نساء من عصر التابعين (4).. أم مسلم الخولانية.. زوجة زاهد عصرها التي عرفت بالتقى والعلم - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 9:53 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نساء من عصر التابعين (4).. أم مسلم الخولانية.. زوجة زاهد عصرها التي عرفت بالتقى والعلم

منال الوراقي
نشر في: الجمعة 29 مارس 2024 - 3:13 م | آخر تحديث: الجمعة 29 مارس 2024 - 3:13 م
تعد سير الصالحات تربية عملية للنفوس، وغَرْس للفضائل، وتدريب على التجمل بالآداب الإنسانية في ميادين الخُلُق والرضا وطاعة الله؛ ذلك لأن التربية بالاقتداء من خير الأساليب التربوية؛ لصقل الطباع، وتهذيب المشاعر، والسير قدما على طريق التقوى والاستقامة.

وفي عصر التابعين برزت قصص عشرات النساء في حياة نبي الأمة، ممن كان لهن أثر عظيم في عصرهن والعصور التي تلته، أفرد لهن المؤلف والمترجم السوري أحمد خليل جمعة، كتاب "نساء في عصر التابعين" الصادر عن دار نشر ابن كثير، ليركز على دورهن وما جرى لهن من أحداث ترتبط بالدعوة الإسلامية وبالرسول.

أم مسلم الخولانية

أم مسلم الخولانية - رحمها الله - امرأة من كبار نساء التابعين، وأم مسلم نفسها تابعية جليلة القدر، رفيعة الشأن، على جانب عظيم من العلم والمعرفة، والزهد والتقى، وزوجها أبو مسلم الخولاني الداراني، سيد التابعين، وزاهد العصر - كما قال الذهبي - واسمه عبد الله بن ثوب، أسلم في عهد النبي الله ولم يلقه، ودخل المدينة المنورة في خلافة سيدنا أبي بكر الصديق - رضوان الله عليه .

وحدث أبو مسلم - رحمه الله -عن عمر، ومعاذ بن جبل، وأبي ذر الغفاري، وأبي عبيدة، وعبادة بن الصامت - رضي الله تعالى عنهم -، وروى عنه أكابر تابعي عصره، وكان حكيم الأمة، وقد أتاه الله عز وجل من لدنه فضلاً وعلماً، وكان من كبار أولياء الله المتقين، وقدم الشام فسكن داريا.

وأم مسلم الخولانية - رحمها الله - لا تعرف إلا بهذه الكنية، وقد استمدت شهرتها من زوجها أبي مسلم الخولاني - رحمه الله -، بالإضافة إلى ما كانت عليه من العبادة والصلاح، فقد عمرت أوقاتها بأنواع الطاعة، ولازمت ذكر الله قياماً وقعوداً وبالعشي والإبكار، فاقتعدت منزلة عالية بين النساء التابعيات، وكتب لها الذكر الحسن في هذه الدنيا، وكانت قدوة حسنة لمن أراد الاقتداء.

لم تكن أم مسلم الخولانية - رحمها الله - من النساء اللواتي ينقطعن انقطاعاً كاملاً إلى واجباتهن الدينية، وتترك واجباتها الدنيوية، ولكنها كانت امرأة صناعاً، تعمل بيديها - والعمل عبادة - فقد كانت تجيد الغزل وما يلحق به من أمور، وبهذا كانت من العابدات المجتهدات في العبادة والعمل من كسب ذات اليد.

وكانت أم مسلم - رحمها الله - تبيع ما تغزله وتعطيه زوجها لشراء ما يلزمهم، وذات مرة أعطته درهما ليشتري دقيقاً، فتصدق به، ولكن الله عز وجل أكرمه لنقاء سريرته، فكيف كان ذلك؟ .

حدث عطاء الخراساني - رحمه الله - فقال: قالت امرأة أبي مسلم الخولاني لزوجها: يا أبا مسلم، ليس لنا دقیق.
فقال - رحمه الله -: هل عندك شيء؟.
قالت : درهم بعنا به عزلاً
قال : ابغينيه - أعطينيه - وهاتي الجراب.

فدخل السوق، فوقف على رجل يبيع الطعام، فأتاه سائل، وقال: يا أبا مسلم تصدق على، وألح السائل في طلبه، فأعطاه الدرهم الوحيد، ثم عمد إلى الجراب فملأه نشارة الخشب مع تراب، وأقبل إلى منزله، فوضع الجراب خلف الباب، ومضى إلى شأنه، وأقبل ، ففتحته فإذا به دقیق حواري - أبيض - فعجنت وخبزت، فلما جاء أبو مسلم ليلاً، وضعت بين يديه خوانا وأرغفة.

فقال: من أين لك هذا يا أم مسلم؟، قالت له: يا أبا مسلم من الدقيق الذي جئت به نهاراً، فجعل يأكل ويبكي.

دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ:

كانت أم مسلم - رحمها الله - من أبر الزوجات لزوجها، ومن أفضلهن على القيام بالخدمة، وأحسنهن صحبة، ولكن امرأة من جيرانها عكرت ذلك الصفاء الذي كان يصل بينهما، وأفسدت أم مسلم على زوجها، وألبتها عليه، فدعا أبو مسلم على تلك المرأة فعميت، فأتته فاعترفت وتابت، فرد الله إليها بصرها.

وقد أورد أبو نعيم الأصبهاني - رحمه الله - تفاصيل هذه القصة فقال: كان أبو مسلم الخولاني إذا انصرف إلى منزله من المسجد كبر على باب منزله، فتكبر امرأته، فإذا كان في صحن داره كبر فتجيبه امرأته، وإذا بلغ باب بيته كبر فتجيبه امرأته.

فانصرف ذات ليلة فكبر عند باب داره فلم يجبه أحد، فلما كان في الصحن كبر فلم يجبه أحد، فلما كان عند باب بيته كبر فلم يجبه أحد.

وكان إذا دخل بيته أخذت امرأته رداءه وتعليه ثم أتته بطعامه، فدخل البيت، فإذا البيت ليس فيه سراج، وإذا امرأته جالسة في البيت منكسة تنكت بعود معها. فقال لها : مالك ؟ .

قالت: أنت لك منزلة عند معاوية بن أبي سفيان وليس لنا خادم، فلو سألته فأخدمنا وأعطاك، وأدرك أبو مسلم أن في الأمر شيئاً، فتوجه ببصره إلى السماء وقا : اللهم من أفسد علي امرأتي فاعم بصرها.

قال: وقد جاءتها امرأة قبل ذلك، فقالت لها: زوجك له منزلة عند معاوية، فلو قلت له يسأل معاوية يخدمه ويعطيه عشتُم، فبينما تلك المرأة جالسة في بيتها ليلاً، إذ أنكرت بصرها فجأة، فقالت: ما لسراجك هل طفيء؟، قالوا : لا، السراج على حاله.

عندئذ عرفت ذنبها وفضولها مع أم مسلم، فأقبلت إلى أبي مسلم تبكي، وتسأله أن يدعو الله عز وجل لها أن يرد عليها بصرها، فرق لها ورحم حالها، فتوجه إلى الله عز وجل يقليه، ودعا له فرد عليها بصرها، وعادت أم مسلم - رحمها الله - إلى حياة الصفاء مع زوجها أبي مسلم.

مِنْ أَخْبَارِهَا مَعَ زَوْجِهَا:

كان أبو مسلم الخولاني موصول القلب بالله عز وجل على أساس صحيح، وكان يرشد زوجه أم مسلم إلى هذا، ويعلمها أنه ما توقف مطلبٌ من مطالب الدنيا يطلبه الإنسان من ربه إلا وفاز بقضاء ذلك، فالله عز وجل يقول: ﴿ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه). وأن من علامات الظفر والنجاح الرجوع إلى الله عز وجل في كل شيء، لا إلى الإنسان، فالإنسان لا يملك شيئا.

ولعل أم مسلم لم تكن تدرك كنه هذه الأمور إلا بعد حين من الزمن، عندئذ تبين لها حقيقة ما كان يعلمها زوجها، وهذا ما حدث فعلاً، حيث طلبت منه حوائج وأمرته أن يأتي معاوية - رضي الله عنه -، ولكنه أتى المسجد واستعان بالله عز وجل على قضاء حوائجه، فأكرمه الله ونعمه، ومن ثم شكر أبو مسلم ربه على ما أولاه وأعطاه.

وفي تاريخ دمشق أورد ابن عساكر قصة أبي مسلم وأم مسلم، وإرشاد أبي مسلم لزوجه فقال: قالت أم مسلم لأبي مسلم: يا أبا مسلم، قد حضر الشتاء، وليس لنا كسوة، ولا طعام ولا إدام، ولا حذاء، ولا حطب. فقال لها: ماذا تريدين يا أم مسلم؟. قالت: تأتي معاوية فهو عارف ب، وتخبره بحاجتك وجهدنا. قال: ويحك، إني لأستحي أن أطلب إلى غير الله عز وجل. وألحت عليه، فلما أكثرت قال: ويحك! جهزيني.

ثم عمد إلى المسجد، ومكث يومه، فلما صلى الناس العشاء وخلا له المسجد، جثا على ركبتيه ثم قال: اللهم أنت تعرف حالي فيما بيني وبينك، وقد سمعت مقالة أم مسلم وقد بعثتني إلى معاوية، وخزائن الدنيا كلها بيدك، ومعاوية خلق من خلقك، وإنما أسألك من خيرك الكثير اليسير، وعدد حاجاته.

ثم قال: وإن خزائنك لا تنفذ، وخيرك لا ينقص، وأنت بي عالم، قد تعلم أنك أحب إلي من سواك، فإن تعطني حمدتك عليه كثيراً، وإن تمنعنيه فلك الحمد كثيراً. وكان رجل من آل معاوية في المسجد يسمع مقالة أبي مسلم، فخرج حتى دخل على معاوية، وأخبره بما سمع.

فقال معاوية: ويحك ، أتدري من هذا؟ هذا أبو مسلم، أليس قد أحصيت ما قال؟. قال: بلى يا أمير المؤمنين، قال: فأضعفوا له كل ما سأل وعجلوا به الساعة إلى منزله، ولا يصبحن إلا وهذا الشيء في منزله من كل شيء اثنين.

فحمل كل ما قال، فلما قدمت هذه الأشياء إلى أم مسلم - رحمها الله -، أقبلت تحسين الثناء على معاوية - رضي الله عنه - وتقول: لم أزل أعاتب الشيخ في إتيانه فيأبى على.

فلما صلّى أبو مسلم الغداة - الصبح - انصرف وهو واثق بربه عز وجل، فلما أتى البيت أصابه مملوءاً سواداً. فقالت له أم مسلم: يا أبا مسلم، ألا ترى ما أهدى إليك أمير المؤمنين؟.

قال : ويح البعداء! لقد كَفَرْتِ النعمة ولم تشكري الرزاق. والله ما أتيت لمعاوية داراً، ولا كلمت له حاجباً، ولا رفعت إليه حاجة، وما هذا إلا قسم من الله تعالى أهداه إلينا، فلله الحمد كثيراً كثيراً.

عند ذلك أدركت أم مسلم حرص زوجها على تعليمها حقيقة التوكل على الله سبحانه، ومنذ ذلك الحين لم تعد تطلب منه شيئاً، وحرصت على الالتزام بالنهج الذي يسلكه زوجها أبو مسلم - رحمه الله.

أي الرَّجُلَيْنِ أَفْضَلُ؟

ذكر صاحب كتاب "تاريخ داريا" أن أم مسلم لما مات عنها أبو مسلم - رحمه الله - تزوجت بعده عمرو بن عبد الخولاني، وكان عمرو زاهداً عابداً ورعاً تقياً.

وسئلت أم مسلم، فقيل لها: أي الرجلين أفضل؟ قالت: أما أبو مسلم، فإنه لم يكن يطلب من الله شيئاً إلا أعطاه إياه؛ وأما عمرو بن عبد، فإنه كان ينار - يُضاء - عليه في محرابه حتى إني كنت أخدم على ضَوء نوره من غير مصباح.
أقرأ أيضاً:


قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك