فى ذكرى تحطيم الأصنام

محمد موسى
محمد موسى

آخر تحديث: الأربعاء 1 يناير 2014 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

هبط الأمل على هذا البلد ذات يناير، ولن يغادره أبدا.

فى ديسمبر 2010، كنت ألتقى مع ممثلين للقوى السياسية ومواطنين، لإعداد سلسلة من التقارير عن الانتخابات والمستقبل لتلفزيون بى بى سى. قابلت شبابا مدهشا، لم أتصور وجوده أصلا. حاورت مدونين منشقين عن الإخوان، وأقباطا لا يشعرون أن مصر بلدهم، ومواطنين فى المناطق النائية، يعتبرون الانتخابات نكتة بايخة. سجلت مع شباب يجمعون توقيعات البرادعى، وفلاحين يزورون العاصمة بحثا عن الأمل، لأن «كلنا تايهين»، بتعبير الحاج رشاد سليمان، فلاح ديرب نجم، الذى قابلته فى مؤتمر بالقاهرة.

كنت أتصورها آهات شعب تعود على القهر، وعلى قضاء الوقت فى الشكوى والحركة فى المكان، ولم أتخيل أن القيامة على مرمى ثلاثة أسابيع.

خرجت فى المظاهرة الأولى بتنسيق مع حملة البرادعى، التى لم أكن عضوا بها، وباتصال من محمود عادل الحتة، أخبرنى فيه بجدول المسيرات وأماكنها. وسرت فى مظاهرة بدأها الصديق زياد العليمى عند الكوبرى الخشب فى شارع السودان، ولم أكن أعرف اسمه وقتها. وأمضيت الثمانية عشر يوما فى الميدان، أتحدث مع فلاحين من المنوفية، ومدرسين من المنيا، وعاطلين من الجيزة والبحيرة. لم يأتوا بسبب مهارة النشطاء فى الحشد، أو لأنهم انفعلوا بدعوات التظاهر على فيسبوك. لم يظهروا فى الميدان بعد اتصال من حملة البرادعى أو ٦ أبريل، بل بناء على استدعاء الأمل، والرغبة فى التأوه بصوت عال.

كان الهتاف الأكثر وجعا فى الميدان: آاااه، يا بلدناااا، يا تكية.

نظام مبارك هو الذى حشدهم، وسيحشدهم أى نظام لا يستوعب الدرس. ومنذ تحطيم الأصنام فى يناير قبل ثلاث سنوات، لم يعد ‎الشعب يحتاج إلى ناشط يقوده كالأعمى، بل إلى نظام ظالم وغبى يستفزه، ويهدر كرامته وأكل عيشه.

ما أسقط مبارك كان الاعتداء الهمجى والمتكرر على الكرامة الإنسانية للمصريين عبر العقود الثلاثة، وليس نشطاء الإنترنت. ولا أحد الآن يهتم بالصفحات الناصعة أو الملطخة للنشطاء، أو بمكالماتهم العلنية والسرية. ليست حربنا، ولا صلة لنا بتفاصيل العلاقات النسائية أو تقسيم غنائم التمويل الأجنبى، فالشعب يهتم أولا بالخبز والحرية. لا توجد الآن قوة سياسية تنظم الشارع أو تضبط نبضه. وكل جهود تشويه النشطاء والسياسيين لن تنقذ نظاما ظالما، إذا قرر الشعب أنه تعب، وآن الأوان ليقول: آاااه.

الدرس الأول لأى نظام سياسى من قيامة يناير هو أن بلدنا لن يعود تكية أبدا، لأنه استعاد جانبا كبيرا من وعيه المفقود، هكذا نتعلم أولا من الأمل.

الدرس الثانى أن تلويث النشطاء لا يعنى أن ثورة يناير كانت «قومة شيطان وربنا جبر منها»، وحان وقت رد الاعتبار لزمن ورجال مبارك. لن يحدث، والتاريخ لا يعود للخلف، هكذا نتعلم ثانيا من الأمل.

حتى لو تسللوا فى الأعمدة الصحفية الخائنة، والفضائيات «المشتراة»، والمواقع الموالسة. هو نظام مبارك، بعينه، بغباوته، بشكله العكر، لكن عودته ضد المنطق والأمل، وضد جبروت التغيير الأجمل الذى حدث فينا مع صهد يناير، قبل ثلاث سنوات.

أما الدرس الأساسى لنا، للشعب الذى لا يسأله أحد عما يريد، فهو ألا نفقد التفاؤل بهذا البلد المعجزة، مهما يعدون من خطط وخطط مضادة. أقول مع محمود درويش: بى أمل يأتى ويذهبُ، لكن لن أضيعه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved