فى حوار مع «الشروق».. المستشار طارق البشرى يحلل أزمة القضاء - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 11:58 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى حوار مع «الشروق».. المستشار طارق البشرى يحلل أزمة القضاء

طارق البشرى مستشار -تصوير جيهان نصر
طارق البشرى مستشار -تصوير جيهان نصر
حوارــ محمد بصل:
نشر في: الجمعة 26 مايو 2017 - 10:51 ص | آخر تحديث: الجمعة 26 مايو 2017 - 11:06 ص
• قانون رؤساء الهيئات جزء من محاولات احتواء المؤسسات الوطنية.. ولن يفيد من صنعوه
• القانون ينتهك الدستور ويعتدى على استقلال السلطة القضائية وفى الوقت نفسه لا يمكّن السلطة التنفيذية من السيطرة
• أهداف القانون أبعد من الشخصنة.. والشائعات التى تردد عن أقدم نواب النقض ومجلس الدولة غير صحيحة
• لا أعتبر موقف القضاة تراجعا عن المعارضة.. وليس مطلوبا من القاضى بعد صدور القانون أن يضرب أو يمتنع عن تنفيذه
• القضاء مشكل من وحدات صغيرة مستقلة يصعب التحكم فيها رأسيا.. والدليل قرار عمومية مجلس الدولة
• تغيير طريقة اختيار رئيس «الدستورية» مكسب لا يجوز الردة عنه.. وفارق كبير بين ظروف أزمة 2005 والآن
• الأزهر يجدد خطابه الدينى باستمرار وحيوية ومن يدعون العكس ليسوا مطلعين على أدبياته.. ومشروع تعديل قانونه يهدف إلى «تمييعه»
• نواجه رغبة فى الهيمنة على بعض الأجهزة وسلب قدراتها الذاتية لمنعها من ممارسة أساليبها المهنية
فى كل أزمة تقع بين القضاء والسلطتين التنفيذية والتشريعية، يكون للفقيه القانونى المستشار طارق البشرى صوت مسموع وموقف واضح داعم لاستقلال السلطة القضائية، محذرا من المساس بالحدود التى رسمها الدستور لكل سلطة أو مؤسسة حتى لا تتعدى سلطة أو تهيمن على غيرها.
ومواقف المستشار البشرى لا تنبع فقط من كونه قاضيا إداريا كبيرا له بصمات فى تاريخ مجلس الدولة بأحكامه وفتاواه، لكنها أيضا حصيلة نشاطه وإنتاجه كمؤرخ ومفكر تناول بالتحليل والتفكيك العلاقة بين السلطة القضائية والأنظمة السياسية الحاكمة المتعاقبة فى أكثر من مؤلف، أبرزها كتاب «القضاء بين الاستقلال والاحتواء» الذى صدرت طبعته الأولى فى مايو 2006 فى خضم الأزمة الشهيرة بين نادى القضاة ووزارة العدل على خلفية أحداث انتخابات مجلس الشعب 2005.
وفى الأزمة الأخيرة لقانون تنظيم تعيين رؤساء الجهات والهيئات القضائية؛ وقف البشرى ــ شأن معظم شيوخ القضاة ــ معارضا صدوره، لكن رؤيته لسياق صدوره تختلف عن التفسير السائد فى أوساط القضاء، فهو يرى أن القانون يرمى إلى ما هو أبعد من إقصاء قاض أو اثنين من رئاسة جهة قضائية، ويشرح بشكل مفصل أسباب توقعه لفشل القانون فى تحقيق أهدافه.
• بداية؛ ما قراءتك لظهور ثم صدور قانون تنظيم تعيين رؤساء الهيئات القضائية فى ظل المشهد التشريعى الحالى والعلاقة بين السلطات الثلاث؟
ــ هذا القانون خطوة أساسية ودليل كبير على انتهاك السلطتين التنفيذية والتشريعية لاستقلال القضاء، فالمقصود به ببساطة اشتراك السلطة التنفيذية عن طريق رئيس الجمهورية ــ وهو رئيسها ــ فى تعيين رؤساء الجهات والهيئات القضائية، بما يعنى أن يكون عنصرا مرجحا للرؤساء الذين يتم اختيارهم، فى صورة للهيمنة على السلطة القضائية والمشاركة فى إدارتها، وهذا لا يجوز دستوريا أو قانونيا أو ديمقراطيا أو فكريا.
والقضاة لم يدخروا وسعا فى التصدى للقانون عندما كان مشروعا، وحشدوا كل إمكانياتهم من خلال الأندية والجمعيات العمومية والمجالس العليا للتعبير عن رفضهم له، وهذا يكفى القضاة فخرا، ومع ذلك أصدره مجلس النواب وصدق عليه رئيس الجمهورية، رغم أنه بدا بشكل صريح وقوف القضاء كله ضده.
وبالتالى نحن أمام أمرين؛ الأول هو العدوان على استقلال السلطة القضائية، والثانى هو العدوان على اتجاه القضاة للمحافظة على استقلالهم.
• لكن بعض المراقبين يرون أن تحرك القضاة فى الأزمة الموازية لانتخابات 2005 ثم تحركهم ضد عزل النائب العام ومشروع خفض سن التقاعد عامى 2012 و2013 كان أقوى بكثير من موقفهم فى الأزمة الأخيرة، فما تفسيرك لهذا التراجع فى وتيرة المعارضة القضائية؟
ــ لا أعتبره تراجعا، فبعدما صدر القانون سكت القضاة وطبقت معظم الهيئات ما ينص عليه من ترشيح 3 من أقدم 7 قضاة ليختار رئيس الجمهورية أحدهم، وهذا موقف أتفهمه من القضاء، فليس مطلوبا من القاضى بعد صدور قانون يعارضه أن يضرب أو يمتنع عن تنفيذه، فهذا أمر يصعب القول به وقد يعتبر موقفا سياسيا، والقضاة تربوا ثقافيا على عدم الانتماء للمؤسسات السياسية، كما أن هناك فارقا بين تنفيذ القانون وبين أن ترحب به أو توافق عليه.
• وبم تفسر عدم مساندة النخب السياسية والقانونية للقضاء فى الأزمة، على عكس ما حدث بين عامى 2005 و2006 تحديدا؟
ــ آنذاك كنا فى نهاية فترة نظام حاكم، وكانت هناك تجمعات سياسية للمعارضة وإرهاصات لما حدث بعد ذلك فى 25 يناير 2011 وكانت حركة استقلال القضاء فى أوج نشاطها وعبر عنها نادى القضاة بشكل جيد وقوى وفعال، أما الآن فنحن فى ظروف أخرى تماما.. النظام السياسى مختلف وفى ذروة قوته، ومعارضته ليست متجمعة تنظيميا أو متبلورة فكريا.
• القضاء متهم دائما بأن طبيعته محافظة فلا يثور حتى إذا تعلق الأمر باستقلاله.. هل ترى هذا صحيحا؟
ــ الواقع أن القاضى بطبيعته محافظ لأنه يطبق القوانين الموجودة، لكن وهو يطبق القانون يجب أن يمنعه ضميره من الحكم بطريقة تتنافى مع العدالة فى المنازعات المختلفة، ولهذا فعلى القاضى فى تفسيره وتطبيقه للقوانين فى الحالات المنظورة أمامه أن يكون أكثر واقعية وتحقيقا للعدالة.
• ما تعليقك على رؤية البعض أن القضاء يكتسب قوته فى المجتمع من مساندة السلطة التنفيذية وأن هذا لعب دورا فى إضعاف موقف القضاة من الأزمة؟
ــ ليس صحيحا.. فالسلطة القضائية مستقلة عن السلطة التنفيذية، لكنها تتعرض لمحاولات احتواء. لدينا 3 سلطات كل منها مستقلة عن الأخرى دستوريا؛ التنفيذية والتشريعية والقضائية.. التنفيذية تملك وسائل العنف المشروعة كالسلاح والمال وفرض الضرائب مما يمكنها من فرض رأيها ولديها قوة ذاتية تمكنها من المحافظة على ذاتها، والسلطة التشريعية ــ نظريا ــ هى التى تملك الرأى العام وقوتها تأتى من مساندة الرأى العام لها مما يمنحها قوة سياسية تمكنها من التعبير عن نفسها وحماية ذاتها، أما السلطة القضائية فليس لديها مال أو سلاح لتستقل به عن غيرها وليس لها اتصال بالرأى العام يقويها أو يحافظ على استقلاليتها، لكنها تكتسب استقلاليتها سياسيا ــ وليس قانونيا ــ من التوازن بين السلطتين الأخريين.. فإذا امتلكت السلطة التنفيذية إمكانيات السلطة التشريعية كاملة فقد أحيط بالقضاء.
وإذا امتلكت السلطة التنفيذية إمكانيات السلطة التشريعية أو إذا أصبح التشريع معبرا فقط عن إرادة السلطة التنفيذية وإمكانياتها، يكون القضاء قد أحيط به.. هذا هو المشكل.
• هل يحقق هذا القانون ما وصفته بـ«احتواء القضاء» أو السيطرة عليه؟
ــ لن يحقق ذلك ويمكن توضيح السبب بمقارنة بسيطة بين تشكيل السلطات الثلاث.
السلطة التنفيذية مشكلة تشكيلا هرميا بحيث يستطيع رئيسها فرض كلمته على الأدنى منه، أما السلطة التشريعية فمبنية بشكل أفقى لأن للنواب جميعا أصواتا مثل بعضهم البعض إلا عندما تصبح السلطة التنفيذية مسيطرة على النواب فيخضع هذا التشكيل الأفقى لذلك البناء الهرمى.
أما السلطة القضائية فهى مشكلة من وحدات صغيرة تستقل كل منها عن الأخريات، فلا يستطيع أى منها أن يفرض رأيه إلا بالطريق القانونى.. بمعنى أنها مكونة من محاكم والمحكمة مكونة من دوائر، ولا يستطيع أحد من المحكمة نفسها أو من رئاسات القضاء أن يفرض رأيه أو موقف معين على أى محكمة ولو كانت محكمة جزئية، ولا يمكن إلغاء هذا القرار أو الحكم القضائى إلا فى صورة حكم أعلى بالاستئناف أو النقض بعد الطعن عليه.
وبموجب هذا القانون أصبح لرئيس الجمهورية أن يختار رؤساء الهيئات القضائية ويفرض رأيه ومشيئته باستبعاد بعضهم وتفضيل آخر.. فما الذى يملكه رئيس محكمة النقض على قاضى جزئى؟ لا شىء.. فالقاضى الجزئى يستطيع أن يحكم بما يشاء فى الدعوى المطروحة أمامه.. ولا يجوز لرئيس النقض أن يتصدى لها إلا عندما تصله بطريق الطعن.. ومجلس الدولة أيضا بهذا الشكل.
كما أن كل من رئيس محكمة النقض ورئيس مجلس الدولة يمارسان عملا قضائيا برئاسة دائرة، وفى هذه الدائرة لكل منهما صوت واحد من بين 5 أصوات.. ولو تجمع على الرئيس باقى الأعضاء لتغلبوا عليه ولم يصدر الحكم بما يراه، ولنطق الرئيس بحكم هو غير موافق عليه لكنه امتثل له احتراما للأغلبية.
فمن أعدوا هذا القانون لا يدركون هذه الحقائق.. ولا يفهمون أن رئاسات القضاء ليست لها السلطات المتاحة لرؤساء الأجهزة التنفيذية.
• ألا تنعكس شخصية رئيس الهيئة على طبيعة العمل بها، وهل يمكن أن تؤثر أفكاره السياسية أو الاجتماعية على زملائه؟
ــ لا يحدث هذا أبدا.. بل أتساءل: هل تغيرت سياسات مجلس الدولة ــ مثلا ــ بتغير وتنوع الرئاسات فيه؟ بالتأكيد لا.. مجلس الدولة عمره الآن 72 عاما تقريبا تولى رئاسته 34 قاضيا، منهم 3 فقط عاصروا قرارات مد السن فى عهد مبارك، أما متوسط فترة رئاسة الباقين للمجلس فهو أقل من عامين.. والأمر ذاته بالنسبة لمحكمة النقض التى يقل متوسط فترة رئاستها على مدى تاريخها عن عام و10 أشهر.
وبالتالى فنحن أمام وحدات مستقلة عن بعضها فى كل جهة قضائية.. ورؤساء يتولون مناصبهم فى نهاية العمر.. فهل يتصور أحد أن مثل هذا الوضع يفيد الحكومة أو يدفع القاضى لتقديم خدمات لها؟ لا أتصور ذلك.
ولذلك أنا أتعجب وأستغرب من صانعى هذا القانون.. هم يريدون السيطرة على السلطة القضائية، لكن الاستبداد يحتاج لمهارة أن تستطيع كسب نتائج دون أن يشعر الآخرون أنك مستبد.. أما فى الحالة الحالية فقد بدا صناع القانون وكأنهم أصدروا قانونا استبداديا رغم أنهم لن يستفيدوا منه شيئا.. وهذا ليس من المهارة فى شىء.
وهنا أتذكر أيام وزير العدل المستشار فاروق سيف النصر الذى حافظ على منصبه 16 عاما، وكانت إدارته على قدر كبير من الذكاء والحنكة والخبرة.. فكانت تحدث بعض الأمور التى تزيد مكاسب السلطة التنفيذية ولا تثير سخطا.. أما الآن فصانعو هذا القانون أثبتوا على أنفسهم أنهم ينتهكون الدستور ويعتدون على السلطة القضائية ويريدون فرض قدر من النفوذ عليها دون أن يحصلوا بعد ذلك على نتيجة مضمونة لهم بأن يسيطروا على القضاء.
• هناك تخوف من المتعاملين مع المحاكم أن يفتح القانون الباب لتغيير طبيعة الأحكام رغبة فى التقرب من السلطة التنفيذية؟
ــ من يريد التقرب من الحكومة طمعا فى منصب أو وظيفة معينة، فهناك مناصب أفضل وأفيد بكثير من رئاسته للهيئة القضائية، خاصة أن أحدا من القضاة لا يمكنه الجزم بشخصية السبعة الأقدم فى كل هيئة كل عام «مين هيعيش ومين هيقدر ومين هيستقيل ومين هيستمر» فهناك ظروف كثيرة قد تمنع القاضى عن الوصول لهذه الشريحة أو لشريحة أقدم ثلاثة.. وأتصور أن هذا القانون أثبت للقضاة أن حقوقهم وأعرافهم المستقرة والمكاسب التى حصلوا عليها أصبحت محل مساومة وشك.
• هناك من يرى أن معظم المكاسب التى ترسخت للقضاء خاصة على الصعيد المالى والإدارى هى استقلال بالقضاء وليس استقلالا للقضاء، وهناك انتقادات توجه لهم فى هذا الصدد حتى من الوزارات والأجهزة الحكومية.. ألا يؤثر ذلك على طبيعة عملهم؟
ــ المزايا الجماعية التى تمنح لفئة كاملة لا تؤثر على مدى استقلالية الإنسان الفرد فى عمله.. ربما تقلل هذه المزايا من حجم السخط أو عدم الرضا الهامشى المرتبط بالحياة العامة، لكنها لا تؤثر على الأداء المهنى للفرد.. والقول بأن القانون الأخير أو أى مشروعات أخرى بالرغبة فى تقليص تلك المزايا، مبرر غير واقعى لإخفاء دافع الاحتواء والهيمنة.
• بعض القضاة يعتبرون أن القانون ممتاز وأن بعض من يترأسون الهيئات فى سن 69 أو 70 سنة لا يكونون لائقين صحيا أو ذهنيا.. ما تعليقك على ذلك؟
ــ يقصدون بذلك أن الاختيار يؤدى إلى الاطمئنان للكفاءة التى قد لا توفرها الأقدمية.. وهذه محلولة فى القضاء.. لأن القرارات جماعية فى إدارة المؤسسة القضائية فالمجلس الأعلى للهيئة يتكون من 7 أعضاء، والرئيس بطبيعته يكون معتادا على المداولة والتشارك فى اتخاذ القرار من خلال عمله القضائى فى دائرته، وهذا ينعكس على طريقة اتخاذ قراراته الإدارية.
وكم من مرة اتخذنا ــ كأعضاء بالمجلس الخاص بمجلس الدولة ــ قرارات كان لا يقبل بها رئيس المجلس.. ويوما ما قلت لأحد رؤساء المجلس فى حالة معينة «احنا مستعدين نساعد الأقل كفاءة.. نكتب له أحكاما ونعينه على أداء مهامه من أجل أن نضمن ألا تتدخل إرادة فردية من خارجنا فى تفضيل شخص لا يستحق على شخص آخر هو الأحق بالأقدمية».
وما حدث فى الجمعية العمومية الأخيرة لمجلس الدولة يؤكد أنه لا يمكن السيطرة على الهيئات القضائية بواسطة رؤسائها، لأن القرارات تتخذ بشكل جماعى، فالجمعية اختارت أن ترشح الأقدم فقط، رغم أن الأقدم بنفسه كان يرى ترشيح أقدم ثلاثة أعضاء، وكان رئيس المجلس له رأى ثالث.
• مما أثير أيضا دفاعا عن القانون، أن القضاة لم يعترضوا طوال 4 عقود تقريبا على تعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا بقرار منفرد من رئيس الجمهورية؛ ما سمح لمبارك بتعيين 4 رؤساء متتالين للمحكمة من خارجها؟
ــ كانت هناك مطالبات بأن تصبح المحكمة الدستورية العليا كباقى الهيئات، وحدث هذا بالفعل عام 2011 وصدر قانون يعقد للجمعية العمومية للمحكمة سلطة اختيار رئيسها من بين أقدم 3 أعضاء، وتم النص على ذلك فى الدستور الحالى، وبالتالى فنحن بصدد مكسب تحقق لا يجوز التفريط فيه والارتداد للوراء.
• ما رأيك فى طريقة الترشيح التى اتبعتها معظم الهيئات القضائية بترشيح أقدم 3 بغض النظر عن مواعيد تقاعدهم؟
ــ هذا اتباع للعرف، وتعامل جيد وطبيعى مع القانون، لأن الأقدمية المطلقة مسيطرة على فكر القضاة فى اختيار رئاساتهم.
• إذا اختار رئيس الجمهورية القاضى الأقدم لرئاسة كل هيئة.. هل سيكون ذلك كافيا لإرضاء القضاة؟
ــ سيكون حلا سياسيا جيدا وليته يحدث.. ولكن لماذا كان القانون إذن؟ ولماذا هذه الضجة؟ ولماذا تتخذ صورة العدوان على السلطة القضائية أمام الداخل والخارج.. وحتى إذا تم اختيار الأقدم هذه المرة فعندما سيتم اختيار الأحدث فى أى مرة قادمة ستثار من جديد مشاكل هذا القانون.
• النص الخاص بتحديد فترة رئيس الهيئة بأربع سنوات لمرة واحدة.. هل يمكن أن نستشف منه أن يحدث تجاوز واسع للأقدميات فى المستقبل؟
ــ هذا النص غريب ولا أفهم أثره على الواقع، لأن الاختيار سيكون فى حدود أقدم 7 أعضاء، وفى الغالب السبعة يكونون موزعين على دفعة أو دفعتين فقط.. أى أن أقصى ما يمكن لكل منهم رئاسة الهيئة لا يزيد فى الغالب على سنتين، وبالتالى فلا أتصور أن له محلا.
وهناك مشكلة أخرى فى القانون هى عدم مراعاته لحالات الوفاة التى قد تقع فجأة، فالقانون قائم على إبلاغ رئيس الجمهورية بالترشيحات قبل موعد التقاعد بشهرين على الأقل، لكنه لم يقل كيف ستتعامل الهيئة ولا رئيس الجمهورية مع حالة الوفاة أى الخلو المفاجئ لرئاسة الهيئة، وهذا يوضح أن الصياغات والأفكار بشكل عام غير منضبطة وليست واقعية.
• هل تعتقد أن هذا القانون بداية لقوانين أخرى كخفض سن التقاعد الذى تم التلويح به أخيرا؟
ــ خفض السن سيؤدى للسخط العام داخل القضاء، كما سيغير الشريحة التى تعنى السلطة التنفيذية بالتعامل معها، فستكون أمام مجموعة من الرؤساء الجدد للهيئات، لا تستطيع أن تهيمن عليهم، ولن يتأثروا بشىء لأنه لا توجد ضغوط أكبر يمكن ممارستها عليهم.
• ما رؤيتك للقول بأن قضاة بعينهم مستهدفون بالاستبعاد من المناصب الرئاسية، وتحديدا المستشارين أنس عمارة بمحكمة النقض ويحيى دكرورى بمجلس الدولة؟
ــ أى شائعات تقال عن بعض القضاة أو انتماءاتهم تهدف للتبرير فقط، وهى غير صحيحة، فالقضاة ممنوعون من الانشغال بالسياسة أو الانتماء لحزب أو تنظيم، ولم نجد قاضيا ممن ترقوا فى مناصبهم إلى هذه الشريحة العليا من أقدم القضاة من انشغل بالسياسة، كما أن القضاة أيضا ممنوعون على المنصة من إبداء آرائهم السياسية.. وفى رأيى الأمر أبعد من الشخصنة ويهدف إلى احتواء القضاء بشكل خاص والمؤسسات الوطنية البارزة بشكل عام.. ويؤيد قولى ظهور مشروعات أخرى لتعديل قانون الأزهر وغيره من المؤسسات البارزة.
وأستطيع القول إن هناك رغبة من صانعى هذه القوانين فى السيطرة على مؤسسات القضاء والأزهر والإعلام حتى لا يكون لها قدرات ذاتية تؤدى إلى قيامها بعملها وفقا لتقاليدها وأساليبها المهنية.
• هل تقرأ مشروع تعديل قانون الأزهر الذى ظهر الشهر الماضى فى سياق إضعاف المؤسسات الوطنية؟
ــ نعم؛ لأنه قائم على فكرة تبديد القدرات الذاتية لهيئة لها تقاليد وعلم خاص بها وإمكانيات ضخمة، بما يؤدى لتمييعها، ولا يمكن قبول أن تشارك فى اختيار هيئة كبار العلماء جهات لا تعرف عن علم الأزهر وتراثه شيئا.
• مؤيدو المشروع ينتقدون ما يصفونه بـ«فشل الأزهر فى تجديد الخطاب الدينى» ويعتبرون إعادة صياغة هيئات الأزهر خطوة لتصويب وتجديد مخرجاته؟
ــ الخطاب الدينى يتم تجديده بشكل مستمر وحيوى خاصة منذ القرن التاسع عشر.. نعرف تجديد الخطاب الدينى من خلال مناهج الأزهر والعلماء المجددين للفقه وأحكام القضاء الشرعى والفتاوى.. من أين عرفنا الإسلام إلا من خلال الفقهاء والعلماء وجهود الأزهر على مدى قرون؟! إن أغلب من يقولون بالتجديد لا يعرفون معنى التجديد لأنهم ليسوا فقهاء ولم يطلعوا على كتب الشيخ المراغى والشيخ الغزالى أو أحكام المحاكم الشرعية أو مجموعات الفتاوى الصادرة فى مجلدات والمتاحة على الإنترنت.
• هل الأزهر يجدد نفسه وخطابه بشكل مستمر ويتواءم مع العصر؟
ــ وأنت فى موقع القضاء والإفتاء لا بد أن تكون مجددا لأنك أمام حالات واقعية أوسع من النصوص الثابتة.. فلا بد أن تجدد وتجتهد.. نحن لا ندعو للتجديد فقط بل نمارسه أيضا.. ثم يأتى مؤلفو الكتب ليعمقوا هذه الاجتهادات فى المسائل ويصبونها فى صياغات فكرية.
وأغلب رئاساتنا فى محكمة النقض ومجلس الدولة ذات الأثر الكبير فى تربيتنا وتفكيرنا كانت أساليبهم فى فهم وتفسير وتطبيق القانون الوضعى ناتجة عن فهمهم العميق للفقه الإسلامى وأدواته.. أى إنهم فسروا القانون الوضعى بأدوات الفقه الإسلامى.. حتى عبدالعزيز باشا فهمى (أول رئيس لمحكمة النقض) والذى كان يدعو فى مرحلة مبكرة لاستخدام الحرف اللاتينى بدلا من الحرف العربى كما حدث فى تركيا بعد انهيار الخلافة العثمانية.. وعندما بدأ يحكم فى القضايا استخدم أدوات الفقه الإسلامى ولجأ للمرجعين الشهيرين «الموافقات» للشاطبى و«الفروق» للقرافى.
وأتذكر موقفا رواه لى الفقيه مصطفى مرعى (عمل قاضيا ورئيسا لهيئة قضايا الدولة ووزيرا فى حكومات ما قبل 23 يوليو وكان من أعلام المحامين) مفاده أنه لما اختير قاضيا بمحكمة النقض أدى اليمين أمام الملك ثم ذهب مسرعا إلى منزل عبدالعزيز باشا فهمى وكان قد تقاعد.. فقبل يده وجلس بجانبه.. وأخبره بنبأ تعيينه وكان يهاب العمل رغم علمه الغزير.. فسأل فهمى النصيحة.. فأجابه متسائلا: «هل قرأت الموافقات للشاطبى؟» فأجاب مرعى بأنه لا يعرف هذا الكتاب.. فقال له فهمى: «هتحكم ازاى يابنى بدون قراءة الموافقات للشاطبى؟ هتكتب أسبابك ازاى؟ انت تخرج دلوقت على الصنادقية بالحسين تشترى الكتاب 4 أجزاء تذاكره 3 شهور وبعدين تيجى نتكلم».
والسر فى جودة أدوات الفقه الإسلامى أن القاضى أو المفتى يستطيع من خلالها التوصل لحلول مرنة جدا بمعايير منضبطة جدا حتى بالنسبة للقانون الوضعى.. فالمدارس الغربية مثلا تلجأ للأعمال التحضيرية للقانون.. ويقابلها فى أصول الفقه فكرة المقاصد واستقراء الأحكام، وهى أفكار حقق فيها علماء الأزهر بمؤلفاتهم وتطبيقاتهم تجديدا واسعا.


قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك