قراءة فى كتاب «أكتوبر 73 السلاح والسياسة» لهيكل: غليان فى القيادة المصرية بشأن تصفية الثغرة (8) - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:09 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قراءة فى كتاب «أكتوبر 73 السلاح والسياسة» لهيكل: غليان فى القيادة المصرية بشأن تصفية الثغرة (8)

عرض ــ خالد أبو بكر
نشر في: الأربعاء 29 أكتوبر 2014 - 10:04 ص | آخر تحديث: الأربعاء 29 أكتوبر 2014 - 10:36 ص

 

الشاذلى اقترح يوم 16 أكتوبر سحب الفرقة الرابعة لتصفية ثغرة الدفرسوار فى الغرب

أحمد إسماعيل رفض مقترح الشاذلى والسادات هدد رئيس الأركان بالمحاكمة إذا عاد لهذا الاقتراح

كوسيجين للسادات: حين يتحقق انتصار فهذا الانتصار لك وحدك.. وحين تقع مشكلة فالاتحاد السوفييتى هو السبب

كيسنجر يشتاط غضبا بعد إعلان دول عربية حظر تصدير البترول إلى الدول التى يثبت تأييدها لإسرائيل

تصل بنا هذه الحلقة من كتاب «أكتوبر 73 السلاح والسياسة» للكاتب الصحفى الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل، والصادر عن دار «الشروق» إلى مجرى الحوادث وتدفقها على ساحات القتال فى سيناء والجولان وساحات السياسة فى القاهرة وتل أبيب وواشنطن وموسكو، فى الفترة من 16 إلى 20 أكتوبر 1973. كان العدو قد نجح فى اختراق خطوطنا بعد أن اكتشف منطقة «المفصل» بين الجيشين الثانى والثالث، وعبرت تشكيلات من قواته إلى غرب القناة فيما عرف بـ«ثغرة الدفرسوار» منذ ليلة 15- 16 أكتوبر، بعد فشل عملية تطوير الهجوم التى قامت بها قواتنا صباح يوم 14 أكتوبر، بناء على القرار السياسى الذى أصدره الرئيس أنور السادات، بعد أن كان الموعد المثالى (9 أكتوبر) للتطوير قد فات أوانه.

ويرصد «الأستاذ» أهم أحداث يوم 16 أكتوبر 1973، وعلى رأسها خطاب وجهه السادات للأمة العربية، وفى نفس التوقيت خطاب وجهته رئيسة وزراء إسرائيل جولدا مائير إلى شعبها. وبينما ركز خطاب السادات على عرض مشروع للسلام، كانت نقطة الارتكاز فيه الفقرة التى تقول «إننا على استعداد فور إتمام الانسحاب (الإسرائيلى) من كل الأراضى (التى احتلتها عام 1967) أن نحضر مؤتمر سلام دولى فى الأمم المتحدة. وسوف أحاول جهدى أن أقنع به رفاقى من القادة العرب المسئولين مباشرة عن إدارة صراعنا مع العدو»، كان تركيز جولدا مائير على ما وصفته بـ«الدور الشرير للاتحاد السوفييتى»، وكان قصدها من ذلك بالطبع هو استثارة الرأى العام الأمريكى، والمساعدة فى إيجاد جو من المواجهة بين القوتين الأعظم.

كما أعلنت رفضها لوقف إطلاق النار وفق المشروعات التى كانت تناقش فى ذلك الوقت فى مجلس الأمن «وكان ذلك لاعتقادها أن المعركة تسير لصالح إسرائيل بالنجاح الذى تحقق عند الفجر بواسطة قوات شارون» وكان أكثر ما يلفت النظر هو إعلانها بالنص «أن القوات الإسرائيلية تحارب بشجاعة على ضفتى القناة شرقا وغربا «وكانت هذه هى المفاجأة الكبرى فى الخطاب». وعاد السادات من مجلس الشعب إلى قصر الطاهرة فى موكب أكثر حماسة وعاطفية من ذلك الذى لقيه ذاهبا إليه. وقام هيكل بإبلاغ السادات بما قالته مائير فى خطابها.

وقرأ عليه برقية من وكالة «الأسوشيتدبرس» نصها: «أعلنت جولدا مائير أمام الكنيست الآن أن القوات الإسرائيلية تحارب شرق وغرب قناة السويس». وكان رد السادات بعد اتصال أجراه مع وزير الحربية الفريق أحمد إسماعيل أنه يظهر أن «الأمور مفكوكة فى إسرائيل، وقد عملوا اليوم مسرحية فبعثوا بشوية دبابات تبرجس». ولما أبدى هيكل عدم فهم لكلمة «تبرجس» ترجمها الرئيس بقوله: «يعنى فوتوا شوية دبابات يتسللوا للغرب ويستخبوا فى وسط الشجر علشان تقدر تقول إن عندها قوات فى الغرب».

غلاف كتاب «أكتوبر 73 السلاح والسياسة» للكتاب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل

ثم أبدى السادات اقتناعه بـ«أنها مسرحية قصد بها إعطاء جولدا مائير شيئا تتكلم عنه فى خطابها لكى تغطى خطابه هو وتشوش عليه». ثم عبر عن يقينه بأن هذه الدبابات دخلت فى مصيدة لن تخرج منها. وهو تقريبا ما قاله الفريق إسماعيل لهيكل فى مكالمة لاحقة. وبشأن تطور الأحداث فى واشنطن يوم 16 أكتوبر، يقول الكاتب الكبير دعا وزير الخارجية هنرى كيسنجر إلى اجتماع فى البيت الأبيض لمجموعة العمل الخاصة تحدد له الساعة العاشرة صباحا، ولاحظ كيسنجر أن الروح المعنوية لأعضاء مجموعة العمل الخاصة قد تحولت بطريقة سحرية، وأصبحت عالية جدا نتيجة وصول التقارير الأولى عن الاختراق الإسرائيلى فى الدفرسوار.

وطلب كيسنجر إلى وزير الدفاع الامريكى شليزنجر تكثيف شحنات الجسر الجوى العسكرى لإسرائيل «لأن حسم الموقف بات قريبا». وفى هذه الأثناء عرف كيسنجر بأن رئيس الوزراء السوفييتى أليكسى كوسيجين فى طريقه للقاهرة، ولاستباق مهمة كوسيجين وتعزيز دوره قبلها وبعث برسالة إلى السادات عن طريق مستشاره للأمن القومى، حافظ إسماعيل، (منشورة بالكامل فى الكتاب) تؤمن له أهدافه، وختمها بقوله «إن الدكتور كيسنجر يقدر تقديرا عاليا الدعوة المصرية الكريمة إليه بزيارة مصر. وفور الوصول إلى وقف إطلاق النار، فإنه سوف يسعده أن يعطى لهذه الدعوة اعتبارها الجاد والودى كجزء من جهد جدى لتحقيق سلام دائم فى الشرق الأوسط».

سد الثغرة

مساء 16 أكتوبر فى القاهرة حدث لقاء بروتوكولى بين السادات وكوسيجين، وتم تأجيل الاجتماع إلى صباح اليوم التالى. وأثناء حديث الرئيس مع ضيفه طلب الفريق أحمد إسماعيل أن يتصل به الرئيس فى مركز القيادة، ورأى السادات أن يذهب إليه، وفور وصوله كانت الخلافات متفجرة بين إسماعيل، ورئيس الأركان الفريق سعد الشاذلى، بشأن غلق ثغرة اختراق العدو فى الدفرسوار، فالأول يرى أن يتم غلقها من الشرق، والثانى يرى أن الوضع المثالى للتعامل معها يكون من غرب القناة، ويقتضى ذلك سحب الفرقة الرابعة المدرعة من سيناء إلى الغرب.

استمع السادات لرؤية القائدين وانحاز لرؤية إسماعيل، وهنا يقول «الأستاذ»: «كان رأى الفريق إسماعيل الأكثر رجاحة فى هذه اللحظة لأى مراقب ينظر للموقف نظرة شاملة، فالقائد العام لم يكن ينظر للموضوع من وجهة نظر العمليات فقط، وإنما كانت نظرته أشمل. وقال بوضوح إنه إذا بدأ سحب الفرقة الرابعة المدرعة إلى غرب القناة فى هذه الساعات فإن القوات كلها فى الشرق سوف تشعر بحركتها، وقد تتصور خصوصا مع انتشار أخبار الثغرة أن تلك مقدمة لانسحاب عام يقوم به الجيش المصرى من الشرق، وبالتالى فإن هذه القوات سوف تبدأ –راضية أو مكرهة- فى التأثر بعملية الانسحاب، وهذا قد يعيد إليها أجواء سنة 1967.. كان أحمد إسماعيل على حق فى تلك اللحظات وبصرف النظر عن أية آراء سابقة، فإن الاعتبارات النفسية للقوات كان لابد أن يكون لها الغلبة فى أى حساب تخطيط لطريقة مواجهة الثغرة». والمشكلة أن انحياز السادات لإسماعيل ترافق مع هجوم حاد منه على الشاذلى وتهديده بالمحاكمة إذا سمع منه الاقتراحات مرة ثانية.

تصفية الثغرة كانت أحد الموضوعات الخلافية ما بين السادات وإسماعيل والشاذلي

مواجهة مع كوسيجين

ينتقل الكاتب الكبير بعد ذلك للحديث عن أحداث يوم 17 أكتوبر «صباح هذا اليوم كانت القوات المصرية المكلفة بقفل الثغرة من الشرق تقوم بجهود مستميتة لوقف تدفق المدرعات الإسرائيلية إلى الغرب، وحققت فى بداية الأمر قسطا من النجاح، لكن قوة الاندفاع الإسرائيلى كان من الصعب إيقافها تماما».

ويضيف بأن السادات تلقى من مكتبه للشئون العسكرية تقارير أولية عما يجرى فى ميدان القتال، كان أثرها المبدئى عليه هو أن طلب إخطار كوسيجين برجائه فى تأجيل الاجتماع المتفق عليه صباح اليوم إلى بعد الظهر، فلم يكن فى مقدوره ومن جهة نظره أن يجلس مع كوسيجين ويتفاوض بأعصاب هادئة.

وذهب السادات بعد الظهر إلى موعده مع كوسيجين، ولم يكن فى أحسن أحواله؛ فالثغرة التى استطاعت بها القوات الإسرائيلية اختراق الجبهة المصرية فى الدفرسوار لم تغلق. وراح يلوم الاتحاد السوفييتى على تقصيره فى إمداد مصر بالسلاح. واستشهد مرات بالفارق الكمى والنوعى بين جسر الإمداد الأمريكى لإسرائيل، وجسر الإمداد السوفييتى لمصر. وحاول التهوين من شأن الثغرة، مظهرا مقدرة القوات المصرية على التعامل معها وضربها مع تسليمه بأن الأمر قد يحتاج إلى وقت أطول عما كان مقدرا.

وبدأ نفاذ الصبر على لهجة كوسيجين وهو يتحدث، فقد ضايقه ما بدا له أنها محاولة لإلقاء اللوم على الاتحاد السوفييتى. وبدأ كلامه قائلا «إنه يريد أن يتحدث مع الرئيس بصراحة». ثم قال «إننا قبل هذه الأزمة كنا أصدقاء، وبهذه الأزمة ونحن فيها معا، فقد أصبحنا حلفاء. وقدمنا إليكم ما طلبتموه منا، وحتى هذه اللحظة فإن الجسر الجوى السوفييتى نقل إلى مصر أكثر من ستة آلاف طن من المعدات. وحاربتم بالمعدات السوفييتية فى الأيام الأولى من القتال بطريقة أثبتت كفايتها وكفاءتها. وبعد ذلك فإن إدارة المعركة كانت فى أيديكم ونحن لم نقترب منها، مع أنه كانت لنا ملاحظات على الطريقة التى دخلتم بها إلى المعركة وحققتم انتصارا مبدئيا شهد به العالم، ثم توقفتم بعد ذلك دون سبب مفهوم.

وتركتم حلفاءكم على الجبهة الشمالية (سوريا) حتى يضربهم العدو ثم يتحول إليكم، ومع ذلك فأنا لا أريد أن أدخل فى تفاصيل إدارة مجهودكم الحربى لأن ذلك شىء يخصكم، لكنى اضطررت إلى إبداء ما أبديت من الملاحظات إزاء ما قلتوه، والاتحاد السوفييتى ليس على استعداد لقبول ما قلتموه: حين يتحقق انتصار فهذا الانتصار لكم وحدكم ولا شأن لنا به، وحين تقع مشكلة فنحن سبب المشكلة بتقصيرنا فى إمداد السلاح اللازم وأنت لا دخل لكم بالموضوع».

وفيما يتعلق بالنقطة الثانية عن حجم القوات الإسرائيلية التى تمكنت من دخول الثغرة، فقد قال كوسيجين إن «صديقنا الرئيس السادات يقلل من الخطر الذى تواجهه القوات المصرية، وأنا مضطر أن أضع أمامه الحقيقة حتى يستطيع أن يقيم حساباته على أساس سليم».

والتفت كوسيجين إلى أحد العسكريين من أعضاء وفده الذى رفع حقيبة كان يضعها تحت مائدة الاجتماع، ثم فتحها وأخرج منها مظروفا كبيرا سلمه لكوسيجين الذى أخرج منه مجموعة من الصور الفوتوغرافية الملتقطة بالأقمار الصناعية (وكان عددها 18 صورة)، وقام كوسيجين من مقعده متجها إلى الناحية التى يجلس عليها السادات من مائدة المفاوضات ثم وضع أمامه راجيا منه أن يدقق النظر فيه.

وكانت الصور واضحة بطريقة مذهلة، فقدت بدت فيها منطقة الثغرة الإسرائيلية وما حولها، وكانت هناك علامات ودوائر مرسومة عليها تحدد مواقع القوات الإسرائيلية وطوابيرها. وراح كوسيجين يشرح قائلا «هذه الصور لا تشير إلى قوات صغيرة تمكنت من عبور الثغرة إلى الضفة الغربية من القناة.. هذه الصور تظهر أنه حتى ساعة التقاطها ظهر اليوم كان لإسرائيل فى الغرب 760 قطعة مدرعة ما بين دبابات وعربات مصفحة، وهذه قوة كبيرة، وتعزيزها لازال مستمرا، وأنتم أمام موقف خطير تفرض عليكم الظروف مواجهته ووقفه عند حده حتى تستطيعوا المحافظة على حجم انتصاراتكم المبدئية». ويقول الكاتب الكبير: استمع السادات بدون حماسة إلى ما عرضه ضيفه عليه بعد ذلك من «أنهم فى موسكو يجرون اتصالات مع واشنطن على أعلى مستوى، ويحاولون التوصل إلى مشروع قرار يقدم إلى مجلس الأمن، على أن ينص فيه صراحة على ضرورة الانسحاب الكامل». وعقب السادات بأنه على استعداد لقبول قرار من هذا النوع إذا نص فيه فعلا على الانسحاب الكامل.