تاريخ حدود مصر الشرقية (1).. 96 عاما من التمدد والانكماش في الخريطة المصرية - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:35 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تاريخ حدود مصر الشرقية (1).. 96 عاما من التمدد والانكماش في الخريطة المصرية

تاريخ تطور حدود مصر الشرقية - ألفت أحمد الخشاب- ازبكية
تاريخ تطور حدود مصر الشرقية - ألفت أحمد الخشاب- ازبكية
إعداد: محمود هاشم
نشر في: الإثنين 27 يونيو 2016 - 10:59 ص | آخر تحديث: الإثنين 27 يونيو 2016 - 10:59 ص

- صخرة «سمرخت» شاهدة على مصرية سيناء.. واليهود لا يذكرون طريق «سنوات التيه»
- حكم البلاد بأيادٍ مختلفة الأعراق والأجناس والثقافات أضعف تماسكها على مر التاريخ
- محمد على تبنى مشروع إمبراطورية شرقية قاعدتها مصر.. والحرب اليونانية والضغط البريطانى أجهضا حلمه
- معاهدة لندن تسحب كريت وأطنة وتبقى على مصر وعكا تحت حكم الوالى.. وشروط مجحفة لتوريث الحكم
- خطة الدخول للشام وطموح إبراهيم باشا بداية انهيار الطموح العلوى بالتوسع والاستقلال
- معاهدة تهدئة الأحوال فى سوريا شوكة فى خاصرة محمد على وبداية لمخطط توطين اليهود
- السلطان ينتقم من الطموح المصرى بسلخ شبه جزيرة سيناء ودفع خط الحدود إلى أقصى حد ممكن
- فى جغرافيا سيناء.. تيران وصنافير جزيرتان مصريتان
«الخطر دائما ما يأتي من هناك».. هذا ما يثبته التاريخ مرارا وتكرارا كلما تطرق إلى الحديث عن حدود مصر الشرقية التي كانت ولا تزال درعها الواقية ضد أي أطماع استعمارية أو توسعية، وثغرتها التي يستغلها الغزاة مدخلا لنهب خيرات البلاد، لهذا ظلت تحظى بالاهتمام الاستراتيجي الأكبر، على الرغم من تعرض البلاد لحملات عسكرية واعتداءات من جهتها الغربية، ومنازعات بشأن حدودها الجنوبية، واتخاذ جانبها الشمالي قاعدة انطلاق لعمليات عدائية أكثر من مرة، لكن يظل شرق البلاد الحد الوحيد مع دولة غير عربية.

هذا ما يتطرق إليه كتاب «تاريخ تطور حدود مصر الشرقية وتأثيره على الأمن القومى المصرى 1892 ــ 1988»، للكاتبة ألفت أحمد الخشاب، الصادر عن «دار الشروق» ويستعرض فى فصوله السبعة تاريخ الصراعات حول الحدود الشرقية ودورها فى النزاع العالمى والصراع العربى ــ الإسرائيلى، والمناوشات العثمانية الأوروبية التى أسفرت عن فرمان 1892 الذى انتقص أغلب مساحة شبه جزيرة سيناء، فضلا عن مسألة تبعية جزيرتى تيران وصنافير.

وتشرح الدراسة الأسباب الحقيقية وراء صناعة الخط الحدودى الشرقى لمصر، وهل أضافت اتفاقية طابا الأولى 1906 للبلاد أراضى وثقت الحد الفاصل بين الممتلكات العثمانية والممتلكات المصرية، وهل تم الاتفاق برضاء الطرفين ووفقا للمواثيق الدولية؟ وهل مارست مصر سيادتها كاملة عليها؟ وما هو موقف الخارجية المصرية من هذا الخط الحدودى.

كما يرتكز الكتاب على الوثائق البريطانية كمرجعية مهمة تحافظ على الحقوق التاريخية إلى جانب القانون والجغرافيا والسياسة والآلية العسكرية، فى مواجهة الأطماع التوسعية الإسرائيلية للهيمنة على المنطقة، فالنزاعات الحدودية العربية يمكن حلها بشكل ودى ــ دون حل جذرى ونهائى ــ حيث يظل ذلك بين جنبات أمة عربية واحدة، وليس متعلقا بإسرائيل التى تقبع ملاصقة للخط الحدودى فى انتظارا للحظة الحاسمة للانقضاض على الغنيمة.

وتؤكد المؤلفة أننا «نجهل الكثير عن تاريخ سيناء التى كانت مسرحا للعديد من النزاعات والحروب منذ ترسيمها وحتى عام 1988، عندما نجحت مصر فى استعادة طابا عبر التحكيم الدولى، كما لا يعرف الكثيرون تاريخ صناعة الحد السياسى الفاصل بين مصر وفلسطين، وجغرافية شبه الجزيرة وخيراتها ومواردها التى تفوق المعلومات المتاحة كقرى ومنتجعات سياحية شهيرة مقصورة على طبقة شديدة الثراء».

ونوهت بأن هذا التحليل السياسى والتاريخى يقدم للقارئ رؤية حول أهمية هذه البقعة الغالية من أرض مصر، محذرا من إرهاصات الفكر الصهيونى التى ترى شبه الجزيرة جزءا أصيلا من المشروع التوسعى، الذى لم يوقفه تراجع إسرائيل خلف الحدود الدولية فى 1988، بعد استعادة طابا.

الحدود السياسية والخطوط الفاصلة

جاء الفصل التمهيدى من الكتاب تحت عنوان «الحدود السياسية وشبه جزيرة سيناء»، وأشارت فيه الكاتبة إلى أنه مع انتهاء الحرب الباردة فى 1990، ظهرت مدرستان تناولتا أزمة الحدود بين البلاد الأولى تقليدية تتمسك بالواقع القديم، بينما كانت الثانية تتبنى فكر ما بعد الحداثة وترى أن الحدود أمر قابل للمفاوضة وإعادة الترسيم، داعية إلى عالم يسهل فيه انتقال الأفراد والأموال والتقنيات دون موانع، حيث تذوب الثقافات والحدود القومية ويبرز الاقتصاد الكونى على السطح، ونوهت بأن هذا يطرح العديد من الأسئلة من بينها شكل ومستقبل الدول القومية فى ظل هذا النظام الكونى الجديد، ووظائف السلطات المركزية، مع توضيح مفهوم السيادة الإقليمية والولاء للوطن أم للمصلحة.

وأكدت الخشاب أن هذا النظام الذى تروج له الولايات المتحدة بشكل متسارع يواجه عدة عقبات منها غياب النموذج المقبول عالميا، وافتقار العمق التاريخى، مع تجاهل الثوابت والفروق الهائلة بين الأقطار، فالدولة القومية تعنى أن حدود الوطن مقدسة وأى مساس بشبر منها بتر وخطر يهدد بوفاة الأمة ويستوجب الحرب دفاعا عن وحدة الإقليم.

وتنقسم مسألة الحدود إلى 3 اتجاهات: الأول سياسى ويعنى عدم تأثر الحدود بأية تغييرات تطرأ على الأوضاع التى صاحبت الاتفاق، والثانى قانونى يراها كائنا حيا خاضعا للتغيير والتطور معتبرا أن تعيين الحدود تم فى لحظة تاريخية متأثرا بأوضاع فترة ما دون أن يكون لشعب الإقليم رأى فيها، بينما يرى الاتجاه الثالث التوفيق بين المدرستين بأن تبقى الحدود خطوطا للفصل بين سيادات الدول باتفاق أطراف دولية.

وحسب المؤلفة، فإن الحدود السياسية بين الدول تنقسم إلى حدود طبيعية، وأخرى قصوى أو آمنة، فضلا عن الحدود الاتفاقية والحدود الموروثة، فيما تمثل الخطوط الفاصلة بين الدول الحدود الإدارية والحدود الجمركية، وهى خطوط قد تتباين مع الحد السياسى، ووظيفتها هى التنظيم الإدارى دون أن تترتب عليها حقوق أو تبعيات.

الحدود فى الإسلام والمسيحية واليهودية

ترى الكاتبة أن العولمة تفرض ذوبان الثقافات والحدود والاقتصادات فى مجتمع كونى واسع، فيما ترى الأديان القضية من منظور مختلف بسبب الجدل الفكرى والعقائدى لكل مجموعة، ما يضرب هذه الفكرة فى مقتل، وعلى الرغم من ذلك لم تتناول الديانات الثلاث حدودا سياسية أو دينية، بينما كانت الاتجاهات الفكرية فى هذا الشأن عمل فقهى بشرى لا علاقة له بالإرادة الإلهية، حيث جرى توظيف الأديان كغطاء لحروب وصراعات لها أغراض مختلفة.

فى أدبيات الفكر التوراتى، تعد أرض كنعان «فلسطين» موعودة من الرب لشعب إسرائيل مكافأة لهم بعد 40 سنة من التيه، وهى مملكة الله التى خص بها اليهود، بينما يتسع المفهوم الشمولى إلى دولة حدودها من النيل إلى الفرات، وتشمل أغلب الدول العربية، فيما تفترض الأدبيات المسيحية أن جميع الأراضى التى خضعت للحكم المسيحى يوما ما هى بالضرورة أراض مسيحية، بصرف النظر عن وضعها الحالى، وهذا ما يفسر الحملات الصليبية والحروب الأوروبية مع الدول العثمانية.

بينما تشير الأدبيات الثيوقراطية إلى أن المسيحية لا تؤمن بحيازة الأرض بالحرب أو بالغزو، ويرى المبدأ الرومانى فى المذهب الكاثوليكى إمكانية استيطان الأراضى التى ليس لها صاحب أو مالك وفرض السياسة عليها، وهو ما حدث فى الاحتلال الأوروبى للأمريكتين ودول من إفريقيا وآسيا.

وعلى الرغم من كل ما يقال، لم يذكر القرآن الكريم أو الأحاديث الشريفة الحدود السياسية تصريحا أو تلميحا، وإنما أشار إلى مفهوم أمة المسلمين بشكل عام وهو نابع من الدعوة العالمية للإخاء وما تترتب عليها من قواسم مشتركة، ويشير الكتاب إلى أن تراكمات مفهوم الحدود فى التصور الإسلامى قائمة على آيتى «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة» و«اصبروا وصابروا ورابطوا»، وهما تدعوان إلى التمسك بعناصر القوة فى وجه كل متربص ودرء الخطر المحتمل فقط.

وارتبط مفهوم الجهاد بالحرب والتوسع وجرى توظيفه سياسيا بغرض الدفاع عن حدود الدولة وحماية المسلمين وكونه أحد موجبات شريعة الحاكم، فحيث تكون مصلحة الحاكم وملكه فهناك شرع الله.

احمِ وادى النيل بنقل الحرب لخارج سيناء

وتطرقت الكاتبة للحديث عن سيناء باعتبارها معبرا لحركة التاريخ، حيث وفدت منها الموجات البشرية التى أثرت فى مسار التاريخ المصرى قديمه وحديثه ومعاصره، وهى برزخ المنطقة العربية، والرابط بين شبه الجزيرة العربية وشمال أفريقيا، كما أنها المعبر التجارى القديم بين مصر والعراق والشام، كل ذلك أعطى لسيناء أهميتها الممتدة على مر التاريخ.

هذا الجزء المنحصر بين خليجى العقبة والسويس والمطل بقاعدته على البحر المتوسط جزء ثابت وأصيل من القطر المصرى بسكانه وثقافته وبصمته الحضارية، فأقدم أثر مصرى فى سيناء هو صخرة «سمرخت» سابع ملوك الأسرة الأولى وعليها رمز إخضاع شبه الجزيرة للسلطة المصرية، وهناك صخرة «سانخت» وصخرة «زوسر»، وكانت شبه الجزيرة حينها مصدرا غنيا للنحاس والفيروز والذهب والزبرجد، كما كانت بابا مفتوحا للغزوات من الشرق بدءا من الهكسوس، ومنذ ذلك الحين صارت العقيدة المصرية فى هذه المنطقة هى نقل الحرب إلى الخارج للدفاع عن وادى النيل.

يلقبونها فى الأدبيات الإسرائيلية بـ«أرض الاضطهاد»، حيث عاشوا فيها 40 سنة من التيه قبل وصولهم إلى فلسطين«أرض الميعاد»، وفيها أنزل الله على نبيه موسى الوصايا العشر فى سفر الخروج، وعلى الرغم من ذلك لا يذكر اليهود صراحة الطريق التى سلكوها فى شبه الجزيرة أو الجبل الذى نزلوا قبالته، وهل هو جبل سربال أم حبل جفجافة.

على الرغم من أهمية سيناء بالنسبة لليهود إلا أنهم لم يتركوا فيها أثرا يستدل به على أهميتها الدينية أو التقديسية بالنسبة لهم، ولم تنشط الأدبيات اليهودية إلا مع انتشار المسيحية فى الشرق، وامتلأت سيناء من جديد بمسميات، جبل موسى، عيون موسى، حمام موسى، عين قديس، وجبل المناجاة فى وادى فيران، فضلا عن حمام فرعون على البحر الأحمر.

كما كانت شبه الجزيرة قبلة الحجاج المسيحيين الذين يزورون القدس، فهى دائما فى برنامج زيارتهم، إلى أن جاءت الحملات الصليبية وأغلقت هذا الطريق.

دخل المسلمون إلى مصر، عبر الطريق التاريخى للغزوات وهو طريق الفرما أقدم المعابر بين مصر والشام حينها، وكان أهل الحدود يرون أن رفح هى الحد الفاصل بين مصر والشام، وأيلة على خليج العقبة هى الحد بين مصر والحجاز. واستغلت الدولة الإسلامية سيناء لموقعها الاستراتيجى كطريق رئيسى بين البحرين الأحمر والمتوسط، كما احتفظت بأهميتها كطريق تجارى وطريق للحج إلى مكة المكرمة، وكل ذلك يثبت الأهمية الكبيرة لشبه الجزيرة كأساس بناء معادلة الأمن المصرى، حتى قبل ظهور علم الحدود.

تيران وصنافير

تقع شبه الجزيرة فى شمال شرق مصر، وهى هضبة مثلثة رأسها فى الجنوب حيث رأس محمد، وقاعدتها فى البحر المتوسط، وتضم إقليم العريش فى الشمال، وإقليم التيه فى الوسط، فضلا عن إقليم الطور فى الجنوب، وحدها الشمالى البحر المتوسط، والجنوبى البحر المتوسط، أما فى الشرق فيحدها خليج العقبة وخط من طابا ينتهى بنقطة عند البحر المتوسط إلى رفح، ومن الغرب يحدها خليج السويس وقناة السويس.

وتبلغ مساحة سيناء 65,500 كم2 أى 6% من مساحة مصر، و26% من مساحة الصحراء الشرقية، وتعد العريش عاصمة شمال سيناء بينما الطور عاصمة الجنوب، وهى كما يذكرها التاريخ أرض العبور بين القارات وأرض التقاء البحار.

ويبلغ طول خليج السويس 150 ميلا وعرضه 18 ميلا من السويس إلى رأس محمد وأشهر موانئه ميناء عيون موسى، وميناء أبو زنيمة، وميناء الطور، وميناء أبو رديس، ويتمد طول خليج العقبة نحو 100 ميل من رأس محمد إلى قلعة العقبة، وعرضه يتراوح بين 7 و14 ميلا، ويضم 3 جزر هى جزيرة تيران، وجزيرة وصنافير، وجزيرة فرعون، ومن أشهر موانئه ميناء رأس محمد وميناء شرم الشيخ، وميناء دهب، وميناء نويبع.

وأشارت الكاتبة إلى أن مصر حكمت بأياد غير مصرية اختلفت أعراقها وأجناسها وثقافاتها ولغاتها، ما أضعف النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فى البلاد على مر التاريخ، حيث أصبحت ولاية عثمانية بحق الغزو وبدعوى حماية أرض الإسلام، وتنبهت إليها أوروبا بنهاية القرن الـ18 حينما بدأت الحملة الفرنسية على مصر عام 1798 خروجا على قواعد توازن القوى الأوروبية، وهو ما شكل تهديدا لأمن أوروبا نفسها وإهانة للدولة العثمانية التى منيت منه بهزائم عدة، ما دعا بريطانيا للتحالف معها رسميا، حتى انسحبت فرنسا من مصر قبل انتهاء العام الثالث على حملتها وذلك إتفاقية إميان عام 1801.

محمد على

توضح الخشاب أنه منذ هذا الحين أصبح مستقبل مصر السياسى أمرا يخص الدول الأوروبية الكبرى، لكن ما لم يتوقعه ساسة العالم ظهور محمد على كشخصية لها قدرات سياسية وإدارية فائقة تولت حكم مصر حينها بشرعية شعبية وبتأييد من شيوخ الأزهر الشريف، حينها استجاب السلطان العثمانى للمطلب الشعبى ــ على مضض ــ وأصدر فرمانا بتوليته فى 9 يوليو 1805، فى أول عملية خروج عن المألوف بالنسبة للدولة العثمانية.

وشرع محمد على فى اتباع سياسة إصلاح واسعة النطاق فى مصر مثل إعادة ترتيب دواوين الحكومة والاهتمام بالزراعة والصناعة والتجارة والتعليم والصحة وغيرها، كما شكل الجيش المصرى، واهتم بتطوير البحرية المصرية، وأقام دعائم دولة حديثة بمعنى الكلمة، محققا نهضة حديثة بأياد مصرية ومساعدة فرنسية فى أغلب الأحيان، مدركا فى الوقت ذاته أن أطماع بريطانيا وفرنسا فى مصر لن تنتهى.

خطط محمد على إلى إقامة إمبراطورية جديدة فى الشرق قاعدتها مصر، مرتكزة على نقاط استراتيجية فى البحر المتوسط، يمكنها التعامل مع القوى الأوروبية على قدم المساواة، ولعب دور محورى فى السياسة الخارجية، فأسس دولة حديثة قوية مركزية، وتنبع رؤيته استراتيجية تحتاج إلى الوصول إلى جبال طوروس فى الشام «الحدود الطبيعية»، فضلا عن أعماق السودان، وهو ما لم يرض الدولة العثمانية والدول الكبرى.

وأشارت الكاتبة إلى أن دولة محمد على توسعت وامتدت إلى الجزيرة العربية، فضلا عن مصر التى تعبر شبه جزيرة سيناء وتمتد إلى الساحل الشرقى للبحر الأحمر وبالتحديد فى العقبة وضبا ومويلح ــ لتأمين طريق الحج ــ بين مصر والحجاز، وهو ما أثار حفيظة بريطانيا لكونه الطريق المؤدى إلى الهند، ما يهدد مستعمراتها فى آسيا.
ويوضح الكتاب أنه على الرغم من مشاركة مصر فى قمع الثورة اليونانية بأمر من السلطان العثمانى، أصبح لقوات محمد على جزيرة كريت والمورة لتكون مركزا بحريا مصريا بشكل مباشر مع سواحل مصر الشمالية وسواحل اليونان الجنوبية، وهو ما يعنى أن هذه الدولة ستكون ذات دور فاعل ومؤثر فى توازن القوى الأوروبية، وهو ما لم يرض كبار القارة العجوز.
لم يوفق محمد على فى قراءة عدم قبول القوى الأوروبية بلاعب دولى جديد يشاركها النظام الأوروبى، أو يمكنه أن يهز توازن القوى القائم على مبادئ منذ اتفاقية وستفاليا عام 1648 وما تلتها من اتفاقيات من خلال المؤتمرات الأوروبية، ولم يقرأ التحالفات الأوروبية فى حال المساس بالوحدة الإقليمية للدولة العثمانية، إضافة إلى ذلك عدم قراءته لرد الفعل الأوروبى تجاه صعود قوة عربية جديدة تسيطر على المراكز البحرية الحاكمة، بينما ترغب القوى الأوروبية فى ضرورة استمرار العالم العربى فى نومه العميق.

وأشارت إلى أن بريطانيا حرصت على ضرورة وجود عمل دبلوماسى تفاوضى لضمان انسحاب محمد على من اليونان، ولضمان عدم استغلال روسيا القيصرية الأزمة العثمانية لتسوية خلافات حدودية، وكان توقيع برتوكول 4 أبريل 1826 ومعاهدة لندن فى 6 يوليو 1827 بداية التصميم على إزاحة التواجد المصرى العسكرى فى أوروبا وقوتها الإقليمية الكبرى.
نشرت بريطانيا أساطيلها فى البحر المتوسط لإرسال مبعوثين إلى اليونان والآستانة للتفاوض لوقف الحرب بين اليونانيين والدولة العثمانية، كأولى خطوات القضاء على جيش محمد على الذى كان يبحث عن موافقة أوروبية على امتداد حكمه إلى الشام، والموافقة على الاستقلال النهائى عن الدولة العثمانية، إلا أن انتهاء معركة نفارين البحرية فى 20 أكتوبر بهزيمة شديدة للأسطول المصرى والعثمانى قوضت هذا الآمال، وهو ما كشف سوء تقدير والى مصر للهامش المسموح له بالمناورة السياسية والمساومة، فخرج من الحرب بجثث 30 ألف جندى وغرق أغلب الأسول المصرى.

طموح إبراهيم باشا

حسب المؤلفة.. سعى محمد على إلى ضم سوريا لتوسيع ولايته مستغلا انشغال أوروبا بالانقسامات الداخلية وضعف الدولة العثمانية، فاتجه ابنه إبراهيم باشا إلى القسم الجنوبى من الشام للاستيلاء عليه، ثم طلب من السلطان محمود أن يقلده ولاية الشام، فما كان من السلطان إلا أن أصدر فرمانا، وقرر تجهيز حملة قوية بقيادة حسين باشا الذى تقرر أن يحل محله فى ولاية مصر.

استمر الجيش المصرى فى تقدمه حتى دخل طرابلس، ثم استولى على عكا ودمشق وحمص، كما هزم الجيش التركى واستولى على حلب، ثم بيلان، وتم له فتح الشام، وما ساعده فى ذلك هو رغبة أهل الشام فى التخلص من الحكم العثمانى.

واندفع إبراهيم باشا ــ غير مصغ لنصيحة محمد على بعدم مس السيادة العثمانية ــ نحو قونية فى 21 ديسمبر 1832 واحتلها، ثم اتجه نحو كوتاهية وكان على بعد عشرات الأميال من الآستانة عاصمة الدولة العثمانية، وهو ما حدث للمرة الأولى منذ نشوء هذه الإمبراطورية الضخمة، وهو ما بات خطرا على تكامل الوحدة الإقليمية للإمبراطورية وتهديد لبقائها.
وتؤكد الكاتبة أن تهديد الإمبراطورية العثمانية هو تهديد مباشر للأمن الأوروبى، الذى يرى ضرورة أكيدة فى بقاء هذا الكيان السياسى فى حفظ توازن القوى الأوروبية، بدلا من دعم دولة كبرى قوامها متجانس «العروبة»، وكل هذا دعا القوى الأوروبية الكبرى إلى الائتلاف للتقويض هذه القوة الآخذة فى الاتساع، فوافق السلطان العثمانى على مطالب محمد على بالاعتراف له بولاية الشام وأطنة، مع تثبيته على مصر والحجاز وجزيرة كريت، فتم توقيع صلح كوتاهية 1833.

لكن الدولة العثمانية عقدت سرا اتفاق أونكار أسكيليس العسكرى مع روسيا فى 8 يوليو من العام ذاته، تغلق تركيا بمقتضاه مضايقها أمام أية سفن تتجه للعدوان على روسيا، وهو ما أغضب بريطانيا التى كانت تعانى فوبيا مصر وفوبيا روسيا، ورأت البعثة البريطانية العسكرية إلى تركيا برئاسة بالمرستون تراجع محمد على عن الشام وعودة مصر بحدودها الطبيعية، على أن تكون سوريا منطقة عازلة بينها وبين الدولة العثمانية.

فيما كانت وفاة السلطان محمود وهزيمة الجيش العثمانى فى معركة نصيبين فرصة مواتية أمام محمد على لإعلان استقلال الدولة المصرية، لكنه أخطأ مجددا فى حساباته دون أن يعلم ما يخبئ له الأوروبيون.

معاهدة لندن

نوهت الكاتبة إلى أن توقيع الحلفاء الأوروبيون ــ بحضور مندوب عن الدولة العثمانية ــ على معاهدة لندن فى 15 يوليو 1840، يتضمن السلطات التى تعهد السلطان بتخويلها إلى محمد على، وتضمنت شروط المعاهدة توريث محمد على حكم مصر، على أن يكون له حكم المنطقة الجنوبية من سوريا المعروفة بولاية عكا «فلسطين» بما فيها عكا ذاتها، شرط أن يقبل ذلك خلال 10 أيام مع إخلاء جزيرة كريت وإقليم أطنة وسائر الدول العربية الأخرى ويعيد إلى تركيا أسطولها.
وإذا لم يقبل محمد على ذلك خلال 10 أيام يحرم من ولاية عكا، وتترك له 10 أيام أخرى قبل حرمانه من الحكم الوراثى على مصر، وإذا انقضت المدة الأخرى دون قرار يحق للسلطان عزله، فيما يدفع محمد على جزية ويجبى الضرائب باسم الباب العالى، ويجعل قوات مصر البحرية والبرية جزءا من قوات السلطنة لخدمتها فى أى وقت، وحال رفضه ذلك يتخذ الحلفاء الأوروبيون «ما يلزم» لحماية عرش الآستانة.

معاهدة تهدئة الأحوال
توضح الكاتبة أن معاهدة لندن لتهدئة الأحوال فى سوريا كانت بداية لتلاقى المسألة الشرقية بالمسألة اليهودية وخلق عازل بشرى يختلف عن أهل المنطقة فى العرق والدين والتوجه السياسى والثقافى، لوضع شوكة فى خاصرة محمد على تمنعه من التفكير فى التوسع وتملأ الفراغ بعد انسحاب جيوشه، وهى فى حقيقتها معاهدة لمنع مصر من النظر إلى سوريا لتكوين دولة عربية موحدة قوامها مركز الدولة الأموية ودولة الثقل الحضارى والسياسى فى المنطقة.

وبرزت أهمية المعاهدة الأخيرة أوروبيا فى كونها تؤمن خطوط مواصلات الإمبراطورية البريطانية فى الهند، وتمنحها السيطرة على طريق التجارة البحرية، فضلا عن إثبات التفوق البريطانى فى الصراع على البحرين الأحمر والمتوسط، مع فصل مصر عن الشام، والأبرز حل المسألة اليهودية بتوطين اليهود فى فلسطين كعازل بين مصر وسوريا.

كما أصبح تحجيم دور مصر سواء فى عهد محمد على أو غيره تقليدا سياسيا وعسكريا تعتمده القوى الاستعمارية سواء بريطانيا فى القرن الـ19 أو امريكا فى القرن الـ21، أو من سبقهما، كما أنه بموجب التحالف الدولى يمكن استخدام التحالف العسكرى الأوروبى ــ العثمانى فى فرض الانصياع على مصر، وربما القضاء على جيشها الذى أثبت قدرات قتالية عالية، سواء بالحصار أو بالمواجهة العسكرية.

كما تهدف المعاهدة إلى منع مصر من أن تكون قوة إقليمية تلعب دورا يتناقض مع المصالح الأوروبية ــ خاصة البريطانية ــ بتحديد عدد أفراد الجيش إلى للحد الأدنى الذى يمكنها من حفظ أمنها الداخلى، على الرغم من أن مهام أى جيش فى العالم هو الدفاع عن حدود الوطن فى الداخل والخارج، وهذا الأمر تحديدا كان له دور سلبى فى التأثير على مهام الجيش القتالية والدفاعى، حيث اقتصر دور الجيش على مهام التشريفات والاحتفالات الرسمية وحفظ الأمن الداخلى.

ولا يقل بند وقف عمليات التصنيع الكبيرة ضررا عن تحجيم دور الجيش، وكل هذا وأد طموحات محمد على لإقامة إمبراطورية عربية قوية، كما مثل قهرا لإرادة الشعب المصرى بكل ما حققه من نجاحات حينها.

واختتمت الكاتبة الفصل بالإشارة إلى اغتنام السلطان العثمانى موقف الدول الأوروبية الكبرى من مصر للمغالاة فى تشديد القيود على والى مصر، حيث أصدر فرمانا فى أول يونيو جاء فيه: «أبقى فى عهدتكم بطريق الامتياز إدارة الخطة المصرية بحدودها القديمة المعينة بالخريطة المختومة بخاتم الصدارة»، وهذا يعنى أن حد مصر الشرقى من العريش إلى السويس، ويوصل بخط مستقيم يبقى فى شرفه أراضى الحجاز وسوريا.

كان هذا الفرمان بمثابة إعلان انتقام من والى مصر الذى احتل سوريا وكان على مشارف الأناضول، كما سلخ شبه جزيرة سيناء حتى تكون تحت السيطرة العثمانية فى إنذار مبكر لمحاولة محمد على التوسع مجددا، كما قلصت رقعة الدولة بدفع خط الحدود إلى أقصى حد ممكن، وأراد السلطان إثبات أن مصر لا تزال جزءا من الدولة العثمانية، وبالتالى فإن مسألة إضافة أو طرح أجزاء منها تأتى وفقا لمصالح السلطنة العليا، دون أن يستطيع الوالى مراجعتها فى ذلك.

 
تاريخ تطور حدود مصر الشرقية - ألفت أحمد الخشاب- ازبكية


قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك