حمدي قنديل بمذكراته: صفوت الشريف أبلغني بـ«انزعاج مبارك» لأنني وصفت الإسرائيليين بـ«السفلة» - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 1:07 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«الشروق» تنشر مذكرات الإعلامى الكبير «عشت مرتين» (6)..

حمدي قنديل بمذكراته: صفوت الشريف أبلغني بـ«انزعاج مبارك» لأنني وصفت الإسرائيليين بـ«السفلة»

إعداد ــ إسماعيل الأشول
نشر في: الجمعة 31 يناير 2014 - 11:30 ص | آخر تحديث: الجمعة 31 يناير 2014 - 11:30 ص

• الرئيس الأسبق كان مغرمًا بـ«المقالب».. وتسليته المفضلة كانت الوقيعة بين فاروق حسنى وصفوت الشريف

• صفوت اعترض على الحديث عن مبارك بكلمة الريس «حاف».. فسألته: هل تقول لزوجتك الريس أم سيادة الريس؟ فأجاب: سيادة الريس طبعًا

• مبارك توجه نحوى وسار معى.. وهو يسأل: هو صفوت الشريف عمل فيك إيه بالظبط؟

• «الرقيب» حذف وصف بيريز بـ«النازى».. وكنت أعرف أننى لو شكوت لصفوت الشريف فلن أحصل منه على شىء

• نجلاء فتحي خطبتنى فى التليفون.. وقالت لى: أنا هتجوزك النهارده

ماذا دار فى أول لقاء جمع الإعلامى الكبير حمدى قنديل بالفنانة نجلاء فتحى قبل زواجه منها؟ وكيف تم هذا الزواج؟ وكيف بدأ قنديل برنامجه الأشهر «رئيس التحرير» فى التليفزيون المصرى، وما أبرز الخلافات التى وقعت بينه وبين رجال السلطة ورموز نظام مبارك.. وماذا قال مبارك لقنديل حين التقاه بعد تأخير إذاعة الحلقة الثانية من برنامجه.. وما قصص «الرقيب» فى حياة برنامج قنديل على التليفزيون المصرى.. إجابة هذه الأسئلة وغيرها من حكايات أهل الإعلام والفن والسياسة نجدها فى السطور التالية من مذكرات قنديل الصادرة حديثا عن دار «الشروق» بعنوان «عشت مرتين»..

كان التليفزيون المغربى (2M) قد أوفد فريق تصوير لتغطية أخبار مهرجان القاهرة السينمائى الدولى عام 1991 وإجراء مقابلات مع عدد من الفنانين، كانت نجلاء فتحى من بينهم، ولما لم تكن مشاركة فى المهرجان فقد طلب منى المخرج أن أسعى لترتيب موعد معها.

عندما حدثتها عن المقابلة وافقت ولكنها اعتذرت عن عدم إجرائها فى المنزل لأنها كانت تعدل فى ديكوراته، فاقترحت أن يجرى الحديث فى حديقة الفندق الذى يقام به المهرجان، ولكنها خرجت باقتراح آخر: «ولماذا لا يكون ذلك فى بيت شقيقتى فى الدقى، وهو قريب منكم؟».

فى المساء جاءنى اتصال تليفونى من اللواء محمد السكرى وكيل اتحاد التنس، وكنت قد قابلته منذ سنوات فى نادى اليخت، قال: «ألا تعرف أن نجلاء فتحى شقيقة زوجتى؟»، قلت إنها أول مرة أعرف فيها ذلك، فقال إنها أبلغته بمكالمتى، وإنه يدعونى لزيارته مع فريق التصوير فى الغد لنتناول فنجان شاى قبل أن أعود للمغرب، وكان يظن أننى مقيم هناك، اعتذرت لارتباطات أخرى، فدعانى للعشاء فى الأسبوع التالى.

ذهبت إلى العشاء وأنا فى غاية القلق خشية ألَّا أجد موضوعا مناسبا أحدثها فيه عندما نلتقى، لكننا عندما التقينا ذهب كل هذا القلق تماما.

أول ما لاحظته بعد أن جلست أن الكل يناديها بـ«زهرة»، وعندما سألت قالت إن اسمها الحقيقى هو فاطمة الزهراء، دهشت أنها بسيطة للغاية فى ملبسها وتلقائية فى حديثها، وعندما علمت منها أنها تعرف باريس جيدا انطلقنا نتحدث عن ذكرياتنا فيها، كما لو كنا قد زرنا كل شبر فيها معا. ما فاجأنى حقا هو أنها لا تمت بصلة للصورة النمطية للنجمة السينمائية التى كانت فى ذهنى.

وعندما أوشكت أن أغادر وعدتها أن أتصل بها حتى «أحدثها عن انطباعى عن الفيلم بعد أن أشاهده»، ولكننى كنت قد قررت أن ألقاها مرة ثانية، وذهبت وأنا على يقين أنها ليست شاطرة فقط، ولكنها ذكية ومرحة وذات شخصية قوية، وأنها ستضفى على حياتى بهجة لم أعرفها منذ وصلت إلى القاهرة، وهكذا تكرر اللقاء عدة مرات حتى جاء الصيف فذهبت مع ابنتها الوحيدة ياسمين لتقضى أسبوعين فى العجمى، وعندما علمت أنها صديقة لزوجة صديقى رجل الأعمال ممدوح مرسى الذى يقضى شهور الصيف فى فيللته هناك، حجزت أنا الآخر غرفة فى فندق بالإسكندرية، وواظبنا على اللقاء كل يوم.

اكتشفت وقتها أن بيننا الكثير مما يجمعنا، كانت تصحو مبكرا، وكانت تحب السفر وتجيد لعب الطاولة، كما أنها كانت تنفر من حفلات وسهرات المجتمع، وكانت تتابع جيدا الشأن العام وتميل إلى نهج اليسار على الرغم من أن عبدالناصر أمَّم أرض والدها حسين بك فتحى الذى كان من أعيان الفيوم.

كانت المرأة التى تطلعت للارتباط بها، وعندما عدنا إلى القاهرة فى سيارتى كانت معنا ياسمين، وكانت فى نحو الرابعة عشرة من عمرها، ولم أجد صعوبة فى التفاهم معها، بل إنها راحت تداعبنى ونحن فى الطريق.

كان قد مضى على عودتنا من الإسكندرية نحو أسبوعين عندما كلمتنى فى التليفون فى الصباح، كنت قد اعتدت هذه المكالمة منها بعد أن تصحب ياسمين بنفسها إلى المدرسة، سألت: «عملتى لفة فى النادى النهارده؟»، قالت: «كتير، أكتر من اللازم»، فلما سألت عن السبب قالت: «لأنى كنت بافكر فى موضوع مهم»، خير؟ فاجأتنى: «أنا هتجوزك النهارده!» أخذت أردد دون أن أدرى: «عظيم عظيم»، فباغتتنى بسؤال عملى: «إنت مش معاك بطاقة؟»، قلت إننى لم أستخرج بطاقة شخصية بعد، فطلبت منى أن أذهب إلى منزلها فى الخامسة بعد الظهر ومعى جواز السفر، «موافق ولَّا حنرجع فى كلامنا؟»، قلت: «موافق أكيد، ولكننا لابد أن نلتقى أولا لنبحث الترتيبات».

وأنا فى الطريق إليها أخذت أقلب فى الأمر، لا فى أمر الزواج ولكن فى أسلوب عرضه، وزاد إعجابى بها أنها على هذا القدر من الصراحة، إذا كان المألوف هو أن يبادر الرجل بطلب الزواج، فلماذا لا يكون هذا من حق المرأة أيضا؟ ولكنها عندما فتحت لى الباب، كان سؤالى الأول: «ولكن افترضى أننى ماطلت عندما عرضتِ علىّ الزواج، ألم تفكرى ماذا سيكون عليه حالك عندئذ؟»، قالت: «فكرت جيدا.. أنت تعلم أننا لسنا فى قصة غرام مشتعل، نحن بالغان ولنا تجارب زواج من قبل، وما بيننا هو إعجاب شديد، ولن أحزن كثيرا عليك إذا تنصلت لأنك لن تستأهل ثقتى فى رجاحة عقلك ولن تكون الزوج المناسب لى».

• رئيس التحرير 1998 ــ 2003

كنا فى فبراير 1998 عندما قال لى جمال بدوى إن صفوت الشريف طلب منه أن يسألنى إذا ما كنت على استعداد لأقدم برنامجا فى التليفزيون المصرى، وعندما وافقت رتب جمال الموعد وذهبت إلى الوزير فى مكتبه.

حدثنى عن الكتيبة الإعلامية، وعن الريادة التى يجب أن تحتفظ بها مصر، وعن إيمان النظام بحرية الإعلام، وعن أن انطلاق هذه الحريات يعتمد على أن توضع فى أيدٍ حكيمة، قال: «إحنا مش حنلاقى حد زيك فاهم الأمور كويس»، توقفت قليلا عند هذه العبارة، لكننى مع ذلك شكرته، وقلت إن أساس العلاقة يجب أن يكون الوضوح، وإن لى متطلبات بدونها من الصعب أن أعمل، أنا لا أضع شروطا، ولكنى أرى أن نجاح البرنامج يعتمد على ثلاث ركائز؛ أولاها توافر سقف حرية عالٍ، وثانيها المرونة الإدارية بحيث لا أقع فى حبائل روتين ماسبيرو، أما الثالثة فهى قبول الإعلانات فى البرنامج.

قال صفوت الشريف: «الأولى والثانية فهمناها، بل وقبلناها أيضا، لكنى أود أن أعرف لماذا الإعلان؟»، قلت: «أولا لأن هذا هو المستقبل.. فى المستقبل لن تُستثنى البرامج الإخبارية من الإعلانات، وسوف تنافس الأخبار برامج المنوعات، وما أفكر فيه أيضا هو أن تخصص نسبة من الإعلانات للإنفاق على البرنامج نفسه خاصة من أجل استضافة متحدثين من الخارج أو من أجل سفرى لتغطية بعض الأحداث».

قال: «سوف نرصد للبرنامج الميزانية المناسبة بإعلان أو بدونه، لكننى لا أمانع فى قبول الإعلانات على أى حال»، أضفت: «ولكن اسمح لى يا صفوت بك أن تكون لى كلمة فى الموافقة على هذه الإعلانات، نحن لن نسمح مثلا بقبول إعلانات عن ملابس داخلية أو عن فيديو كليب جديد وسط حديث عن القضايا الجادة، ولعلنا نبدأ بالبحث عن رعاة بين شركات الموبايل مثلا».

انساب الحديث فى مودة بادية، وبدأنا ندخل فى التفاصيل، فسألنى عن الاسم الذى أقترحه للبرنامج، قلت إن لدىّ ثلاثة اقتراحات، ولكنى أفضل بينها اسم «رئيس التحرير».. بصراحة، أفضله لأن معناه أننى أنا المسئول عما أقول، أى أننى، بعد إذنك، لا أتقبل تعليمات من أحد، ضحك صفوت الشريف، وقال: «مفيش مانع أبدا»، ثم سألنى: متى أكون على استعداد لتقديم الحلقة الأولى؟، قلت: «فور انتهاء الترتيبات اللوجيستية، الديكور وما شابه»، قال: «ربنا يوفقك، دعنا إذن نبدأ بحلقة كل شهر»، فقلت إن المرة فى الشهر ليست وصفة للنجاح ولكننى لا أمانع، فلنجعلها فترة جس نبض يتعرف فيها كل جانب إلى الآخر ويطمئن له، وبعدها يجب أن يكون البرنامج أسبوعيا.

قال الوزير: «إذن فلا يتبقى لنا الآن إلَّا الحديث عن الأجر، وأنت تعلم طبعا أن أجورنا لا تتوازى مع ما تدفعه القنوات الخاصة، لكنى أعدك بأنك ستتقاضى أعلى أجر بمقدورنا أن نقدمه لك، وعلى أى حال فسوف أترك هذه التفصيلات لعبدالرحمن حافظ (رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون) ليبحثها معك».

قلت إن ذلك لا يمثل مشكلة، وعلى الرغم من أننى لا أعرف لائحة الأجور هنا ولا ما الذى سأتقاضاه فإنه مهما كان الأجر فسيظل رمزيا، وما أطلبه أن تخصص لى نسبة 10% مما ستدفعه الجهات الراعية للبرنامج.

بدأت فى إعداد البرنامج، كنت قد قررت أن يكون «رئيس التحرير» عرضا بسيطا وعميقا، ساخنا وساخرا لقضايا البلد، واخترت للحلقة الأولى موضوعا حساسا لأختبر بذلك قيود الرقابة هو حرب الخليج، واستضفت للمناقشة المشير عبدالغنى الجمسى والدكتور مراد غالب وزير الخارجية الأسبق والمفكر المصرى اليسارى محمد سيد أحمد، كما استضفت أيضا المفكر الكويتى الدكتور أحمد الربعى لأتبين مدى كفاءة التليفزيون فى إجراء ترتيبات سفره وفى دفع المكافأة المناسبة، وتم ذلك كله على خير وجه.

لم يصدق البعض أن يخرج مثل هذا الكلام من التليفزيون الرسمى، فأخذوا يعزون ذلك إلى أن قائله مسنود، أو لأن هناك اتفاقا تحت الطاولة بينى وبين أهل الحكم، أو لأن وزارة الإعلام كانت تبحث عن واجهة توحى بأن الدولة تبنت سياسة منفتحة تؤمن بالديمقراطية.

لما اقترب موعد الحلقة الثانية من «رئيس التحرير» دعوت المفكر الفلسطينى الدكتور عزمى بشارة للحضور، فى حين توجهت أنا إلى بيروت لتسجيل أول حديث فى التليفزيون المصرى مع أمين عام حزب الله حسن نصر الله للحلقة ذاتها، وكنت أنوى تخصيص الفقرة الثالثة فى الحلقة لمناقشة قضية الصحافة الصفراء، ودعوت للمشاركة فيها الدكتور مصطفى كمال حلمى رئيس مجلس الشورى ومكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين وكذلك صفوت الشريف، لكنه اعتذر بدعوى أنه سيظهر فى برنامج تليفزيونى آخر.

استمر التجهيز للحلقة، وسارت الأمور دون متاعب تذكر، وفى اليوم المقرر للتسجيل، وهو يوم البث نفسه، فوجئت بالمخرج يتصل بى ليقول إنه ذهب إلى المسرح فى الصباح فوجده محجوزا لتسجيل برنامج «لو بطلنا نحلم»، كما أن إحدى المدارس الخاصة استأجرته لتقيم فيه حفلا، حاولت فض الاشتباك بكل ما أمكننى من اتصالات إلَّا أن ذلك كان مستحيلا، لم أنجح سوى فى ترتيب تسجيل عزمى بشارة فى الفندق الذى كان يقيم فيه.

• أحد عشر موظفا

الطريف أننى عندما ذهبت إلى الفندق وجدت آلتى التصوير وإلى جانبهما 11 من موظفى التليفزيون، قلت: «يا إخواننا، أى محطة خاصة تجرى مثل هذا التسجيل يكفيها ثلاثة أشخاص على الأكثر»، وبدأت أسأل كلا منهم عن عمله، مصور، مهندس صوت، فنى كهربا، عامل لنقل المعدات، وهكذا إلى أن وصلت إلى الاثنين الأخيرين، قال أولهما إنه جاء من الشئون المالية ليسدد مكافأة الضيف، أما الأخير فالتفت لى، قائلا: «أصل الضيف هياخد مكافأته بالعملة الصعبة»، فهمت يومها لماذا كان يوجد 35 ألف موظف فى ماسبيرو عندئذ.

فات موعد البرنامج دون أن يذاع فلم أجد بدا، كى أحفظ ماء وجه التليفزيون، من الاتصال بعزمى بشارة، وكذلك بمسئول الإعلام فى حزب الله للاعتذار عن عدم بث الحلقة، متعللا بأن عواصف الخماسين دكت مخزن الديكور، وأن النار اشتعلت فى جانب من الاستوديو، وذهبت إلى رئيس الاتحاد ثائرا أحاول أن أبين له أن ما حدث يعتبر فضيحة للتليفزيون، وأطلب وضع قواعد واضحة حتى لا يتكرر ذلك مرة أخرى، وأسأل عن الموعد الجديد المحدد للحلقة، فوعدنى بحسم ذلك كله على الفور وإبلاغى بالنتيجة، لكننى ظللت أكثر من شهر فى الانتظار، وكما هو متوقع انهالت الصحف هجوما على التليفزيون لأنه لم يعلن للمشاهدين أن البرنامج سيغيب، ولم يوضح سبب غيابه.

وعندما جاء الاحتفال بعيد تحرير سيناء (25 أبريل) كان قد مضى على بث الحلقة الأولى 50 يوما، وكانت القوات المسلحة تحتفل بالعيد فى مسرح الجلاء، وكنت قد دعيت إلى الاحتفال فى قاعة كبار الزوار فوجئت بصفوت الشريف أمامى يقف إلى جانب فاروق حسنى وزكريا عزمى وعدد آخر من الوزراء، بادرنى: «إنت زعلان ليه يا أستاذ حمدى؟»، فقلت: «سعادتك بتسألنى بعد شهرين إنت زعلان ليه؟».. قال: «أعمل إيه يعنى إذا كنت طالب 10 آلاف جنيه فى الحلقة؟»، فوجدتها فرصة لأتبرأ من هذه الشائعة أمام كبار القوم جميعا: «هذا غير صحيح بالمرة، وأنا لم أطلب هذا المبلغ ولم أحدد أى مبلغ على الإطلاق»، قال: «أصلهم قالوا لى كده».. سألت: «من هم سيادة الوزير؟»، وطلبت الاستشهاد برئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون الذى كان موجودا فى الحفل، قال الوزير: «بعدين»، ولكنى صممت على استدعائه، فجاء عبدالرحمن حافظ وحاول إمساك العصا من المنتصف، لا هو قادر على إغضاب الوزير ولا على إنكار الحقيقة، قلت: «يكفينى هذا يا سيادة الوزير.. أستأذن».. ومضيت.. ونشرت صحيفة الوفد نص المناقشة التى دارت فى الاحتفال بعدها بأيام.

على الرغم من تدخل الوزير لم تبث الحلقة الثانية سوى فى يوم 27 مايو، ومع أنها غابت أسابيع فإنها أذيعت فجأة ودون تنويه مسبق.

• مع مبارك

بعد ذلك بأيام جاء احتفال عيد الإعلاميين الذى يقام سنويا فى مدينة الإنتاج الإعلامى بمناسبة ذكرى مولد الإذاعة الحكومية المصرية عام 1934، ويحضره الرئيس مبارك فى العادة.

كانت هذه أول مرة ألقاه فيها منذ أكثر من عشر سنوات، أخذ مبارك يتجول بيننا ونحن نتناول المرطبات، وعندما رآنى اقترب منى وأمسك بيدى، وهو يصطحبنى تجاه البحيرة الصناعية التى أقيم بجوارها الحفل، وعندما وصلنا إلى هناك توقف والتفت لى يسأل: «هو صفوت الشريف عامل فيك إيه بالظبط؟».. قلت: «مفيش حاجة ياريس، ده مجرد سوء تفاهم».

كنت أعلم غرام مبارك بالمقالب، وخاصة مع مساعديه، والضحك على الجميع فى النهاية، وكانت تساليه المفضلة عندما يوقع بين صفوت الشريف وفاروق حسنى معروفة لى بتفاصيلها، وهكذا كنت حذرا ألَّا أقع فى الفخ، ومع ذلك فقد استدرجنى لأروى له حكاية الاحتفال بعيد سيناء التى كان قد سمع بها، كما قال، عندما كان يشهد الاحتفال، استمع باهتمام ومودة، ثم قال: «لو فيه مشاكل تانى كلمنى»، ولكننى لم أفعل.

• الريس أم سيادة الريس؟

فى مرة أخرى نبهنى صفوت الشريف إلى أننى الوحيد على شاشة التليفزيون الذى يسمى مبارك «الريس»، هكذا «حاف» بدلا من «سيادة الريس»، قلت لأن برنامجى قائم على أننى أتحدث مع المشاهدين كما لو كنت جالسا معهم فى بيوتهم، والناس فى بيوتهم عندما يتحدثون إلى بعضهم البعض ويأتون على ذكر الرئيس فهم يلقبونه بالريس وليس سيادة الريس، قال الوزير: «أنت تجادل والسلام»، فقلت: «لا يا صفوت بك.. يعنى سيادتك مثلا وأنت تتكلم فى البيت مع الهانم عن الرئيس، هل تقول الريس أم تقول سيادة الريس؟».. ضحك الوزير ضحكة مجلجلة، وقال: «طبعا بأقول سيادة الريس.. دى عايزه كلام».

من أبرز أحاديث البرنامج، حديث أجريته مع المطرب الشعبى شعبان عبدالرحيم، وكان ذلك بعد أغنيته الشهيرة «باحب عمرو موسى وباكره إسرائيل»، التى وصلت أصداؤها إلى قناة CNN، وقد ترددت قليلا فى استضافته، ولكننى عندما علمت أن شرائطه وزعت 6 ملايين نسخة، وهو رقم غير مسبوق فى توزيع الشرائط الصوتية، اتصلت به على الفور.

وعندما جاءنا إلى الاستوديو كنت حريصا على أن يظهر فى أفضل صورة ممكنة حتى لا يظن أحد أننا أتينا به لنسخر منه ومن ملابسه.

وما أزال أعتقد أن استضافة شعبان عبدالرحيم فى «رئيس التحرير» كان قرارا صائبا، فقد كان ظهور أغنيته مهما اختلفت الآراء حولها حدثا لا يمكن تجاهله.

• مقص الرقيب

كانت إسرائيل هدفا دائما لطلقات البرنامج، وفى إحدى المرات كنت قد وصفت شيمون بيريز بالنازى، وصمم الرقيب على حذف العبارة، وكنت أعرف سلفا أننى لو شكوت لصفوت الشريف فى هذه الحالة بالذات فلن أحصل منه على شىء؛ ذلك لأنه كان قد نبهنى من قبل أن «مبارك» منزعج للغاية لأنى وصفت الإسرائيليين بالسفلة، وكنت قد خففت من تكرار هذا الوصف، لكننى لم أتوقف عنه على الرغم من ذلك.

وصل رواج البرنامج إلى الذروة عندما بدأ بثه أسبوعيا فى 2001، وقد بدا ذلك جليا فى حجم الإعلانات التى بلغت نحو 20 دقيقة فى الحلقة، وارتفع سعرها 150%.

• حصار عرفات

كانت حلقة أول أبريل 2002 هى الحلقة التى أصابتنى بأكبر قدر من القلق والتوتر، كان ياسر عرفات محاصرا وقتها فى المقاطعة؛ لذلك لم يستطع حضور مؤتمر القمة فى بيروت خشية أن يمنعه الإسرائيليون من العودة، فشارك فى نقاشات المؤتمر من خلال دائرة فيديو مغلقة، وكان هذا أمرا مهينا للغاية، للرؤساء والملوك لا لعرفات نفسه، وإثر انعقاد القمة قامت إسرائيل بعملية الاجتياح الكبرى للأراضى الفلسطينية.

استفزت هذه الأحداث الجماهير العربية، فوجدت أن الموقف لا يحتمل الكلام، وقررت اختصار البرنامج قدر الإمكان وإلغاء ندوته المعتادة، وحذف الشكاوى وكذلك الأقوال المأثورة، واختصار التعليق فيما يشبه رسالة موجهة إلى القادة العرب وإلى الجماهير فى آن واحد.. وعندما سجلت الرسالة بلغ طولها نحو 14 دقيقة، فأبلغت صفوت الشريف بذلك سلفا وطلبت منه أن يذاع البرنامج على هذا النحو، لكنه قال إنه لا يفضل ذلك، وأرجأ اتخاذ القرار إلى أن يطَّلع محمد الوكيل رئيس قطاع الأخبار على التسجيل.

لا أدرى ما الذى حدث بعد ذلك، ولكنه عندما أذيع البرنامج لم يستغرق أكثر من ثمانى دقائق، وكان المونتاج الذى أجرى فيه غشيما إلى حد بالغ، وكانت الحلقة مثل جمر متقد، وخاصة عندما رددت أكثر من مرة عبارة: «رفعت الأقلام وطويت الصحف».

• النهاية

أظن أن 2003 لم يشهد أحداثا ذات بال بخلاف التمهيد لغزو العراق؛ وهو ما أدى إلى توقف البرنامج نهائيا.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك