قبلنى يا أبى

محمود قاسم
محمود قاسم

آخر تحديث: الجمعة 1 فبراير 2019 - 10:35 م بتوقيت القاهرة

لم يشعر أحد أن المطربة نور الهدى عملت ثنائيا مع زميلها محمد فوزى فى عدد من الأفلام. فوزى أيضا عمل ثنائيا آخر مع صباح، وكذلك مع مديحة يسرى، لكن اغلب هذه الأفلام لا يكاد أحد يتذكرها ومنها «نرجس»، و«مجد ودموع»، و«قبلنى يا أبى»، من اخراج أحمد بدرخان 1947، ولعل السبب فى ذلك يرجع إلى افتقاد الأجواء الشاعرية فى هذه الأفلام، حيث إن هناك علاقة خشنة بالتقريب بين الشخصيتين اللتين يجسدهما الطرفان، ففى فيلم «مجد ودموع» فإن الفتاة لا تبادل الموظف الفقير الذى يهواها أى مشاعر، خاصة بعد أن تصبح مطربة شهيرة تحب ابن اسرة ثرية يتعمد أفرادها إهانتها حين تأتى لحفل زفاف حبيبها للغناء، وتخرج منكسرة الخاطر تبحث عن محمد بدافع تعويض الفراغ العاطفى، أما فيلم «قبلنى يا أبى» فإن عنوانه الغريب يثير الشكوك والريبة والسينما المصرية تأتى بمثل هذه العناوين من وقت لآخر مثل فيلم «خدعنى أبى»، وفيلم «سالم أبوأخته» حيث ان المتفرج يعرف منذ البداية أنه امام قصة محرمات، ففى فيلم «قبلنى يا أبى»، الحبيبان هما فى الحقيقة شقيقان من الأب والأم نفسيهما، لكن ظروف الحرب العالمية الأولى فرقت بينهما، وجاء كل منهما من لبنان إلى القاهرة، كى يتقابلا مصادفة، ويتحابان، ويتفقان على الزواج، لكن المتفرج يعرف أنهما لن يتزوجا ابدا، وأن الحقيقة سوف تتكشف فى اللحظة الأخيرة قبل ان يتم المقدور، هو عمل غريب اشبه بأفلام عديدة شاهدها الناس فى تلك السنوات، لعل أشهرها «هذا جناه أبى» اخراج بركات 1946 حيث إن المشهد النهائى فى الفيلمين كانا يدوران فى المحكمة، حيث الأب يلقى الاتهام على ابنته دون أن يعرف الحقيقة، التى لا تلبث أن تظهر فينهار الأب تماما وهو يعترف بأنه الأب، لكن فى فيلم بدرخان، فإن الأب يدفع بولديه إلى المحكمة، دون أن يعرف الأشخاص الثلاثة الحقيقة، الأخ لا يعرف أن الفتاة التى يحبها، وتقف معه فى الزنزانة، هى اخته، ولا الأب يعرف أن ولديه ــ ولد وبنت ــ اللذين تصور انهما ماتا منذ عشرين عاما لا يزالان على قيد الحياة.
هذا نموذج من أفلام الفواجع التى كان يتم انتاجها فى الاربعينيات، وكما نرى فإننا أمام فيلم يعتمد على قصص حب متراكبة، تتعقد منذ المشهد الأول، فالأب عندما كان شابا اضطر إلى تسفير زوجته الفقيرة وولديه إلى لبنان بعيدا عن سطوة الجد، وامتثلا له. وبعد نهاية الحرب سافر إلى الجبل لاحضارهما الا أن الأم كانت قد باعت ابنها بسبب العوز، ثم ماتت، وعلى طريقة القصص القديمة فانها وضعت فى رقبة كل منهما أيقونة بداخلها صورتها مع زوجها، وهذه الأيقونة تكون الدليل الأساسى أن الاثنين شقيقان
العلاقة المحرمة ثلاثية الأبعاد فأخوان متحابان يكادان أن يعقدا قرانهما، والأب يحاول اغواء ابنته دون أن أن يعرف الحقيقة، وعلى عادة هذا النوع من القصص يقوم على فض الاشتباك بين الأطراف فى الدقيقة الأخيرة من الفيلم دون أن يتم حل المشكلات دراميا، المهم أنه لم يحدث أى تلامس ممنوع دينيا واجتماعيا بين الأطراف.
كان بدرخان هو المخرج الأكثر اهتماما بالفيلم الغنائى فى تلك الفترة، وقد أخرج أفلاما لكل نجوم الطرب آنذاك عدا محمد عبدالوهاب، فقد أخرج أفلام أم كلثوم، ثم فريد الأطرش، ونور الهدى، ومحمد الكحلاوى، أما محمود المليجى الذى قام بدور الأب، فإنه فى تلك السنوات كان ينتقل بين أدوار الأب الطيب وأدوار الشر معا، وهنا لعب الدورين، فهو العاشق لزوجته حتى ماتت، لم يمتثل لمطالب أبيه، ولم يتزوج قط، لكن نوازع الشر تملكته تجاه ابنته، وقرر التحرش بها، فدافعت عن شرفها، واسقطته سقطة فقد على أثرها البصر، وبالتالى فنحن أمام عمل يقتطف من المأساويات الاغريقية كل ما بها من موضوعات ألهبت خيال المؤلفين، وأستطيع القول إننى وأنا أرى الفيلم ظللت اتابع الأحداث باهتمام حتى اللحظة الأخيرة لمعرفة مصائر الأبطال.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved