ريهام زهران تكتب: السجينة - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 3:46 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ريهام زهران تكتب: السجينة

ريهام زهران
ريهام زهران
إشراف - هشام أصلان
نشر في: الثلاثاء 31 مارس 2015 - 1:57 م | آخر تحديث: الثلاثاء 31 مارس 2015 - 1:57 م

إنتى خلاص كبرتى وأخوكى الصغير قال إنه شاف شوية عيال صيع بيعاكسوكى.. مفيش مدرسة من بكرة، «هتفضحينا»

كان ذلك حكم أبيها بالحبس الأبدى بين جدران بيته حتى يحين موعد استلام سجّان آخر لها.. ليست هذه هى مشكلتها الوحيدة.. فبيت أبيها يعج بنسائه الأربع وأبنائهن.. سوق يتملئ بالهرج والمرجوليته فاحش الثراء أوعلى الأقل قادرا على تحمل نفقات كل هذا الجيش.. أبيها رجل يصفونه بأن عيناه زائغتان لكنها تعتقد أنه فقط يتصف بالكثير من الجشعوالاستغلال فهوالعاطل الذى يملأ البيت صراخاويدفع نساؤه للعمل سواء فى الزراعة أوتربية الماشية أوبيع منتجاتهم..وتُخرج كل منهن ما تعانيه من كبتوضغط فى أبناء الأخريات.. بالتالى هى ضحية ضغط أبيهاونساؤه الثلاث.. طبعا بالإضافة لكل أبنائه الذكور الذين يتعامل كل منهم وكأنه رجل البيتوالرجولة عندهم بضرب وإهانة والتحكم فى كل ما هو مؤنث.. فأخيها ذا الست سنوات هو من ذهب غاضبا يطالبه بإخراجها من التعليم لأنه رأى شابا ينظر إليها.. كثيرا ما تتمنى لو أنها وُلدت ذكرا.. وتعلم تماما أنها ما أُسىء إليها إلا لكونها أثنى وكلما زادت ملامح الأنوثة فيها أمعن الجميع فى اختراع المزيد من الأسباب والطرق لإهانتها فتكره كونها أنثى وتكره كل مظهر لأنوثتها.
تترك التعليم فى سن العاشرة وتبدأ رحلة العذاب.. تحكم من الجميع وكلما زادت سنوات عمرها زادت الضغوط والإهانة والتحكم، واحتكم إغلاق أبواب سجنها.. فى الرابعة عشرة من عمرها يخبرها أباها أن هناك رجلاً يريد الزواج بها.. هى أصغر من أن تفهم معنى كلمة زواج لكنها رأت فى تلك الزيجة مخرجا من ذلك السجن..

عندما رأته كانت صدمة عمرها.. يكبرها بنحو ثلاثين عاما... كريه الطلعة.. أجش الصوت.. ضخم البنية. ظل ينظر إليها كحيوان يوشك أن يلتهم فريسة.. أصابها الذعر.. تخبر أمها سرأ» خايفة منه يا أمى.. شكله وحش مش عايزاه «تنظر لها الأم بشفقة وتعلم أن لا خلاص لها منه» أبوكى لوسمعك بتقولى كده هيموتك.. ماله؟ راجل ومايعيبوش غير جيبه وهو كسيب وهيعيشك أحسن عيشة. ومتعلم كمان معاه إعدادية مش كفاية راضى بيكى يا جاهلة؟ تسمع أبيها يهتف، على بركة الله.. نقرا الفاتحة.. وكتب الكتاب والدخلة الخميس الجاى تبكى وكأنها تسمعه يقرأ الفاتحة على روحها بعد أن حفر قبرها بيدهوهم بدفنها حية.

تزوجت لتجد أنه ما أتى بها إلا لتعمل كخادمة.. فاخته تزوجت منذ شهرين ولم تعد أمه قادرة على خدمته هو وأخوته الخمس.. وزوجته الأولى ماتت منذ عامين، والثانية طلقها لأنها لم تنجب له ذكرا.. وتوفيرا لراتب الخادمة وحرصا على أن تخدمهم من يثقون بها قرر أن يتزوج.. تظل طيلة النهار تتحمل مشقة خدمة كل هؤلاء ثم ما لبثت أن بدأت فى تحمل إهانتهم وتطور الأمر إلى ضربها من كل من لا يعجبه الطعام أوتتاخر فى خدمته.. ولو تذمرت ينعتها الجميع بالجاهلة الوضيعة ابنة الوضيع التى أصبح لها صوت وما لها أن تعترض فيكفيها أن ارتضوا وجودها بينهم.

تبدأ فى التذمر فيزيد الجميع فى إهانتها.. وتبدأ امه خطتها فى التخلص منها.. هى جميلة وصغيرة، وهو الكبير ذو الوجه القبيح.. تبدأ أمه فى التلميح بين الحين والآخر إلى أنها تراها تتمايل وتضحك وتمازح ذلك الصبى، الذى يعمل بمحل البقالة القريب من المنزل.. وأنها ما تنفك تخترع أسبابا للذهاب إليه بجحة شراء حاجيات البيت..

يمتلئ قلبه بالشك... يزيد فى ضربها وإهانتها.. غلَّق نوافذ البيت كلهاووضع عليها الأقفال، وإذا ما سافر أمرهم بربطها فى سريرها حالما تنتهى من عمل البيت.. كلما عاد إلى البيتورآها فى هيئة مهندمة انهال عليها ضربا وسبابا.. لم تعد تتحمل المزيد.. أيقنت أنه لا مفر من ذلك السجن.. قررت الفرار من الحياة كلها.. على الأقل سيمكنها أن تحرر روحها من سجنهم وليمثّلوا بجثتها إن أرادوا.. قبل النوم تحضر علبة المسكن من بين أدوية حماتها.. تفرغ كل حباتها.. تبتلعهم جميعا.. تغمض عينيها.. تبدأ بالشعور بالخدر بكل أنحاء جسدها النحيل.. تتوقف أنفاسها.. تزهق روحها.. وتتوقف قدرتهم على سجنها.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك