المدينة الشبح.. معرض يصف أصوات القاهرة - بوابة الشروق
الجمعة 3 مايو 2024 4:46 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المدينة الشبح.. معرض يصف أصوات القاهرة

عبد الرحمن مصطفى
نشر في: الجمعة 30 سبتمبر 2011 - 1:40 م | آخر تحديث: الجمعة 30 سبتمبر 2011 - 1:50 م

كل ما عليك هو أن تستسلم لخطواتك وأنت تبحث عن القاهرة داخل معرض «المدينة الشبح» الذى اختتم مؤخرا. وفى القاعة الرئيسية بمركز سعد زغلول الثقافى لم يكن هناك بديل آخر أمام الزائر الذى يرغب فى متعة التجربة، إذ يعتمد التجهيز على تحفيز حالة الترقب، بدءا من التجهيز الصوتى الذى أعده أربعة فنانين هم: ألفريد تسيمرلين وفرنسيسكا باومان من سويسرا، ونهلة مطر ومروان فوزى من مصر. مرورا بالصور الفوتوغرافية التى التقطتها الفنانة الشابة: دعاء قاسم، والإعداد البصرى للفنان طارق مأمون. بدعم بروهلفتسيا، المؤسسة الثقافية السويسرية بالقاهرة.

 

بمجرد أن يصل الزائر إلى قاعة العرض الرئيسية، يخطو بقدميه إلى قاهرة أخرى، اختار الفنانون أن يقدموها بأسلوب لا يحاكى الواقع أو يعيد إنتاجه، بل بأسلوب يعيش فيه الزائر وسط أصداء المدينة، سامعا أصواتا يعرفها وصورا رآها من قبل، لكن بإعداد غير تقليدى، اعتمادا على فن التجهيز Installation الذى يجيده فنانون العرض. «ستختلف الرحلة من زائر إلى آخر، والتجهيز الصوتى الموجود فى المعرض لن يقوم بأى دور إرشادى، إنها مهمة الزائر حسب حركته فى المكان». هكذا عبرت الدكتور نهلة مطر الأستاذ المساعد بقسم النظريات والتأليف فى كلية التربية الموسيقية بجامعة حلوان والمشاركة فى التجهيز الصوتى للعرض. وينتمى فن التجهيز إلى فنون ما بعد الحداثة التى لمعت منذ الستينيات تعبيرا عن عصر جديد يتمرد على حقبة «العصر الحديث» بكل فنونها وآدابها، حيث يتحول عرض من نوعية «المدينة الشبح» إلى تجهيز صوتى وبصرى فى فضاء يعتمد على حركة المشاهد، ولا يعبر عن الواقع بقدر ما يهتم بالمجاز، حيث يعيش الزائر مع أصوات مألوفة تم معالجتها الكترونيا حتى يصل إلى المعنى الذى يختاره. وكأنها لعبة يلعبها الزائر مع أصوات ومشاهد وصور.

 

عند المرور من باب القاعة الرئيسية يتضح ما كانت تصفه الدكتورة نهلة، إذ يقابل الزائر ممرا تحلق فيه أصوات مختلفة فى توقيتات متتالية، فمن يمر فى العشر دقائق الأولى من افتتاح العرض سيستمع إلى تجهيز صوتى مختلف عن الذى سيسمعه زائر آخر جاء متأخرا، وقد يختلف أو يتطابق مع ما سيسمعه كلاهما فى أثناء مغادرتهما المعرض.

 

هل يمكن لزائر لا يتذوق فنون ما بعد الحداثة أن يتفهم المعرض؟ لا يخفى المؤلف الموسيقى مروان فوزى المشارك فى التجهيز الصوتى غربة هذا النوع من الفن عن الحالة الفنية اليوم، ورغم ذلك يقول: «المسألة أصبحت أكثر قربا بعد انتشار الانترنت، ودخول بعض المهتمين إلى فيديوهات وتسجيلات صوتية ونماذج من هذا الفن، هذا ما ألاحظه على طلبتى فى كلية الفنون الجميلة على سبيل المثال.. لكن لا يمكن مقارنة الإقبال عليه بأى شكل من الأشكال بحفاوة الغرب بفن التجهيز» ــ حسب تعبير مروان فإن معدل إقامة معرض كهذا فى مصر مثل إقامة عرض أوبرا فاجنر فى الأوبرا المصرية، وهو أمر نادر، على عكس شيوع ذلك بمجرد عبور البحر المتوسط إلى أوروبا. وتشير نهلة مطر إلى أن الظروف السياسية وقيام العرض فى شهر رمضان كلها أمور لم تصب فى صالحه.

 

بعد أن يتجاوز المار المرحلة الأولى فى الممر ينتقل إلى صالة يتدلى من سقفها شرائط ورقية طولية متجاورة تحمل صورا لا تكمل بعضها من شوارع القاهرة. وهو ما يعبر عن ما بعد الحداثة حيث تتجاور المكونات المختلفة، فى الموسيقى وفى الصورة، بل وفى ملامح الحياة العادية التى يتناول فيها احدهم طعاما يمنيا أو أمريكيا فى حى مصرى تقليدى (!). وما إن يترك الزائر تلك القاعة (المتاهة) إلى الممر الجديد حتى يشعر بتكثيف ما قابله فى المرحلتين السابقتين، واستخدم الفنانون وصف «النفق» لهذا الممر الطويل المنحنى، وفى تلك المرحلة تظهر مفارقة بين ما كان يطمح إليه الفنانون السويسريون من تصور يستدعى روح مصر القديمة، وتصميم المعرض وكأنه مقبرة، تؤدى إلى غرفة نهائية أقرب إلى قدس الأقداس، فى مقابل انشغال نلمسه لدى الفنانين المصريين ببث الحياة فى العرض، مثل وجود صور تعبر عن الشارع المصرى، أو أصوات بائعى المياه فى ميدان التحرير، أو هتاف «الشعب يريد» وأصوات أوراق الأشجار وأصوات المياه عند مقياس النيل التى تم تسجيلها قبل شهور مضت. لكن يتقبل الزائر هذه المفارقة حين يدرك محاولات الفنانين للفت نظره وسمعه إلى هذه المدينة الشبح الفرعونية القبطية الإسلامية و.. الثورية. يكشف كل من الفنان مروان فوزى والفنانة نهلة مطر عن جانب آخر لا يراه الزائر، ولن يراه حتى لا يكسر تلك الحالة التى يعيشها الزائر بالداخل، وهو عن الأجهزة المستخدمة فى عملهم وخفايا صناعة هذا التجهيز؛ إذ تستقر السماعات فى مواضع معينة، ويستقر جهاز كمبيوتر (لاب توب) يستخدمه مروان فى بث الأصوات التى تمت معالجتها موسيقيا وصوتيا. «ليس الهدف صناعة مقطوعة موسيقية لكنه عرض متكامل» ــ حسب عبارة نهلة مطر. ولا تكتمل الجولة إلا بالوصول فى آخر النفق إلى غرفة هى «قدس الأقداس» حسب التعبير المصرى القديم أو أخطر غرف المعابد المصرية. يجلس الزوار أمام شاشة وسماعات للإنصات إلى التجهيز الصوتى الذى أعده كل فنان من المشاركين بشكل أفضل. وفى النهاية ــ حسب تعبير طارق مأمون، الذى عمل على صنع التصميم أو الفضاء البصرى لهذه الأصوات المعالجة تقنيا ــ فإن «الهدف نقل انطباعات فنانين مصريين وسويسريين عن القاهرة فى عمل واحد». لكن رغم ذلك تبقى وجهة نظر أخرى لزائر شارك فى العرض بحركته واندماجه مع ما حوله من تجهيز.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك