حكاية يوم في حياة «القيصر» بوتين - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 10:59 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حكاية يوم في حياة «القيصر» بوتين

بوتين
بوتين
أحمد محمود
نشر في: السبت 26 يوليه 2014 - 8:36 ص | آخر تحديث: السبت 26 يوليه 2014 - 2:21 م

يستيقظ الرئيس الروسى فلاديمير بوتين متأخرا ويتناول الطعام على عجل بعد الظهر. وهو يبدأ بأبسط طعام إفطار. وهناك باستمرار الجبن القريش. وحصته المطهوة أساسية باستمرار، وهى الأومليت أو العصيدة أحيانا. وهو يحب بيض السمان ويشرب عصير الفاكهة. ويأكل الطعام طازجا دائما، حيث ترسل سلال من أطعمته المفضلة بانتظام من مزارع البطريرك كيريل زعيم روسيا الدينى، بحسب التقرير الموسع الذى أعده الكاتب بن جودة ونشرته مجلة نيوزويك فى عددها الأخير.

يضيف التقرير الذى حمل عنوان «عدو الغرب رقم واحد» أن بوتين بعد تناوله الإفطار يتناول القهوة. ويستدعى المساعدىن والمستشارىن. لكن الساعتين الأوليين تستغرقهما السباحة. ويستمتع الرئيس بانفراده بنفسه فى الماء. وهو يلبس نظارات تمنع دخول الماء ويلقى بنفسه فى الماء ويبدأ سباحة الكرول بقوة. ويشير مساعدوه السياسيون إلى أنه يتوصل إلى جزء كبير من قراراته فى هذا الموضع.

تجلس الحاشية فى غرفة الانتظار المبطنة بالخشب المطلى باللاكر تتبادل النكات وتدردش. ونادرا ما يأتى إليهم بسرعة. وهم يقولون ربما أربع ساعات هى فترة الانتظار المعتادة لأى وزير. وهو يحب قضاء بعض الوقت فى الجيم حيث يستمع إلى الأخبار الروسية من الإذاعة والتليفزيون. وهناك يتمتع برفع الأثقال أكثر من دراجة التمرينات.

فى بعض الأحيان يقرأ بعد أن يعرق. وذلك لأنه يحب العمل حتى ساعة متأخرة من الليل. وهو يستدعى رجاله فى الساعات التى تناسب صفاء ذهنه تلك الساعات الباردة التى يكون فيها كل شىء أوضح. والكتب التى يراها أكثر تشويقا هى كتب التاريخ. وهو يقرأها باهتمام. ومنها كتب محترمة وعميقة عن إيفان الرهيب وكاثرين الثانية وبطرس الأكبر.

لكن أحيانا تطير الشائعات بأنه قرأ رواية. ففى عام 2006 يُقال إن الرئيس قرأ رواية مثيرة يهزم فيها رجال الطبقة العاملة الشيشان والشرطة ويستولون على مكتب الحاكم من اللصوص الفاسدين بالبنادق الآلية وهى رواية سانكيا لزخار بريليبين.

والآن هؤلاء الذين يدعون معرفة مخدعه يقولون إنه استمتع كثيرا بـ«الإمبراطورية الثالثة»، وهى رواية خيالية عن مؤرخ خيالى أمريكى لاتينى تدور أحداثها عام 2054 تروى استغلال القيصر فلاديمير الثانى الذى جمع كل الأراضى الروسية. لكن حاشيته يسعون لتوضيح أن الرئيس ليس بقارئ لمثل هذه الأعمال.

إنه يمضى وقتا فى استكمال نظافته. فهو يغمر نفسه بماء الحمام الحار والبارد. وبعد ذلك يرتدى الرئيس ملابسه. وهو يختار ارتداء البدل التفصيل ذات الألوان المحافظة. أما اختياراته من أربطة العنق فعادة ما تتسم بالبساطة الشديدة.

والآن تبدأ السلطة. فترة ما بعد الظهر خاصة بمذكرات الإيجاز. وغالبا ما يتم ذلك على مكتبه الخشبى الثقيل. وتلك مكاتب بلا ستائر. فالرئيس يستخدم فقط التكنولوجيات الأكثر أمنا، وهى ملفات حمراء ذات وثائق ورقية وتليفونات واريرا السوفيتية ذات الخطوط الثابتة.

يبدأ المعلم يوم عمله بقراءة ثلاثة ملفات سميكة مجلدة بالجلد. الأول تقرير عن الجبهة الداخلية وتقوم بتجميعه جهاز الاستخبارات الاتحادية، وهى الاستخبارات الداخلية. والثانى، وهو تقرير عن الشئون الدولية وتقوم بتجميعه الاستخبارات الخارجية. أما الثالث فهو تقريره عن القصر الجمهورى وتقوم بتجميعه هيئة الحماية الاتحادية، وهى جيشه الخاص بالحماية.

تستحوذ عليه المعلومات. فأسمك الملفات التى يطلبها ليست التقارير الاستخبارية، بل هى قصاصات الصحف. وتفتح يداه أول ما تفتح موجز الصحافة الروسية. وتأتى أهم الصحف فى المقدمة: صحف التابلويد واسعة الانتشار مثل كوسمولسكايا برافدا وموسكوفسكى كوزوموليتس. هذه هى الأهم بالملايين من قرائها. فعناوينها الرئيسية وأعمال القيل والقال بها وردود أفعالها على أحدث حادث قطار فى سيبريا تؤثر على الحالة المزاجية للعمال.

ينتقل بعد ذلك إلى صحافة روسيا رفيعة المستوى: الصحفيتان اللتان تخضعان لقدر بسيط من الرقابة فيدوموستى وكوميرسانت. وهاتان مهمتان داخل قصر الكرملين: فهذا هو قيلهم وقالهم وكُتابهم ومحللوهم. وهو يبدى اهتماما خاصا بالأعمدة المنتظمة عن فلاديمير بوتين التى يكتبها أندريه كوليسنيكوف فى الكوميرسانت. وتقول حاشيته إنه يستمتع بقراءة هذا الكاتب إلى حد كبير ودائما يقرأ حتى النهاية.

يأتى بعد ذلك الملف الأقل أهمية، وهو الصحافة الأجنبية. وتلك قصاصات يتم تجميعها فى كل من الإدارة الرئاسية ووزارة خارجيته. ولا تخفى الوزارة عنه الأخبار السيئة. فهم يحبون المباشرة، إذ لابد أن يعرف الرئيس كيف يشيطنه هؤلاء الأجانب. لكن لإرضائه، فهم يضمنون بعض المواد بالألمانية فى الأصل، وهى اللغة التى جعلته فترة إقامته فى درسدن أثناء عمله مع جهاز المخابرات السوفيتى (كى جى بى) منذ فترة طويلة طليقا فيها.

تنتظر الحاشية عند الباب ومن خلال وصلة فيديو يحب مشاهدتهم وهم يدردشون ويتلوون مللا، أو يلعبون بأجهزتهم الإلكترونية. لكنه يتجاهلهم ويواصل الاطلاع على التقارير.

نادرا ما يستخدم الرئيس الإنترنت. فهو يجد الشاشات المتداخلة والرسائل المتراكمة أمرا يبعث على الارتباك. ومع ذلك يعرض عليه مستشاروه بعض الفيديوهات الساخرة على الإنترنت، إذ لابد أن يعرف كيف يسخرون منه. وقد أصبحت حياته تتسم بالرسميات؛ موكب لا ينتهى من الغرف المذهبة. فروتينه مقسم إلى آلاف الوحدات زمن كل منها 15 دقيقة والمخططة لشهور، إن لم يكن لسنوات، مقبلة. وفى أعقاب استعراضه الصباحى تقدم له ملفات المواعيد التى تحمل صورة النسر. وبعد إلقاء نظرة عليها يتبع الخطة، دون ابتسامة أو فرح.

غالبا ما تكون تلك الاجتماعات غير ذات أهمية. فهناك من يأتون لمبايعته: استقبال ولى عهد البحرين، أو منح أوسمة برونزية لأبطال العمال، أو استعراض الترقيات فى إدارة صناعة الفضاء الاتحادية.

إنه لا يقيم فى موسكو. فهو يكره هذا المكان بما فيه من مرور مختنق وتلوث وتكدس بشرى. وقد اختار الرئيس القصر الموجود فى نوفو أوجاريوفو مقرا لإقامته. فالبيت هناك، إلى الغرب من المدينة بعيدا عن الأسوار الحمراء، والقصور الضخمة والمولات الضخمة هناك فى أرض المتنزهات الخاصة به.

المسافة بين القصر والحصن 24 كيلومترا. والطريق مغلق ويُخلى من أى مرور عندما يختار الرئيس الذهاب إلى موسكو. وهو يمكن أن يصل إلى الكرملين فى أقل من 25 دقيقة، بينما حركة المرور فى موسكو شديدة الازدحام.

إنه يكره المجىء إلى الكريملين ويفضل العمل فى ضيعته. وقد قلل من مقابلاته فى موسكو منذ عام 2012 إلى أدنى ما يمكن؛ لمقابلة علية القوم الذين لابد من إبهارهم، أو الاجتماعات الرسمية التى تتطلب تلك القاعات الفخمة ذات الثريات الكريستال والمرايا التى بطول شجر البتولا.

إنه يجد الذهاب يوميا إلى موسكو أمرا مزعجا.

الرئيس مشغول باستمرار حتى أيام السبت والأحد. وفى عطلات نهاية الأسبوع يصبح جدوله أكثر عشوائية؛ غير أنه فى بعض الأحيان تكون هناك جلسات دراسة بعد الظهر. غالبا اللغة الإنجليزية. إذ يساعده معلمه على تعلم الكلمات الصعبة ويغنيان أغنيات معا. وهناك أوقات أيام الأحد يُقال إنه يصلى فيها أو يقوم بالاعتراف. لكن أفراد الحاشية الذين على دراية بمكتب البطريرك يسعون لتوضيح أن حياته على الرغم من أنه ليس ملحدا وربما يكون مؤمنا ليس حياة مسيحى.

الرئيس يحب هوكى الجليد. فهذه هى رياضته المفضلة. وهو يرى أنها تتسم بالرشاقة والرجولة والمتعة. ويمارس الرئيس هوكى الجليد قدر إمكانه. وهو يحب لبس تلك الخوذة السميكة المريحة ويمسك مضرب الهوكى سريع الحركة. وهذا ما يتوق إليه القصر بشدة، حيث ينظم الرئيس مباراة لهوكى الجليد كل بضعة أسابيع.

علامة الحميمية، والدعوة الثمينة، والمناسبة التى يتباهون بها أكثر من غيرها فى مجتمع حكم القلة بروسيا حاليا، هى مشاهدة إحدى مباريات الهوكى للرئيس. وهؤلاء هم المقربون منه وأغلبهم مثله من سانت بطرسبرج، وهم الزملاء القدامى الذين يثق فيهم. وهم فى أغلبهم رجال أعمال، وموجودون على قائمة العقوبات الأمريكية. إنهم رجال مثل الأخوين أركادى وبوريس روتنبرج أو جنادى تيمتشنكو. وهم يلعبون ويخسرون. والفرق تزخر بالحراس الخصوصيين.

يرتدى حراس الرئيس الخصوصيون قميص الرئيس واسمه. ويكثر حراس رئيس وزارئه قصير القامة ديمترى مدفيديف فى الفريق المضيف المقابل. ومع أن حراس رئيس الوزراء الخصوصيين يوجدون بشكل إجبارى فى مباريات الرئيس فمن النادر أن يكون هو حاضرا.

هؤلاء الرجال هم الدائرة الداخلية. إنهم الأشخاص الذين خرجوا معه من مستنقعات سانت بطرسبرج. وكان حينها مجرد نائب للعمدة. وقد تشاركوا فى أسلاك الكهرباء بين بيوتهم وأكلوا لحما رخيصا معا. وهم يشعرون أنهم يستحقون هذا. وكانوا ينادونه بـ«الريس». ولكنهم فى السنوات الأخيرة باتوا ينادونه بـ«القيصر».

ليست هناك قصص عن التبذير، بل هناك شعور بالوحدة فحسب. فالرئيس ليست له حياة أسرية. فوالدته توفيت. وكذلك والده. وتعانى زوجته من اضطرابات عصبية، وبعد فترة انفصال طويلة تم الطلاق. وهناك ابنتان. لكنهما سر من أسرار الدولة ولم تعودا تقيمان فى روسيا. وهناك شائعات عن موديلات أو مصورين أو رياضيين يأتون إليه فى الليل. لكن ليس هناك من الحاشية من يمكنه تفسير تلك القصص بوضوح.

الرئيس يحب الحيوانات. وهو يبتسم لمرأى المخلوقات التى ترفض طاعته. ويجد الرئيس متعة فى مصاحبة كلب لابرادور أسود لا يخاف منه. وهو يستمتع برحلات الصيد. ويستمتع بجولات الهليكوبتر مع أطقم التصوير فوق التندرا الرمادية البيضاء بحثا عن النمور والدببة أحد مظاهر جَمال روسيا.

يقول مترجم القصر إن حياته رتيبه. الاجتماعات التى لا أهمية لها. البروتوكول الرئاسى الذى يهتم بالتفاصيل الدقيقة. الروتين المتكرر لهذه الجداول العام بعد الآخر. يسير موكبه فى اتجاهين، إما إلى الكرملين أو المطار. ويقول الرئيس إنه يعمل بشكل أكثر جدية من أى زعيم منذ ستالين.

لم يسافر أى منهم أو يفاوض أو يرى مثل ما سافر إليه هو وفاوضه ورآه من روسيا. تغادر طائراته من المبنى الرئاسى فى المطار فنوكوفو 2. ولبعض الوقت كانت هناك خطط لنقل الإدارة الروسية إلى تلك المنطقة الواقعة بين الريف والمدينة التى تكثر فيها الغابات؛ وهى شبه زاخرة بالمساكن الملونة مثل مكعبات لوجو العملاقة. وتُبنى مدينتهم المتخيلة التى تقوم حول المطار على الغابات والنفايات المتناثرة؛ إنها مدينة كرملين تقوم على إدمان الطائرات النفاثة. لكنه رأى أنها فكرة تتسم بقدر أكثر من اللازم من الطموح.

تسافر طائراته الثلاث معا. واحدة تحمل سيارات موكبه، وواحدة تحمل أعضاء وفده، والثالثة خاصة به. ويغادر الأسطول فنوكوفو 2 أكثر من خمس مرات فى الشهر. وأمنيته هى أن يوجد فى كل مكان: المعرض الصناعى فى أومسك، أو تفتيشات كاريليا، أو القمة فى أستانة، أو الزيارة الرسمية لكوريا الجنوبية.

لكن فى المناطق الزمنية الروسية يستخدم حكامه الإقليميون، بمناطقهم متناهية الصغر ورؤساء شرطتهم شاحبو الوجوه، حيلا صغيرة لخداعه. ففى الفترة الأخيرة، شعروا بالخزى فى مدينة سوزدال ذات العشش الخشبية المتآكلة ولذلك غطوها بواجهات من المشمع لأكواخ مطلية حديثا. وكانوا يشعرون بالخجل فى المصانع والمنشآت العسكرية حيث يغطون كل شىء محطم.

زيارات الخارج تتم بطريقة مختلفة: فالاستخبارات تخطط لها مسبقا. إذ تأتى المجموعة الإرشادية قبل الرئيس بشهر إلى العاصمة المعنية. فيتم تفتيش الفندق الفخم الذين ستنزل فيه إدارته. وتتعاون الاستخبارات الداخلية والخارجية فى هذا الأمر الحساس. كيفية تأمين تلك الغرفة؟ ما مدى تلوث هذا الحمام حيويا؟

يرسخ القيصر نفسه على التراب الأجنبى قبل أسبوع من وصوله. ويصبح الفندق كالكرملين. فقد حجزوا 200 غرفة وأحكموا غلقها. وهناك مصعد خاص مجهز بشكل فريد للاستخدام الرئاسى. يتهامس الدبلوماسيون ويتحادثون مع مفتشى المخابرات الخارجية السمان وموظفى البروتوكول ذوى الأيدى الرطبة.

تغلق غرفته بإحكام فلا يسمح لأحد بالوصول إليها. وهذا عمل فريق الأمن الخاص. وتزال ملاءات الفندق ومواد التواليت الخاصة بالفندق وتُستبدل. وتُملأ أماكنها بمستحضرات الاغتسال والفواكه الطازجة تحت أختام الكرملين الخاصة المضادة للتلوث.

فى تلك الأثناء كل شىء يريده يصل بواسطة الطائرات: الطهاة الروس والمنظفون الروس والنادلون الروس. وتصل اللوريات الروسية بطنين من الطعام الروسى. وهو سوف ينام على هذه الأرض ليلة واحدة. وأثناء ذلك تشارك فرق الدبلوماسيين فى مفاوضات الطعام متعددة الجلسات مع المضيف.

لا يمكن تقديم منتجات الألبان للرئيس ولا يمكن تقديم طعام بواسطة المضيف بمن فى ذلك رئيس الدولة أو الحكومة. وتجد السفارة نفسها تتفاوض على وضع صعب فى البلدان ذات التراث الغنى فى فن الطهو؛ فالرئيس لا يمكنه استهلاك أغذية أجنبية لم يوافق عليها الكرملين.

يوجد شك هنا بين المفاوضين. هل من المحتمل يكون لدى الرئيس حساسية من اللاكتوز؟ الأرجح أن لديه خوفا مرضيا من التسميم. فالمواد الروسية تشحن مقدما من أجل الوجبات الرئاسية، حيث تشرف أجهزة الاستخبارات الداخلية والخارجية وهيئة الحماية الاتحادية على الطهاة المحليين وعلى فريق الذواقة. بل إن الرئيس يرفض مجرد لمس الطعام فى المآدب الخارجية.

لا يبالى الرئيس باستياء الدولة المضيفة. ويتحدث المترجم عن هبوط الطائرة على الممر الساخن. إذ يشعر أعضاء السفارة بالإثارة والخوف والشك؛ فقد وصل.

يتصرف الرئيس كأنه قد صُنع من البرونز، وكأنه يلمع. يبدو أنه يعرف أنهم سوف يجفلون عندما تلتقى أعينهم بعينيه. ويكون هناك سكون يحيط به. وتتغير أصوات الرجال الكبار عندما يتحدثون إليه. فهم يجعلون أصواتهم منخفضة بقدر الإمكان. وتصبح وجوههم خاشعة، تكاد تكون متصلبة. إنهم ينظرون لأسفل، قلقين ومضطربين ومتأهبين.

يقول المترجم: «إنه لا يتحدث. لا يشعر بأنه مضطر للابتسام. لا يريد الخروج للتمشية. لا يريد الشرب.. فى وقت أى وقت هناك 10 أشخاص حوله.. لا يمكنك الاقتراب منه لأكثر من 3 أمتار لأن المسافة محمية بعناية. وهو محاط باستمرار بالمعاونين الهامسين والمصورين والحراس الخصوصيون».

ويضيف المترجم: «يهمس الساسة عندما يكون فى الغرفة. ويظلون منتبهين جدا. ولا يكون أحد قريبا من الآخر على نحو كاف لإلقاء النكات معه. وعندما يدخل الغرفة يهبط مستوى الصوت. وذات مرة عندما تحدثت بصوت مرتفع «سيداتى سادتى أعضاء الوفد لابد أن ننتقل إلى الغرفة المجاورة للتوقيع»، شدنى وزير من يدى قائلا: «اصمت. إنه هنا».

ليس لدى الرئيس وقت للتفكير. إنه ينتقل من غرفة ذهبية إلى غرفة ذهبية، فى سلسلة لا تنتهى من المراسم دون أن يكون هناك أدنى قدر من المحتوى السياسى. التصوير الفوتوغرافى. الاستقبال. تلك الرسميات التى تثير هؤلاء الجدد على قمة السلطة، لكنها تزعج الذين طال تقييدهم بها. وهو يفكر قليلا جدا وهو واقف. فالخطب مكتوبة مسبقا، والمواقف جرى تصورها من قبل، وغالبا ما تكون المفاوضات ذات طابع تجارى.

الوزراء وصلوا معه. القليلون جدا يقتربون منه بحيث يخاطبونه مباشرة، والأقل منهم مازالوا قادرين على إلقاء النكات فى وجوده. لكنه لا يهتم كثيرا بهم وفى اللحظة التى يمكنه فيه ذلك يلجأ إلى الغرفة محكمة الغلق المؤمَّنة. فقد رأى كل ذلك كثيرا.

يتذكر المترجم أنه «يبدو خاليا من العواطف، وكأنه ليس هناك ما يؤثر فيه. وكأنه لا يعى ما يدور حوله. وكأن يولى قليلا من الاهتمام لهؤلاء الأشخاص. وكأنه منهك.. لقد أمضى زمنا طويلا جدا كأيقونة بحيث لم يعتد أحد اختراقه.. لم يعتد أن يكون أى شىء غير مسيطَر عليه بشكل تام من أجله. إنه معزول، وعالق فى شَرَك.»

«الانطباع... الذى تخرج به من وجودك بالقرب منه هو أنه كان سيسعده جدا أن تتنحى. لكنه يعلم أنه فشل فى حكم روسيا بأية طريقة غير الطريقة الإقطاعية. وفى اللحظة التى تتراخى فيها قبضته.. سوف ينهار كل شىء وسوف يدخل السجن.. وسوف تحترق موسكو مثل كييف».

هناك أفراد حاشية يدعون أنهم سمعوه يتحدث بصراحة. فهناك شخص يتذكر مساء يوم صيف حين بدأ الحديث بصراحة عن مصير بلده. وسأل الرئيس هؤلاء الذين كان أملهم أن يكونوا معه تلك الليلة فى نوف أوجاريوفو: من هم أكبر الخونة الروس؟

لكنه لم ينتظرهم حتى يجيبوا وقال لهم: أكبر مجرمين فى تاريخنا كانوا هؤلاء الضعفاء الذين ألقوا السلطة على الأرض نيكولا الثانى وميخائيل جورباتشوف الذين سمحوا للسلطة بأن يلتقطتها المستهترون والمجانين. ويزعم أفراد الحاشية الموجودون حينذاك أن الرئيس أقسم أنه لن يفعل الشىء نفسه.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك