القس إكرام لمعى: «الإسلام الصحراوى» الوافد شطر الهوية وأعاد خطاب الجزية - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 12:30 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

في كتابه الجديد «المسيحيون بين الوطن والمقدس».. البحث عن حلول لدمج الأقباط

القس إكرام لمعى: «الإسلام الصحراوى» الوافد شطر الهوية وأعاد خطاب الجزية

القس إكرام لمعي - تصوير: علي هزاع
القس إكرام لمعي - تصوير: علي هزاع
أعده للنشر ــ أحمد بدراوى:
نشر في: الأربعاء 27 يوليه 2016 - 11:12 ص | آخر تحديث: الأربعاء 27 يوليه 2016 - 11:12 ص

• على المسيحيين التخلص من عقدة شعورهم بأنهم بلا دور فى المجتمع.. وتفاعلهم سيقضى على التطرف الدينى والاضطهاد المدنى

• «رسول الإسلام» رفض المساس بتمثال لـ«العذراء» موجود فى الكعبة

• الفتح الإسلامى لمصر أحدث تحولا ثقافيا فى الهوية.. والأقباط لم يعيشوا فى «جيتو»

• العهد الفاطمى هو العصر الذهبى بسبب صراع السنة والشيعة

• مبارك عزل الأقباط وحول الكنيسة لدولة وملجأ.. و«ثورة يناير» كانت علامة فارقة فى العلاقة مع الشباب

• «مذبحة ماسبيرو» أحدثت تحولا إيجابيا.. وعلى المصريين ألا يغرقوا فى السلفية

• «داعش» يهدد الجميع.. ومحاولات الهجرة تدمر وجه مصر الحضارى.. والمتطرفون أقرب للدولة من المثقفين
«أنتم ملح الأرض.. أنتم نور العالم».. بهاتين الجملتين من إنجيل متى، أراد أستاذ مقارنة الأديان بكلية اللاهوت الإنجيلية، الدكتور القس إكرام لمعى، تنبيه المسيحيين فى مصر لضرورة التخلص من عقدة شعورهم بأنهم مجرد أقلية دينية من خلال كتابه الأخير، والذى جاء بعنوان: «المسيحيون بين الوطن والمقدس.. الدور والمصير»، الصادر حديثا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ضمن سلسلة المكتبة السياسية.

يتحدث الكتاب عن دور المسيحيين على مدى أكثر من 1500 عام فى بناء الحضارة «العربية ــ الإسلامية» مع المسلمين العرب الذين تمصروا، والمصريين الذين أسلموا، والتغيير فى الهوية المصرية المدنية والحضارية وتكوين نسيج ثقافى عربى إسلامى فى صيغة مصرية أنتجت إسلاما حضاريا مدنيا ومسيحية عربية لغة وثقافة ولاهوت.

ويستعرض الكتاب ــ المقسم إلى 8 فصول فى 250 صفحة ــ تاريخ المسيحيين قبل دخول الإسلام منطقة الشرق الأوسط وصولا إلى الخلافة العثمانية، ودخول مصر عصرها الحديث مع حكم عائلة محمد على، انتهاء بحكمى الرئيسين السابقين محمد أنور السادات ومحمد حسنى مبارك، وعلاقتهم بثورة 25 يناير، ووضع الكاتب رؤيته عن الحلول المرضية لدمج المسيحيين فى المجتمع.

• المسيحيون بين العرب قبل الإسلام.. صراع من أجل البقاء
يعرض الكاتب خلال هذا الفصل، تاريخ وجود المسيحية بين العرب قبل الإسلام، حيث يشير لرسالة القديس بولس الرسول، التى قال فيها إنه ذهب إلى مؤمنين بالسيد المسيح فى دمشق بسوريا وليس شبه الجزيرة العربية، التى يرجح وصول المسيحية لها بعد القرن الثالث الميلادى، ومجموعة أسماء لأساقفة عرب مسيحيين حضروا مجامع لاهوتية مثل مجمع نيقية سنة 325م، قادمين من الجزيرة العربية، وفى عام 363م حضر ثيوتونيوس العربى إلى مجمع أنطاكية، وعند اندلاع ثورة عرب سوريا ضد الإمبراطورية الرومانية برز اسم الأسقف موسى، معتبرا أنها إشارات لوجود الإيمان المسيحى العربى، ذى النظام الكنسى المحكم، حتى القرن السابع الميلادى، لكنه لم يحل دون ضعف طبيعة المسيحية التى كانت تصارع من أجل البقاء.

ويشير لمعى إلى أن المسيحية كانت موجودة بين القبائل الرئيسية على طول سواحل طرق التجارة، وأن صورة وتمثال السيدة العذراء مريم وطفلها عيسى كانت داخل الكعبة بجوار أصنام أخرى، وخلال تحرير المسلمين للكعبة من الأصنام، رفض رسول الإسلام محمد «ص» المساس بصورة العذراء.

ويعتبر الكاتب أن اعتراف الإمبراطور الرومانى قسطنطين فى القرن الرابع الميلادى بالمسيحية كديانة «وبالا»، حيث دخل الآلاف فيها تقربا للدولة والإمبراطور، وصارت هى الديانة الرسمية الوحيدة فى مصر خلال القرنين الرابع والخامس الميلادى، وأن عدم استقرار الأمور واجتياح وباء قتل مليونى مواطن عام 451 م، وغزو الفرس لمدة 11 سنة، انتهت بصلح مع البيزنطيين سنة 629 م، جعل المصريين مؤهلين لقبول الفتح الإسلامى.

ويوضح لمعى، أن الإبداع الفكرى الإنسانى المسيحى الشرقى وصل قمته فى القرن الخامس الميلادى، وهبط للصفر فى السادس، وحين دخل الإسلام لمصر لم يجد فكرا لاهوتيا مسيحيا واستمر الحال حتى القرن السابع، ثم ارتفع للقمة مع دولة الخلافة العباسية فى القرن التاسع، ليتهاوى فى الخلافة العثمانية فى القرن السادس عشر.

• الفتح الإسلامى لمصر.. تحول ثقافى فى الهوية المصرية
وسرد الكاتب فى هذا الفتح حالة مصر قبيل الفتح الإسلامى لمصر، حيث كان بابا الأقباط المصريين الأنبا بنيامين بطريرك الكنيسة رقم 38 وهو مصرى تعود أصوله لمحافظة البحيرة، وهرب للصحراء بعد حملة اضطهادات بيزنطية للمسيحيين، وحرق أخيه حيا فى الإسكندرية، إلى أن فتح عمرو بن العاص مصر، واستدعاه بعد هروبه 13 عاما.

ويشير المؤلف إلى أن تمصر العرب المسلمين وتحول بعض المسيحيين إلى الإسلام وتزاوج العرب والمصريين، وحدوث تحول ثقافى فى الهوية المصرية، أدى لتكوين نسيج ثقافى عربى إسلامى مسيحى فى صيغة مصرية متفردة، بشكل يختلف عما كان عليه عرب شبه الجزيرة، وأن المصادر التاريخية الإسلامية، ذكرت أن طريقة تعامل الحكام مع الحرية الممنوحة للبلاد التى فتحوها اختلفت، فعمر بن الخطاب كان يرى أنه مسئول عن حماية الصلبان الموضوعة فى الكنائس، أما فى سوريا فى عهد الأمويين فتم السماح للمسيحيين بحمل الصلبان بشكل علنى مرة واحدة فى العام، لكن الخليفة عبدالله بن مروان أمر بتحطيم الصلبان الموضوعة على مبانٍ مرتفعة.

ويوضح أنه مع بداية القرن الثامن الميلادى كان المسيحيون العرب يعرفون بأهل الكتاب، وتوضع لهم قوانين ولوائح خاصة بهم منسوبة للخليفة عمر بن الخطاب «الوثيقة العمرية»، وهى قوانين ألزمتهم بدفع الجزية، وبنود تنص على شروط معينة لبناء الكنائس وملابسهم فى مقابل التزام بعدم حمل السلاح، مضيفا أن تأقلم اللاهوتيين وإعادتهم تفسير عقيدتهم، كما فعل القديس يوحنا الدمشقى وشرحه لطبيعة المسيح وأن الطبيعة الإنسانية لم تختلط بالإلهية، أراح فقهاء المسلمين، وسمح بانتشارها فى الدولة الأموية بقوة دون مصادرة الكتاب أو محاكمة كاتبه، معتبرا أن الفتح الإسلامى لمصر يمثل نقطة فارقة، حيث غير وجهها الحضارى بعد قرون من الخمول فى ظل الاحتلال الرومانى.

• المسيحيون بين الدولة العباسية والعثمانية
يذكر المؤلف أن المسيحيين تمتعوا بحرية حركة كبيرة فى مجتمع الدولة العباسية، لكنهم لم يكونوا كاملى المواطنة، مستشهدا بمقالات المفكر المصرى غالى شكرى التى جاءت بعنوان «حصان طروادة المسيحى فى مصر»، والتى ذكرت أنه منذ دخول الإسلام وفرض التعددية الدينية لم يجد أبدا ما يسمى بالوحدة أو الوطنية، وإنما دولة قوية تعطى الحرية للأقليات أو ضعيفة وبقاؤها مرهون بإثارة الفتن، وأنه فى فترة الحكم العباسى خرج أهم بطاركة الكنيسة وهو البطريرك تيمثاوس الأول «728 ــ 823 م»، والذى جلس على كرسى البابوية 40 عاما، وكانت كنيسته ضخمة، ما أعطى قوة ونفوذا بسبب قدراته الإدارية والمالية التى وقرتها السلطات الإسلامية، باعتباره رئيسا لكل المسيحيين، مشيرا إلى أن المسيحيين لم يعيشوا مطلقا فى «جيتو» ــ مجتمع انعزالى اختيارى ــ.

ويصف الكاتب حكم الدولة الفاطمية بـ«العصر الذهبى»، حيث تولى المسيحيون مناصب فى الإدارة بسبب الصراع بين الشيعة والسنة، ويضيف أنه أثناء فترة الدولة الأيوبية عاش المسيحيون واليهود وقتا مريحا، وأنه على الرغم من الحروب شبه الدائمة ضد الصليبيين، لكن الوجود الاجتماعى لم يتأثر بتلك الحرب.

ويذكر لمعى أن المغول عام 1258م أظهروا تسامحا مع المسيحيين سرعان ما تحول إلى اضطهاد وحرق وقتل، وفى عهد المماليك كان لهم فى الريف وجود مؤثر، ولم تؤثر الديانة فى المعاملات القانونية أمام المحاكم بحسب وثائق دير سانت كاترين فى سيناء، وأن المصريين عدا اليهود كانوا يحتفلون بأعياد ومواسم مسيحية، وأن المشكلات التى تنشب بين المسلمين والمسيحيين كانت اجتماعية أو اقتصادية تتحول لدينية، وإن السلطات كانت تثير العوام لشغل الناس عن فساد الحكام، مثل عهد مبارك.

ويذكر الكاتب أن الخلافة العثمانية خففت بعض القيود، مثل إلزام البطريرك نفسه بجمع الجزية، والتغاضى عن إلزام المسيحيين بأزياء معينة، وأن المصادر الأجنبية تقول إن الأمر كان مرتبطا بالمستوى الاجتماعى، وأنهم أدخلوا نظام الملل والنحل، لدمج أتباع كل طائفة معا، وأن من أخطر القرارات الاتحاد بين الكنيسة الأرثوذكسية المصرية والكاثوليكية فى روما، حين أرسل بابا روما وفدا لإقناع البابا رقم 96 يؤانس الرابع عشر «1571 ــ 1586م»، بقبول الاتحاد، وأن موافقة المجمع المقدس للكنيسة أدى إلى انقسام الأساقفة، وأن القرار لم ينفذ، حيث أثار المعارضون السلطات ضد البابا ودسوا السم له فمات، ثم عزلوا البابا رقم 98 مرقص الخامس «1603 ــ 1619م»، وإلى يومنا هذا، حين يفشل العلمانيون يلجئون للدولة، ومنهم رجال الأعمال الأقباط أصحاب الثروات الضخمة الذين لهم علاقة مباشرة بالكنيسة.

• هنرى كيسنجر: الجيش والكنيسة يتمتعان بنظام إدارى قوى يصعب اختراقه
وينقل الكاتب عن هنرى كيسنجر قوله: «يمتد تاريخ الكنيسة المصرية الأرثوذكسية، للقرن الأول الميلادى، وهى تتبنى النظام الهرمى، وقمته البطريرك وهو خليفة المسيح ومرقص الرسول، ثم الأساقفة ثم الكهنة «قمامصة وقساوسة»، منهم من تزوج وأنجب ومنهم الراهب، وقد كان الباباوات الأوائل يختارون من العلمانيين، فمن البابا الأول ويدعى «إنيانوس، 68 ــ 83م»، حتى التاسع «كالاوتيانوس 152 ــ 166م»، ومن الثانى عشر حتى الرابع عشر كانوا جميعا من العلمانيين، من مديرى مدرسة الإسكندرية، ثم جاء البابا رقم 58 و73 و74 علمانيا، وكان آخر بابا فى القرن الثالث عشر، حيث أطبقت الرهبنة على مقدرات الكنيسة حتى الأن، ولم يعد مكانا لعلمانى بين الباباوات أو الأساقفة».

ويوضح لمعى، أنه لا توجد معلومات تاريخية عن صناعة القرار فى فترات خلو الكرسى البابوى بعد وفاة البطرك أو غيابه، مذكرا بالخلاف التاريخى بين الرئيس السادات والبابا المتنيح شنودة الثالث، فى سبعينيات القرن الماضى، حين عزله واستقبل الأب متى المسكين للقيام مكانه فرفض، فكون لجنة من 5 أساقفة للقيام بعمل البابا، كاشفا أن شنودة أدار شئون الكنيسة من دير وادى النطرون، واللجنة الخماسية لم يمكنها اتخاذ أى قرار، وأنها تعرضت فى القرن الـ17 فى عصر البابا مرقص الخامس لانشقاق فكرى لاهوتى، حيث خرج أسقف دمياط، وقال إن المسيحية لا تحرم تعدد الزوجات، واحتوت الكنيسة الأمر بحرمان الأسقف، وتطور الأمر بمطالب شعبية لعزل البابا، وكانت جموع الشعب تؤيد البابا المعزول، وليس الآخر الحكومى.

واقتبس الكاتب عبارة لهنرى كيسنجر، وزير خارجية أمريكا الأسبق تدل على قوة الكنيسة المصرية، فى مذكراته، حيث قال: «بهزيمة 5 يونيو 1967 انهارت الدولة المصرية تماما ولم يبق فيها سوى مؤسستين لم ينهارا الجيش والكنيسة الأرثوذكسية؛ لأن هاتين المؤسستين تتمتعان بنظام إدارى قوى مصمت يصعب اختراقه، لذلك استطاع الفريق محمود فوزى استعادة قوة الجيش فى 6 سنوات، وكان العبور الناجح 1973، وهو ما لم يحدث فى تاريخ الجيوش المهزومة، ووقفت الكنيسة الوطنية صامدة أمام كل التيارات ولم تهتز وخرجت سالمة».

• المسيحيون وبناء مصر الحديثة
يذكر المؤلف أن الحملة الفرنسية على مصر عام 1798م، كانت النافذة على العالم ونقلتها لدولة عصرية فى مجال الصناعة، وشهدت الميلاد الحقيقى لـ«القومية» حيث تميز موقف المسيحيين برد فعل متحفظ تجاه سياسة نابليون بونابرت، واعتبروه «غازيا»، لكن جرجس جوهرى، عميد الأقباط، ورئيس الرؤساء وقت الحملة، وأنطوان أبوطاقية، وكان محاسبا بالحكومة، ويعقوب حنا، كان لهم موقف فى اعتبار الحملة ستخلص مصر من الحكم العثمانى وتفتحها على أوروبا، والأخير احتار المؤرخون فى موقفه، واعتبره البعض وطنيا مصريا يسعى لاستقلال مصر عن تركيا وفرنسا وإنجلترا.

ويشير الكاتب إلى أن محمد على مؤسس مصر الحديثة «1805 ــ 1848م»، اهتم ببناء الشخصية المصرية، وبإنشائه الدولة العلمانية الحديثة، لم يكن هناك تفريق بين المواطنين دينيا أو طائفيا، ومنح لقب بك لمسيحى مصرى فى أول تقليد، وصدق لأول مرة على تنفيذ حكم الإعدام على مسلم قتل مسيحى، ونظر للمسيحيين كمواطنين مصريين كاملى الأهلية، ورفض محاولات روسيا فرض حمايتها على المسيحيين المصريين طبقا لمعاهدة 1774م.

وسمح الخديو محمد سعيد «1854 ــ 1863م» للمسيحيين المصريين بالخدمة فى الجيش، وألغى الجزية عنهم، أما الخديو إسماعيل «1863 ــ 1879م»، فدعم المدارس المسيحية، وعين قضاة مسيحيين، وأعطى المسيحيين الحق فى عضوية مجلس شورى النواب، وحصل نوبار باشا على الباشوية، وكان أرمينيا مصريا.

ويرجع الكاتب، النهضة التعليمية والثقافية والاجتماعية فى مصر من القرن العشرين لموقف المسيحيين من الاستعمار الإنجليزى، ودورهم فى نقل العلوم الأوروبية إلى مصر، مثل الأخوين تكلا مؤسسا الأهرام، وجورجى زيدان مؤسس دار الهلال، وجورج أبيض ونجيب الريحانى فى المسرح والمفكر لويس عوض «1915 ــ 1990م»، والكوادر السياسية، مثل وزير المواصلات مكرم عبيد «1889 ــ 1961م».

• المسيحيون فى مواجهة الإسلاميين وبينهما السادات ثم مبارك

يكشف المؤلف أن تحالف السادات سياسيا مع اليمين الإسلامى والمسيحى، تبدل مع تطور الأحداث وهو ما انتهى بمهاجمة الطرفين للرئيس الراحل، حيث رأى المسيحيين أن السادات يؤيد الإسلاميين المطالبين بتطبيق الشريعة، وترك لهم حرية ضرب اليسار، فيما فرضت أزمته مع البابا شنودة نفسها على الأحداث، ويضيف أن «الإسلاميين العائدين من السعودية نقلوا مجتمع البداوة والإسلام الصحراوى، وهو ما أدى إلى انقسام الهوية، وعودة خطاب الجزية».

ويشير إلى أن مبارك سار على نهج السادات، بمحاولته التوازن بين الأقباط والإسلاميين والتيارات السياسية، لكن كانت الثمانينيات والتسعينيات قد شهدت توسع «الأسلمة»، وترك مبارك مشاكل المسلمين والمسيحيين للحل أمنى، ما دفعهم للتقوقع داخل أسوار الكنيسة التى تحولت لدولة بذاتها بها كل الخدمات، وصارت الملجأ فى أى حادثة، وأعطى مبارك للإخوان مساحة فى البرلمان، بشرط عدم الاقتراب من الرئاسة، حتى ظهر سيناريو التوريث.

السادات وشنودة
 
مبارك وشنودة - تصوير: محمد سماحة

• ثورة يناير وتظاهر المسيحيين خارج أسوار الكنيسة
يقول الكاتب: الكنائس الأرثوذكسية، والكاثوليكية، والإنجيلية، حاولت منع شبابها من النزول للميدان، لكن الشباب خرج، واتسم موقف البابا شنودة بالتحفظ، حيث رأى أن المسيحيين ليس من طبيعتهم المشاركة فى المظاهرات، لكن ذلك أحدث وعيا ليدرك أهمية الفصل بين الدور الروحى والسياسى للكنيسة، والتى تداركت الموقف بدعمها للثورة، التى رفع فيها شعار «مسيحيون ومسلمون إيد واحدة»، وشعارات «الهلال مع الصليب».

ويرجع التحفظ على الثورة من قبل بعض المسيحيين لأفكار قطاع قبطى كبير أن مبارك أفضل لهم من الإخوان، رغم سلبيات عهده، لأنهم أشاعوا التشدد وخرجت منهم جماعات إسلامية مسلحة اعتدت على كنائس، وأنه بعد تنحى مبارك، وقع حادث كنيسة بأطفيح، ثم توالى الشغب ضد المسيحيين، إضافة إلى تعديلات 19 مارس للدستور، وأحداث ماسبيرو التى سقط فيها 25 قتيلا و200 مصاب، وأنه رغم فداحتها لكنها أحدثت تحولا إيجابيا للشباب المسيحى بالمشاركة السياسة، لتتراجع سيطرة الكنيسة عليهم، وتسقط هيبة المؤسسات الدينية التى لم تعارض التوريث، ولم ترفع صوتها ضد ظلم، وأن انتخابات الرئاسة 2012 و2014 أظهرت الأقباط ككتلة مدنية تدافع عن الدولة المدنية.

مظاهرات الأقباط أمام ماسبيرو - تصوير: جيهان نصر

 

• المسيحيون وخرافة الدعم الخارجى والهجرة
فوجئ المصريون بدعاوى حرق مصر من الإخوان إذا لم يعد رئيسهم للسلطة، وألقوا أطفالا من على سطح منزل بالإسكندرية، ثم محاولتهم تدمير سيناء، وحرق أكثر من 70 كنيسة لجر مصر لحرب أهلية بين المسلمين والمسيحيين، لكن البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية قال: «وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن».

ويرى المؤلف أن على المسيحيين الانتباه لعدة خرافات، أولها حمايتهم من الولايات المتحدة والغرب أو الجيش والدولة من الداخل، لأن تلك الدول لا تحمى سوى مصالحها، وأن الجيش والدولة لن يتحركا سوى بعد حرب أهلية وقودها الأقليات، وأنه من المستحيل أن تتم هجرة 10 ملايين للخارج، وأن محاولاتهم للهجرة هو تدمير لوجه مصر المتميز.

• لا فرق بين داعش والإخوان
ويؤكد لمعى أنه رغم كل المحاولات الجادة من الدولة للقضاء على التطرف الدينى عبر حلول أمنية وثقافية وتينعليمية، إلا أنه زاد وتطور بسبب خطأ سياسى فى احتكار الدولة للدين بمنعها أية رؤية أخرى من خارجها، وأن الذين يريدون محاربة التطرف بشكل جدى من مثقفين، مضطرين للتحالف مع الدولة، ويضيف أن الذين ترسلهم الدولة للغرب كواجهة لها، وأنها تعتبرهم أيقونة المؤسسات الدينية للدعاية، وأنه حين تحدث رئيس الجمهورية عن الثورة الدينية امتعضت المؤسسات الدينية بلا استثناء، ولم يكرروا اللفظ، وحولوه لدعوة قديمة متهالكة بعنوان «تجديد الخطاب الدينى».

• المسيحيون وعقدة الأقلية.. وحلول للأزمة
ويرأى الكاتب أن الخروج من المأزق الراهن، يكون عن طريق تجديد الفكر الدينى دون وقوف عند نقطة تاريخية معينة، وأن «داعش والتطرف» لا يهددان المسيحية بل الإسلام أيضا، وأن الجمود أمام تغييرات العصر خيانة للذات وللتاريخ، وأنه إذا كان المصريون يريدون ألا يسقطوا من التاريخ فعليهم ألا يغرقوا فى السلفية الدينية، وأن لدى المسيحيين الكثير لتقديمه بعد ثورتين، وألا ينظرون لأنفسهم كأقلية أو أن دورهم غير مؤثر، وأن المطلوب الآن التخلص من عقدة الأقلية، وهم يملكون الكثير للإسهام به للوصول إلى مجتمع ديمقراطى حر عادل، من خلال 10 قنوات فضائية و30 مدرسة خاصة ودور نشر، و3 ملايين مهاجر لهم روابطهم فى أمريكا وأستراليا وكندا وأوروبا.

ويختتم المؤلف، كتابه بالتأكيد على أهمية دعم القوانين التى تنادى بالحرية والعدل، وأن تواجه الكنيسة كل فساد سياسى أو اقتصادى أو اجتماعى، مع ضرورة أن تكون مصر دولة محايدة دينيا تقبل جميع الأديان وليست علمانية، لأن العلمانية فى معناها المتشدد رفض الدين، وإذا استطاع المسيحيون أن يعيشوا قضايا مجتمعهم بكل تفاعلاته لن يخشوا من تطرف دينى أو اضطهاد مدنى.

السيسى فى قداس عيد الميلاد المجيد 


قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك