا ظاهر من رد فعله على الجبهة. وكان هناك تقرير مختصر جاهز، وقد أعد للرئيس حالما يستيقظ. ووصل التقرير فى أقل من دقيقة إلى غرفة نوم الرئيس.

ومن ضمن ما جاء فى التقرير المنشور بكامله فى الكتاب «ظهرت ردود فعل للعدو بصورة واضحة حيث نشط استطلاعه واستدعى الاحتياط ورصدت بعض مظاهر التعبئة العامة، لكن هناك جملة استوقفته ووضع تحتها خط وهى «تعتبر القوات الجوية الإسرائيلية حاليا جاهزة ومستعدة لتنفيذ مهام العمليات».

وهنا يعلق الكاتب الكبير: وهكذا «عرف» الرئيس «السادات» أن إسرائيل قد «عرفت»، وكان واضحا بالنسبة له أنه حقق سبقا على الأرض. ولكن الخطر الأكبر خلال الساعات القادمة وحتى ساعة الصفر هو الخطر الذى يمكن أن ينقض من الجو على شكل محاولة ضربة إجهاض يقوم بها سلاح الطيران الإسرائيلى. وكان هذا الهاجس هّما ثقيلا على فكره وأعصابه ولم يكن يعرف أن هذا الاحتمال قد استبعد، وأن هذه الضربة الجوية الوقائية لن تقع، لأن مجرى الحوادث. فى هذه الساعات كان يتخذ مسارا آخر فى تل أبيب وفى واشنطن.

ويواصل «فيما بين الساعة الثامنة وحتى الساعة العاشرة إلا ربعا من صباح يوم السبت 6 أكتوبر، كان السادات فى قصر الطاهرة وليس فى رأسه إلا سؤال واحد: هل توجه إسرائيل ضربة إجهاض بالطيران ضد الجبهة المصرية قبل الموعد المقرر لبدء الهجوم وبقصد تشتيت وبعثرة صفوفه؟ وفى نفس اليوم تقريبا، وفى بيت رئيسة وزراء إسرائيل كانت جولدا مائير ومعها مجموعة من أعضاء مجلس الوزراء المصغر يناقشون نفس السؤال تماما.

كان السادات مهموما بالسؤال. وكانت مائير مهمومة بالجواب، ومن الغريب أن ردها كان بـ: «لا» متوافقا بالضبط مع ما كان السادات يتمناه، وإن اختلفت الأسباب لدى كل منهما».

ويقول الكاتب الكبير أنه حوالى الساعة الثالثة من فجر يوم 6 أكتوبر، كان مدير المخابرات العسكرية الإسرائيلية الجنرال «زاييرا» يتلقى من مصدره السرى رسالة تؤكد أن الحرب فى ظرف ساعات، وأن هجوما مصريا سوريا تقرر مع آخر ضوء يوم 6 أكتوبر.

واتصل الجنرال «إيلى شاليف» (مدير التقديرات العسكرية ومساعد إلياهو زاييرا، مدير المخابرات العسكرية الإسرائيلية) على الفور تليفونيا بكل من وزير الدفاع «موشى ديان» ورئيس الأركان «دافيد اليعازر» ورئيسة الوزراء «جولدا مائير»، وأخطرهم جميعا بالرسالة التى وصلته من مصدره السرى الموثوق.

وفى الساعة الخامسة والربع صباحا، اجتمعت هيئة أركان الحرب، وحضر اجتماعها الجنرالات «اليعازر» و«زاييرا» و«بن يمين بيليد، قائد الطيران» و«ايزرائيل تال نائب رئيس الأركان» وعدد آخر من كبار الضباط من المخابرات والعمليات، ولم يحضر قواد المناطق. وكان رأى الجنرال «زاييرا» مدير المخابرات مازال يتجه إلى أن احتمال وقوع الحرب فعلا لا يزال ضعيفا رغم ما أكده مصدره السرى. وقد أشار إلى أن هذا المصدر سبق له أن أعطى إنذارات مبكرة لم تتحقق، وقد يكون إنذاره هذه المرة من نفس العينة. لكن رئيس أركان الحرب «اليعازر» رفض هذا الرأى بشدة واقترح على المجتمعين أن يصدروا توصية بإعلان التعبئة العامة ودعوة الاحتياطى وإصدار الأوامر إلى كل قوات الدفاع المدنى بأن تكون مستعدة.

وعندما انضم ديان لاجتماع هيئة أركان الحرب، وقع تباين فى الآراء بين وزير الدفاع ورئيس الأركان. فقد عاد الجنرال «اليعازر» يلح على إعلان حالة التعبئة العامة القصوى، وهى تقتضى استدعاء مائتى ألف من جنود الاحتياط فى أول دفعة، كما اقترح أيضا عدم الانتظار وتوجيه ضربة جوية وقائية ضد مصر وسوريا، أو على الأقل ضد سوريا أولا. وخالفه الجنرال «ديان» الذى أصر على الاكتفاء بتعبئة جزئية، كما استبعد تماما فكرة الضربة الوقائية. وإزاء تمسك كل منهما برأيه فقد تقرر عرض الأمر على رئيسة الوزراء فى الاجتماع الذى دعت إليه فى الساعة السابعة صباحا، وتأجل إلى الساعة الثامنة بناء على طلب «ديان».

وحينما بدأ ذلك الاجتماع وعرض كل من «ديان» و«اليعازر» وجهة نظره، كان أول تعليق لـ«جولدا مائير» هو قولها «يا إلهى، هل يعنى ذلك أنه على أنا أن أقرر أيكما على صواب وأيكما على خطأ؟» وقد توصلت «جولدا مائير» ووافقها بقية وزرائها على حل وسط: وقفت مع وجهة نظر رئيس الأركان وتوصيته بضرورة إعلان حالة التعبئة العامة ودعوة الاحتياطى، ووقفت مع وزير الدفاع فى رفض القيام بضربة جوية وقائية وقد التفتت إلى الجنرال «اليعازر» وقالت له طبقا لنص المحضر الذى جرى ضمه إلى ملفات تحقيقات لجنة «أجرانات»:

الانهيار يبدو علي جولدا مائير بعد خبر العبور

ــ «داود (دافيد) إننى أعرف كل الحجج التى ترجح خيار توجيه ضربة وقائية، ولكنى ضدها. إننى لا أعرف، ولا أحد بيننا يعرف ماذا يخبئ لنا المستقبل، ولكن هناك دائما احتمال أننا سوف نحتاج إلى المساعدة. وإذا بدأنا نحن بالضربة الوقائية فلن يقدم لنا أحد أى نوع من أنواع المساعدة. إننى أريد أن أقول نعم للضربة الوقائية لأننى أعرف أننا بغيرها قد نتحمل خسائر لا لزوم لها، ولكنى بقلب مثقل سوف أقول لا».

وبعد انتهاء اجتماعها بوزرائها وقوادها، عادت «جولدا مائير» مرة ثالثة إلى الاتصال بالولايات المتحدة، ومن خلال السفير الأمريكى فى تل أبيب «كينيث كيتنج»

وبادرت «جولدا مائير» السفير الأمريكى بقولها: «إن إسرائيل تواجه موقفا عصيبا، فهناك هجوم مصرى سورى موجه إلينا فى ظرف ساعات. والموعد المحدد له هو مساء هذا اليوم. وكان بيننا من رأوا ضرورة أن نوجه ضربة وقائية ضده تستبق أهدافه وتعاقب مدبريه، ولكننا آثرنا فى النهاية ضبط الأعصاب لأننا لا نريد أن نكون البادئين بالهجوم. وقد اتخذنا هذا القرار ونحن نفكر فى الولايات المتحدة وتصميمنا على أن يكون موقفنا واضحا أمامها بغير شبهة شك. وأنا أريد أن يصل هذا الكلام فورا إلى الرئيس نيكسون».

وعلى الفور وصلت صرخة مائير إلى كيسنجر الذى يسرد الكتاب تفاصيل اتصالاته المحمومة بالقاهرة وتل أبيب وموسكو لمنع نشوب الحرب، أو على الأقل التحقق من نوايا المصريين والسوريين، فيما كانت الاستعدادات المصرية والسورية ماضية فى طريقها لتحرير الأرض.

معجزة البشر

الفصل الثالث من «أكتوبر 73 السلاح والسياسة» يتحدث عن معجزة البشر على جبهتى قناة السويس والجولان، فيقول الكاتب الكبير «فى الساعة الواحدة من بعد ظهر يوم السبت 6 أكتوبر وصل الرئيس السادات إلى المركز رقم «10» مقر القيادة الرئيسى للعمليات. وقد توجه فور وصوله ومعه الفريق أحمد إسماعيل إلى مكتب القائد العام وهناك قضى بضع دقائق ألقى فيها نظرة على خرائط التخطيط، واهتم بالسؤال عن مواقع القطع البحرية التى تحركت قبلها بأيام فى البحر الأحمر وفى البحر الأبيض، ثم سأل عن أعداد قوات الصاعقة التى تسللت إلى سيناء بالأمس لإبطال عمل مواسير اللهب السائل الذى كان معروفا أنه بند رئيسى فى الخطة الإسرائيلية لعرقلة أى عبور.

وكان هذا البند فى الخطة الإسرائيلية من أهم وأخطر العقبات المضادة التى رتبت لها إسرائيل. فلو أن هذه المواسير ظلت سليمة وتدفق ما فيها من لهب سائل، واشتعل حريقا فوق مياه القناة، لكانت تلك ضربة مزعجة لموجات العبور المصرى الأولى، وخصوصا أنها تستعمل قوارب مطاطية لحمل مقاتليها من ضفة إلى ضفة أخرى عبر هذا المانع المائى الكبير.

ولم تكن الإجابة التى تلقاها الرئيس قاطعة. فالثابت لدى القائد العام أن قوات الصاعقة «دخلت» لمهامها، ولكن نجاحها فى تحقيق مهمتها لن يتأكد خبره إلا عندما تبدأ عملية العبور فعلا. ذلك أن هذه الوحدات من الصاعقة مأمورة بالتزام صمت لاسلكى كامل.

ودخل السادات إلى قاعة العمليات فى الساعة الواحدة والنصف وكانت القاعة شحنة من الأعصاب امتزج فيها الأمل والقلق والعلم والإيمان. فقد أحس كل من فيها من القادة والضباط وعددهم يزيد على المائة أنهم يعيشون لحظة فاصلة فى تاريخ وطنهم، وأن أقدارا كثيرة سوف تكون معلقة بما يجرى فى هذه القاعة صادرا عنها إلى ميادين القتال أو واردا إليها من هناك.

ــ وفى الساعة الثانية بعد الظهر كانت الأنظار فى القاعة كلها متجهة إلى الجزء الخاص بالقوات الجوية. وكانت الإشارات قد وصلت بأن قوات الضربة الجوية الأولى، وقوامها مائتا طائرة، قد عبرت على ارتفاع منخفض فوق قناة السويس قاصدة إلى تنفيذ المهمة الأولى فى العملية. ثم بدأت الإشارات تترى بأن طائرات هذه القوة بلغت أهدافها وبدأت تنفيذ مهامها بنجاح فاق ما كان منتظرا، فقد تم ضرب مراكز قيادة ومواقع رادار ومناطق حشد وعقد مواصلات وقواعد جوية.

ــ وفى الساعة الثانية وعشر دقائق كانت الأنظار فى القاعة متجهة إلى الجزء الخاص بالمدفعية. وفى نفس اللحظة كانت فوهات ألفى مدفع من مختلف العيارات والطرز تضرب بكل قوتها بعيدا وراء خطوط العدو لقطع عمقه عن جبهته، وتدمير ما يمكن من منشآته المتقدمة، وتشتيت ما هو مجتمع من حشوده. وتلا ذلك قصف ستمائة مدفع ركزت على مدى قصير بضرب منشآت وتحصينات خط بارليف.

ــ وفى الساعة 2.25 بدأت قوارب المطاط تنزل فى القناة بجنودها تحت وابل من نيران العدو الذى بدأ يفيق من المفاجأة. ومع ذلك فإنه فى ظرف عدة دقائق كان على صفحة القناة ما يقرب من ستمائة قارب مطاطى فى كل واحد منها ثمانية مقاتلين، وقد راحت تشق طريقها إلى الضفة الأخرى وسط عاصفة من النار.

وفى هذه اللحظة تأكد أن مجموعات الصاعقة التى دخلت بالأمس قد نجحت فى تعطيل عمل مواسير اللهب. وكان نجاحها فائقا إلى درجة أنه لم يظهر لأى واحدة منها أثر على الإطلاق فوق مياه القناة.

ــ وفى الساعة الثالثة والنصف كانت قوات المهندسين تعبر فى وحدات بحرية خاصة جهزت بالخراطيم. وكانت المهمة الموكولة إليها هى فتح الثغرات فى الساتر الترابى على الضفة الشرقية من القناة.

ــ وفى الساعة الخامسة والنصف كان حجم القوات شرق القناة قد وصل إلى 2000 ضابط و30000 جندى. (قام الرئيس «السادات» مرة أخرى قاصدا إلى مكتب القائد العام ليتلقى مكالمة تليفونية له من «بريجنيف», رئيس مجلس السوفييت الأعلى لكن الاتصال لم يتم لسبب غير واضح. وقد انتهز الرئيس فرصة وجوده فى مكتب القائد العام فاتصل ببيته بالجيزة وبـ«محمد حسنين هيكل» فى مكتبه بالأهرام.

ــ وفى الساعة السادسة والنصف كانت عملية فتح الثغرات فى الساتر الترابى قد حققت جزءا كبيرا من مهامها، وبدأ تركيب كبارى العبور، وراحت الدبابات تتقدم على أول كوبرى جرى تركيبه.