رحلة العبور إلى حي الوعر.. كابوس يؤرق سكان حمص - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 1:12 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رحلة العبور إلى حي الوعر.. كابوس يؤرق سكان حمص

BBC
نشر في: الجمعة 30 يناير 2015 - 6:53 م | آخر تحديث: الجمعة 30 يناير 2015 - 6:53 م

يشكل الخروج والدخول من حي الوعر في حمص السورية المحاصر منذ عامين تقريباً، مغامرة محفوفة بالموت في كل مرة، فأمام المعبر الوحيد، تُفتش الطوابير بحثاً حتى عن قطع الخبز "المهربة". قصص إنسانية من الحي المحاصر.

كانت تفرك يديها بتوتر واضح، وبعد انتظار دام ثلاث ساعات عند معبر الدخول إلى الحي، أخرجت ليلى بأصابع مرتجفة ما كانت تخفيه في جيبها؛ كاشفة عن غنيمتها المهربة: قطعة "ثمينة" من الحلوى الممنوع إدخالها إلى الحي المحاصر، تقول الفتاة ذات الواحد والعشرين عاماً بلهجة منتصرة "لقد وعدته بإحضارها.. سيفرح بها أخي الصغير!".

ليلى، واحدة من خمسة آلاف موظف وطالب يسمح لهم دون غيرهم من المدنيين، البالغ عددهم 150 ألفاً، بالدخول والخروج من حي الوعر المحاصر غربي مدينة حمص منذ ما يقارب العامين حتى اليوم.

خصوصية حي الوعر

منذ صفقة خروج مسلحي المعارضة من المناطق التي كانوا يسيطرون عليها في أحياء حمص القديمة باتجاه ريف حمص الشمالي، باتت حمص بأكملها تحت سيطرة قوات النظام باستثناء حي الوعر، آخر معاقل المعارضة في المدينة الواقعة وسط سوريا، الأمر الذي أتاح للنظام سهولة التفرغ لحصاره وتكثيف القصف الجوي والبري عليه.

Syrien Bürgerkrieg Stadt Homs

باتت حمص بأكملها تحت سيطرة قوات النظام باستثناء حي الوعر، آخر معاقل المعارضة في المدينة.

وما يزيد الوضع تعقيداً هو تواجد قرابة مئة وخمسين ألفاً من المدنيين الذين نزحوا إلى الحي من أحياء مدمرة أخرى في وقت سابق. كما أن النظام قام، وكعقاب جماعي للحي، بمنع المدنيين من مغادرته إلا وفق قيود مشددة. عن ذلك يقول أبو طارق، أحد المدنيين المحاصرين في الحي: "إذا لم تشهر بطاقتك الجامعية أو بطاقة وظيفتك الحكومية، إلى جانب بطاقتك المدنية، فلا يُسمح لك بدخول الحي أو الخروج منه"، مما يجعل شريحة الموظفين والطلاب تحمل عبء إعالة أسرهم ومحاولة إدخال ما قد يُسمح بإدخاله في بعض الأحيان.

محاولات لكسر الحصار

في مشهد متكرر لرحلة الشقاء اليومي التي يضطر المارون لخوضها عبر الحاجز الأمني للنظام عند مدخل الحي، تتم مصادرة الحاجيات التي يحاول البعض إدخالها، من أغطية وأمتعة أو حتى طعام.. إلا في حالات نادرة يُسمح فيها بإدخال بضع بعض الخضار. "ذلك يعتمد على مزاج عناصر الحاجز"، يقول رامي، الموظف في إحدى مؤسسات الدولة، شارحاً مصير الطعام والأشياء المصادرة: "يقومون بتكديسها أمام أعيننا ثم يشعلون النار بها لتتحول إلى كومة رماد".

وعن سؤاله حول السبب الذي يجعلهم يغامرون بتكرار عملية جلب الحاجيات، يجيب "نحن مضطرون لذلك، فيحدث في يوم ما أن تسمح عناصر الحاجز لنا فجأة بإدخال ما نحمل، والطريق يبعد حوالي 12 كلم عن أقرب منطقة سكنية والحافلات نادراً ما تتوفر في أي وقت، فلا خيار أمامنا إلا المقامرة وبشكل يومي".

Syrien Bürgerkrieg Stadt Homs

الطريق الشاقة إلى حي الوعر

يفكر الطالب الجامعي عدنان جدياً في عدم العودة إلى حي الوعر ليتفرغ لدراسته موفراً التعب والإجهاد الذي يعانيه خلال تنقله اليومي من الحي وإليه، يمنعه من ذلك شعوره بتأنيب الضمير تجاه أفراد أسرته غير المسموح لهم بمغادرة الحي "المشكلة أنني بمثابة الأوكسجين الوحيد الذي تتنفس من خلاله عائلتي، وأشعر أني وسط حيرة شديدة بين جامعتي والدعم الذي يمكنني تقديمه لعائلتي"، يقول عدنان.

طوابير انتظار وحلقة رعب لا تنتهي

منع دخول الحاجيات الأساسية أو إحراقها، رغم الحاجة الملحة إليها، ليست هي المشكلة الوحيدة التي يعاني منها المارون عبر الحاجز الأمني، فلديهم ما يكفيهم من مشاكل وعقبات عليهم تجاوزها يومياً بل والاعتياد عليها. يرى معلم الرياضة خالد أن حياته تحولت إلى "كابوس حقيقي" يتمثل في "لعبة حرق الأعصاب"، التي يعيشها أثناء وقوفه في طابور التفتيش الصباحي" فقد اعتقلوا شابين وفتاة الأسبوع الفائت، وترتعد أوصالي بمجرد التفكير في أنني ربما أكون التالي"، يقول خالد.

ويضيف بأسلوب ساخر أن الخوف من شبح الاعتقال ما هو إلا "تحمية صباحية" لحلقة رعب جديدة يتعرض لها العائدون للحي مساء، "بعد أن نتجاوز الحاجز أخيراً وقد نالنا من الشتائم وسوء المعاملة ورمي الحوائج ما يكفي، علينا أن نجري بسرعة لنتجنب القنص ونأوي لمنازلنا علّ جدرانها تحمينا من مسلسل القصف العشوائي ليلاً".

وكانت منظمة هيومان رايتس ووتش قد ذكرت في بيان لها أن" قوات النظام قصفت بشكل مكثف حي الوعر الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة السورية المسلحة ومنعت المدنيين من مغادرته، إضافة إلى منعها دخول المساعدات إليه"، داعية الأطراف المتصارعة إلى تسهيل دخول المساعدات للحي بدون شروط.

فيما ينظر مؤيدو النظام للمدنيين في حي الوعر على أنه "بيئة حاضنة لمسلحي المعارضة" وهذا ما "يبرر" القسوة في التعامل مع الموظفين والطلاب ومنعهم من إدخال المواد الغذائية بحسب ما نقله أحد المجندين في جيش النظام.

البرد زاد الطين بلة

رغم اشتداد موجة الصقيع التي تشهدها المنطقة حالياً، لم تسمح الحكومة السورية بإدخال أي من المحروقات للتخفيف من تداعياتها على الأهالي. علماً أن معابر الوعر الأربع تسيطر عليها قوات النظام ولا تسمح بالدخول والخروج الجزئي لموظفيه إلا من خلال معبر مصياف الأبعد عن مركز المدينة.

Homs Syrien

يبقى حلم النازحين السوريين في العودة إلى منازلهم ومدنهم

"الطريق طويل الذي يمر عبر المعبر الوحيد عند مصياف، والانتظار في البرد كارثي"، تشتكي سارة وهي طالبة في كلية الهندسة المعمارية، من قضاء ساعات طويلة من نهارها على الطرقات وطوابير الانتظار مجبرةً على تحمل استفزازات وحوادث إذلال يتعرض لها المارون، تروي إحداها عندما ضُبط شاب يخفي أوقية ملح تحت ثيابه فأجبره الضابط على خلع قميصه لساعات عقوبةً له. "بعد أن أدخل منزلي متجمدة من البرد، تلاحقني نظرات أفراد عائلتي بالكثير من إشارات الاستفهام حول عودتي خالية الوفاض، في وقت أحوج ما أكون فيه لبعض الحب والدفء"، تقول سارة.

ماذا عن قوات المعارضة؟

لا تشكل قوات المعارضة كياناً واحداً متماسكاً كقوات النظام، فهي عبارة عن خليط من كتائب متعددة تتبع قيادات وفصائل مختلفة، تتقاسم مناطق النفوذ. ولدى سؤال الطالب الجامعي عمر حول طريقة تعامل قوات المعارضة معهم في الداخل، بعد اجتيازهم حاجز النظام الأمني، يجيب: "أحياناً أشعر بنظرات غير مريحة من البعض، ولكنهم لا يتدخلون بنا، ونعود لمنازلنا دون مضايقات تذكر، فطالما أنك لا تحمل معك كاميرا أو ضبطت تصور بجوال فأمورك بخير".

من جهتها تقول أم علاء، موظفة حكومية: "اضطرتني الظروف وكي لا أفقد مهنتي لانتخاب بشار الأسد لولاية جديدة حزيران الماضي، مما دفع بعض مسلحي المعارضة، وخصوصاً صغار العمر منهم، لتوجيه كلمات مسيئة بحقي، لكن الأمر توقف بعد ذلك".

تهدئة وأمل بانفراج قريب

وفيما يتعلق باللقاء التفاوضي الذي عقد يوم منتصف كانون الثاني/ يناير 2015 بين وفدي المعارضة والنظام في قصر محافظ حمص، للاتفاق على آليات التوصل لحل سلمي يحقن دماء المدنيين وينهي حالة الحصار، تأمل ليلى أن يكتب لهذه المفاوضات النجاح، وأن تفضي إلى هدنة جدية تنهي معاناة المدنيين وتتيح لهم العودة لمزاولة حياتهم دون خوف، وتختم حديثها بالقول "كم سيكون رائعاً أن أتمكن من إدخال علب البسكويت بشكل طبيعي دون أن اضطر لإخفائها".



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك