بالفيديو.. «القاهرة» لم تعد «قاهرة».. اليونسكو تحذر: عامان وسنضع «القاهرة التاريخية» على قائمة «الآثار المهددة» - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 6:37 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بالفيديو.. «القاهرة» لم تعد «قاهرة».. اليونسكو تحذر: عامان وسنضع «القاهرة التاريخية» على قائمة «الآثار المهددة»

آثار الانفجار على متحف الفن الإسلامي تصوير: أحمد عبد اللطيف
آثار الانفجار على متحف الفن الإسلامي تصوير: أحمد عبد اللطيف
كتبت - عزة جرجس:
نشر في: الخميس 30 يناير 2014 - 9:06 م | آخر تحديث: الخميس 30 يناير 2014 - 9:11 م

قبيل انتهاء صلاة الجمعة، تضع "سالي" كاميرتها الديجيتال في حقيبة يديها، تطبع قبلة على جبين والدتها المسنة، وتنطلق مغادرة منزلها الكائن بوسط البلد. حزمت أمرها بأن تستقل سيارتها لترى الطريق أمامها مفتوحًا وقد تنصل من زحامه المعتاد في باقِي أيام الأسبوع. بعد عشر دقائق، تصل الفتاة الثلاثينية منطقة القلعة. ما زال اليوم أمامها طويلًا، تترجل من السيارة وتغوص في شوارع القاهرة التاريخية تصور منزلًا أثريًّا تم هدمه بشارع سوق السلاح، وسبيلًا يغرق في القمامة بدرب التبانة ومسجدًا يتصدع بالدرب الأحمر.

منطقة " الدرب الأحمر" التي تتكون من أربعة عشر شياخة أثرية وتعود للقرن الثالث عشر الميلادي، تصدرت خطابًا شديد اللهجة، أرسله فرانشيسكو باندارين، المدير العام المساعد بمنظمة اليونسكو، للمجلس الأعلى للآثار المصري، يقول بندارين في خطابه الذي حصلت "بوابة الشروق" على نسخة منه: "أرسل خطابي هذا لأعبر عن قلقي البالغ للحالة التي وصلت لها المدينة التاريخية" ويتطرق باندارين خلال الخطاب للتشويه الذي لحق بمعالم القاهرة وكان أبرزها منطقة الدرب الأحمر.

ويختتم خطابه قائلًا: "أكتب إليكم حتى تتحركوا بشكل فوري، لمنع التراث الحضاري للقاهرة التاريخية من الاندثار في هذا الوضع الراهن".

"سالي سليمان" التي تعمل مرشدة سياحية في منطقة القاهرة التاريخية، تضع التدوين على قائمة أولوياتها. فبعدما تدهورت السياحة بسبب سوء الوضع الأمني في أعقاب ثورة 25 يناير. خصصت الفتاة جُل وقتها لتسجل الانتهاكات التي تحدث للآثار بالمنطقة ثم تقوم بعد ذلك بنشرها عبر مدونتها التي تحمل اسم "البصارة...كانوا هنا وغادروا ولم يتبق منهم غير رائحة المكان" حتى المكان الذي تعبق به رائحتهم يبدو أنه سيتلاشى.

آثار مهدمة.. مساجد تتصدع

القاهرة التي يرجع تاريخ تأسيسها لألف عام مضت، وتحوي حواريها وأزقتها معالم تاريخية تعود لحقب مختلفة؛ مهددة بالخروج من قائمة اليونسكو للتراث العالمي بسبب الإهمال. ما بين مياه جوفية وأكوام قمامة وتصدعات وأعمال ترميم خاطئة وسرقات، ما زال يحاول الصمود، تراث أجيال جعلوا من "القاهرة" اسمًا على مسمى.

"بوابة الشروق" اختارت منطقة الدرب الأحمر نموذجًا لترصد من خلاله الانتهاكات التي طالت مناطق القاهرة التاريخية. "سالي" التي رافقت "بوابة الشروق" خلال جولتها بالمنطقة تقول "القاهرة التاريخية ساقطة من الحسابات".

شارع سوق السلاح، الذي يقع بمنطقة الدرب الأحمر ويعود تاريخه لأكثر من 700 عام ويضم العديد من الآثار الإسلامية. يقع بمدخله بوابة قصر منجك السلحدار، التي تعود للقرن الثالث عشر، البوابة الأثرية أضحت "مقلب زبالة" للمنطقة وتفوح منها روائح كريهة.

البداية ليست مطمئنة، بعد دقائق يظهر واضحًا أن الشارع غارق في بركة مياه، بسبب انفجار ماسورة صرف صحي، على امتداد الشارع يظهر ضريح أثري وقد هدم أحدهم نصفه وبنى بدلًا منه بناية سبعة طوابق، تعلق سالي: "البنية التحتية هنا لا تحتمل بناء عمارات، وفي أي وقت قد تنهار هذه المباني الشاهقة وتسبب خسائر بالغة في الأرواح وعلى الآثار المحيطة".

حمام بشتاك، يقع على يسار القادم من القلعة في منتصف شارع سوق السلاح، تحول هو الآخر لمقلب زبالة، فيما تبقت رسوم زخرفية على جدرانه تقاوم الاندثار: "لماذا لا نستخدم هذه الحمامات التاريخية من جديد كما يحدث في المغرب ومن الممكن أن تساهم بشكل كبير في زيادة الدخل" تتساءل سالي.

في شارع جانبي بحي الدرب الأحمر وبالقرب من باب زويلة، يطل مسجد "أبو حريبة" الذي بناه الأمير المملوكي، قجماس الإسحاقي، المسجد الذي توجد صورته على العملة المالية فئة الخمسين جنيهًا، يعود تاريخه إلى القرن الخامس عشر، الآن تحيط به القمامة من كل جانب فيما صعدت المياه الجوفية على جدرانه فانتفخت، وسرق أحدهم الحشوات من على بوابته الرئيسية، فيما قام آخر بفتح متجر بقالة بالدور الأول به.

الدولة تخالف القانون الذي تسنه

وفقًا لقانون التنسيق الحضاري، الصادر في عام 2006 فإن المادة الثانية منه تقول: "ﻳﺤﻈﺮ اﻟﺘﺮﺧﻴﺺ ﺑﺎﻟﻬﺪم أو اﻹﺿﺎﻓﺔ ﻟﻠﻤﺒﺎني واﻟﻤﻨﺸﺂت ذات اﻟﻄﺮاز اﻟﻤﻌﻤﺎري اﻟﻤﺘﻤﻴﺰ اﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻘﻮمي أو ﺑﺸﺨﺼﻴﺔ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ أو اﻟﺘي ﺗﻌﺘﺒﺮ ﻣﺰارًا سياحيًّا".

ويشير القانون في المادة رقم (84) إلى ضرورة: "مراعاة عدم تنافر لون أو ألوان واجهات المبنى مع ألوان الواجهات المحيطة، بما يحقق الإحساس بالجمال للحفاظ على الطابع المعماري والعمراني للمنطقة".

ويبدو أن المنازل التي تم هدمها وبناؤها من جديد في "الدرب الأحمر" قررت بالكامل مخالفة هذا القانون، فواجهات المناطق الأثرية تحمل اللون البني الفاتح، بينما تحمل المنازل الألوان البنفسجي، والأحمر، والأخضر... إلى آخره من ألوان متناقضة.

الملفت للنظر أن مدرسة "الرفاعي الابتدائية الأحمر" الحكومية بشارع سوق السلاح قررت هي أيضًا أن تخالف القانون وحملت اللون "الأحمر" وتعلق سالي "ندد شجب لطم.. هذا هو دور جهاز التنسيق الحضاري ليس هناك قانون يتم تنفيذه ومحافظ القاهرة مسؤول عما يحدث".

اليونسكو تمنح مصر مهلة حتى 2015

في اتصال هاتفي مع أحمد منصور، نائب المنسق العلمي لمشروع تطوير القاهرة التاريخية التابع لمنظمة اليونسكو، يقول إنه في يونيو الماضي اجتمعت لجنة التراث العالمي بمنظمة اليونسكو، بكمبوديا، وأصدرت قرارتها بشأن المناطق الأثرية في العالم، وكان نصيب القاهرة التاريخية كالآتي: "على الحكومة المصرية تقديم تقرير شامل قبل يوم 1 فبراير 2015، يتضمن ما فعلته الحكومة لإنقاذ معالم القاهرة التاريخية".

"منصور" يضيف "منذ 30 يونيو ومصر تعيش ظروفًا سيئة ولم يحدث أي تطوير للمدينة" لافتًا إلى أنه بعد خطابات التحذير من اليونسكو، إن لم تقدم مصر تقريرًا في 2015 تظهر فيه أعمال التطوير للمدينة، فقد تضعها المنظمة على قائمة التراث المهددة، كما كان الحال مع منطقة "أبو مينا" الأثرية التي تقع غرب مدينة الإسكندرية.

"أهمية وجود مصر في قائمة التراث العالمي كأهمية وجودها في منظمة الأمم المتحدة" هكذا يؤكد "منصور" ضرورة أن تنقذ مصر آثار القاهرة التاريخية، حتى تحافظ على مكانها على قائمة التراث، لافتًا إلى أن ذلك سيؤثر على السياحة، "السياح الأجانب يعرفون المناطق الأثرية من خلال قائمة التراث العالمي وبناءً على ذلك يحددون أي الأماكن سيقومون بزيارتها، خلال رحلتهم لمصر".

ويشير إلى أن مصر قد تخسر الدعم الذي تقدمه بعض الدول الأجنبية لحماية آثار العالم إذا تركت الآثار في حالة مزرية ودفعت اليونسكو لرفعها من قائمة التراث العالمي.

"لم تعد مدينة الألف مئذنة"

بمكتبها الكائن بمنطقة جاردن سيتي، تلتقي "بوابة الشروق" تمار تنيشفيلي، متخصصة البرامج الثقافية بمكتب اليونسكو الإقليمي بالقاهرة، تقول "تنيشفيلي" اليونسكو لا تلوم الحكومة فقط ولكنها أيضًا تحاول أن تساعدها فنحن لدينا هنا مشاريع وندرب خبراء من أجل النهوض بالقاهرة التاريخية".

وتجيب على تساؤل ما إذا كانت الحكومة قد فعلت شيئًا حتى الآن لإنقاذ القاهرة: "هي لم تفعل شيئًا على مستوى القطاعات الأخرى لنتحدث عن الآثار ربما فعلت شيئًا على المستوى الأمني، من السهل لوم الحكومة ولكني أحاول أن أشرح السياق".

وتشير "تنشيفيلي" إلى أن البناء غير القانوني في القاهرة أفقدها مظهرها الجمالي: "عند مشاهدة القاهرة من حديقة الأزهر سنرى أن هناك الكثير من المباني الشاهقة، فالقاهرة لم تعد مدينة الألف مئذنة كما كان في الماضي".

ووفقًا لقانون التنسيق الحضاري فإن البنايات في المناطق الأثرية لا يجب أن تكون أعلى من الأثر؛ لأن ذلك يفقده شكله الجمالي.

"الآثار" تناقض نفسها

بوزارة الآثار، يوجد فريق من الخبراء يشرف على مشروع تطوير آثار القاهرة التاريخية، يقول محمد عبد العزيز، المسؤول عن هذا الفريق أن مشكلة الدرب الأحمر متمثلة في التعديات بالبناء، وأنهم كوزارة ترصد هذه الحالات والأمن عليه التعامل معها، مشيرًا إلى أن التعديات بالبناء ظهرت بعد الثورة بسبب الانفلات الأمني.

بعد ذلك يعود "عبد العزيز" ويقول: "أنظار الإعلام لم تكن موجهة للقاهرة التاريخية، على الرغم أن ما يحدث بها كان بالفعل متواجدًا منذ خمسة عشر عامًا. وكانت هناك أموال كافية، والآن الأنظار موجهة إلينا ولكننا ليس لدينا التمويل الكافي لتطويرها".

ويرجع "عبد العزيز" مشكلة الآثار بالقاهرة التاريخية إلى أنها متواجدة في محيط شعبي ومستوى المعيشة والتوعية بين الناس في تلك المناطق "متدنٍ"؛ "لذا فهم يلقون بالقمامة في المناطق الأثرية".

"عبد العزيز" يرفض فكرة خروج القاهرة من قائمة التراث العالمي: "القاهرة أكبر موقع أثري على قائمة التراث العالمي، وهم ملتمسون لنا العذر بعد الثورة ويعرفون المشاكل التي تواجهنا" متابعًا: "أعطونا الضوء الأحمر، ثم بعد ذلك قد يضعوننا على القائمة المهددة ثم يرفعون القاهرة من قائمة التراث العالمي ولكننا لن نصل لهذه المرحلة إن شاء الله".

الثورة بريئة

وترفض "سالي" فكرة أن تكون الثورة هي السبب: "الناس فاكرة إن ده بيحصل بعد الثورة لكنه من قبل الثورة بسنوات، لكننا لم يكن بمقدرونا أن نتكلم، ولكن الآن لدينا مساحة من الحرية أن نتحدث عن هذه الكوارث وحتى لو اتكلمنا فنحن في نظر المسؤولين ممولين".

نفاجئها وهي تلتقط بعض الصور لتضعها على مدونتها تقول: "بنصور بكاميراتنا التعبانة، بنقول أهي ممكن تكون آخر صورة للمكان ونسيبها للأجيال اللي بعد كده".

ترى سالي أن الحظ حالفها ورأت هذه التحف المعمارية، "الأجيال الجاية مش هتشوف الآثار دي، ومعرفش بأي وش هنقولهم إن احنا ضيعنا تراثنا" الشمس تغيب ونغادر المكان ولم تعد القاهرة بعد "قاهرة"

اقرأ أيضًا:

تقرير برنامج اليونسكو لتطوير القاهرة يظهر الحالة المزرية التي وصلت إليها المدينة

قرارات مؤتمر كمبوديا 2013



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك