«تاريخ تطور حدود مصر الشرقية»: تيران وصنافير.. حلم إسرائيل القديم (الأخيرة) - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 1:07 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«تاريخ تطور حدود مصر الشرقية»: تيران وصنافير.. حلم إسرائيل القديم (الأخيرة)

ارشيفية
ارشيفية
محمود هاشم
نشر في: الأربعاء 29 يونيو 2016 - 11:20 ص | آخر تحديث: الأربعاء 29 يونيو 2016 - 1:37 م
• السير أوين والخرائط البريطانية يحافظان على حدود مصر التاريخية.. واتفاقية الترسيم تحدد مصير القبائل التركية بسيناء

• فرمانات تولية الخديو تتجاهل ذكر الحدود.. والعثمانيون: سيناء ملكية تركية أعطيت لمصر على سبيل العهدة

• الجيش البريطانى يستغل شبه الجزيرة لهزيمة ألمانيا فى الحرب العالمية الأولى.. ويساعد إسرائيل فى احتلالها

• البترول والصيادون الإسرائيليون والمستعمرات عقبات فى طريق «كامب ديفيد»

الخط الفاصل يمهد الطريق لاستخراج النحاس والمنجنيز والفيروز وإيفاد البعثات العلمية لسيناء

• اتفاقية لوزان تنسف حلم الإمبراطورية التركية.. وهيرتزل يخطط لاستعمار يهودى فى مصر

• بعثة فنية صهيونية لتقييم سيناء كوطن قومى لليهود.. وقبرص خيار للتمويه

• مخطط إسرائيلى محوره طابا لإنشاء قناة تربط البحر الأحمر بالبحرين المتوسط والميت
لم تحظ عملية بناء أى من خطوط الحدود المصرية بحقائق التاريخ قدر ما حظيت عملية بناء الحدود الشرقية، وهذه الحقائق مصدرها الوثائق البريطانية التى تعد بمثابة العمود الفقرى لإثبات الأحقية التاريخية فى كل نقطة على هذه الحدود.

ويتناول كتاب «تاريخ تطور حدود مصر الشرقية» للكاتبة ألفت أحمد الخشاب الصادر عن دار الشروق فى فصوله من الثالث إلى السابع ركائز تعيين الحدود الشرقية، وتداعيات أزمة طابا الأولى، فضلا عن وضع شبه جزيرة سيناء فى الفكر التوسعى الإسرائيلى، وانتهاك الحدود الشرقية ما بين حرب يونيو 1967 وحرب أكتوبر 1973، انتهاء بمفاوضات السلام المصرى الإسرائيلى ورفع العلم على آخر منطقة محررة، والموقف الإسرائيلى من جزيرتى تيران وصنافير.

وكانت عملية بناء الخط الحدودى الشرقى لمصر إحدى نتائج الصراع بين الدولة العثمانية وبريطانيا دولة الاحتلال العسكرى لمصر، بينما لم تشر فرمانات تولية أى خديو إلى حدود مصر كتابة واكتفت بخرائط مرفقة.
  
السلطان عبد الحميد


• لجنة تعيين الحدود:
حسب الكتاب، ضمت اللجنة المصرية لتعيين مسار الحدود اللواء فتحى باشا، والأميرلاى روبرت أوين، ونعوم شقير سكرتيرا، فضلا عن الطاقم الفنى المكون من السير كلينج والسير ويد، وهما مهندسان من قلم المساحة المصرية لرسم الخريطة طبقا للقواعد الطبوغرافية، كما شملت اللجنة طبيبا إنجليزيا من الجيش المصرى، وكاتبا إنجليزيا من إدارة المخابرات، فضلا عن المترجم سامح بك يوسف فى وزارة الحربية.

وتركزت المهمة الأساسية للجنة – التى يمكن تصنيف أعضائها بأنهم من المخابرات الحربية – فى تأمين قناة السويس الشريان الإمبراطورى والهدف الأصلى لعملية بناء خط الحدود.

بينما ضمت اللجنة التركية الأميرلاى أحمد مظفر بك، والبكباش محمد فهمى بك، فضلا عن الصاغ محمد أسعد ياور قائد العقبة اللواء رشدى باشا، وسليم بك أسعد سكرتيرا، واستثنى رشدى باشا بأمر عسكرى، وتشكلت اللجنة التركية بلا صلاحيات حتى ولو محدودة، ما يؤكد سعى الحكومة العثمانية إلى المماطلة والتسويف.

• بداية ترسيم الخط الفاصل:
انتهى المساحان فى اللجنة المصرية من رسم خريطة العقبة، وكان على اللجنة تعيين نقطة بداية للخط الفاصل على خليج العقبة ليتبع المساحون الخط الفرضى، وتم الاتفاق على أن يكون من المرشرش على بعد 3 و3/4 ميل من قلعة العقبة، فيما خمنا موقع رفح تقريبا، ورسما الموقعين ليكونا دليلا لتعيين جهة السير على الحدود.

وحاول رشدى باشا إعادة تعيين هذا الخط لتأمين مركز العقبة فى الخليج، ولحماية مشروع سكة حديد الحجاز الذى كان مقررا أن يصل إلى العقبة قادما من معان، وهو ما رفضه كبير المفاوضين باللجنة المصرية، حيث كان يرى أن خط مرشرش يمثل السيطرة على خط تقسيم المياه، ويضم الوديان إلى وادى العريش الشريان الرئيسى للمنطقة الشمالية.

واستمرت عملية المسح حتى إعداد خريطة الحدود بخط أقرب إلى الاستقامة من رفح إلى المرشرش على جانبين بنحو 5 أميال، وذلك من 27 إلى 28 يونيو 1906، وتم تسليم الخريطة فى 19 يوليو من العام ذاته لتبدأ عملية التفاوض.

• دور الوثائق البريطانية:
توضح الكاتبة أن المناطق المتنازع عليها بين مصر والدولة العثمانية ضمت مرشرش، وطابا، ومايين، والكنتلا، ورأس النقب، وعين قديس، وعين جديرات، والقصيمة، ويمكن توثيق ما سبق تاريخيا من خلال دراسة الوثائق البريطانية منذ 10 يوليو موعد استلام الخريطة فى 1906، مع توثيق عملية تعليم الحدود للتأكيد على أحقية مصر فى حدها الشرقى بالـ91 علامة حدودية.

وبناء على تقرير المفوض الرئيسى السير أوين، أرسل المعتمد البريطانى السير فندلى إلى السير إدوارد جراى مذكرة فى 8 يوليو تؤكد مصرية عين قديس والقصيمة، التى تعد أفضل نقطة للهجوم على نخل أو السويس وأسهل طريق عبر شبه الجزيرة.

وفى 10 يوليو كتب السير فندلى إلى وزير الخارجية البريطانية السير جراى مذكرة سرية أرسلت منها نسخة للسفير البريطانى باسطنبول، مفادها عدم الاعتماد على حدود القبائل نظرا لطبيعة حركتها، مع إمكانية تقسيم قبائل الترابين العربية التابعة للترك لتتبع مصر، على أن ينضم قسم كبير من اللحيوات المصرية فى وادى عربية إلى تركيا، مع تأكيد عدم التنازل عن الخط بمقترح «مرشرش –رفح»، ومواجهة تلفيق الملف الوثائقى التركى بأحقية الدولة العثمانية فى القصيمة والأرض المجاورة فى رفح.

وبينما كانت المفاوضات سارية لتعيين خط إدارى بين مصر وسوريا، اقترحت اللجنة المصرية أن يكون خطا مستقيما من رفح إلى نقطة ليست أقل من 3 أميال غرب العقبة، وهو ما اعترفت به الدول الكبرى، بينما رأت تركيا أن يبدأ من رفح – السويس ومن السويس إلى العقبة، ما يعنى اقتطاع معظم شبه جزيرة سيناء من مصر، وضم مناطق قبائل اللحيوات، والترابين، والتياه، والعزازمة فى حوزة الإدارة التركية.

واقترح السير فندلى أن تكون الحكومة المصرية جاهزة لمنح الأتراك نقب العقبة، فى مقابل خط الحدود المقترح، بينما أكدت السلطات المصرية التمسك بالقصيمة وعين قديس وأعدت ملفا يثبت مصرية هذه الأراضى.

كما حذر الكابتن أوين السير فندلى فى 16 يوليو 1906 من إصرار الأتراك، على التخلص من خط مرشرش – رفح، مؤكدا نجاحه فى إثبات مصرية شيوخ القبائل وبالتالى مصرية القصيمة، وتطرقت المفاوضات العسيرة إلى تحديد مفهوم العقبة لتسوية النقطة، وأعطى فندلى تعليمات لأوين بانسحاب المفوضين المصريين حال إصرار الأتراك على المماطلة والعناد، كما استشف أنه لن تكون هناك اتفاقية إلا باتخاذ نبرة حادة معهم.

وقامت الاعتبارات المصرية بشأن نقطة نهاية الخط الحدودى فى الجنوب على حصر العقبة فى منطقة محددة، والقياس بامتداد الساحل وليس بخط مستقيم يؤدى لزحزحة الحدود غربا، بينما كانت تتركز استراتيجية المفاوضين الأتراك على إفقاد مصر المراكز الدفاعية ومصادر المياه.

وتواصلت مذكرات الوفد المصرى إلى السير فندلى التى تؤكد مصرية هذه المناطق، مع تقديم بدائل للتفاوض مع الأتراك، فيما تصاعد الخلاف بعد تقرير السير أوين فى 10 أغسطس أن تركيا طلبت شروطا جديدة لوضعها فى الاتفاقية منها أن شبه جزيرة سيناء ملكية تركية أعطيت لمصر على سبيل العهدة، مع تعهد مصر بعدم بناء قلاع أو مراكز حراسة أو نقاط مراقبة على الحدود، مع تعريف الحدود والخطوط الإدارية بين مصر وسوريا وتركيا، واستخدام الآبار القريبة من الخط، وهو ما رفضته اللجنة المصرية عدا نقطة تعريف الحدود، فيما ظهرت بادرة أمل فى التفاوض من خلال مراسلات السير أوين والسير فندلى بشأن قبول السلطان والصدر الأعظم توقيع اتفاقية نهائية لترسيم الحدود بناء ما تنتهى إليه المفاوضات.

• توقيع الاتفاقية"
يشير الكتاب إلى أنه فى صباح الأول من أكتوبر وقع كل فريق – بتصريح من حكومته – على نسختين من الاتفاق المكتوب باللغة التركية ونسختين من الخريطة المرسوم عليها خط الحدود المتفق عليه، وحصل كل فريق على نسخة من الاتفاق ونسخة من الخريطة، مع نسختين من الترجمتين الإنجليزية والعربية.

وبناء على الاتفاقية يبدأ الخط الفاصل من نقطة رأس طابا على الساحل الغربى لخليج العقبة إلى قمة جبل فورت، ويتجه من جبل فورت إلى نقطة لا تتجاوز 200 متر إلى الشرق من قمة فتحى باشا، ومنها إلى النقطة الحادثة من تلاقى امتداد الخط بنقطة المفرق «ملتقى طريق غزة إلى العقبة بطريق نخل إلى العقبة»، ومن نقطة التلاقى إلى تلة ثميلة الردادى، ومن هناك إلى جبل الصفرا وإلى القمة الشرقية لجبل أم قف، ثم إلى الشمال من مثيلة سليمة، فإلى قمة التلة الشمالية الغربية من بئر المغارة، وإلى جبل أم خواويط، ثم منتصف المسافة بين عمودين فى الجنوب الغربى من بئر رفح، ثم يتمد بخط مستقيم باتجاه 334 درجة من الشمال المغناطيسى إلى شاطئ البحر المتوسط مارا بتلة خرائب.

وشملت الاتفاقية إقامة أعمدة على طول الخط الفاصل من ساحل البحر المتوسط إلى ساحل خليج العقبة، مع إعطاء جميع القبائل حق الانتفاع بالمياه وملكية الحقول والأراضى حسب سابق عاداتها، فضلا عن عدم السماح بمرور العساكر الشاهانية أو الجندرمة «الشرطة» بالمرور إلى الخط الفاصل وهم مسلحون.

وتم القبول بتسمية الخط الإدارى الفاصل بين ولاية الحجاز ومتصرفية القدس وشبه جزيرة سيناء بحكم استمرار تبعية مصر أسميا للدولة العثمانية، ولم يسم خطا حدوديا لاعتبارات دولية وكخطوة تكتيكية للانفصال التدريجى بين مصر وتركيا، إلا أنه اكتسب صفة الخط الحدودى السياسى حيث لا يسمح للجنود العثمانيين بالمرور إليه.
  
سعد زغلول


• خرائط سيناء"
حسب «الخشاب»، رافق العمل الطبوغرافى رسم خرائط عامة تخص الخط الفاصل وعموم شبه جزيرة سيناء، حيث أصدرت مصلحة المساحة العمومية 6 خرائط، من بينها خريطة الاتفاقية، وأخرى فى أعقابها وقبل بناء العلامات، وثالثة تحدد فيها المعالم والإحداثيات الشبكية بالترقيم المصرى، ورابعة بالترقيم الفلسطينى.

كما أصدر القسم الجغرافى بهيئة الأركان فى وزارة الحربية البريطانية خريطة صادرة عام 1907 عن كامل شبه جزيرة سيناء، وفى 16 مايو 1908 اقترحت وزارة الحربية البريطانية التعاون مع الحكومة فى وضع خريطة لشبه جزيرة سيناء على أن تقوم إدارة المساحة المصرية بالأعمال الهندسية فى حين تقوم فرق المهندسين الملكية لوزارة الحربية بعمل المسح التفصيلى.

وأصدرت بريطانيا فى 1915 خريطة ثالثة تحت عنوان «شبه جزيرة سيناء ــ العقبة»، ثم خريطة أخرى فى 1943 بمقياس رسم كبير أظهر المعالم الجغرافية بوضوح، وجميعها لعبت دورا مهما فى تأكيد ثبات الخط الفاصل.

وبفضل هذا الحد الفاصل تمكنت الحكومة المصرية من إيفاد البعثات العلمية فى ميدان الآثار والتاريخ والجيولوجيا والجغرافيا، وفى مجالات الاستفادة من خيرات شبه جزيرة سيناء الطبيعية من معادن مهمة مثل النحاس والمنجنيز والكوبلت، وأحجار كريمة مثل الفيروز.
  
سيناء في بداية القرن الـ19


• سيناء والحرب العالمية الأولى:
أشارت الكاتبة إلى أن قرار تركيا الانضمام إلى ألمانيا كان يعنى عداء واضحا مع المملكة المتحدة، لذا توقعت بريطانيا هجوم القوات العثمانية على فلسطين عبر شبه جزيرة سيناء للوصول إلى قناة السويس، ما يستوجب التقدم نحو العريش لمواجهة هذا التقدم المحتمل، وكانت الخطة هى إنهاك القوات التركية فى الصحراء والاحتماء بالحاجز المائى ــ قناة السويس ــ لحين الهجوم المضاد.

واشتبكت قوات الهجانة بقوة تابعة للجيش التركى فى سيناء وقضت عليها، وجعل القائد التركى جمال باشا بئر سبع مركز الحملة على مصر، فهاجم القناة من القنطرة والإسماعيلية وسرابيوم والدفرسوار والسويس فى وقت واحد، إلا أن القوات المصرية البريطانية صدت هجومه فى يناير 1915 حينما حاول العبور إلى ضفة القناة.

وأمرت بريطانيا بإخلاء سيناء لتستفيد من صحرائها كحاجز يصعب اجتيازه بسهولة، كما أمرت بإغراق الأراضى بمياه البحر قبالة بورسعيد، وحفرت الخنادق على ضفة القناة الشرقية من القنطرة فى اتجاه الجنوب وعززت المواقع بقوات كبيرة، واستعانت بالطائرات الاستطلاعية لكشف تحركات القوات التركية.

وكبدت القوات المصرية والبريطانية نظيرتها القوات العثمانية خسائر فادحة أجبرتها على الانسحاب بعد ساعات من مهاجمتها نقطتى الدفرسوار (طوسون) وسرابيوم فى 3 فبراير، ومع مقاساة القوات التركية الشدائد فى اختراق شبه جزيرة سيناء، قرر جمال باشا عدم معاودة مهاجمة القناة مرة أخرى إلا إذا أعد حملة قوية لذلك.

وهاجمت الحامية المصرية فى نحل جيش القائد العسكرى التركى الذى كان ينوى حصار مدينة الطور، وأصدر رئيس الوزراء رشدى باشا قرارا بحياد الموانئ المصرية فى المعركة، إلا أن ذلك لم يستمر طويلا حيث مارس المندوب السامى ضغوطا هائلة انتهت بتوقيع قرار فى 5 أغسطس وضع مصر رهن إشارة إنجلترا كحليف حرب وكجزء من إمبراطوريتها، دون وعود بتحقيق أدنى مكاسب.

• خريطة ما بعد الحرب:
تشير الكاتبة إلى أنه بمقتضى معاهدة لوزان، تنازلت تركيا عن جميع الأقاليم التى تقع خارج الحدود التركية، وأعلنت أن هذا أصبح سارى المفعول بالنسبة لمصر والسودان اعتبارا من 5 نوفمبر 1914، ووضعت بريطانيا فلسطين تحت الانتداب مع تعهدها بعدم المساس بالحد الفاصل بينها وبين سيناء، ومع تصاعد دعاوى الاستقلال المصرى على يد سعد زغلول تم القبول بترحيل القوات البريطانية عن الوادى والدلتا إلى شبه الجزيرة.

ووقعت مصر وبريطانيا معاهدة 1936 للدفاع المشترك كحل مؤقت للتوفيق بين الأهداف الوطنية المصرية والمصلحة البريطانية، لكن سيناء أصبحت فى الحرب العالمية الثانية أرض عبور لتسهيل نقل الجنود البريطانيين لمواجهة زحف دول المحور.
  هرتزل
  

• سيناء و«الدولة الصهيونية»:
وضعت الحركة الصهيونية العالمية نفسها فى خدمة الاستعمار لتحقيق حلمها بوطن قومى يجمع يهود العالم فى شبه الجزيرة وأرض فلسطين التاريخية، وقدم ثيودور هيرتزل إلى اللورد روتشلد مطلبا بالتنازل عن سيناء أو فلسطين المصرية أو قبرص لإنشاء مستعمرة يهودية، ولما كان تسليم قبرص مرفوضا سعت الحكومة البريطانية إلى خيار شبه جزيرة سيناء، واقترحت إيفاد بعثة فنية لدراسة مدى صلاحيتها لإقامة هذا التجمع، وحددت البعثة المنطقة المراد استيطانها بالبحر المتوسط شمالا والحدود التركية شرقا وقناة السويس وخليجها غربا، وهو ما رفضته الحكومة فى مذكرة وزير خارجيتها بطرس غالى باشا.

ولم تكن مصر واعية على المشروع اليهودى الصهيونى حتى صدور قرار 181 لعام 1947 القاضى بتقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية، بدليل استقبال الملك أحمد فؤاد الأول وسعد زغلول الرجل الثانى فى الصهيونية العالمية ورئيس إسرائيل بعدها، حاييم وايزمان، ومشاركة وفد مصرى فى افتتاح الجامعة العبرية، وتعامل القنصلية المصرية فى القدس مع القيادات اليهودية.

• هزيمة 48:
فى 18 أكتوبر 1948 شن ديفيد بن جوريون شكل غارات جوية موجهة إلى القصور الملكية فى القاهرة، كما منع الإمدادات العسكرية واللوجستية والإدارية عن الجيش المصرى وحاصر قوات الفالوجة، فيما عبرت القوات الإسرائيلية إلى 10 أميال من الحدود المصرية، واحتلت أجزاء من شبه جزيرة سيناء، وتواطأت معها الحكومة البريطانية بالانسحاب من أم الرشراش فى فبراير 1949 وتسليمها للجيش الإسرائيلى، ما يعنى قطع اتصال هذا الخط مع قناة السويس، وإغلاق كل سبل الاتصال بين مصر والبلاد العربية.

ويرى زعماء الحركة الصهيونية أن قيام إسرائيل فى 15 مايو 1948 حل جزئى، حيث لم تقم على أرض فلسطين التاريخية وبالتالى لم تستوعب يهود العالم، واتجهوا إلى جزيرة سيناء متذرعين بالدعوى الدينية القائلة إن شبه الجزيرة كانت تقع فى مملكة يهودا القديمة، وهو ما مهد لاحتلال أبو عجيلة، والقسيمة، والكنتلا، وبير حسنة ومطار بئر جفجافة والعريش، فحصلت تل أبيب على أضعاف ما أعطاها قرار التقسيم، إلى أن اضطرت للانسحاب تحت ضغوط أمريكية، فيما استمرت سيطرتها على ميناء أم الرشراش.
  
العدوان الثلاثي 1956


• العدوان الثلاثى:
تطرق الكتاب إلى بدء إسرائيل هجوما عسكريا على سيناء فى 29 أكتوبر 1956، حيث هاجمت رفح والعريش والقنطرة فى المحور الشمالى، والقيسمة وأبو عجيلة والإسماعيلية فى المحور الأوسط، فضلا عن رأس النقب ودهب وشرم الشيخ فى المحور الشرقى، بينما تكفلت فرنسا وبريطانيا بالغزو البحرى لمنطقة بورسعيد، بدعوى تأمين الملاحة، بينما وفرتا غطاء جويا لضرب الجيش المصرى حديث الإعداد فى سيناء.

ولم يكن جمال عبدالناصر متوقعا هجوما بريطانيا فرنسيا إسرائيليا منذ بداية تأميم القناة، فسحب مجموعة الجيش الرئيسية فى شبه الجزيرة وأبقى على 6 كتائب فقط، وهو ما أضعف الجبهة المصرية بشكل بالغ.
  
جمال عبدالناصر


• «النكسة» و«عملية بدر»:
أوضحت الكاتبة أن إسرائيل لم ترتض بنتائج حربها على سيناء فى 1956، رغم مكاسبها البرية والبحرية خاصة فى خليج العقبة ومضايق تيران، فأعدت لحرب أوسع أعدت لها منذ 10 سنوات، لإنعاش اقتصادها الذى كان يعانى أزمات حادة، وساعدها على ذلك عدم وجود إرهاق الجيش المصرى فى حرب اليمن 1963، وضعف الجيش السورى من كثرة الانقلابات.

انتهت حرب 1967 بهزيمة مادية ومعنوية مريرة، حيث سيطرت إسرائيل على سيناء ومرتفعات الجولان والضفة الغربية لنهر الأردن، فضلا عن القدس الغربية، ووصلت قواتها لحدود دفاعية فى قناة السويس، وأقامت خط بارليف على طول الضفة الشرقية للقناة.

ولتعزيز تواجدها، تغولت الدولة الصهيونية فى بناء المستوطنات داخل شمال سيناء حتى وصل عددها إلى 21 مستوطنة، من بينها ناحال يام، وأسدوت، وياميت، والطور، فضلا عن مستوطنات أخرى فى الجنوب، ساعية إلى نزع الهوية المصرية عن أهالى المنطقة وإعدادهم نفسيا لقبول الاحتلال.

ومع اطمئنان قادة إسرائيل بعدم نشوب حرب عربية إسرائيلية قبل 10 سنوات – حسب ما توقع موشيه ديان وجولدا مائير ــ اقتحمت القوات المصرية قناة السويس فى 6 أكتوبر 1973 واجتازت خط بارليف ــ فى الخطة التى سميت بـ«عملية بد» ــ وهزمت التجمع الرئيسى لقوات العدو فى سيناء، تزامنا مع اختراق القوات السورية دفاعاته فى الجولان، وصولا إلى هضبة خط نهر الأردن والشاطئ الشرقى لبحيرة طبرية، وهو ما كان بمثابة صدمة كبيرة كبدت جيش الاحتلال خسائر مادية وبشرية دمرت معنويات أفراده.

• من كامب ديفيد إلى طابا:
حسب «تاريخ حدود مصر»، كان السادات بعد انتهاء الحرب مسكونا بهم استرداد سيناء كاملة، وتفادى النتائج السلبية لزيارته القدس وخطابه فى الكنيست، فضلا عن إنها حالة الحرب مع إسرائيل، وتهدئة الموقف العربى الثائر ضده، فيما كان يخشى بشكل أكبر رد فعل الشارع المصرى على مفاوضات كامب ديفيد حال فشلها فى استعادة الأرض.

وانتهت المفاوضات الطويلة والشاقة فى 17 سبتمبر 1978 بتوقيع «كامب ديفيد» فى البيت الأبيض، رغم ظهور عدة أزمات منها أزمتا البترول والغاز الطبيعى فى شمال سيناء ووجود الصيادين الإسرائيليين فى بحيرة البردويل، فضلا عن مستعمرتى ناحال يام وياميت، وقضية التمثيل الدبلوماسى بين البلدين.

• إسرائيل وحلم تيران وصنافير:
واختتمت الخشاب فصول الكتاب متطرقة إلى السعى الإسرائيلى لتوسيع شرفة إيلات على خليج العقبة، حيث كانت تل أبيب ترى فى طابا امتدادا طبيعىا لإيلات، ما يدفعها إلى القرب من المراكز الحاكمة فى سيناء، والاقتراب من شرم الشيخ ورأس محمد ورأس نصرانى، فضلا عن الاقتراب من جزيرتى تيران وصنافير لمراقبة التواجد المصرى العسكرى.

ولم تتخل إسرائيل عن حلمها بمنافسة مصر أو القضاء على أهم مصادر تميزها وهى قناة السويس، حيث تخطط لمشروع قناة بحرية تربط البحر الأحمر من خلال خليج العقبة بالبحر المتوسط مرورا بالبحر الميت، وهو ما يتطلب منطقة انتظار واسعة حول ميناء إيلات، لن تتحقق إلا باحتلال طابا ودخول جزيرة تيران ضمن المخطط.
اقرأ أيضًا:


قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك