يسألون عن «روح» العام الجديد

جميل مطر
جميل مطر

آخر تحديث: الأربعاء 1 يناير 2014 - 8:15 ص بتوقيت القاهرة

اجتمعنا لنحتفل برحيل عام سيئ ولنتشارك فى أمل أن يكون القادم أقل سوءا. دار نقاش طويل. بعضنا راح يؤكد أن للزمن روحا. فالعام الراحل كانت له روح انتقلت بنهايته إلى عام جديد خرج من رحم العام المنصرم. فقدنا أشخاصا أعزاء فى العام الماضى وسنحظى فى العام الجديد بأعضاء جدد ينضمون إلى عائلاتنا الصغيرة وإلى العائلة الأكبر، عائلة الوطن. بمعنى آخر، وكما قال أحد الحاضرين، الأرواح لا ترحل.

راح صديق آخر يقول، خذوا مثلا عهد مبارك. عهد انتهى ولكن روحه باقية. اختلفنا حول توصيف ما يحدث. فمن قائل إن روح العهد لم ترحل إلى قائل بأنها غابت وعادت. صديق ثالث أفتى بأن الروح تعود فى بعض الحالات والأوقات ولكن بلا «روح»، أو تعود متقمصة روحا أخرى أبشع منها. تعود بأنياب لتفتك بروح أخرى حلّت بجسد الأمة، روح أصغر عمرا وأرق حسا.

•••

تذكرت نقاشا دار بين أصدقاء دارسين للفلسفة. اعترف أستاذ منهم بأن أشد ما يزعجه فى مهنة تدريس الفلسفة هو هذا الإصرار العنيد من جانب طلبة قسم الفلسفة على مناقشة قضية «الروح» على امتداد سنوات الدراسة الأربع. فى مثل هذه النقاشات تتكرر عبارات الاستنساخ و«ذرات الخالق» والبخار وانعكاسات النجوم والأشباح والهالات، أغلبها يعود استعماله إلى صفات للروح سادت فى زمن الأقدمين. كانت الروح، ومازالت، تشغل فكر عامة الناس بل والعلماء حتى راح بعضهم يحاول تقدير زنة الروح. حدث هذا عندما اقبل عدد منهم على قياس وزن جسد مريض على فراش الموت قبل الموت وبعده. كنا نسمع عن رعاة غنم يؤكدون أن وزن الخروف يزداد بعد ذبحه. قيل أيضا عن الروح إنها طاقة، إذا خرجت من الجسم خف وزنه، وإذا عادت ودخلت فيه هى نفسها أو روح أخرى زاد وزنه.

تجارب عديدة لم تصل إلى شىء. ونقاشات استمرت وإن بدت غير مجدية، مثل تلك التى تفترض ان الروح مادة وتحتل مكانا، أحيانا فى القلب وأحيانا فى المخ. تذكرنى باجتهادات فى أيام الصبا حول أوزان الألوان وإن كان اللون الأحمر أثقل وزنا من الأبيض، أو إن كانت له رائحة أطيب من رائحة اللون الأزرق، أو حين كنا نتناقش حول أوزان الأرقام وإن كان الرقم 7 أثقل وزنا من الرقم 4. نقاشات غير مجدية ولكنها غير ضارة أو مؤذية وقد تكون منعشة ومسلية.

•••

أعجبنى النقاش حول «روح النظام الحاكم» وبخاصة حين انتقل الحاضرون إلى الجانب الحسى فى الحديث عن الروح. قالت إحدى الحاضرات دعونا نبتعد قليلا عن الجوانب الفلسفية والعلمية وننظر فى الجانب الإنسانى. دعونا، هكذا قالت، نجتهد لفهم ما تعنيه الروح عند الإنسان العادى، عند الفرد فى العائلة وفى الشارع وفى الحقل والمصنع. ماذا تعنيه عند المرأة والطفل والشاب والكهل.

انهمرت الإجابات والأسئلة. ماذا تعنى كلمة «الروح» عند عاشقة تقول لمحبوبها يا روحى أنا، وعند زميلة فى العمل تصف زميلة أخرى بأن روحها جميلة، وعندما نتحلى بالتضحية فنقول الروح غالية، وعندما نقول هذا الشاب افتدى الوطن بروحه. ماذا نعنى بالقول صعدت روحه؟ هل نعنى أن مكانها فى السماء، وبالتالى فالسماء دائما فوق وليست تحت وليست من حولنا تحيط بنا؟

•••

عام رحل وأكثر المصريين يرددون عبارة «ما أثقل روحه»!. أخشى أن يكون قد رحل تاركا روحه، أو بعضا منها، لخليفته. أو أن يكون العام الجديد جاء وقد تقمصته روح أشد تمسكا بالشر والكره، روح تفوح منها رائحة الرغبة فى الثأر والانتقام.

•••

أتمنى لمصر عامًا بروح حلوة.. لك الله يا مصر..

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved