الثائر.. هل يصلح حاكما؟

ناجح إبراهيم
ناجح إبراهيم

آخر تحديث: الجمعة 1 يناير 2016 - 10:35 م بتوقيت القاهرة

قتل الرئيس السادات وفشلت الحركات الإسلامية وقتها فى ثورتها على نظامه وتم القبض على الآلاف ممن لهم علاقة بالأمر أو لم تكن لهم علاقة ولكنهم من الحركات الإسلامية.
ظللت عدة سنوات أتفرس وأدرس فى معظم الذين ثاروا على السادات وأرادوا إقامة دولة إسلامية بديلا عن حكمه بما فيهم النظر إلى نفسى.
وجدت الغالب عليهم أنهم شباب ثائر متحمس طيب مخلص يريد التضحية بكل شىء حتى عمره من أجل تحقيق ما اقتنع بصحته.. لم يتكسب يوما من تضحياته.. أعطى ولم يأخذ شيئا.
سألت نفسى: ماذا لو حكم هؤلاء؟ فأجابتنى سريعا: كانت الكارثة ستحدث لأننى لم أر فينا رغم إخلاصنا الكبير رجل دولة واحد.. أو من يفهم فقه الدولة بكل ما تعنيه الكلمة.. وكنا وقتها لا نعرف شيئا عن الوسع المجتمعى للمصريين لتقبل الشريعة الإسلامية، إنهم يحسنون التضحية والثورة ولا يحسنون إدارة الدولة ولا سياستها.
صارحت الكثيرين من زملائى وأصدقائى بهذا الرأى.. فأقروا بصحة ما ذهبت إليه.. ثم سألت نفسى سؤالا عن جدلية الثائر، وهل يصلح للحكم أم ماذا؟ عشت المسألة بكيانى كله وخلصت للتالى:
الثائر إنسان عظيم يضحى بوقته وجهده وماله ونفسه من أجل وطنه.. لا يبخل بالمال حتى وإن كانت به خصاصة، ولا يضن بنفسه حتى وإن عزت عليه، يتحمل الآلام من أجل أمته، يواجه الطغيان المسلح بصدر عار.
ولكن هل يصلح كل ثائر للحكم؟
الثائر عادة فى عمر الشباب تملؤه الحيوية.. يريد التغيير السريع.. لا يؤمن بسنة التدرج وهى سنة كونية من اصطدم بها كسرت رأسه دون أن تتحطم هذه السنن.. فقد خلق الله السماوات والأرض فى ستة أيام وكان قادرا على خلقها بـ«كن فيكون».
وبعض الثوار فى كل عصر يرى أن جيله هم الأحق بالقيادة ويريد تنحية الآخرين بحجة أنهم رمز الاستكانة والضعف.. وهو بذلك يضر وطنه لأنه يلغى تجارب وخبرات الذين عركوا الحياة وعركتهم.
والثائر عالى الهمة ولكنه يعانى من ضعف وأنيميا الخبرة وسياسة الحياة، والثائر يريد أن يهدم الكون ثم يعيد بناءه على طريقته الخاصة.. وقد ينجح فى الهدم ولكنه يفشل فى إعادة بنائه بطريقة أفضل ما لم يستعن بأهل الخبرة.
والثائر عادة لا يصبر حتى يحدث الزمن أثره فى تغيير المجتمع.. وقد يعمد إلى الشدة مع معارضيه، وينسى أنه الآن فى سدة الحكم وعليه أن يصبر ويصفح.
والثائر قد يلجأ إلى الانتقام ممن ثار عليهم.. ويعتقد أن الانتقام السريع هو الحل الناجح للمشكلات.
وقد أراد أبو ذر الغفارى «رضى الله عنه» أن يسوى بين الأغنياء والفقراء مخالفا بذلك قواعد «الملكية الفردية» المستقرة فى الإسلام والفطرة البشرية عامة.. ناسيا أن الحاكم لا يملك للأغنياء شيئا ماداموا قد اكتسبوا أموالهم من حلال وأنفقوها فى حلال ودفعوا زكاتها.. فإذا فعلوا ذلك فلا سلطان لأحد عليهم، ولهذا رفض عثمان بن عفان رأيه، فقال: سأعتزل الناس وأذهب إلى الربذة.. فوافقه عثمان.
وقد قرأ رسول الله«صلى الله عليه وسلم» بعبقريته شخصية «أبى ذر» حينما سأله عن الإمارة فقال له: «يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزى وندامة ».
أما الضعف هنا فهو الضعف الإدارى والقيادى والسياسى والاستراتيجى وقراءة الواقع، وليس ضعف الإيمان لأن أبا ذر كان قمة شامخة فى الإيمان.
وإذا استعرضنا التاريخ وجدنا أن القذافى كان ثائرا، فلما تولى الحكم قاد ليبيا بالجنون والسفه والسوط والسيف والقتل والسجون والمعتقلات وأضاع ثروات ليبيا فى مغامرات مجنونة ودفع مليارات الدولارات تارة لطباعة الكتاب الأخضر الذى أوهم شعبه أنه من تأليفه وهو لا يستحق ثمن المداد الذى كتب به، وتارة كتعويضات عن مغامراته المجنونة فى إسقاط الطائرات المدنية ونحوها.
أما صدام حسين فكان ثائرا قويا يضرب به المثل فى الجلد والعزم والحزم.. حتى إنه كان يخرج الرصاص من جسده دون مخدر.. فلما تولى الحكم قصف شعبه الكردى بالغازات الحربية المحرمة فى الحروب وأدخل العراق فى مغامرات مجنونة سواء بحربه مع إيران أو احتلاله للكويت التى طالما وقفت إلى جواره.
وعبدالناصر رغم حسناته العظيمة وعفة يده وعدالته الاجتماعية إلا أنه ألغى التعددية الحزبية والديمقراطية وتسلم الدولة باسم مملكة مصر والسودان وتركها بدون السودان وسيناء.
أما ماوتسى تونج فقد أقام دولة قوية فى الصين.. ولكنه أقامها بالحديد والنار والقهر والتصفية الجسدية وإلغاء هويات وأديان الآخرين.
إن الله لا يعجل لعجلة أحد، فالإنسان عجول بطبعه، وأكثر طائفة متعجلة من البشر هم الثوار والشباب عامة.
لقد خلصت إلى خلاصة مهمة مفادها أن الأوطان بعد الثورات عادة ما تكون أسوأ مما هى قبلها.. قد لا يكون العيب فى الثورات.. ولكن فى الذين يقومون بها أو فيما تحدثه من فوضى أو فى أى سبب آخر.. ولكن المهم أنهم لا يستطيعون تحويل الثورة إلى دولة عادلة ورحيمة ترعى القانون وتنضبط به، ولعل حالنا الآن بعد ثورتين هو أسوأ بكثير مما كان قبلهما.. ولا يقولن أحد إليك نموذج مانديلا لأن الأخير حينما حكم كان عمره قد قارب السبعين وتحول من ثائر إلى مصلح.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved