حمدي قنديل بمذكراته: ترشحت للانتخابات فى دمشق.. وطالبنى ضابط مصرى بالانسحاب «حتى لا ينالوا من الوحدة»(3) - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 8:02 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحلقة (3) من مذاكرات حمدي قنديل «عشت مرتين»

حمدي قنديل بمذكراته: ترشحت للانتخابات فى دمشق.. وطالبنى ضابط مصرى بالانسحاب «حتى لا ينالوا من الوحدة»(3)

سعد زغلول فؤاد يشعل سيجارته وراء مقود السيارة الفورد ومعنا الصحفيان المصريان محمد حمودة«إلى الأمام»وصلاح جلال «إلى في الخلف»..في دمشق - خاص الشروق
سعد زغلول فؤاد يشعل سيجارته وراء مقود السيارة الفورد ومعنا الصحفيان المصريان محمد حمودة«إلى الأمام»وصلاح جلال «إلى في الخلف»..في دمشق - خاص الشروق
اعداد - إسماعيل الأشول
نشر في: الثلاثاء 28 يناير 2014 - 2:09 م | آخر تحديث: الثلاثاء 28 يناير 2014 - 5:53 م

من أول تعيين له فى مجلة آخر ساعة وهو طالب فى الطب، مرورا بسفره للعمل فى سوريا وترشحه فى انتخابات «الاتحاد القومى»، ثم لقاءاته بالرئيس السورى بشار الأسد، تدور أحداث السطور التالية من مذكرات الإعلامى الكبير حمدى قنديل.

ظهرت نتيجة امتحانات ثانية طب فى المساء، ونقلت إلى السنة الثالثة وإن كان علىّ أن أدخل امتحان الإعادة بعد شهور فى التشريح والفسيولوجى، ولكننى قبل أن أذهب إلى البيت لأخبر العائلة بالنتيجة، توجهت أولا إلى أخبار اليوم لعلِّى أستطيع مقابلة الأستاذ مصطفى أمين.

لم تستغرق المقابلة سوى بضع دقائق وفوجئت به بعدها يطلب سكرتيره سليم فى التليفون ويبلغه بأننى سأعمل محررا فى مجلة «آخر ساعة» وأن مرتبى سيكون 15 جنيها شهريا.

بعد ذلك جاءنى زميلى محمد العزبى يبلغنى بأن هناك عرضا لكلينا من مجلة «التحرير» مقابل راتب قدره خمسة وعشرون جنيها.

كانت مجلة «التحرير» تصدر عن «دار التحرير للطبع والنشر» التى تصدر كذلك جريدة «الجمهورية»، وكانت الدار أنشئت عام 1953 لتتحدث بلسان الثورة، وكان رئيس تحرير المجلة هو المقدم عبد العزيز صادق، أحد أعضاء الصف الثانى فى «الضباط الأحرار»، ولم يكن تولى ضابط لمثل هذه المهام أمرا يلفت النظر فى تلك الأيام التى بدأ فيها الضباط يتسربون إلى الصحافة والإذاعة.

آه يا دمشق 1959 ــ 2011

طلب منى زميلى فى مجلة «التحرير» أسعد حسنى فى فبراير 1959 أن نلتقى مع نصوح بابيل نقيب الصحفيين فى سوريا وصاحب جريدة «الأيام»، ذهبنا إلى هناك وأنا على يقين أن أسعد رتب لى اللقاء حتى أجرى حديثا للمجلة مع الرجل، وأنه صاحبنى لأنه صديق له.

لم تستغرق المقابلة سوى وقت قصير للغاية، كل ما فهمته فى الدقائق الأولى أنه متحمس للوحدة بين مصر وسوريا، وبعدها دخل مباشرة فى الموضوع، جريدته كانت عريقة وشهيرة فى سوريا، وهو راضٍ عنها تماما، إلَّا أنه غير راضٍ عن إخراجها الصحفى؛ ولذلك فهو يعرض عليَّ أن أكون مسئولا عن ذلك، وفاجأنى الرجل بأنه يود لو أجبته فى الحال إذا كنت على استعداد للسفر معه إلى دمشق خلال الأسبوع نفسه.

أجبت بالإيجاب حتى قبل أن أعرف الراتب الذى سيعرضه؛ وعندما أخبرت أبى بالأمر سألنى سؤالا واحدا: «وما الذى ستفعله بدراستك؟» قلت إن زملائى سوف يوافونى بالكتب والمذكرات، ووعدت بالحضور إلى القاهرة لأداء الامتحان، كنت على يقين أن العائلة لن تمانع؛ فقد ربانى أبى وأمى على حب السفر، بل كانا يحرضانى عليه.

 

فى سنة 1958 كنت سافرت إلى سوريا، وكانت الوحدة وقتها قد أعلنت، وكان معى زميلى السابق فى كلية الطب صبرى أيوب نصيف.

فى اليوم التالى للزيارة تلقيت مكالمة تليفونية فى الفندق، قال المتحدث إنه المقدم طلعت صدقى من المكتب الثانى، أى مخابرات الإقليم الشمالى، وإنه يريد أن يقابلنى.

قال إنه يود أن يحدثنى فى موضوع مهم: «يا أخ حمدى لماذا تعملون وحدكم؟» لم أفهم السؤال، ولكنه استمر يسأل: «لماذا لا تستعينون بنا؟ هل تعتقدون أنه بعد أن تقضوا فى دمشق أياما معدودة فقط تستطيعون الحصول على المعلومات الصحيحة اللازمة؟».

بدأت مقاصده تتضح فنفيت أى صلة لنا بالمخابرات المصرية، فقال لى: «سواء كنتم تعملون للمخابرات المصرية أم لا، فسوف أعرض عليك الآن عرضا أرجو ألا تتحرج من رفضه على الفور لو أردت، أما إذا كنت تود أن تقدم لسوريا وللعروبة خدمة فسوف أكون شاكرا».

صمت برهة وصمت أنا الآخر، فاستطرد يقول: «تعرف مشكلة لواء الإسكندرونة»، قلت: «أعرفها.. هذه أرض سورية استولى عليها الأتراك»، قال: «ونحن نجاهد من أجل استردادها، ويعمل فيها رجالنا على الدوام، ولكن مجموعة منهم ألقى القبض عليه فى العام الماضى، وهم الآن يحاكمون، ولدينا رسالة مهمة يمكن أن تساعد على تبرئتهم، وهذه الرسالة نريد تسليمها إلى القنصل (السورى) فى إسطنبول».

ذكر لى اسم القنصل الذى لا يحضرنى الآن، وسألنى إذا ما كنت على استعداد لتوصيل الرسالة، أشهد أنه نبهنى بشدة إلى مخاطر المهمة، وأبلغنى بأن المخابرات التركية لو ضبطت الرسالة معى أثنـاء التفتـيش الدقيق على الحدود فربما يكون مصيرى الإعدام.

وافقت دون تردد، ولكننى قلت إن لى شرطا واحدا هو أن أبلغ السفير فى أنقرة، التى سأزورها بعد زيارتى لإسطنبول، قال: «افعل ما ترى.. المهم أن تصل الرسالة بسرعة».

فى اسطنبول

قدَّرت أنه مادامت الصحف العربية ممنوعة فى تركيا، فسوف تلفت المجلة نظر ضابط الجمرك، والأرجح أنه سيركز اهتمامه فيها، وبذلك لن يلتفت إلى المظروف، يا إلهى، هذا ما حدث تماما عندما بلغنا نقطة الحدود التركية، صادر الضابط المجلة ولم يفتش الحقيبة، أحمدك يارب، السؤال الوحيد الذى سأله لى الضابط هو ما إذا كان معى بن أم لا، وهو السؤال نفسه الذى وجهه لكل الذين معنا فى السيارة؛ إذ يبدو أن مهربى البن كانوا كثيرا ما يستخدمون هذا الطريق.

عندما وصلنا إسطنبول أخذت أعد الساعات حتى يأتى الصباح وأسلم الرسالة، كانت تعليمات طلعت صدقى ألا أتصل بالقنصل، وإنما أن أذهب إلى القنصلية فى الصباح كمواطن عادى وأطلب مقابلته، وسوف يكون مستعدا لاستقبالى، وهذا ما حدث، بعدها ذهبت إلى أنقرة وأبلغت السفير بالأمر.

منذ اليوم الأول عاملنى نصوح بابيل كأب لا كصاحب عمل، كان حريصا على راحتى الشخصية أولا، على سكنى وما إلى ذلك، بل إنه وفقا للعقد الذى وقعناه كان عليه أن يدفع لى مرتب شهر مقدما إلَّا أنه قال إنه ملتزم بوعده لكنه سيعطينى نصف المبلغ فقط خشية أن تضيع الفلوس فى «الكلام الفارغ» إذا ما تسلمتها دفعة واحدة، وقال إنه سيحتفظ بالباقى لديه إلى أن أطلبه وقت الحاجة.

حين غادرت الجريدة بعد انتهاء فترة عملى المؤقتة بها، شاءت الصدف أن ينطلق مشروع لصحيفة يومية جديدة فى دمشق هى جريدة «الجماهير» التى التحقت بالعمل بها بدعوة من القائمين عليها، وكان وراءها قطبان شهيران فى حزب البعث، د. جمال الدين الأتاسى ود. عبد الكريم زهور، وكان كلاهما يمثل جناحا ذا صبغة اشتراكية مميزة فى الحزب الذى أصدر قرارا بحل نفسه فى اليوم التالى لإعلان الوحدة، أى فى 23 فبراير 1958.

انتظم العمل، ولم يكن هناك ما ينغصنى سوى ذلك التوتر المكتوم بين مؤسسى الجريدة وبين عبد الحميد السراج الذى أصبح وزيرا لداخلية الوحدة ورئيسا للمكتب التنفيذى للإقليم الشمالى، وكان هذا التوتر يعكس فى حقيقته العلاقة المضطربة بين البعث والسراج؛ أقرب الضباط السوريين إلى عبد الناصر.

الانتخابات

أعلن وقتها عن إجراء الاتحاد القومى لأول انتخابات له فى دولة الوحدة التى كنت واحدا من الملايين المتحمسة لها، فقررت أن أرشح نفسى فى دمشق لمجرد أن أؤكد أن هذه الوحدة واقع وليس مجرد شعارات.

قدمت أوراقى إلى وزارة الداخلية كما هو مقرر، ولكن لم تمضِ أيام حتى اتصل بى ضابط مصرى شاب يعمل فى مكتب الاتصال المصرى فى الداخلية السورية، وهو المكتب المعنى بشئون المواطنين المصريين المقيمين فى الإقليم الشمالى، وطلب منى الذهاب إليه، وفى مكتبه فاجأنى عندما طلب منى سحب ترشيحى، عندما سألت عن السبب، قال: «أصارحك، أنت المصرى الوحيد الذى رشح نفسه فى سوريا، وإذا سقطت فى الانتخابات فسوف يستغل ذلك للنيل من الوحدة»، عبثا حاولت أن أجادل، فقد قال الضابط بحسم: «أمـامك 48 سـاعة لتقرر وإلَّا فإننا سوف نصادر بطاقتك الشخصية ونعتبر ترشحك لاغيا».

نشرت مقالا فى «الجماهير» حكيت فيه القصة بتفاصيلها، وفى اليوم التالى وصلنى إخطار رسمى بأن ترشيحى اعتبر لاغيا لأن «أوراقه ليست مكتملة»، وصودرت البطاقة.

لم تمضِ أيام حتى وقعت أزمة أخرى داخل الجريدة بسبب تحقيق صحفى قام بنشره صديقى الصحفى المصرى الشهير سعد زغلول فؤاد.

سعد لم يكن صحفيا فقط، لكنه كان أيضا فى طليعة الفدائيين فى حقبة النضال من أجل الاستقلال فى الأربعينيات والخمسينيات، وكانت له صولات وجولات على امتداد الوطن العربى كله، حكم عليه خلالها بالإعدام مرتين وأفلت من المشنقة، وقاتل إلى جانب الجزائريين أثناء ثورتهم، ورافق الفلسطينيين فى كفاحهم سنوات، وظل على الدوام نقيا صافى النفس لا يملك من الدنيا إلَّا ما يكاد يستره، حتى استراح من رحلته المضنية فى الحياة.

كلف سعد مع مصور الجريدة «سركيس بالجيان» بإعداد تحقيق صحفى حول انتخابات الاتحاد القومى، وبالفعل قدم التحقيق فى اليوم التالى، إلَّا أنه أسهب كثيرا فى التفاصيل حتى إن التحقيق تعدى الصفحة المخصصة له فاختصرت منه نحو فقرتين عند النشر.

جاء سعد فى المساء إلى مقر الجريدة فى حى «المهاجرين» على حافة جبل قاسيون فى دمشق، وكان مكتبى فى قاعة كبيرة أجلس فى جانب منها فى حين يجلس فى الجانب الآخر «إميل شويري» مدير التحرير.

وما إن أبلغت سعد بأننى قمت بالاختصار حتى ثار، كان يعتقد أن إميل هو الذى حذف ما حذف لأنه بعثى، ولأن التحقيق الصحفى شهد بنزاهة التصويت والفرز الذى أشرف عليه السراج عدو البعث، لم يصدق سعد أننى الذى قمت باختصار التحقيق، وفجأة قفز إلى الجانب الآخر من الغرفة ليبدأ بينه وبين إميل تلاسن حاد، انتهى بأن التقط سعد مطفأة السجائر من على مكتب إميل وقذفه بها فى وجهه، كان هذا آخر أيام سعد فى الجريدة.

إلى بيروت

بعد هذه الواقعة بأيام وصلنى مقال الدكتور جمال الأتاسى قبل أن أتناول إفطارى، فقد كان معتادا أن يرسل مقالاته بانتظام، كانت مقدمة المقال معتادة تعكس الأزمة المألوفة مع السراج ومع السلطة فى القاهرة التى كتب عنها الأتاسى مرات من قبل، ولكن اللهجة هذه المرة كانت حادة، بل إنها تصاعدت حتى قال الأتاسى فى نهاية المقال: «عندما توصلت مع أخى عبد الكريم زهور إلى تحليل المرحلة، والمخاطر الخارجية والداخلية، وسيادة عقلية كمال الدين حسين وعبد القادر حاتم وغيرهما فى إدارة المجتمع على النقيض من عقلية الرئيس عبد الناصر، وجدنا أن الحل الوحيد المتاح لنا هو الاعتصام بالصمت كتعبير عن الاحتجاج»، وهكذا صمتت «الجماهير» وتوقفت عن الصدور فى عام 1959.

قال سعد: «لا تحمل همّا.. سنسافر إلى بيروت».. كانت بيروت بالنسبة لى حلما لم أستطع تحقيقه طوال إقامتى فى دمشق، وكانت وقتها مركز السياحة والتجارة فى المنطقة، وقبل هذا وذاك منبر الصحافة العربية الحرة.

حزمنا حقائبنا، ووضعناهما فى سيارته «الفورد» العتيقة المكشوفة، وانطلقت بنا السيارة صوب الحدود اللبنانية عبر طرق جبلية يعرفها سعد جيدا، وعندما عبرنا الحدود إذا بالجو يمتلئ فجأة بأزيز الرصاص.

قال سعد: «لا تخش شيئا، هذه الطلقات هى تحية لقدومنا، فنحن الآن فى أرض لبنانية يقيم بها الدروز التابعون للشيخ شبلى أغا العريان، وهو ورجاله أصدقائى منذ كنت أهرِّب لهم السلاح فى العام الماضى عندما كانوا يقاومون الرئيس اللبنانى كميل شمعون الذى استدعى الأسطول السادس لضرب مصر وسوريا»، وهكذا واصلنا السير إلى قلب بيروت حيث أقمنا فى فندق متواضع صغير».

كان الفندق فى «ساحة البرج»، لم أعد أذكر اسمه، وكان أفضل ما يميزه أنه كان يقبل الزبائن دون حاجة إلى جواز سفر، أما أسوأ ما فيه فكان الغرفة التى أعطوها لنا، فقد كان فى الغرفة سرير ثالث خال ولكنه شغل فى اليوم التالى بزبون جديد كان شابا أمريكيا فى عمرنا.

فى المساء أخذنى سعد إلى شرفة الغرفة المطلة على الساحة وهو بادى الغضب.. قال: «الواد ده CIA، لازم نمشى».. عذرته، إذ كان قد قضى الكثير من أيامه مطاردا فقلت: «فى كل الأحوال أنا لا أستطيع البقاء معه تحت سقف واحد.. رائحة جواربه تقتلنى».

عدت إلى دمشق بعد نحو عام من هروبي؛ حيث كنت موفدا من تليفزيون القاهرة لمدة أسبوع أقرأ فيه نشرات الأخبار فى تليفزيون دمشق، وكان زملاؤنا السوريون يأتون هم الآخرون إلى القاهرة بين وقت وآخر تنفيذا لبرنامج التبادل بين المحطتين.

بشار الأسد

أصبح لى هناك أصدقاء سوريون لا حصر لهم، وأذكر طلال الزين، وهو واحد من أكبر ملاك ناقلات الغاز فى العالم، الذى التقيته فى اليونان عام 2003 عندما أقامت السفارة المصرية حفل استقبال لسوزان مبارك أثناء زيارتها لأثينا، وكان الحفل فى واقع الأمر لجمع التبرعات للمشروعات الخيرية التى ترعاها حرم الرئيس السابق ولمكتبة الإسكندرية أيضا، وكان الزين مدعوا فتبرع بشيك بمليون دولار، ولكنه جاءنى بعدها إلى الفندق مندهشا من أن الشيك أعيد له حتى يعيد كتابته باسم سوزان مبارك!

لم تتح لى فرصة اللقاء بالأسد الأب من قبل ولكنى التقيت الرئيس بشار عدة مرات عام 2006 و2008.

عندما جلسنا معا فى أول لقاء عام 2006 قلت له: «يا دكتور بشار، أنتم لم تستفيدوا من درس الانفصال بين مصر وسوريا، وأنت تعرف أن واحدا من أسبابه كان سلوك بعض ضباط القيادة المصريين المقيمين فى دمشق، أنتم الآن تكررون الخطأ نفسه، لكنه بدلا من أن تكون سوريا هى المفعول به أصبحت هى الفاعل».

وعندما أوشكت المقابلة أن تنتهى قلت: «يا سيادة الرئيس، إن كان لى أن أطلب منك شيئا واحدا قبل أن أغادر فهو ضرورة أن تقود بنفسك انفراجة سياسية داخلية، وأن تقترب من معارضيك وأن تفرج عن المعتقلين السياسيين»، فقال: «وعد سوف أفى به، ولنا فى ذلك لقاء آخر».

وجاء اللقاء الثانى بعدها بأسابيع، سافرت إلى لبنان ضمن وفد شعبى مصرى بعد نشوب حرب تموز (يوليو) 2006 مباشرة، أذكر أننا عندما تجمعنا فى تظاهرة فى مطار القاهرة اقترب منى أحد لواءات الشرطة وهمس فى أذنى: «قل لحسن نصر الله إن مصر كلها معاه».

بعد ذلك بأسابيع أخرى كان لقاؤنا الثالث عندما لبى الرئيس بشار طلبى بإجراء حديث حول حرب «تموز» لتليفزيون دبى، وتطرقت إلى الموضوعين الحساسين لديه: لماذا لم يطلق الجيش السورى طلقة واحدة فى الجولان، ولماذا لا يفرج عن المعتقلين السياسيين؟ ولم تكن إجاباته شافية.. عندما تحدث عن الجولان مثلا قال إن المقاومة هناك «قرار شعبى، ومن غير المنطقى أن تقول دولة إنها ستذهب إلى المقاومة؛ لأن الشعب يتحرك للمقاومة بمعزل عن دولته عندما يقرر هذا الشىء»، أى أن الشعب هو المسئول!

وقلت له يومها أيضا إن «أول حق للناس فى وطنهم أن يتكلموا بحرية»، وعدت لأذكِّر أن جماعة مثل جماعة منتدى الأتاسى أو مثل الأعضاء فى الاتحاد الاشتراكى وآخرين غيرهم قد يكونون أكثر ولاء لبلدهم وهم فى المعتقل من بعض الذين خارج السجون، ولكنه رد بـ«الكليشيه» التقليدى: «لا نريد الحريات التى تستغل من الخارج.. نريد حريات ضمن إطار الوطن».

الثورة السورية

عندما اشتعلت الثورة فى سوريا بعد مصر تعاطفت مع الثوار مثلما تعاطف معظم المصريين الذين هبوا ضد الاستبداد والفساد فى بلدهم، ولكننى لم أعلن ذلك صراحة فى البداية، وتفاقمت الأمور على نحو ما نعرف، وامتدت الثورة إلى مناطق أوسع.

وقتها هاجم أعوان بشار رسام الكاريكاتير المعارض الشهير على فرزات فى ساحة الأمويين وهو عائد إلى بيته فجرا وأوسعوه ضربا على يديه وأصابعه فنقل إلى المستشفى مصابا بارتجاج فى المخ «علشان تتلم ماترسمشى ضد أسيادك»، وكان إبراهيم قاشوش الذى غنى أغنية الثورة الشهيرة «ياللا ارحل يا بشار» قد ذبح من حنجرته قبلها بأسابيع على أيدى الشبيحة أنفسهم.

عندها وصل بى الاستفزاز إلى مداه فقلت فى برنامجى الذى كنت أقدمه فى قناة «التحرير» حينئذ إن أمثالى «اللى كانوا بيشوفوا أمل فى بشار الأسد فى وقت ما، لا يمكن بعد كل المجازر اللى حصلت يقفوا النهارده جنب نظامه، مهما كنا متأكدين إن قوى أجنبية بتستهدف هذا النظام.. اللى عارف إن فيه قوة أجنبية متقصداه ما يديلهاش فرصة، ما يفتحلهاش الباب».

وأيقنت أن بشار وصل فى عناده إلى نقطة اللاعودة، فحسمت أمرى وواصلت الوقوف إلى جانب المعارضة، ولكن الأمور تطورت على النحو الذى تطورت إليه فيما بعد، وهالنى التدخل الفاضح للغرب الذى كان يهدف إلى إسقاط بشار منذ زمن.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك