الروائى علاء الأسـوانى يخرج عن صمته ويتحدث فى الذكرى الرابعة للثورة: لا كرامة لمعارض فى مصر الآن - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 12:50 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الروائى علاء الأسـوانى يخرج عن صمته ويتحدث فى الذكرى الرابعة للثورة: لا كرامة لمعارض فى مصر الآن

علاء الاسواني
علاء الاسواني
حـوار ــ محمد سعـد عبدالحفيظ ومحمد علاء
نشر في: الثلاثاء 27 يناير 2015 - 10:53 ص | آخر تحديث: الثلاثاء 27 يناير 2015 - 10:53 ص

- النظام الحالى يرغب فى التخلص من أية معارضة حقيقية.. و «إعلام البط» أصبح شعار المرحلة

- عبدالناصر اعترف بخطئه فى بناء دولة الرجل الواحد.. ولو عاد سيحذِّر السيسى من تگرار الخطأ وسيدعوه إلى إفساح المجال أمام المعارضة وعدم الاستئثار بالحگم

- الإعلام يمارس أسوأ أنواع القمع.. ومهمته الجديدة التنكيل بالمعارضين واغتيالهم معنويًا

- اتهامات العمالة توزع فى الفضائيات كأنها شيكولاتة.. وانتقلنا من مرحلة التكفير إلى التخوين

- إما أن تؤيد كل قرارات الرئيس السابقة واللاحقة أو تُستباح أنت وأهلك

- صانع القرار الأمنى يرى أن الريح معه بعد نجاح مخطط تشويه الثورة.. وهناك أجهزة تثأر من المشاركين فى يناير

- الفارق بين الإخوان والجماعات المتطرفة فى الدرجة وليس فى المشروع

- نظام الانتخاب الحالى سيعيد الإخوان والفلول إلى البرلمان.. و«قائمة الجنزورى» حكومية مائة بالمائة

- مصر تواجه إرهابًا مسلحًا يُلزمنا بالاصطفاف مع الجيش والشرطة لمواجهته

- نظام مبارك يحاول الاستيلاء على موجة 30 يونيو الثورية لحسابه.. وعلى السيسى أن يعلن القطيعة معه حتى تنهض الدولة

- طموح الرئيس يحتاج إلى مواطن مخلص متحمس لبناء بلده.. لكن يجب رفع الظلم عن المواطنين أولًا

- الشومة لا تصنع دولًا.. وأندهش من رفع الهراوة فوق رأس الشباب واستخدام اللين مع رجال الأعمال «من أجل مصر»

- كهنة المعبد الثقافى منعوا صكوك البركة عن الروائيين الشباب.. والدولة تريد أن تتعامل مع مقاول ثقافة تعرفه

قبل أيام من حلول الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير، خرج الروائى والأديب الكبير علاء الأسوانى عن صمته، موضحا.. لماذا انقلب على نظام الرئيس المعزول محمد مرسى مبكرًا حتى سقط فى 30 يونيو 2013، والأسباب التى دفعته إلى معارضته الرئيس السيسى بعد شهور من وصوله إلى قمة السلطة.

الأسوانى الطبيب رصد فى حواره المطول الذى أجراه مع «الشروق» قبل أيام من ذكرى الثورة أسباب الأزمات التى تواجه نظام 30 يونيو ووضع روشتة لعلاج تلك الأزمات على رأسها أن يفتح الرئيس السيسى المجال أمام المعارضة وألا يسعى إلى الاستئثار بالحكم.

وإلى نص الحوار:

• أيدت 30 يونيو وخضت معركة ضد الإخوان ونتيجة لذلك تعرضت لاعتداء من عناصر الجماعة فى معهد العالم العربى باريس.. ما هى الاسباب التى دفعت الأديب علاء الأسوانى لتأييد 30 يونيو وما هى ملاحظاته فى هذه اللحظة على اداء نظام الرئيس السيسى؟

- بداية لم أنتخب الدكتور مرسى، وقاطعت الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة 2012، وكان رأيى أن يأخذ مرسى فرصته الأربع سنوات كاملة؛ لأنه منتخب وهذه تجربة ديمقراطية ومازالت فى بدايتها ولابد أن نحترمها، إلى أن ألغى هو النظام الديمقراطى واصدر الاعلان الدستورى فى 22 نوفمبر، وبعد صدور هذا الاعلان كنت أول من اطلق عليه فى الإعلام الرئيس السابق وكان لا يزال فى الحكم، وقارنت بين ما قام به وما حدث فى بيرو عام 1992 خلال حكم فوجيمورى، وقت إن قال العالم كله وفى مقدمته أمريكا إنه قام بانقلاب رئاسى، وفى 30 يونيو نظمنا مؤتمرا صحفيا باتحاد الكتاب وقارنت بين الواقعتين، وقلت إن فوجيمورى كان منتخبا مثل مرسى وأنه (فوجيمورى) أصدر إعلانا دستوريا ألغى بموجبه القانون وقال إن قراراته هى القانون، وأن البيت الأبيض فى أول يوم له قال «السيد فوجيمورى كان رئيسا منتخبا وقام بانقلاب رئاسى على الديمقراطية وبالتالى هو ليس رئيسا شرعيا»، وبالطبع نسأل أمريكا، لماذا فى الواقعة الأولى قالت ان ما حدث يعد انقلابا رئاسيا وفى حالة مرسى قالت إنه رئيس منتخب وما حدث معه هو انقلاب على الديمقراطية؟ لكن بالطبع السياسة الأمريكية كلها نفاق.

كنت مقتنعا بهذا الكلام، ودفعت ثمنه بالمناسبة، وهناك فارق بين تأييدك لـ30 يونيو من داخل مصر وبين تأييدك لها فى الإعلام الغربى، الذى كان بأكمله ضدها، فكنت أرى ومازلت أن تدخل الجيش فى هذا الوقت كان واجبا عليه؛ لأننا لم نكن أمام متظاهرين سلميين بل أمام مجموعات تهدد وتقول إن أنهارا من الدماء ستجرى لو تم التظاهر ضد مرسى، وآخر يقول رأيت رءوسا أينعت وما إلى ذلك، وكان شيئا طبيعيا أن يتدخل الجيش، وأى جيش فى الدنيا كان سيتدخل كى يمنع الحرب، وبعدها قلت إن المشير السيسى من حقه أن يرشِّح نفسه كأى مواطن عادى، وأنا شخصيا لم انتخبه وانتخبت حمدين صباحى، وهذا حقى.

أما اعتراضى الآن فينصب على أمرين: أولهما أن نظام مبارك القديم، العفن، الفاسد، الاستبدادى يحاول الاستيلاء على موجة 30 يونيو الثورية لحسابه، مثلما حاول الإخوان ونجحوا، بمساعدة المجلس العسكرى، فى أن يستعملوا ثورة 25 يناير لحسابهم.

ثانيا أعترض على الممارسات الأمنية، ففى رأيى مصر تواجه إرهابا مسلحا ولزاما علينا أن نصطف مع الجيش والشرطة، إنما علينا أن نتعلم من التاريخ، فمن غير المعقول أن نكرر نفس الأخطاء؛ فالإرهاب يتم القضاء عليه بالعدالة وليس بالقمع، وهناك قمع غير مبرر فى مصر الآن، وهذا القمع له أشكال كثيرة جدا، وليس فقط ما تقوم به الشرطة، فمثلا الاستسهال فى إحالة الناس إلى القضاء العسكرى نوع من انواع القمع، وأرى أن تهمة الاعتداء على العسكريين، تهمة ملفقة مثل إثارة البلبلة بالضبط، فمثلا سناء سيف هذا الكائن الرقيق الجميل النحيل جدا كيف يمكن أن تعتدى على ضابط؟ وعلاء عبدالفتاح بغض النظر عن اختلافك أو اتفاقك معه، لا ثقافته ولا تربيته تسمح له بأن يسرق سلاحا من عسكرى، وتهم الداخلية الملفقة والمطاطة مثل إثارة البلبلة أتحدى أى شخص فى مصر أن يقول لى «يعنى إيه بلبلة».. وإيه اللى بلبلها؟» وتكدير السلم الاجتماعى.

لقد تم رفع دعوى ضدى وتمت احالتها إلى القضاء العسكرى بتهمة إثارة البلبة وإهانة الجيش وذلك أيام حكم المجلس العسكرى مع يسرى فودة وريم ماجد، وحين أوفدت محاميَّ إلى الضابط المسئول هناك، قال له إن النائب العام قال إن 700 مواطن تقدموا ببلاغات ضدنا، فاتصلت بالنائب العام المساعد وسألته كيف أتى 700 مواطن إلى النيابة؟ وكيف تحققتم من جدية البلاغات؟ ولم يرد عليَّ برد مقنع.

كذلك قانون التظاهر قانون قمعى، وكل ما يروج عنه بأن مواده موجودة فى كل قوانين التظاهر بدول العالم أكاذيب، وأتحدى أى شخص إذا ما وجد قانون فى أى من دول العالم تتضمن نصوصه أنه لو قمت بمخالفة فى مظاهرة تُحبس 10 سنوات، وعندما تقول المنظمات الدولية إن القانون ضد الحريات نقول إنها مؤامرة.

فى إنجلترا مثلا، الوقفات الاحتجاجية لا تحتاج إلى إخطار، وخط سير المظاهرة بإخطار وليس بتصريح، فقط يرسل الداعون للمظاهرة إلى وزارة الداخلية اخطار بأنهم سيتظاهرون ولا تستطيع الوزارة رفضها، وعليها إما أن توافق وترسل مجموعة من الامن لحماية التظاهرة أو تعتذر وتقول هناك ضغط فى هذا التوقيت وتعرض علىَّ خيارات بديلة؛ لأنه حق دستورى، وفى دول العالم المتحضر، الذى يحترم المواطنين لا يجوز تقييد حق دستورى إلا بحكم قضائى، وإذا وصلت لوزارة الداخلية تحريات تفيد بأن المشاركين فى التظاهرة يحملون قنابل تتوجه هى لقاضى الأمور المستعجلة بهذه التحريات وإذا اقتنع يلغى المظاهرة، وإذا لم يقتنع تستمر، إنما فى مصر لدينا ترزية قوانين قدامى عكسوا الأمر؛ فجعلوا المتظاهر هو من يذهب للقاضى، وعليه أن يثبت له أنه سلمى.. كيف يثبتها؟! كما أن العقوبات غير عادية، فمثلا أعرف شبابا محترمين فى الإسكندرية رفعوا لافتة مكتوبا عليها «العدالة لخالد سعيد» حكم عليهم بالحبس سنتين، من يقول هذا؟!.

ومن اسوأ انواع القمع الآن القمع الإعلامى.. الكثير من الإعلام المصرى لم يعد إعلاما، حيث تحول من مهمته إلى وظيفة الموجه السياسى، وهى طريقة قديمة جدا، اتُبعت فى خمسينيات القرن الماضى إبان حكم الأنظمة الشمولية حين تحول المذيع حينها إلى موجه سياسى، فمثلا حين تتابع محطة الـ«بى بى سى» تجد المذيع يستعرض قانونا مثل قانون التظاهر ويعرض وجهتى النظر تجاهه، وكذلك نشرات الاخبار تنقل فقط ماذا يحدث، أما فى مصر فقد تم اختيار بعض المذيعين للقيام بدور الموجِّه السياسى. تتابع التليفزيون تجده لمدة ساعتين يعلمنا أخطاءنا فى التفكير وفى التحليل. ومَن رسم هذا الأمر ليس لديه خبرة بالإعلام، وإنما لديه خبرة بالقمع؛ يستعمل هؤلاء كموجِّهين سياسيين وكأداة للتنكيل والاغتيال المعنوى بالمعارضين جميعا، فنتيجة لكونك معروفا، لن يقدر على حبسك، يواجهك بما هو أسوأ من الحبس؛ فاتهامات العمالة والخيانة حاليا توزع فى الإعلام وكأنها شيكولاتة، وهؤلاء الموجِّهون السياسيون أصبحوا عارا على الإعلام المصرى، الذى من المفترض أنه رائد. فهل هناك بلد فى الدنيا تجد فيه مذيعا يخلع جزمته ويضعها أمام الكاميرا مرتين أو ثلاث؟ أو مذيع يقول يا فلان يا خمورجى؟.

أصبح أى شخص مهتما بالعمل العام الآن أمام أحد أمرين: إما أن يؤيد كل قرارات الرئيس السيسى السابقة واللاحقة، وفى هذه الحالة كل الإعلام سيشيد بك وبوطنيتك، أو أنك تقول أحترم الرئيس السيسى وأراه رجلا مخلصا لكنه أخطأ فى كذا، وفى هذه الحالة تصبح أنت وأهلك مستباحون، وتتحول إلى قابض وعميل، فلا كرامة لمعارض، ومن يصنع فكرة المؤامرة، ليس لديه خيال، وغبى؛ لأنه يتهم الثورة مثلا بأنها مؤامرة «قطرية ـ تركية ـ إيرانية ـ إسرائيلية»، كيف تكون إيرانية وإسرائيلية فى ذات الوقت؟ طيب شيلوا واحدة»، وما كان يضحكنا فى البداية من خروج شخص لن أذكر اسمه على إحدى القنوات يتحدث عن البط و«التظغيط» والبعض اعتبره جزءا فكاهيا، تحول إلى مدرسة وإعلام البط أصبح شعار المرحلة الإعلامية لدينا، وبعدها تركنا هؤلاء بهذه الطريقة لأنهم مسنودون، فمثلا فسّر لى لماذا شُتمت شتائم مقزعة بالاسم 13 مرة فى 10 أيام، علما بأننى حققت لهذا البلد 17 جائزة دولية وتكريم أدبى وجميعها باسم مصر؛ لأننى قلت وما زلت مُصر أن الانتخابات الرئاسية التى أجريت غير مطابقة للمعايير الديمقراطية دوليا ورأيى، وان الرئيس السيسى كان سيفوز فى كل حال من الأحوال بما لديه من شعبية، لكن كانت هناك فرصة لتقديم نموذج ديمقراطى محترم، وحين تقدمت ببلاغات للنائب العام ضد أربعة ممن وجهوا لى تلك الشتائم فى شهر يوليو من العام الماضى، وهى اتهامات واضحة جدا، لم تحرك هذه البلاغات، مع أن كثيرا من البلاغات الأخرى التى تم تقديمها ضد شباب الثورة، احيلت إلى المحاكمة وتصدر فيها احكام فى أقل من أسبوع، وهذا مع احترامنا لقضائنا الشامخ.

• ونحن على أبواب الاستحقاق الثالث من خارطة الطريق.. هل ترى أن البرلمان المقبل سيمثل بداية جديدة لبناء الدولة المدنية الديمقراطية التى حلم بها من خرج فى 25 يناير و30 يونيو؟

ــ النظام الحالى يرغب فى التخلص من أى معارضة حقيقية، ولديّ دلائل وقرائن على ذلك؛ فالرئيس السيسى خرج ذات مرة وعاب على إحدى الصحف عنوانها الرئيسى وقت أزمة انقطاع الكهرباء، ووقتها غضب وقال «هو ده الإعلام اللى إحنا عايزينه!»، فضلا عن كون كل من يعارض السيسى يتم اتهامه بالعمالة والخيانة ويتم التشهير به فى التليفزيون من مذيعين معينين، ثم نجد الرئيس السيسى حين يجتمع بالإعلاميين يقـِّرب له هؤلاء الشتامين، وهو ما يجعلنى أقول إنه راضٍ عن أداء هذا الإعلام بهذه الطريقة، فأنت كرئيس غضبت من عنوان مجهل لا يتناول شخصا بعينه، فماذا عن الذين يخرجون علينا ويقولون أكاذيب بأن فلانا عميل المخابرات الأمريكية، وأمور تجعل العالم يضحك علينا؛ يقولون مثلا إن 34 جهاز مخابرات التقت فى قبرص لمنع الرئيس السيسى من ترشيح نفسه، أولا أجهزة المخابرات ليست جمعيات خيرية وحين تجتمع لن يكون ذلك معلنا، ثانيا كيف عرفت؟ هل ذهبت إلى قبرص؟ وكنت حاضرا بينهم؟ بالإضافة للشتائم؛ فالبرادعى مثلا قيل عنه عميل مع إنه كان نائبا لرئيس الجمهورية، هل وقتها لم يعلموا أنه عميل؟! هذا الكلام عيب، نحن انتقلنا من مرحلة التكفير إلى التخوين، مشكلتنا مع الإسلاميين كانت فى التكفير؛ لو أنا ضدك يقول لى «ماذا رأيت من الله كى تكون ضد شريعته»، وأصبحنا الآن فى مرحلة التخوين كل من له رأى مختلف يتم تخوينه وسبّه وقذفه.

نأتى للبرلمان، نفس الأمر؛ فقانون الانتخابات الحالى سيعيد النظام القديم.. هناك حملة على الأحزاب الآن والاعلام يصر على وصفها بـ«الـكرتونية» أقول لهم لو قلت مثلا إنك ترغب فى إنشاء كلية طب وجئت بأفضل أطباء فى العالم وبمستشفيات وإمكانيات عالية جدا، ووزارة التعليم العالى وافقت على انشائها وطلبت منى تعليم الناس بشكل جيد جدا، لكنها لن تعترف بالشهادة، فهل سيلتحق بها أحد؟! نفس الأمر مع الأحزاب أنت تضيق على الأحزاب حتى لا تدخل إلى البرلمان؛ فأنت تعلم أن الحزب لن تقوم له قائمة إلا إذا دخل إلى البرلمان؛ البعض يصبح عضوا فى الحزب الذى يتمتع بتمثيل فى البرلمان؛ كى يكون ضمن صناع القرار فى هذا البلد، ومع كل ذلك لا تترك الاحزاب بل يطرح أمامها قائمة الجنزورى التى هى قائمة حكومية مئة بالمئة، وبالرغم من أن الرئيس السيسى قال إنه لن يدعمها، وهى فى الحقيقة قائمة النظام القديم.

كذلك من اصر على وجود النظام الفردى يعلم أنه سيعيد أمرين، من سمات نظام مبارك: نائب الخدمات، والمال السياسى، وهذا ما تريده قطاعات من النظام، برلمان منزوع السياسة تماما، والمال السياسى فى الدوائر يجعل الانتخابات لمن يقدر على الصرف، وهؤلاء إما الإخوان، وهؤلاء تعرضوا لضربة قاصمة لن تعيدهم للبرلمان مرة اخرى الا بأعداد قليلة، أو الحزب الوطنى، ولا يدهشنى سواء ترشُّح أحمد عز أم لا، وهو ثابت أنه يقوم بتمويل مرشحين؛ ففى النهاية لا تريد معارضة حقيقية، وبدأ حديث بعض المعروفين بقربهم من صنع القرار الحديث عن أن أول أمر سيقوم به البرلمان أن يعطى للرئيس بعض الصلاحيات، فهل كانت الدولة جادة فى وضع هذا الدستور واحترامه، أنا شخصيا كتبت مقالا بعنوان «لماذا أقول نعم للدستور».. إذن ماذا فعلنا؟.

• فى تصورك.. ما هو شكل وخريطة البرلمان بناء على المعطيات الحالية.. وهل هذا البرلمان قادر على القيام بواجباته الدستورية من رقابة وتشريع وتشكيل حكومة فى حال وجود اغلبية؟

ــ لابد أن نتعلم من التاريخ، موشى ديان، قال عنّا ـ وأتمنى أن يكون ذلك غير صحيح ـ «هؤلاء لا يقرأون، وإذا قرأوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يفعلون»، التخلص من المعارضين والتنكيل بهم واغتيالهم معنويا واقصائهم من دخول البرلمان سيؤدى إلى سلطة منفردة، وقد جربّنا هذه الحالة فى أحسن صورها؛ فعبدالناصر فى رأيى كان من أكثر الزعماء المخلصين لهذا البلد ولكن السلطة المنفردة دفعنا ثمنها جميعا بعد ذلك؛ فعندما تقود سيارة بدون مرايات، لابد أن ينتهى بك الأمر إلى حادث؛ فالمعارضة بمثابة مرايات السيارة، عندما اتخذ صدام حسين قرارا بغزو الكويت لم يجرؤ أحد أن يقول له أى شئ وانظر إلى ما انتهى إليه الأمر. مقابل ذلك انظر إلى الدول الديمقراطية حتى قرارات الحرب تؤخذ بأغلبية ضئيلة، 60% مقابل 40% والمعارضة فى تلك الحالة تطرح الأخطاء التى يمكن أن تحدث وعواقب القرار.

سؤالى الوحيد، الذى أراه معيارا، هل يمكن لأى شخص يختلف مع الرئيس السيسى ويقول إنه أخطأ دون أن يتم التنكيل به إعلاميا ويتهم بالعمالة والخيانة؟! وهذه علامة مقلقة، تصل إلى حد الوزراء الذين لن يدلى أحدهم برأيه، فقط سينفذ تعليمات الرئيس، هذا ما فعلناه من قبل وأدى إلى كوارث كان سببها الرئيسى الحكم الفردى، ومهما عملت لن تنجز.

الاتحاد السوفيتى كان يحكم نصف العالم انهار تماما كقصر من الرمال نتيجة لعدم وجود حريات عامة، فلا يجوز أن تؤجل الحريات العامة بدعوى أنه ليس وقتها، لن نستطيع أن ننجز أى شئ إلا فى إطار من الحريات العامة، وهذا درس التاريخ.

• ما هى الاسباب التى دفعتنا إلى الحالة التى وصفتها.. وما هى النتائج المتوقعة؟

ــ هناك تحليلان: إما أن يصبح كل ما نشكو منه يحدث بتخطيط وقرارات من الرئيس السيسى، والتحليل الآخر وهو الأكثر تفاؤلا الذى طرحه الاستاذ محمد حسنين هيكل بأن ما يحدث تقوم به قطاعات فى السلطة، وننادى الرئيس كما دعاه الأستاذ هيكل بأن يثور على نظامه، وفى الحالتين لو استمر الوضع فستكون النتيجة واحدة.

هناك أجهزة أمنية معينة لديها ثأر مع ثورة يناير، وبعضهم خرج وقال «أى حد دخل أمن الدولة مش هنسيبه»، واعتقاد صانع القرار الأمنى أنه نتيجة للسماح بحرية الكلام وليس حرية التعبير أيام مبارك قامت الثورة؛ فما كان مسموحا به وقتها لا يجب أن يكون مسموحا به الآن؛ وبالتالى لا أحد يتكلم ومن يتكلم يُمنع من السفر ويتحفظ على أمواله مثل الاشتراكيين الثوريين باعتبارهم من الإخوان!

وصانع القرار الأمنى يرى أن الريح معه؛ بعد أن أفلح خلال 4 سنوات فى تشويه الثورة تماما من خلال الإعلام الموجه، الذى يردد نفس الأكاذيب التى كانت تقال خلال الـ18 يوما، إلى جانب الإخوان المسئولين عن الوضع الذى وصلنا إليه، والمجلس العسكرى السابق صدر الإخوان وهو يعلم أنهم انتهازيون وكذابون وسيفعلون كل ما باستطاعتهم للبقاء فى السلطة، والناس ستقلق منهم جدا، وألغوا الديمقراطية فتنزل ضدهم؛ وبالتالى صانع القرار الأمنى يرى أن الناس منهكة وخائفة، وبين كل جملة والأخرى يقول انظر لسوريا وليبيا، وبعد ذلك أصبحت الثورة مؤامرة وما كنا نسخر منه من ظهور سيدة ظهرت فجأة اسمها الشيخة ماجدة، اعتبرتها فلكورا مبدعا، قالت إن المتظاهرين فى ميدان التحرير أشكال معظمهم غريبة وأنها تحدثت إلى بعضهم وقالوا لها يا شيخة ماجدة نحن لسنا مصريين وإنما إيرانيين، والسؤال هنا كيف تحدثت إليهم؟ بالفارسية أم بالعربية؟!وقالت إنهم جاءوا بمراكب فى النيل.. فكيف يأتون من إيران إلى ميدان التحرير من خلال النيل؟! ومانسخر منه من حديث الشيخة ماجدة هو ما يقوله الآن عشرات الخبراء الاستراتيجيين، وهى مهنة غير موجودة غير فى مصر، وبالتالى وصلنا لأن كثيرين من الناس أصبحوا مقتنعين بأن الثورة مؤامرة، لقد نبّهت إلى النموذج الرومانى من البداية وقلت إن أحسن طريقة لإيقاف الثورات فى التاريخ بأن تضع مَن تعاطَف مع الثورة، أو من يسميهم علم الاجتماع «الكتلة الصامتة» وما نسميه نحن «حزب الكنبة»، فى ظروف أسوأ من الظروف التى ثاروا ضدها، وهو ما يسمى البديل المستحيل، إما أنا أو بديل أسوأ.

لا يجوز فى ظل موجة ثورية خلصتنا من جماعة فاشية أن يصبح عدد الممنوعين من السفر أكثر من الممنوعين فى عصر الإخوان.

• ما هى أسباب اتساع الفجوة بين الدولة وشبابها الذين كانوا فى مقدمة صفوف الثورة وماذا على الحكومة فعله لاحتواء الشباب من جديد؟

ــ كما قلت، هناك قطاعات فى السلطة وقطاعات أمنية تعتبر شباب الثورة خصوما، وهذا شىء على المستوى السياسى لا يجوز، لكن يمكن فهمه على المستوى الإنسانى، فمن كان ضابط أمن دولة وكان متحكما فى البلد كلها وبسبب هؤلاء الشباب اضطر للسفر إلى دبى مثلا ثم عاد فمن الطبيعى أن يكون هناك عملية ثأرية واضحة مع كل من اشترك فى ثورة يناير وطبعا الشباب فى القلب منهم.

وهؤلاء الشباب لولا شجاعتهم ونبلهم وإخلاصهم للبلد وللثورة لم يكن الرئيس السيسى رئيسا، ولكان حسنى مبارك لايزال موجودا فى الحكم، وهؤلاء هم من دفع ثمن التغيير، فلا يعقل أن يكون جزاؤهم أن يلقى بهم فى السجون، بقانون غير إنسانى وغير آدمى ومخالف للدستور، الذى أقر بأغلبية المصريين، وبالتالى عندما أجد ابنى محبوسا 4 سنوات لأنه نزل بلافتة أمام نقابة الصحفيين ــ وهو المشهد الذى كان مسموحا به أيام مبارك ــ كيف تتوقع أن تكون مشاعرى تجاه النظام، فحين يقال إن هناك ثلاثة آلاف من شباب الثورة محبوسون فأنا أضع نفسى أمام أسر وأصدقاء ورفاق هؤلاء الشباب، وهذا القانون نادرا ما يستعمل ضد الإخوان، وكأنه معمول مخصوص للتخلص من شباب الثورة، وهؤلاء من المسئولية والإحساس بالواجب بحيث لو كان الرئيس السيسى قال لهم اختاروا 10 ليجلسوا معى، وقال لهم الوضع كذا ونرغب فى وقف المظاهرات لمدة سنتين أقسم بالله وأنا على معرفة وثيقة بهم أنهم كانوا سيوافقون وكان هو سيكسب طاقة غير عادية، إنما أنت اعتبرتهم مثيرى شغب، وقررت التخلص منهم، وهو ما لن تقدر عليه لأن 60% من المصريين أقل من 29 سنة، فكيف ستتخلص منهم، والحقيقة أن الموضوع يحتاج إلى مراجعة.

• المشكلة قائمة وهناك فجوة تتسع.. كيف تحتوى الدولة هذه المشكلة؟

ــ طموح السيسى يحتاج إلى مواطن مخلص بالفعل متحمس لبناء بلده لهذا المشروع الذى يقدمه، لا يمكن للمواطن هذا أن يصبح مخلصا وابنه مسجون، لابد أن تكُف القمع عن هذا المواطن، ووضع هؤلاء الشبان فى السجون لن يفيد لا البلد ولا الثورة ولا مشروع السيسى.

• لكن الرئيس السيسى يتحدث كثيرا عن احتواء الشباب ورغبته فى وجودهم إلى جواره؟

ــ أنا لا أعترف إلا بالأفعال.

• فى رواية عمارة يعقوبيان رسمت لنا صورة للشاب طه الشاذلى الذى قدم لكلية الشرطة وتم استبعاده لأنه ابن حارس عقار.. ثورة يناير قامت فى الأساس من أجل رفع الظلم الاجتماعى.. أين تقع قضية العدالة الاجتماعية على أجندة الدولة؟

ــ هناك ظلم اجتماعى واقع، وأى نظام فى الدنيا ــ وهنا أفرق بين النظام والدولة ــ فالأول مجموعة المصالح المحيطة بصانع القرار، وبالتالى حين أقول إن النظام لم يتغير فهذه هى الحقيقة، فحين يخرج شخص فى مؤسسة ما ويقول «لا طبعا التفوق ليس كافيا لا بد أن يكون المستوى الاجتماعى متوافرا»، ما المقصود بالمستوى الاجتماعى فى بلد 50% منهم فقراء». الرجل يكون ابنه متفوقا فى ظل التفسُّخ التعليمى الذى نشهده وتجده يحصل على تقدير عال فى الكلية فتقوم أنت بمنعه لأن أباه وأمه ليسا معهما مؤهل عال!.

وفى الحديث عن العدالة الاجتماعية يجب التمييز بين أمرين: بين العمل الخيرى وحقوق المواطنين، الدولة رفعت يديها عن الأمر الأخير، وتعمل فى مجال العمل الخيرى فحين تتابع التليفزيون تجد برامج التسوّل الذى يقضى على كرامة الانسان؛ لأن صانع القرار فى الدولة مستفيد من هذا الظلم الاجتماعى.

وبالعودة لمناقشات لجنة الخمسين، حين طرحت الضرائب التصاعدية من وقف ضدها ستندهش حين تجد أن من وقف معهم من الاشتراكيين المعروفين هم محمد غنيم وخالد يوسف والدكتور مجدى يعقوب وهو رجل جراح عاش فى لندن 40 عاما وكان منطقه أن الدولة لا تعنى العصا فوق رءوس المواطنين لكنها تعنى الالتزام تجاههم. فالشومة لا تصنع الدول، وقال لهم يعقوب حينها دولة تعنى موارد، وموارد يعنى ضرائب، وتم إجهاض هذا المشروع تماما، فنحن أقل ضرائب فى العالم، ففى إنجلترا مثلا تصل الضريبة إلى 48 % ومثلها فرنسا وتصل فى الدول الإسكندنافية إلى 56 و57%، وفى مقابل ذلك تجد أن العلاج والتعليم فى هذه الدول حتى الدكتوراه مجانى.

فى إحدى المرات سألت صديقة دنماركية لو أن هناك عاملا يرغب فى إجراء جراحة قلب مفتوح ورئيس الوزراء سيجرى نفس العملية، هل سينزل الاثنان فى المستشفى نفسه وسيجرى الجراح نفسه لهما العملية؟ اندهشت من السؤال وقالت: «هما مش عندهم نفس القلب؟» قلت لها نعم قالت إذا يبقى لهم نفس الجراح.

حين أبيع رواية أو مسلسلا أو فيلم أدفع مبلغا كبيرا جدا، نحو 20% بينما رجل الأعمال الذى من المفترض أن تحصَّل منه الـ20% ضريبة لو أن لديه محاسبا جيدا لن يدفع شيئا، الموضوع لا يحتاج أن تقول لهم من فضلكم ادفعوا من أجل مصر، الدولة هنا يفترض أن تكون قوية، ليس بالشومة ولا بوضع الناس بالسجون لأنهم أمسكوا لافتة.

مندهش جدا من رفع هراوة قوية فوق رءوس شباب الثورة وهذا اللين فى غير محله مع رجال الأعمال. يقولون نحن نشجع الاستثمار، لكن فى الحقيقة هذا غير صحيح، تشجيع الاستثمار يكون بمنظومة قانونية واضحة جدا.

• ما المطلوب من الدولة فى هذه اللحظة؟

ــ المطلوب أولا تغير فلسفتها، نسأل سؤالا واحدا، هل الدولة مسئولة عن الحد الأدنى الإنسانى لمواطنيها أم لا؟ إجابة مبارك كانت لا، إذا كانت نعم فذلك يستوجب أمورا عديدة: أولا أن يكون لديك موارد، وأنت تقول إنك لا تملك الأموال، إذن فلتأخذ من الأغنياء من خلال الضرائب واسترد الأموال المهربة للخارج، وأنفق على الفقراء.

الفقير من حقه أن يعيش حياة آدمية، الشاب من حقه أن يجد وظيفة وراتبا معقول، لابد أن يكون لديك الحد الأدنى من الآدمية لمواطنيك، وهذا لن يحدث إلا على حساب الأغنياء، لو أنت مُصر ألا تغضب الأغنياء فلن تتكلم عن العدالة الاجتماعية.

وما يفعله الأغنياء فى العالم كله هو استبدال مفهوم العمل الخيرى بحقوق الدولة، لكن فى مصر بدلا من أن تحصِّل منى ضرائب أنشئ منظمة خيرية وأجمع مجموعة يتامى وأنظم يوما لليتيم، وكل ذلك لن يكلفنى شيئا، بينما لو حصّلت منى ضرائب حقيقية، لن أُظهر مجموعة يتامى على شاشات التليفزيون فى مظهر المتسولين فهؤلاء سيجدون المدرسة والمستشفى، ولن يحمل المريض هم علاجه.

• 138 خريجا متفوقا فى كلية الحقوق تم استبعادهم من مسابقة النيابة العامة لأسباب اجتماعية.. ما تعليقك؟

ــ الأمر نفسه حدث من قبل مع عبدالحميد شتا، الذى انتحر فى عهد نظام مبارك، حين خرجت شهادة رسمية من الخارجية المصرية بأنه غير لائق اجتماعيا، وكان حاصلا على تقدير فى السياسة والاقتصاد وحاصلا على دبلومة علاقات خارجية لم تكن لدى باقى الناس.

رئيس نادى قضاة الإسكندرية سابقا، قال ذات مرة «مقبول فى كلية الحقوق+ بيئة قضائية = جيد جدا»، وفى الطب نفس المعادلة أولاد الأساتذة كانوا يوضعون على استحياء ضمن الـ10 الأوائل، الآن الموضوع زاد وأصبح لهم سكاشن خاصة.

• هل هى مسئولية دولة أم ثقافة مجتمع؟

ــ هى فلسفة نظام، تنتقل مثل الأوانى المستطرقة بطريقة طولية من أعلى لأسفل، وهذا كان رأى مبارك، الفقير مشكلته أنه فقير، فحين عادت النعوش من العراق فى عهد صدام حسين كان مبارك الرئيس الوحيد الذى سخر من مواطنيه حين قتلوا، وقال: «خلاص بقى انتوا عاملين دوشة عليهم، ما إحنا عارفين اللى بيروحوا العراق دول إيه اللى وداهم؟ ما إحنا عارفين إن ضاربهم السلك وتعبانين؟ محرزا بهذا التصريح السبق فى أمور مدهشة، ولا يجوز إطلاقا أن تضطهد أحدا وتميز بينه وبين غيره نتيجة لخلفيته الاجتماعية.

• هل العمليات الإرهابية التى تضاعفت منذ سقوط محمد مرسى ونظامه عرض أم مرض؟

ــ الأمران معا، الإخوان المسلمون غير قادرين على استيعاب فكرة أن الشعب أطاح بهم من السلطة، وغير قادرين على شرحها لقواعدهم، ومن حظ هؤلاء السيئ أن الذى يقود التنظيم هم الأكثر تشددا، وهم القطبيون، وهؤلاء خبرتهم فى السجون أكثر بكثير من الحياة العامة، وبالتالى لا يروون أمامهم، ويبدو منذ بداية اعتصامى رابعة والنهضة أن الإخوان استعانوا بالجماعات المتطرفة بعد أن كانوا يلعبون دور الفصيل المعتدل الذى لايزال مؤمنا بالديمقراطية، من أول الخطابات التى ألقيت فى اعتصام رابعة بدا واضحا تماما أن الفروق بينهم فى الدرجة وليس فى المشروع، وأشير هنا إلى أن اعتصام رابعة كان مسلحا، بدليل شهادة منظمة العفو الدولية فى تقريرها بتاريخ 2 أغسطس الذى جاء، تحت عنوان «قتل وتعذيب فى اعتصامات الإخوان المسلمين» فلا يستطع أحد أن يجادل فى ذلك، وفض الاعتصام المسلح يكون بالقوة لا كلام فى ذلك، لكن هل كان من الضرورى سقوط نحو ألف قتيل خلال عملية الفض؟ كى نجيب عن هذا السؤال لابد من وجود تحقيق مستقل له مصداقية، وهناك تساؤلات عديدة لماذا انتظرت عليهم 45 يوما؟ ولماذا لم تقطع عنهم المياه والكهرباء؟ ولماذا كانوا يخرجون فى مظاهرات مسلحة ويعودون بعدها للاعتصام؟ وأطلقوا فى إحدى المرات الرصاص على عيادتى فى جاردن سيتى، وفى يوم من الأيام قتلوا 16 شخصا فى المنيل، وأنا هنا أطرح أسئلة، وهذا حقى دون أن أُشتم.

والأسئلة السابقة أمهد بها لأن مصر لن تهدأ إلا بالعدالة الانتقالية، وكل محاولات تأجيلها أو إلغائها ستؤدى لمزيد من التوتر، وتعريف العدالة الانتقالية هو نظام قضائى مواز للنظام المعترف، تلجأ إليه السلطة للتوصل إلى صيغة وطنية عندما تقوم ثورة وتفشل فى خلع النظام بالكامل، وهو ما حدث عندنا بالضبط، فالعدالة الانتقالية أساسية وليست المصالحة؛ لأن مفهوم المصالحة يدل أنه لا يوجد قانون أصلا، على ماذا أتصالح! لو هناك قانون لن يكون هناك مصالحة ولا معاتبة. العدالة الانتقالية ستكون نقطة الانطلاق لهذا المجتمع؛ فلديك شهداء أسرهم ترى أنه ليس فقط الضابط الذى قتل حصل على براءة، وإنما من أصدر له الأوامر ووزير الداخلية وكذلك رئيس الجمهورية نفسه حصل على براءة. كيف تستطيع أن تبنى مجتمعا جديدا صاعدا بمثل هؤلاء الناس الذين يشعرون بهذه المرارة؟ بالإضافة إلى أن العدالة الانتقالية ليست حائط مبكى، أقول هيا اذهبوا فأنتم الطلقاء، وإنما تشكل لجنة قضائية لها نفس صلاحيات القاضى، وهذه اللجنة تتوصل إلى أن فلان قتل علانا، فتذهب إلى أهل المقتول وتسأله ماذا يرضيك هل نكمل الدعوى أم تقبل بنوع من الترضية، ولو طلب الاستمرار فى الدعوى، نكملها، فينتج عن ذلك التئام لجروح المجتمع، أما ما يحدث الآن أنك توسع تلك الجروح.

أنشأنا وزارة للعدالة الانتقالية وتفاءلت بها خيرا جدا، وفوجئت بوزير العدالة الانتقالية يخرج بتصريح يقول فيه «مش وقته للعدالة الانتقالية حاليا»، كأن تأتى إلى عيادتى باعتبارى طبيب أسنان للعلاج وأقول لك «مش وقته علاج لأسنانك» فلابد أن تؤخذ العدالة الانتقالية بشكل صحيح، حتى يقدر المجتمع على النهوض.

• يمكن للعدالة الانتقالية أن تنهى حالة الاحتقان والإحباط لدى أهالى الشهداء لكن ماذا عن المجموعات التى تمارس الإرهاب.. كيف تواجهها الدولة؟

- ألا تكتفى الدولة بالحلول الأمنية، وحدث أيام مبارك حين تصورنا أن قمع التسعينيات قضى على الإرهاب، وفى النهاية اتضح أنهم لم ينتهِ، فالناس الموجودة كانت فى السجون، وعاصم عبدالماجد مثلا عمل مراجعات، وأنت فى النهاية تحتاج لثلاثة أمور: أولا الفكر ولابد أن نعترف بأن التراث الدينى به أشياء لابد من مراجعتها. ثانيا العدالة، فلماذا العمليات الإرهابية مستمرة فى بلاد وفى أخرى تحدث عملية أو اثنتان وتتوقف؟ لأنك لو فجرت قنبلة فى إنجلترا سيقبض عليك وعلى من المقيمين معك، لكن سيفرج عنهم فى اليوم التالى وانت لن تمس وسيتم معاقبتك وفقا للقانون، وبالتالى أهلك سيتقبلون العقوبة، أما إذا ما حدث وألقيت القبض عليه ومن معه و«نفختهم» وأحضرت زوجته وخلعت ملابسها أمامه فستصنع بدل الإرهابى 15، وهذا ما قلته فى عمارة يعقوبيان.

نريد الاستفادة من دروس التاريخ، يستحيل القضاء على الإرهاب بالقمع، لكن بالعدالة مع وجود دفاع أمنى.

• هل ترى أن هناك أجهزة داخل الدولة تعمل خارج الإطار العام بما يضر بمصلحة النظام أو على حد وصّف الاستاذ هيكل «هناك صراع أجهزة»؟

- التحليل الأسوأ بالنسبة لى أن يكون قرار الرئيس السيسى إعادة نظام مبارك وقيادته، وهذا أمر كارثى، التحليل الثانى أن الرئيس السيسى الآن لا يستطيع أن يحدث هزات قوية لأنه بالرغم من تجاوزات أجهزة الأمن فالرئيس يحتاجها، أو لسبب ما لا يرغب فى تنفيذ ما طالبه به هيكل بالثورة على نظامه أو أنه غير قادر على ذلك حاليا، وإذا كان الرئيس السيسى يرغب فى البداية أن ينهض بهذا البلد، فلابد أن يعلن قطيعة حقيقة مع نظام مبارك، وتبدأ هذه القطيعة بأن يقول لنا عبر التليفزيون بمنتهى الوضوح والتفصيل كيف يرى نظام مبارك.

• لكنه قال فى لقائه بشباب الإعلاميين إن نظام مبارك كان لابد من سقوطه قبل 15 سنة لأنه خرب البلد.. فما تعليقك؟

- جيد جدا، هو يقول هذا الكلام، ولكن فى نفس الوقت للأسف الشديد المحسوبين على نظام مبارك، وفلوله يأخذون كل يوم موقعا أقرب منه، وأولهم الإعلاميون، فمعظمهم غير أنهم شتامون وغير مهنيين ويسيئون لأى نظام فى الدنيا ــ مدحوا مبارك وهم صناعة لهذا النظام، الذى يقول عنه السيسى إنه خرب البلد، وأتمنى أن يخرج ويقول على أى أساس خرب البلد.

• حال الثقافة فى مصـر.. أين نقف؟

- فى حالة واعدة جدا، وبعد كل ثورة ـ وهذا قانون فى التاريخ ــ تأتى موجات إبداعية متلاحقة عالية جدا، تستعمل رؤى لم تكن ممكنة إلا بالثورة؛ لأن قلب الثورة هو التحرر، فأنت كنت شابا محبطا ترغب فى الهجرة لكن حين تعيش الثورة تتحرر وتشعر اننا بدأنا عملية التغيير وعليه فالتدفق الابداعى يأتى وحده، وهذا ما حدث فى ثورة 19 و52 وأظن أنه يحدث الآن.

• كيف ترى ظاهرة الروائيين الجدد؟

- هناك أجيال موهوبة وواعدة وعظيمة وهناك سلطة ثقافية، من الأجيال سابقة اهتزت، وهذه السلطة مكونة من سبعة أو ثمانية أشخاص، لن اذكر أسماءهم، ظلت طوال الثمانينيات والتسعينيات وهى قابضة على المصائر الأدبية، إذا قرروا أن تكون شاعرا ستكون وإذا لم يقرروا فلن تكون، وما حدث أن الجمهور دخل المعادلة، ومع بداية الألفينيات عاد القارئ إلى المعادلة فلم يعد لكهنة المعبد هؤلاء، هذه السلطة القديمة، بعد وجود القارئ، ووجود نقاد آخرين، وبالتالى هذا يفسر الحرب الشديدة جدا على الأجيال الجديدة.

وأراها حربا على السلطة الأدبية أكثر منها أى شىء آخر، كل الذى يوجَّه للشبان الجدد مفهوم وموجود فى العالم كله، ناس أقل فنيا من ناس، ناس كتابتهم أقرب للسيناريو، وبالتالى فكرة أنك تستقل بعيدا عن التعاويذ التى كنت أقولها حتى أباركك ككاتب وأمنع عنك البركة فكرة مزعجة جدا إنما فى واقع الأمر هذا هو الطبيعى، أن تكتب الناس ويصبح لدى 40 روائيا منهم 4 ممتازين والباقون سيتحسنون، وللقارئ التمييز بين الغث والسمين.

• هل الدولة قادرة على التعاطى مع هذة الحالة الجديدة واستغلال ظاهرة الروائيين الجدد؟

- من الواضح أن النظام، حتى الآن، لا يريد أى نوع من «وجع الدماغ»، فيتعامل مع مقاول الثقافة الذى يعرفه بدلا من التعامل مع شخص جديد «يطلع مجنون أو يعملى دوشة»، وهذا الفرق بين الثقافة المصرية الحيّة الثورية المتجددة التى أفرزت أسماء لا ألاحق عليها.

• الرئيس السيسى تحدث عن حاجتنا إلى ثورة دينية.. ضد من هذه الثورة.. الاجتهادات فى تفسير النصوص أم ضد الأشخاص؟

- اجتهادات بالأساس، فهل يفهم القرآن بعموم اللفظ أم بأسباب التنزيل؟ فمادمت تفسر القرآن بعموم اللفظ لن تتقدم، فمثلا قل لى موقف المسلمين من الأقباط؟ كيف نتعامل معهم؟ هنا لديك أكثر من آية، على حسب موقفك من الأقباط ستشير إلى الآية التى تناسبك، فلو قلت إنهم «حبايبنا» ستقول «لتجدنا أقرب الناس»، أما لو قررت أن تكون ضدهم فستقول «لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى..».

المعتـزلة قالوا إن النص نزل بأسباب، اقرأ الأسباب وأخرج بالحكم، أما «أهل السنة والجماعة» اللى ودوونا فى داهية»، الذين نسير وراءهم إلى أن وصلنا إلى داعش، يتبعون عموم اللفظ ولا علاقة لهم بأسباب التنـزيل، وفى هذه الحالة قد يفهم البعض خطأ وجود آيات تحرض على القتل فعلا، إذا لم تقل لى إن هذه الآيات نزلت لأسباب معينة.

الأمر الثانى علينا تنقية الأحاديث تنقية عقلية، وليست «عنعنية»، فهناك اتجاه تحدث عنه جمال البنا وآخرين يقول إن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى أصلا عن كتابة أحاديثه، والمقصود بالسنة هو ما فعله الرسول، أو نموذج الرسول الإنسانى، لأن الكلام يمكن أن يكون متضاربا.

وعلينا إخضاع علم الحديث إلى العقل والتاريخ إلى جانب الإسناد، فالرجل الذى تحدث عن بول البعير سار على خطى أهل السنة والجماعة، وهناك مجموعات من الوضّاعين، كتب عنهم جمال البنا وآخرون، فالحديث عن إرضاع الكبير مثلا البعض يقول إن الشيعة وضعوه للانتقاص من خصمهم التاريخى، السيدة عائشة.

وفى النهاية لن تتقدم إلا بالرجوع لأسباب التنزيل وقتها ستخرج بأحكام مريحة جدا، لا نضطر بعدها أن يقتل أحد أحدا ونخرج بعدها نقول إن الإسلام ليس به قتل، للأسف تراثك الدينى يوجد به قتل، فما الفارق بين تطبيق داعش للإسلام وتطبيق الوهابيين؟!

• أخيرا.. كتبت منذ عام تقريبا حوارا افتراضيا بين السيسى وجمال عبدالناصر كان ذلك قبل انتخابات الرئاسة.. لو كتبت مشهد جمع الرئيسين اليوم ماذ سيقول فيه ناصر للسيسى؟

- أعتقد أن عبدالناصر بعد 67 كان أدرى الناس بأخطائه، وعلاقتى بعبدالناصر موضوعية، فلا أنا ناصرى ولا من كارهيه، هو زعيـم عظيـم لكنه أسس لنظام استبدادى وطنى، دفعنا ثمنه ومازلنا، وكل الكلام عن الإجراءات القمعية للأمانة هى من تأسيس النظام الناصرى. والدى كان عضوا فى حزب مصر الفتاة وانخرط فى أعمال مقاومة ضد الانجليز وكان يتم القبض عليه كثيرا جدا، ومع ذلك لم يضرب قلما واحدا، واتهم فى حريق القاهرة ظلما، وكانت عقوبتها الإعدام، وضع فى سجن الأجانب.

«النفخ والتعليق» وما شابه، بدأ من أوائل الخمسينيات حين عُهد إلى المخابرات الحربية التعامل مع المعارضين السياسيين، ففكرة أمن الدولة موجودة منذ زمن.

• وحين تعود لمناقشات اللجنة المركزية التى خرج منها بيان 30 مارس، بعد مظاهرات الطلبة حين خففت أحكام الطيران، تجد ان عبدالناصر قال لمن حوله إن «جيل الثورة يتظاهر ضدنا يبقى إحنا غلطانين»، وقال نحن أخطأنا وكان لابد من وجود معارضة حقيقة، وهذا الكلام مسجل، ومن حوله كانوا خائفين خشية أن يكون يختبرهم فقالوا له لا، هذه ثورة مضادة، كيف نعطيها الفرصة؟

- لدى إشارات من قراءاتى ان عبدالناصر أدرك الخطأ الجسيم لدولة الرجل الواحد، وإذا ما تخيلت حوارا بينه وبين السيسى الآن، فسيشكره على ما فعله فى 30 يونيو، ولكن سيحذره من تكرار خطائه وسيدعوه لأن يفسح المجال لآراء محترمة معارضة له، وألا يحاول الاستئثار بالحكم وألا يحاول إيجاد برلمان شكلى، ويبحث عن وظيفة أخرى للموجهين السياسيين.

فى النهاية لألبرت أينشتين كلمة جميلة جدا، حين سألوه: ماذا يدهشك فى العالم؟ فقال «يدهشنى أن يكرر بعض الناس نفس الأفعال فى نفس الظروف ويتوقعون نتائج مختلفة»، وهذا بالضبط ما أريد أن أقوله للرئيس السيسى.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك