زكى سالم يكتب: «أحلام فترة النقاهة».. خلاصة فلسفة محفوظ الإنسانية - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 2:42 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

زكى سالم يكتب: «أحلام فترة النقاهة».. خلاصة فلسفة محفوظ الإنسانية

زكي سالم مع نجيب محفوظ
زكي سالم مع نجيب محفوظ

نشر في: الإثنين 29 أغسطس 2016 - 9:45 م | آخر تحديث: الإثنين 29 أغسطس 2016 - 9:47 م

• عشرة أعوام على رحيل أستاذنا العظيم نجيب محفوظ

ها هى عشرة أعوام تمر على رحيل أستاذنا العظيم نجيب محفوظ (11/12/1911 ــ 30/8/2006 )، وهـا هى الأحداث الخطيرة تتوالى خلال هذا العقد من السنوات المهمة فى تاريخ مصر، والمنطقة العربية، بل والعالم كله. فهل كل هذا الذى جرى، بعد رحيل الأستاذ، يمكن أن يؤثر على أهمية إبداعات محفوظ وقيمتها؟
طبعا، لا. صحيح مبدعنا الأكبر تناول، من خلال أدبه، وقائع الحياة اليومية فى مصر، لكنه فى الوقت ذاته، تعامل بمنتهى العمق مع مأساة الإنسان ومصيره، ومجموعة القيم الفلسفية، وتجليات الأمور الكونية. ومن ثم سيبقى إبداعه خالدا مثل كل المبدعين الكبار فى تاريخ الحضارة الإنسانية.
وقد يختلف القراء، وكذلك النقاد، عند الحديث عن معنى الأدب وقيمته، ويمكن لنصوص محفوظ القصيرة، أن تثير فى نفوس القراء التساؤل القديم عن معنى الأدب؟ أو بتعبير جان بول سارتر (1905ــ1980): ما الأدب؟
والإجابة عن هذا السؤال ستختلف من مبدع إلى آخر، وكذلك إذا ما تساءلنا عن دور القارئ، بيد أن أستاذنا، وخصوصا فى إبداعاته الأخيرة، يقدم لنا إجابة رائعة عن سؤال سارتر.
كما أنه يترك مساحة ضافية للقارئ لكى يشاركه فى تشكيل الوعى المعرفى بالعملية الإبداعية، إذ لابد أن يقدم القارئ، هو الآخر، رؤيته الخاصة لفهم هذا العمل الأدبى الفريد فى تجلياته المدهشة.
ولعل أروع ما فى إبداع محفوظ، هو هذا الحس الإنسانى المؤثر للغاية، ففى كل عمل من أعماله الخالدة، تتجلى فلسفته الإنسانية الرحبة، من خلال هذه النظرة الحانية على البشر جميعا، وكذلك فى هذه الأحلام البديعة، يمكنك أن ترى هذا التعاطف الإنسانى النبيل مع آلام البشر وأحزانهم، سـواء مع طفل صغير، أو شـيخ كبير، أو امرأة وحيدة، أو رجـل مظلوم، أو شعب مقهور، بل يمكنك أن ترى مـشاعر «المشاركة الوجدانية» لما يتعرض له حيوان، أو نبات، أو حتى جماد!
ولنتأمل معا فى هذا الحـس الإنـسانى المرهـف، فى «الأحلام الأخيرة»، ولنتعلم معنى الأدب الحقيقى من سحر محفوظ وفلسفته، فمن خلال كلمات معدودة يجذبك ببساطة إلى داخل الحلم الفنى، وإذا به ينتهى سريعا، كما يحدث فى الأحلام (علميا)، فتتوقف طويلا أمام جمال المعنى، وتفكر مليا فى جلال المغزى.
وهذا حلم رقم (248): «رأيتنى بين الجموع التى تزور المعرض الزراعى الصناعى السنوى وتشاهد معروضاته، وإذا بالزعيم مصطفى النحاس يزور المعرض فالتفت الجماهير حوله وهتفت باسمه فاقتحمت قوات من الأمن المعرض وانهالت بالعصى على الجماهير ثم أطلقت بعض الطلقات النارية، وقد استشهد فى ذلك اليوم طالبان وكان أحدهما ابن رئيس القوة، وظل ذلك حديث الجماهير».
هذا هو ما كان يحدث، ومازال يحدث! فبمجرد أن تلتف الجماهير حول زعيم شعبى، بغض النظر عن اسمه، ستهجم عليهم قوات الأمن، وتضربهم بمنتهى القسوة!
وقد كانت، ومازالت الشرطة تستخدم الرصاص الحى فى التعامل مع المتظاهرين، وهكذا يرتفع من بيننا الشهداء كل حين، لكن المفارقة التى قدمها لنا أستاذنا فى هذا النص التاريخى، هو أن يكون الطالب الشهيد ابنا للظابط الذى يرأس قوات الأمن، فمن المؤكد أن رئيس القوة هذا، هو الذى أعطى الأوامر بإطلاق النار على الجماهير، دون أن يعرف أن ابنه شخصيا موجود بينهم.
ومن خلال هذه المفارقة المعبرة، ندرك حقيقة الوضع فى الشارع، فقوات الأمن التى تعد جزءا من الشعب، تعلم وتدرب على قتل إخوتهم وأبنائهم من أفراد الشعب! وكل هذا الدم البرىء يراق، يوما بعد يوم، من أجل ماذا؟!
من أجل أن يجلس ديكتاتور دموى على عرش مصر، وهذا الفرعون الجديد، من شـدة جهله، لا يعلم أنه سيسقط، لا محالة، فى يوم قريب، فعصر الفراعنة انتهى من مصر إلى غير رجعة.
وفى حلم رقم (255): «رأيتنى أغوص فى الحى الشعبى حتى بلغت عربة يد عليها ترمس وتستند إلى ذراعها امرأة عرفتها بصعوبة فأقبلت نحوى وسألتنى كيف عرفت مكانها، فقلت: دلنى عليه صديق من العهد القديم، وحكى لى الحكاية كلها، فقالت بتأثر شديد: خسرت كل شىء وتنكرت لى الدنيا ولم يبق لى إلا هذه العربة لأضمن لقمة العيش، فقلت لها إنى لن أتخلى عنها، فقالت وعينها تغرورقان بالدموع: وأنا أعدك بالتوبة الصادقة».
انظر إلى عبارة: رأيتنى أغوص فى الحى الشعبى، فهكذا يشعر الغريب عن الأحياء الشعبية حين يدخل أكثر فأكثر إلى أعماقها الداخلية، أما هذه المرأة التى تنكرت لها الدنيا وخسرت كل شىء، فنحن لا نعلم تفاصيل ما حدث لها، لكننا نعلم النتيجة النهائية، أو الخلاصة.
وهذا يعيدنا إلى قول بعض النقاد عن القصة القصيرة إنها تبدأ بمقدمة محذوفة، فإذا بنا هنا أمام قصة تكاد تكون كلها محذوفة، فى حين تبقى خلاصتها المؤثرة من ناحية، والمعبرة عن جوهر الموضوع من ناحية أخرى.
فهذه المرأة سقطت فى أثناء خوضها لمعركة الحياة، وبرغم هذه المأساة الإنسانية، نرى الراوى وهو يتقدم إليها لكى ينقذها من النهاية المفجعة، ومن ثم تتجلى قيمة إنـسانية عليا تستحوذ على أجواء هذا النص البديع.
وفى حلم رقم (280): «وجدتنى فى حديقة أرضها مغطاة بالزهور، وفى مكان ما شجرة طويلة وحيدة، فقلت للبستانى: لماذا هى وحيدة؟ فقال لى: انظر إلى جمالها فلا مثيل له، وإلى رشاقتها فلا شبيه لها، وعشاقها لا يحيط بهم حصر، وضحاياها لا يحيط بهم حصر كذلك، فأى إنسان يجد الشجاعة للاقتران بها؟».
انظر كيف بدأ هذا الحلم بالحديث عن «شجرة طويلة وحـيدة»، وانتهى بسؤال: «فأى إنسان يجد الشجاعة للاقتران بها؟».
فالبشر كالشجر، كلما نموا وتميزوا وارتفعوا، ابتعدوا عن الآخرين، ومن ثم كان من الصعب وجود من يملك الشجاعة والقدرة على الاقتران بهم.
وفى حلم رقم (307): «اشتعلت غضبا واندفعت أجرى كالمجنون فتجاوزت العباسية وواصلت الاندفاع فى الجمالية حتى وصلت إلى مقام الأحبة وهم مجتمعون فى الظلمة فعرفتهم بقلبى وارتميت إلى جانبهم وأنا ألهث وقلت لهم: أغيثونى لقد اقتلع المجرمون أشجار حديقتى الصغيرة لكى يحلوا محلها حجرة البواب غير مبالين بما قلت لهم من أن حبيبتى نظرت يوما إلى الحديقة وابتـسمت، وهيهات أن أحتمل الحياة بلا حديقة ولا ابتـسامة».
ما أرق هذه النظرة الرومانسية وأجملها، فالوجود من حولنا لا يتشكل من عالم المادة وحدها، وإنما ثمة عالم آخر، أشد غنى، وأكثر روعة، إنه عالم الروح، المتجاوز للمتعارف عليه فى دنيا الناس العاديين.
فحجرة البواب بالتأكيد ضرورة حياتية، لكن ثمة أشياء أخرى، عند البعض، أكثر أهمية بكثير، فمعنى الحياة الأعمق يمكنك أن تلخصه فى جمال الحديقة، وروعة الابتسامة.
وفى حلم رقم (310): «ذهبت مع صديق إلى المسرح القومى، وكانت بطلة المسرحية تشبه حبيبتى (ب) فأعجبت بها وصفقت لها طويلا حتى قال صاحبى: ما هى إلا امرأة مذنبة ولا يعجب بها إلا المذنبون».
وهل يوجد إنسان غير مذنب؟! وهل يمكن للفن عموما، والدراما على وجه الخصوص، أن تقدم لنا بشرا يسعون على الأرض، ولا يذنبون؟!
وهل الشبه بين حبيبته، وبين البطلة، فى الشكل فحسب، أم ثمة شبه آخر فى الذنب؟
إن الذنوب تقارب بين البشر، وتوحدهم معا، إذ تظهر ضعفهم الإنسانى، لكن خير الخطائين التوابون. أو كما قال ابن عطاء الله السكندرى (658 ــ 709 هـ) فى حكمه: «رب معصية أورثت ذلا وإنكسارا خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا».
وفى حلم رقم (347): «أقبل العيد فاشتريت خروفا وأطلقته فى الحديقة وواليته بالتغذية والتنظيف، ولما جاءت الساعة ووقف الجزار فوق رأس الخروف رأيت وجهه وقد حل به صورة فتاة مليحة مستسلمة فكرهت أكل اللحوم».
ونحن أطفال، كثيرا ما تعرضنا لهذا الموقف المؤلم، فثمة علاقة تنشأ بيننا وبين هذا الحيوان الطيب، مما يصيبنا بمشاعر متناقضة، لكن قوانين الحياة صارمة للغاية، فإما أن يأكل الأسد الغزال، وإما أن يموت من الجوع!
وفى حلم رقم (355): «وجدتنى فى حشد مكون من مليون شخص هى نسخ مكررة، فسمرتهم غميقة وقامتهم قصيرة وبدينة كأنهم براميل، وقسمات وجوههم غليظة، وإذا بالجيـش يقدم تتقدمهم فرقة موسـيقية تذيع لحنا يبعث فى النفوس الرهبة والخوف، فتساءلت: ترى أهى مناسـبة تاريخية أم جنازة قومية؟».
هى فعلا جنازة قومية، أو انتحار شعبى! فحين تحول أنظمة الحكم المستبدة البشر إلى نسخ مكررة، من خلال السيطرة على عقول الجماهير وأرواحهم، وحين تسود مشاعر الخوف والرهبة فى نفوس الناس، يعانى الإنسان (الفرد) معاناة مريرة من سطوة القهر والقمع والاستبداد، وفى التاريخ الحديث أمثلة عديدة لمعاناة ملايين كثيرة من البشر من إجرام هذه النظم الفاشـية.
وفى حلم رقم (370): «رأيتنى أزور بيت جدتى وأراها بمجلسها بين الفرن والبئر، فرحبت بى كل الترحيب، وقالت لى: تقبل دعائى أنت وذريتك وبخاصة المساجين».
إن هذا الحلم يثير فى داخلى أسئلتى القديمة: إلى متى يعتقل المعارضين ويسجنوا؟! وإلى متى نسىء معاملة المخطئين؟! وإلى متى تنتهك كرامة البشر فى بلادنا؟!
وفى حلم رقم (386): «وجدتنى ضابطا احتياطيا فى الفرقة المكلفة بحماية الجسور والأماكن المهمة عند اندلاع الحرب، وهاجمتنا طائرات العدو وأخذت تزلزل الأرض بقنابلها، وأصابت قوة الدفاع إحدى طائرات العدو فأهلكت من فى الطائرة إلا واحدا تمكن من الهبوط بالبراشوت فاعتقلناه، وتبين لنا أنه الذى كان أستاذنا فى اللغة الإنجليزية وآدابها، فأكرمناه، وراح يحدثنا عن الحروب فى الآداب المختلفة وكيف اندلعت لحل مشكلات ولكنها زادتها تعقيدا، وختم كلامة بقوله: العدل هو الحل».
العدو الذى يزلزل أرضنا بقنابله، حين تبين لنا أنه أستاذنا أكرمناه، هكذا هى الإنسانية، ثم حديث المثقف الخبير عن أن الحروب تندلع لحل المشكلات، لكنها لا تحلها، وإنما تزيدها تعقيدا، وفى النهاية يختم بعبارة: العدل هـو الحل، وهذه حقيقة راسخة فى تاريخ الإنسانية كله.
وفى حلم رقم (389): «وجدتنى فى محل بيع أقمشة البدل بميدان الأوبرا، وهو المحل الذى أتردد عليه فى المناسبات منذ أيام التلمذة، وقال لى صاحبه إنه سيعمل جراحة فى غاية الخطورة، فتمنيت له السلامة، ويبدو أنه لمس فى صوتى الصدق فأجهش فى البكاء، وغادرت المحل دامع العينين».
ما أروع هذا التعاطف الإنسانى المؤثر، فالرجل فيما يبدو لا يشعر بتعاطف كاف ممن حوله، ولذا تأثر بشدة مع أول بادرة تعاطف حقيقى، وفى هذا ملمح من إنسانية محفوظ الغامرة.
وفى حلم رقم (400): «رأيتنى تلميذا بمدرسة خان جعفر الأولية والمدرس يشرح الدرس وأنا مستغرق فى تأمل صور الكتاب، ويقبل على وينهال على بالمسطرة، ويقول: اسمع نصيحتى وتعلم حرفة، فأنت لا مستقبل لك فى التعليم».
هذه هى المدرسة التى ذهب إليها محفوظ فعلا، وهكذا كان يعامل من المدرسين! وهذا هو حال التعليم فى مصر، منذ نحو قرن من الزمان، لكن المفاجأة أنه الآن أسوأ بكثير!
فقد كنت أتحدث مع أستاذى عن مستوى التعليم فى الجامعة المصرية (جامعة القاهرة)، فقال لى إن الغالبية العظمى من الأساتذة كانوا قادمين من أعرق جامعات أوروبا، ومن ثم كان مستوى الدراسة يعادل أفضل جامعات العالم. (حيث كان يدرس الفلسفة بثلاث لغات).
ولا يمكن أن نترك هذا النص المهم، دون أن نشير إلى حال ومصير هذا الطفل الصغير الذى يقول له أستاذه إنه لا مستقبل له فى التعليم!
وفى حلم رقم (419): «رأيتنى أدخل بيت صديقى (ع) ويلاحظ أننى متغير فأجهش فى البكاء، وأقول له إن صديقتى (ف) ماتت فجأة ولكم تمنت أن تتزوج منى ثم تتوب، فكيف هان على أن أحرمها من الحب والحياة الشريفة فى ظل التوبة؟».
لعل صديقه هذا هو الأديب عادل كامل، والذى كان يسهر (الحرافيش) فى بيته فى مرحلة ما، وقد تتوقف مثلى ــ يا صديقى العزيز ــ عند هذه الرقة الإنـسانية، وهذه النفس اللوامة، والتى تلوم صاحبها، على حرمان امرأة غير شريفة من الحياة الشريفة.
وفى حلم رقم (462): «رأيتنى أستجمع شجاعتى لأصارح أهلى بأننى قررت الزواج من (ج) التى هى خادمة فى بيتنا مع أمها فذهلوا جميعا فالبنت أمية سيئة السلوك وأقرب إلى القبح فى شكلها والأعجب أنها لم ترحب بيدى الممدودة ونشبت مشاجرات بينها وبين أمها انتهت بهروبها فأصابتنى طعنة دامية فى كرامتى وكراهية لفكرة الزواج دامت معى إلى الأبد».
يبدو أن السؤال هو: وما الذى جذبه إليها؟ ولعل الإجابة هى: شجاعتها وتمردها! أما هى فلماذا رفضته؟ لأنه لا يمثل، بالنسبة لها، نموذج الرجل. فالراوى الذى يستجمع شجاعته فى لحظة استثنائية، قد ظل خاضعا لأسرته وللتقاليد، من طفولته وحتى شبابه، ومن ثم رأى فيها نموذجا عجيبا فى كسر الحواجز وتخطى الحدود، فمال إليها، وحاول أن يتشبه بها، وأراد أن يحطم قيوده، فحطم نفـسه. إذ إن الحماقة التى اعيت من يداويها، اعيت كذلك من يبحث لها عن منطق سليم.
وفى حلم رقم (467): «وجدتنى شحاذا فى الحى الإفرنجى ورحت أتسول فى المقهى مترنما ببعض المدائح النبوية والخواجات ترمقنى بازدراء واشمئزاز ثم طلبوا من النادل إبعادى فمضى الرجل معى مبديا عطفه الشديد ونفحنى بشىء من رزقـه».
هذا الحلم، مثل غيره، له العديد من المعانى، لكنى توقفت أمام الشحاذة من الفرنجة، فهذا قد يشير إلى حالنا الراهن، أما المدائح النبوية فلعلها ترمز إلى تراثنا، الذى نسىء استخدامه، وفى النهاية يأتى العطف والتراحم من أبناء جلدتنا. فمتى ننهض من كبوتنا، ونلحق بركب الحضارة الحديثة؟!
وفى حلم رقم (486): «رأيتنى فى ترام روض الفرج ويجلس أمامى رجل فى أوسط العمر حسن المظهر وبين يديه غلام فى العاشرة يرتدى بدلة سهرة وهو يقول له: احتفظ بثباتك وأنت تغنى أمام الجـمهور ولتقم ببروفـة الآن، فغنى الغلام: (على دول يا أمه على دول). فقال له الرجل: أحسنت، وعليك أن تنجح أيضا أمام جمهور الكازينو».
انظر إلى آخر كلمة: (الكازينـو)، إذ كان يمكن أن يقول: (أمام الجمهور)، لكنه أراد أن يلفت نظرك إلى أن هذا الطفل يتم استخدامه ليلا فى الحانات والملاهى الليلية.
وفى حلم رقم (489): «وجدتنى ضمن مجموعة من الرجال والنساء فى حديقة الدير، وها هو الأب (ج) قائلا: أهلا بكم فى عالم الروح، من ينوى إقامة طويلة ومن ينوى المكوث بضع ساعات. وتقدمنا بين الحديقة والمكتبة ونحن نتلقى شذى الأزهار وننعم بالهدوء العميق».
ها هو دير الآباء الدومينيكان، وهذا هو الأب العظيم جورج قنواتى، وهذه واحدة من أهم المكتبات فى مصر والشرق الأوسط، وقد زار محفوظ هذا الدير الجميل، وسعد بالحديث مع الرهبان المثقفين، والذى كتب أحدهم، وهو «جاك جوميه»، أول دراسـة فى العالم الغربى عن نجيب محفوظ، فى عام 1958، وكانت عن الثلاثية.
د. زكـى سـالم

 



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك